نصفه تونسي، ونصفه الآخر لبناني.. فقد ولد لأب تونسي هو الطاهر بن جدو، وأم لبنانية هي ليلى الجميّل، ولم تكن تلك المفارقة الوحيدة لحظة ولادته، التي تمّت في الثامن من آب/ أغسطس عام 1962م، في مدينة (القصور)، شمال تونس.. بل كانت هناك مفارقة أخرى،
لا تقل أهميتها عن الأولى، وهي اختلاف ديانتي والده ووالدته، فوالده مسلم الديانة، ووالدته مسيحية الديانة، ولعلّ الاختبار الأول لهذا الاختلاف، تمثّل باختلافهما حول تسمية هذا المولود البكر، حيث أراد والده العلماني – في سياق إثبات رجولته على ما يبدو -، تسميته بـ “محمد”، ولكن الوالدة المعروفة بتعصبها الديني، وهي “المارونية”، المنتسبة إلى إحدى أشهر عائلات “بكفيا”، وهي عائلة “الجميّل”، رفضت الاسم، وطالبت بتسميته باسم “جورج”، فيما يبدو أن ذلك جاء في سياق “التفاوض” مع والده لاختيار اسم “توافقي” بينهما، حيث رسى الأمر في نهايته على اختيار اسم “غسان”، وهو إسم لم يكن مألوفاً، ولا متداولاً عند التونسيين، وفي المقابل، هو اسم متداول عند اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين، حيث اختارت والدته الاسم تيمّناً بـ “غسان تويني”، المسيحي الأرثذوكسي، الذي كان أحد أعلام الصحافة في حينها، ولم يعارض الوالد الاسم، لأنه يبقى أفضل من اسم “جورج”! قضى “بن جدو” سنين طفولته في يبروت، عند أقارب والدته “المارونية”، حيث درس في مدرسة لـ “الراهبات”، وكان أقاربه يحرصون على اصطحابه إلى “قدّاس” الأحد الأسبوعي في الكنيسة المارونية، إذ كان يحظى باهتمام الكهنة والقساوسة، حتى إن أحد “الكهنة” مدحه بشدّة لتشجيعه على الاستقرار.. وبقي غسان في بيروت، حتى اندلاع الحرب الأهلية، مما اضطر والدته إلى العودة إلى تونس، وهناك استكمل دراسته، وكان أقرانه يطلقون عليه في المدارس التونسية اسم “غسان اللبناني”!
في عام 1980م، وعند بلوغه الثامنة عشرة من عمره، تلقّى صدمة كبيرة بوفاة والده، وعندها تغيّرت أوضاع الأسرة بشكل “دراماتيكي”، حيث اضطر إلى العمل في بيع الشنط بين تونس وإيطاليا، لإعالة أسرته، وتأمين أقساط شقيقتيه “هيفا” و”غادة” الجامعية. وقد منحه تفوقه في “الثانوية العامة”، منحة حكومية لاستكمال دراسته الجامعية، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في “علم الاقتصاد”، ثم شهادة “الماجستير في “الاقتصاد الدولي” من العاصمة الفرنسية عام 1985م. بعد عودته إلى تونس، كانت حركة (النهضة)، في ذروة تصاعد شعبيتها ونموها، ولأن مزاجه كان معارضاً، خلافاً لوالده – الراحل -، الذي كان موالياً للسلطة، وأحد رجالاتها، فقد انضم غسان إلى الحركة، وأصبح أحد كوادرها، ما اضطره فيما بعد إلى هجرة تونس إلى الجزائر، تحت وطأة اشتداد القمع من أجهزة نظام بن علي. ولا شك أن تلك كانت المفارقة الثالثة والمهمة في رحلة حياته، فهذا الشاب، الذي نشأ في أسرة (ارستقراطية)، معيلها علماني، وربّة الأسرة مسيحية مارونية، يصبح “إسلامياً”، إنها “صدمة” كان لا يمكن لوالده – لو كان حيّاً – أن يستوعبها!
