‘‘«أعلن اليوم أن الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق النووي الإيراني»‘‘
كان هذا إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 مايو الماضي عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية على طهران، متهما إيران بأنها «تكذب» في شأن ملفها النووي، واصفا إياه بالـ«كارثي».
فور انتهاء خطاب ترامب، أعلن جون بولتون، مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، أن «إعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني ستسري فورا على العقود الجديدة، وأن العقوبات المتصلة بالعقود القديمة الموقّعة في إيران مع الشركات ستسري بعد فترة انتقالية من 90 إلى 180 يوما».
في غضون ذلك نشبت اختلافات حول ما عُرف بـ«ورقة الحقائق» Fact Sheet التي وزعتها الخارجية الأمريكية إثر توقيع إيران «اتفاق لوزان» مع الدول الست الكبرى (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات صعبة استمرت من 26 مارس إلى 2 إبريل 2015، والتي اعتبرتها إيران «مناقضة» لما تم إعلانه في طهران، وكانت الورقة قد تمَّت صياغتها باللغتين الإنجليزية والفارسية في لوزان. ونشبت اختلافات حول عديد من النقاط بينها ما ذُكر في ورقة الحقائق حول «موافقة إيران على عدم إنشاء منشأت التخصيب لمدة 15 عاماً»، ولكن هذا لم يُذكر في البيان الختامي، وهي الاختلافات التي تحولت فيما بعد إلى خلافات ألغى ترامب الاتفاق بناء عليها.
سيناريو الفوضى
رسمت مجلة «فوربس» الأمريكية سيناريو الفوضى الذي ينتظر الاقتصاد الإيراني، مع بدء تطبيق العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة على طهران في أغسطس المقبل.
على سبيل المثال، معدل التضخم، والذي يتابعه (ستيف هانكي) أستاذ الاقتصاد بجامعة «جونز هوبكنز» بشكل منتظم ويدرس تحرك الأسعار داخل إيران، وصل إلى 71.7% في 8 مايو الماضي.
ويشير (هانكي) إلى أن إيران تحتل المرتبة الثالثة في مؤشر البؤس، الذي يعتمد على معدل البطالة والتضخم في تقييمه.
معدل البطالة
|
معدل التضخم
|
متوقع أن يصل إلى
|
11.9%
|
8.3%
|
71.7%
|
وفصلّت المجلة أبرز تداعيات العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، وهي:
1- صعوبة بيع النفط الإيراني:
سيكون من الصعب على إيران بيع نفطها الخام في الأسواق العالمية، ما يعني خسارة إيرادات كبيرة، حيث يبلغ إنتاج إيران اليومي 3.8 مليون برميل نفط. ويرى «المعهد المالي الدولي» ومقره واشنطن، وفقاً لتقرير أصدره مؤخراً، أن انخفاض صادرات الطاقة الإيرانية يبلغ حوالي 300 ألف برميل نفط يومياً مع بدء تطبيق العقوبات.
2- تدهور العملة الإيرانية:
يشير تقرير «المعهد المالي الدولي» إلى أن العملة الإيرانية ستواصل الهبوط، ما سيؤدي في النهاية إلى رفع أسعار السلع والخدمات على المستهلكين داخل البلاد، وسط توقعات بأن يبلغ التضخم 71.7%.
وفقد الريال الإيراني 50% من قيمته حتى يونيو 2018 حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء 90 ألف ريال إيراني.
3- تصاعد الاحتجاجات:
ستغذي الأوضاع الاقتصادية المتدهورة الاحتجاجات والتظاهرات في إيران، لأن الناس لن يكون لديهم القدرة على تحمل كلفة طعامهم وعائلاتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة في الاحتجاجات التي تشهدها إيران.
4- تصفية الشركات الأوروبية لأعمالها:
بدأت الشركات الأوروبية في تصفية أعمالها في إيران، إذ أعلنت شركة «توتال»، عملاق النفط الفرنسي، عن أنها ستلغي عقودا مقترحة في إيران. وذلك أن عقوبات واشنطن ستحرم الشركات الأوروبية من ملايين الدولارات المودعة في البنوك الأمريكية، مع منعها من العمل في أراضي الولايات المتحدة.
5- تحجيم دور المليشيات:
يقول تقرير لمجموعة «أوراسيا» وهي شركة استشارية في مجال المخاطر السياسية، إن هذه العقوبات «ستخنق قدرة إيران على تحريك الأموال» تجاه الميليشيات.