في الجزائر، أصبح بن جدو، مراسلاً لجريدة (الحياة اللبنانية) عام 1990م، وبقي كذلك، حتى غادر إلى بيروت، التي أقام فيها فترة وجيزة، وعمل خلالها في قناة (المنار) التابعة لحزب الله، حيث قدّم برنامج (وراء الأحداث).
زواجه من “شيعية” جاءت المفارقة الرابعة في حياة “بن جدو”، عندما تزوّج من فتاة لبنانية شيعية المذهب، ذات أصول إيرانية، وهي نداء الحسيني، شقيقة الإعلامي الإيراني محمد صادق الحسيني. وقد اختار “بن جدو” المؤتمر العالمي لدعم الانتفاضة الفلسطينية، الذي عقد في تشرين أول/ أكتوبر 1991م، ليعقد قرانه بحضور جمع كبير من العلماء والدعاة والسياسيين، كان من أبرزهم العالم الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله، الذي أشرف على عقد القِران، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مصطفى مشهور، ورئيس حركة (النهضة) التونسية راشد الغنوشي. كان هذا الزواج، هو “السّنارة”، التي شبك فيها “بن جدو” علاقته بالإيرانيين والشيعة، فقد أصبحت شريكة حياته، شيعية من أصول إيرانية، ووالدها تم اغتياله من قبل المخابرات العراقية!
رحلة واشنطن كانت المفارقة الخامسة في سيرته، أنه توجّه إلى “واشنطن” عام 1992م، وكانت تلك محطة “غامضة” ومثيرة للانتباه في حياته، فكيف يتسنّى لهذا “الإسلامي” السني التونسي، المتزوج من شيعية لبنانية، ذات الأصول إيرانية، أن يذهب إلى واشنطن، ليكون مديراً لتحرير مجلة (شؤون دولية)، التابعة لـ “معهد الدراسات الدولية”، ولاحقاً رئيساً لتحريرها!
لقد أثارت تلك “المحطة” ولا تزال، علامات استفهام كثيرة حول “بن جدو”، الذي بقي هناك لمدة عامين، ثم عاد أدراجه إلى لبنان، حيث حصل على الجنسية اللبنانية عام 1994م، وفقاً لقانون التجنيس، الذي تم إقراره في العام المذكور، كما حصل على الشهادة الجامعية في (العلوم الاجتماعية).
الاستقرار في إيران وجد “بن جدو”، الذي كانت “انتهازيته” واضحة لمن عرفه وتعامل معه، أنه لا بد له أن ييمّم وجهه صوب “طهران”، فقد أصبح “نصف شيعي”، بعد زواجه من شيعية، ونصف “إيراني” بزواجه من لبنانية ذات أصول إيرانية، والحدث “الإيراني” يستأثر بالاهتمام الإعلامي دائماً، والاستقرار في إيران ليس سهلاً على أي إعلامي عربي أو أجنبي، بعكس “بن جدو”، الذي وجد ضآلته هناك، فأصبح مراسلاً صحفياً في طهران، لهيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C)، ومراسلاً صحفياً لجريدة (الحياة) اللندنية، وبقي كذلك، حتى تلقّى عرضاً من قناة (الجزيرة) الفضائية عام 1997م للعمل فيها مديراً لمكتبها في طهران، حيث استمر مدة 7 أعوام، سطع خلالها “نجمه”، وأصبح من أشهر مراسليها، كما تم “ترقيته”، ليصبح مديراً إقليمياً للقناة في إيران وآسيا الوسطى.
العودة إلى بيروت ولكن “بن جدو”، صاحب “الطموح الدائم”، الذي يعرف من “أين تؤكل الكتف”، رأى أن يعود إلى المنطقة العربية، حيث رأى ضرورة “الهروب” من طهران، بعد أن استشرس “التيار المحافظ” في حملاته ضد الإعلاميين المخالفين له، حيث عرف عن “بن جدو” تعاطفه وتأييده لـ “التيار الإصلاحي”، خاصة بعد أن أصبح شقيق زوجته “محمد صادق الحسيني”، مستشاراً للرئيس محمد خاتمي، كما أنه رأى أن الفترة التي قضاها في إيران كافية، ولا بد أن يعود إلى بيروت، ليتولى منصب مدير مكتب (الجزيرة) فيها، وهو ما لاقى ترحيباً عند إدارة القناة، التي وجدت في تعيينه “مخرجاً” مناسباً، لاختيار شخصية غير لبنانية، لأن أي شخصية لبنانية، ستلقى معارضة شديدة من الفرقاء اللبنانيين السياسيين. عاش “ملكاً” جاء “بن جدو” إلى بيروت عام 2004م، وهو يملك رصيداً إعلامياً معتبراً، ولديه ميّزات كثيرة، فهو من الناحية الصورية “سني” المذهب، وكانت تلك الفترة، هي “ذروة” الصعود للزعيم “السني” الراحل رفيق الحريري، وفي الوقت نفسه، هو “شيعي” الجوهر، فنصفه الآخر (نداء الحسيني) شيعية، وهو آت من عاصمة “ولاية الفقيه” طهران، التي عمل فيها 7 أعوام، وعلاقاته مع سيد الساحة الشيعية في لبنان “حزب الله” متينة، وهو موثوق فكرياً وسياسياً وأمنياً، لدى الحزب، الذي يعدّه أحد أبنائه!
ومنذ ذلك الحين، وحتى استقالته من (الجزيرة) في 2011/4/24م، عاش بن جدو “ملكاً”، حيث بسط سيطرته الكاملة على “مكتب الجزيرة” في بيروت، وكان فيه هو الآمر الناهي، فلا أحد يجرؤ على مخالفته أو معارضته، ومن يفعل ذلك، يلقى مصيراً لا يسرّه، وهذا ما حدث مع الإعلامي “عباس ناصر”، الذي اختلف مع “بن جدو” خلافاً عرف فيه “القاصي والداني”، ولم تشفع لعباس “شيعيته”، ولا جنسيته اللبنانية الأصلية، فأصرّ “بن جدو” على طرده، أمام “لجنة التحقيق”، التي أوفدتها إدارة (الجزيرة)، لمعالجة المشكلات بين الإثنين، وقال لهم بالحرف: “يا أنا.. يا هو”!.. فلم يكن أمام اللجنة، إلا الاستجابة لتهديده، فهي تعلم أهمية وجود “بن جدو” على رأس مكتبها، في ظل نفوذه الواسع، وحظوته الكبيرة عند القيادات الشيعية الوازنة من حسن نصر الله ونبيه بري ومحمد حسين فضل الله وغيرهم. ولعلّ واقعة عباس، كشفت شخصية “بن جدو” الاستبدادية، فضلاً عن غيرته الشديدة من الناجحين، الذين يمكن أن يشكّلوا خطراً كبيراً على نفوذه وموقعه!
إن “بن جدو” لم يكن مجرّد مدير مكتب (الجزيرة) في بيروت، بل إنه كان أحد أهم مقدّمي “البرامج الحوارية”، حيث أعطي إدارة وتقديم برنامج (حوار مفتوح)، الذي كان يقدّمه على “الهواء مباشرة” كل يوم سبت من بيروت، وكان يصول فيه ويجول، ويستضيف من يريد. تغطية منحازة لـ “حزب الله” حاول “بن جدو” إظهار “حيادية” في التغطية الإعلامية، ولكنه كان “منحازاً” في مواقفه بالمحصّلة لحزب الله وقوى 8 آذار، ولولا تأكيد “مركز الإدارة” في الدوحة عليه دائماً، بضرورة التوازن والعدالة بين القوى السياسية، وإعطاء جميع الأطراف حقها في إبداء الرأي، لظهرت (الجزيرة) كأنها إحدى القنوات المحسوبة على حزب الله. لقد كان “بن جدو” على تواصل دائم وسريع مع قيادات الحزب، التي أعطته غالباً “أفضلية” السبق الإعلامي، وكانت تسهّل له مهماته وتحرّكاته، حيث بدا وكأنه “جندي” في الكتيبة الإعلامية لـ “الحزب”، تحت عنوان “خدمة المقاومة”، التي كانت تمثل “الكلمة السحرية”، التي لا يجرؤ أحد على مناقشتها في ذلك الوقت! ولا بد هنا من التوقف عند حادثة شريط “أبو عدس”، الذي انفردت (الجزيرة) ببثّه يوم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني “رفيق الحريري”، الذي أثار ولا يزال تساؤلات، عن كيفية وصول هذا الشريط إلى “بن جدو”، وحقيقة دور أحمد أبو عدس، وأين اختفى؟..