اقتصادياً، عندما يصل معدل التضخم السنوي إلى ثلاثة أرقام (100٪)، تنخفض القوة الشرائية إلى النصف كل 12 شهر. ما يعني معاناة كبيرة على السكان المحليين في إيران شبيهة بالمعاناة الحاصلة في فنزويلا والتي تشهد تضخماً متطرفاً بحسب وصف تقرير «المعهد المالي الدولي».
وحول مشاكل إيران الاقتصادية يقول الباحث «جاي سولومون» وهو زميل زائر مميز في «زمالة سيغال» في تحليل نشره معهد واشنطن:
- تواجه إيران في عام 2018 مجموعةً من التهديدات السياسية والاقتصادية والبيئية التي ربما لم يسبق لها مثيل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية قبل نحو أربعين عاماً. فقد استمرت الاضطرابات التي بدأت في العام الماضي على مستويات متفاوتة، وشملت احتجاجات من قبل النساء اللواتي يسعين إلى مزيد من المساواة بين الجنسين، والنقابات العمالية التي أزعجها الركود في الأجور والتضخم. كما أدى نقص المياه والزلازل التي ضربت إيران إلى إرهاق قدرات حكومة الرئيس حسن روحاني. فضلاً عن ذلك، تنفق طهران مليارات (الدولارات) في عملياتها العسكرية في الخارج، ولا سيما في سوريا، حيث تقاتل منذ سبع سنوات لدعم نظام الرئيس بشار الأسد.
- تلوح في أفق طهران مسألة الخلافة السياسية أيضاً، إذ يبلغ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الثامنة والسبعين من عمره، وقد خضع لعلاج السرطان في السنوات الأخيرة. وهناك دلائل متزايدة على أن القادة العسكريين والسياسيين بدأوا يتنافسون على السلطة تحسباً لعدم استمراره (في الحكم). ومن بين السيناريوهات المحتملة، يمكن لوحدة النخبة العسكرية الإيرانية، أي «الحرس الثوري»، أن تسعى إلى إقامة حكم عسكري. وفي هذا الإطار، كتب الخبير في الشؤون الإيرانية علي رضا نادر في فبراير: «تشير انتفاضة عام 2017، وتقسيمات النخبة الداخلية، وعدم قدرة خامنئي على الحفاظ على نظام سياسي مستقر، إلى أن زوال النظام، إذا حدث، يجب ألا يكون مفاجئاً».
آثار إلغاء الاتفاق النووي على المدى البعيد:
لإلغاء الاتفاق النووي آثار وخيمة تطاول قطاعات الاقتصاد الإيراني كافة، على المدى البعيد، وهي:
- أولا: سيؤدي الانخفاض الكبير الذي سيلحق بالإنتاج النفطي الإيراني، إلى تقلص أحد أهم الموارد المالية للدولة من جهة، وأحد أهم موارد العملة الصعبة من جهة أخرى.
ووفقا لدراسة قامت بها مؤسسة Roubini Global Economics ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، الأمريكيتان، فإن الاحتياطي الإيراني من النقد الأجنبي انخفض إلى ما دون مستوى 80 مليار دولار عام 2013، وُظِّفت ثلاثة أرباع هذا المبلغ (60 مليار دولار) في حسابات الضمان في الدول التي تشتري النفط الإيراني، نتيجة قانون العقوبات الأمريكية الذي دخل حيز التنفيذ منذ فبراير 2013، وبموجب هذا القانون لا يمكن لإيران إنفاق هذا المبلغ سوى عبر شراء منتجات من تلك الدول. ويبقى من الصعب الحصول على ما تبقى (20 مليار دولار) سوى بنقله نقداً نتيجة طرد إيران من الشبكة المصرفية العالمية «SWIFT» المسؤولة عن نقل الأموال إلكترونياً عبر العالم.
- ثانيا: انعكس انخفاض الاحتياطي المركزي من النقد الأجنبي وانخفاض قيمة الريال الإيراني، على حجم السيولة في السوق المحلية، إذ ترافق ذلك مع تضخم في حجم السيولة من ناحية، وتدهور القطاع المؤسساتي والمصرفي نتيجة نقص السيولة من ناحية أخرى. وحسب آخر الإحصاءات، بلغ حجم السيولة النقدية في البلاد 500 ألف مليار تومان، فيما تجاوزت نسبة التضخم 40%، ومازال معدل التضخم ينمو بوتيرة تصاعدية. وهو ما انعكس على العملية الإنتاجية في البلاد، خاصة أن مراكز الإنتاج تعاني من قلة السيولة، وحسب آخر التوقعات، فإن 68% من مراكز الإنتاج تواجه مشكلة رئيسية وهي قلة السيولة والاستثمار.