وغيرها من التساؤلات، التي يعنينا منها، أن الجهة التي نفّذت عملية الاغتيال (وتبيّن لاحقاً أن لحزب الله دوراً فيها)، لديها ثقة عالية في “بن جدو”، لأن إيصال الشريط، يمكن أن يكون خيطاً مهماً يؤدي إلى كشف الجهة الفاعلة.
هروبه من “الجزيرة” في 2011/4/24م، استفاقت الأوساط السياسية والإعلامية على خبر استقالة “بن جدو” من قناة (الجزيرة)، التي جاءت بدون مقدمات.
ويخطئ من يظن أن غسان بن جدو قد استقال من قناة (الجزيرة)، فالأدق أنه “هرب” منها، قبل أن يطاح به متلبّساً بجرائم الاختلاس وإساءة الائتمان واستغلال النفوذ، حيث جاءه وفد من الدوحة، أرسلته إدارة (الجزيرة)، للتحقيق والتدقيق في “تجاوزات مالية”، وتبيّن لهذا الوفد، أن “بن جدو” استغل موقعه كمدير للمكتب، فقام بتأجير سيارة البث الفضائي المباشر (S.N.G)، التابعة للقناة، لجهات إعلامية متعددة، والحصول على ثمن التأجير لجيبه الخاص!.. إضافة إلى تجاوزات مالية أخرى!..
وبعد انكشاف أمره، قرّر “بن جدو” أن يقفز من “سفينة الجزيرة” هارباً، قبل أن يدان وتوجّه له الاتهامات، ورأى أن يخرج “بطلاً” عند محور “الممانعة والمقاومة”، المتمثّل بـ: إيران، وسوريا، وحزب الله، لذا سارع إلى تقديم استقالته تحت عنوان، اعتراضه على سياسات (الجزيرة) في تغطيتها لـ “الثورات العربية”، وهو موقف يثير سرور الجهات المذكورة، لأنها كانت في غاية الانزعاج من تغطية (الجزيرة) للثورة السورية.
انكشاف زيف “بن جدو” لقد استطاع “بن جدو” أن يهرب في الوقت المناسب، وأحرج إدارة (الجزيرة) التي سارع رئيس مجلس إدارتها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، إلى الطلب من إدارة “القناة”، عدم إثارة “القضية المالية” لـ “بن جدو” على الإطلاق، لأن إثارتها سيفسّر على أنها قضية “كيدية”، ولم تتم إثارتها إلا بعد إعلانه الاستقالة! ولكن “بن جدو” وقد نجح في “الهروب” كما قلنا، خسر خسارة شديدة، مهما أغدق محور “المقاومة والممانعة” عليه الأموال، فقناة (الجزيرة) ستبقى في صدارة الفضائيات ومقدمتها، ولن يستطيع أحد منافستها لسنوات طويلة، كما أن “بن جدو”، الذي تدثّر طويلاً بـ “عباءة” الأخلاق والقيم الديمقراطية، انكشف زيفه، وبان على حقيقته، فقد كان مناصراً ومؤيّداً للثورتين التونسية والمصرية، ولم يعترض على الإطلاق على سياسات (الجزيرة) في تغطية الثورتين، بل وأشاد بمهنيتها وموضوعيتها، ولم ير في تغطيتها “تحريضاً” على النظامين المصري والتونسي، ولكننا فوجئنا به يعترض على تغطية (الجزيرة) للثورة السورية، حيث انفردت جريدة (السفير) اللبنانية، المموّلة من إيران وحزب الله، بنشر خبر استقالة “بن جدو”، ناسبة له القول: “إن قناة الجزيرة أنهت حلماً كاملاً من المهنية والموضوعية، وباتت تلك المهنية في الحضيض، بعدما خرجت عن كونها وسيلة إعلام، وتحوّلت إلى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة”. إذن لم تتحوّل (الجزيرة) إلى “غرفة عمليات للتحريض والتعبئة”، في نظر “بن جدو”، إلا بعد اندلاع الثورة السورية!..
واللافت أن استقالة “بن جدو”، تمّت بطريقة غير لائقة، ومخالفة للأصول والأعراف، حيث أرسل استقالة من عدة سطور على البريد الإلكتروني إلى إدارة (الجزيرة)، وسرّب الخبر في اليوم نفسه إلى (السفير) اللبنانية!
السؤال الذي طرحه المسؤولون في (الجزيرة) على من سألوهم وراجعوهم، حول استقالة “بن جدو”، هو: إذا كان بن جدو معترضاً على مهنيتنا وموضوعيتنا، فلماذا لم نسمع منه أي اعتراض على تغطيتنا الإخبارية، منذ انطلاقة الثورات العربية، وحتى استقالته؟!..
ولماذا لم يأت إلى “الدوحة” لمحاورتنا ومناقشتنا، قبل أن نسمع عن استقالته في وسائل الإعلام؟! إن القناعة المستقرّة عند إدارة (الجزيرة)، أن “بن جدو”، تذرّع بهذه الأسباب، لـ “النجاة” من المحاسبة والتحقيق، بعد أن تبيّن “خيانته” للأمانة، وبالتالي رأت أن تطويّ ملف “بن جدو”، وتشطب اسمه من سجلاّتها، تاركة للرأي العام “الحُكم”، بناء على ما سيتضح من سلوكه المستقبلي بعد مرحلة “الجزيرة”. إطلاق “الميادين” لمنافسة “الجزيرة” سارع “بن جدو” بعد إعلانه الاستقالة، إلى التواصل مع الإيرانيين وحزب الله، وطرح عليهم مشروع إطلاق “فضائية” تعبّر عن محور “المقاومة والممانعة”، وتكون منافساً لـ (الجزيرة)، وهي فكرة لقيت صدى سريعاً عند الإيرانيين وحزب الله، الذين أدركوا أن إعلامهم لا يفي بالغرض، فهو إعلام “شمولي” لا مجال فيه للرأي والرأي الآخر، وليس فيه أي هامش للموضوعية والمهنية!..
ولأن “بن جدو” برّر استقالته من (الجزيرة)، بأن مهنيتها أصبحت في الحضيض، فلا بد إذن من إطلاق فضائية تثبت أنها مهنية وموضوعية أكثر من (الجزيرة)!.. وبالفعل تم إطلاق قناة فضائية أسموها “الميادين”، مستوحين الاسم من الميادين التي انطلقت فيها الثورات العربية، طبعاً، ميادين تونس ومصر والبحرين واليمن، أما ميادين سوريا، فهي غائبة عن عيونهم، لأن ما يجري فيها “مؤامرة كونية”، مدعومة من الأمريكان والإسرائيليين وأدواتهم! لقد انطلقت “الميادين” في 11 حزيران/ يونيو 2012م، أي أنها ستحتفل بعد بضعة أسابيع بمرور عامين، نظن أنهما كافيان للحكم على هذه القناة، من حيث مهنيتها وموضوعيتها.
فماذا عسانا أن نقول فيها، مستندين إلى متابعة ورصد لبرامجها ونشرات أخبارها؟..
لقد سقطت “الميادين” وصاحبها غسان بن جدو سقوطاً ذريعاً، وتحوّلت إلى “غرفة عمليات للتحريض والتعبئة” لصالح المحور الطائفي في إيران وسوريا، والعراق، والبحرين، وحزب الله، وضد القوى الثورية، التي تناضل ضد أنظمة الاستبداد في سوريا والعراق ومصر، كما أنها أداة “تشويه” للثورات العربية، سواء تلك التي أنجزت أهدافها، أو تلك التي في طريقها نحو إنجاز أهدافها!
وكان أسوأ ما اقترفه “بن جدو” و”ميادينه” التائهة عن حقوق الشعوب، والضآلة عن “البوصلة” الحقيقية، الكذبة الكبرى، واسمها فتوى “جهاد النكاح”، وهي فتوى ألّفتها “غرفة عمليات التحريض والتعبئة” في “ميادين بن جدو”، ومضمونها دعوة النساء إلى التوجّه نحو الأراضي السورية، من أجل “إمتاع” المقاتلين السوريين، بعقود زواج شفهية من أجل تشجيعهم على القتال!..
وعلى الرغم من أن هذه الفتوى المزعومة، مجهولة الهوية حتى الآن، ولم يتبنّها أحد من العلماء أو الدعاة، فإن قنوات “الميادين” ومن على شاكلتها مثل قناة “الجديد”، وغيرها من القنوات التابعة للمحور الطائفي المشار إليه، هي التي تولّت صناعتها وتصديرها وتوزيعها على وسائل الإعلام، لتشويه الثورات والثوّار. لقد كشفت الإعلامية التونسية مليكة الجباري، التي عملت “منتجة أخبار” في “الميادين”، أن سبب استقالتها، هو شعورها أن هناك “أجندة” لتشويه الثورة التونسية، فقد طلب منها “بن جدو” وإدارة القناة، إنتاج برامج مثيرة للدهشة وعلامات الاستفهام، ومن هذه البرامج: برنامج عن (الفياجرا في تونس)، وبرنامج عن (الشذوذ الجنسي في تونس!) لاحظوا أن هؤلاء الذين دأبوا على اتهام الإسلاميين، بأنهم لا يفكرون إلا بالجنس، وأن الجنس يشكّل عقدة لهم، هم الذين لا يفكّرون إلا بهذه المواضيع، فلا قضايا تستحق الإثارة إلا القضايا الجنسية وما يتفرّع عنها!
ورقة “محروقة” إن ورقة غسان بن جدو “حرقت”، فلم يعد ممكناً لشخصية انتهازية، متلوّنة، تجمع بين النقائض والأضداد، تحت شعارات برّاقة مثل: الانفتاح، والتعدّد، والتسامح أن تضحك على الناس كثيراً وطويلاً، فدرجة الوعي عند عموم الناس، أصبحت كبيرة، لذا فإن “بن جدو”، الذي مللنا من سماعه وهو يعزف على نغمات “المقاومة”، لم يعد أمامه إلا الانتقال إلى “ميادين النكاح”، التي نعتقد أنه يجيدها، بعد أن اكتسب خبرة عميقة بـ “زواج المتعة”، الذي لا يحتاج إلى احتفالات يشهدها العلماء والمراجع الدينية، مثلما ما شهدوا “عقد نكاحه” على نداء الحسيني، في أهم فنادق طهران، وإنما يكفي “شقة مفروشة” في الضاحية الجنوبية، يمكنه من خلالها أن يطبّق فتوى “جهاد النكاح”، التي ألفها فلا يضيره ذلك، وهو “المقاوم والممانع” الإعلامي، الذي يبزّ “النصرة”، و”داعش”، و”الجبهة الإسلامية” وإنه لجهاد، نكاح أو استشهاد!
المصدر| شفاف الشام