- ثالثا: ستؤدي العقوبات إلى توقف 90% من الصناعات النسيجية في البلاد، وبشكل متوسط فإن ما يقارب 50% من مصانع البلاد الإجمالية، إما أنها متوقفة عن الإنتاج أو أنها غير فعالة. وقد تم تسريح نصف مليون عامل من أعمالهم، أُضيفوا إلى 5 ملايين عامل عاطل. في حين تشهد سوق العمل دخول مليون عامل سنوياً حيث تلتحق الغالبية منهم إلى صفوف العاطلين.
- رابعا: طالت العقوبات المصرفية الكثير من الصناعات التي تستورد المواد الأولية أو قطع الغيار في إيران، على غرار قطاع السيارات الذي تراجع إنتاجه بنسبة أكثر من 42% منذ أوقفت مجموعة «بيجو» الفرنسية صادراتها كافة إلى إيران في مارس 2012، علماً أنها كانت تعتبر إحدى شركائها الأساسيين. وتأثر قطاع السيارات برمته الذي يوظف أكثر من 500 ألف شخص، ما أدى إلى تسريح عمال وإغلاق مصانع.
قال وزير الخارجية السابق جون كيري لقناة «CNN» في يوليو 2015 إنّ «العقوبات حثت الإيرانيين على المجيء إلى طاولة المفاوضات». وأضاف «لقد قامت إيران تماماً بكل ما هدف إليه الجميع عند وضعهم العقوبات».
خلاصة
شهد الاقتصاد الإيراني تغيّرات إيجابية في عدة مؤشرات اقتصادية بعد توقيع الاتفاق النووي والذي رُفعت بموجبه عقوبات عن طهران بدءا من مطلع عام 2016، إذ كان التضخم قد وصل عام 2012 إلى نحو 40%، فتقلص بعد رفع العقوبات خلال عامي 2016 و2017 إلى نحو 8%، كما تدنى النمو الاقتصادي عام 2012 إلى نحو 5%، ثم ارتفع عام 2016 و2017 إلى نحو 4%، وبعد الاتفاق النووي وصلت قيمة الاستثمارات التي استطاعت إيران جلبها نحو 50 مليار دولار، غير أن ما تم تنفيذه من هذه الاستثمارات فعليا لم يزد عن 13 مليار دولار.
ووفق دراسات موثقة، سيرتفع معدل التضخم بعد عودة العقوبات إلى 40%، فيما سينخفض معدل النمو إلى ما دون 5%.
وقبل فرض العقوبات على طهران عام 2011 حتى 2015 والتي يمكن تسميتها بـ«فترة ذروة العقوبات»، كان الناتج المحلي الإجمالي «من دون النفط» يتراوح ما بين 480 تريليون ريال حتى وصل إلى 660 تريليون ريال ثم انحدر الناتج المحلي إلى نحو 580 تريليون ريال، ليعود للصعود مرة أخرى بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات بداية عام 2016 ويصل إلى ما بين 690 تريليون ريال إلى 700 تريليون ريال، ولكن من المتوقع أن يعود الناتج المحلي الإجمالي إلى الأرقام التي عاشتها إيران في أثناء العقوبات بعد انهيار الاتفاق النووي، أي أنه سيهبط إلى ما دون 600 تريليون ريال، وهو ما سيقود إلى ارتفاع متسارع في معدلات الفقر والبطالة، وإلى مزيد من انهيار العملة، وبالتالي انهيار شامل للقطاعات المختلفة، ودخول البلاد حالة من «الفوضى الاقتصادية».
وخلص «صندوق النقد الدولي» في تقرير شهر مارس الماضي إلى أن ديون الحكومة الإيرانية تضخمت إلى حوالي 50 في المائة من الناتج الاقتصادي للبلاد، وأن أكبر ثلاثة صناديق تقاعد في البلاد أصبحت تفتقر إلى السيولة. وذكر التقرير أن «المدراء أشاروا إلى المخاطر الجمة التي يشكلها ضعف القطاع المصرفي والاختناقات الهيكلية والمخاطر المتزايدة لعدم اليقين».
*باحث متخصص في الشؤون الإيرانية
بالاتفاق مع المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية