قبل أشهر قليلة من سريان العقوبات الأميركية، تعيش إيران على وقع أزمات داخلية متعددة ستزيد من الضغوط على السلطات التي تعجز عن تقديم الحلول وتكتفي بتفسير كل ذلك بنظرية المؤامرة.
وبالتوازي مع الاحتجاجات الاجتماعية، بدأت مجموعات من الشعوب الإيرانية تنشط في الشرق والغرب بتحدي السلطات وتوجيه ضربات مؤلمة للقوات الإيرانية، كان آخرها هجوم أودى بحياة 11 عنصرا من الحرس الثوري على الحدود مع العراق، وذلك في أحدث اشتباك دموي في المنطقة التي تنشط فيها جماعات مسلحة من المعارضة الكردية.
ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية الإيرانية للأنباء عن بيان للحرس الثوري قوله إن العديد من “الإرهابيين” المهاجمين قتلوا أيضا في المعركة التي شهدت كذلك تفجير مستودع للذخيرة.
وقال حسين خوش إقبال المسؤول الأمني المحلي للتلفزيون الرسمي، إن 11 عضوا من متطوعي قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري قتلوا في اشتباك خلال الليل في منطقة ماريفان، وألقى بمسؤولية مقتلهم على مسلحين من حزب الحياة الحرة الكردستاني المعارض.
وأضاف “أحدث الأنباء هي أن الباسيج والحرس يلاحقون المهاجمين”.
وينشط حزب الحياة الحرة الكردستاني في المنطقة الحدودية إلى جانب جماعات مسلحة كردية أخرى مقرها شمال العراق. ويسعى الحزب المحظور إلى حكم ذاتي لأكراد إيران وله صلات بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
وقال الحرس الثوري هذا الشهر إنه قتل ثلاثة متشددين في عملية أمنية قرب الحدود مع العراق. كما وردت أنباء عن مقتل تسعة متشددين على يد الحرس الثوري الشهر الماضي في منطقة أخرى على الحدود.
ومنذ أيام لقي ضابط في حرس الحدود الإيراني، الأربعاء، حتفه في اشتباكات مع مسلحين بشتون جنوب شرقي البلاد، فيما كان ثلاثة من عناصر التعبئة الإيرانية لقوا حتفهم وأصيب آخرون في مواجهات مع مسلحين في المحافظة نفسها قبل أيام.
ويقول متابعون للشأن الإيراني إن تنوع الهجمات على الحدود يكشف عن تراجع القبضة الحديدية التي كان المحافظون المتشددون يمسكون بها الوضع في البلاد، وإن الشارع الإيراني لم يعد يخاف من هذه القبضة، لافتين إلى أن المجموعات الانفصالية المسلحة تستثمر هذا التراجع للمطالبة بحقوقها.
ويشير هؤلاء إلى أن السلطات قصرت تعاطيها في السابق مع مطالب المجموعات العرقية المختلفة على القوة، وهو ما حال دون تحسين شروط العيش في هذه المناطق المهمّشة والمغضوب عليها لاعتبارات مذهبية أو عرقية.
وفشلت إيران، خاصة بعد ثورة الخميني في 1979، في التعاطي مع مطالب الأكراد في بناء حكم ذاتي ومراعاة حقوقهم الثقافية والاجتماعية، وسعت إلى التنسيق مع تركيا لمواجهتهم، لكن ذلك شجع المسلحين على تصعيد عملياتهم ضد قوات الأمن بأجهزتها المختلفة.
ويعتقد مصطفى هجري، رئيس الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني بي.دي.كا.آي، أن ثورة الخميني بدلا من أن تتجه نحو إقامة نظام ديمقراطي لكل الإيرانيين توجهت نحو الجانب الديني الطائفي والفارسي الإقصائي لباقي المكونات منذ 1979.
وقال إن حزبه فقد الأمل في النظام الحالي مما اضطره في بعض الأحيان للاشتباك مع القوات الإيرانية وقتل عدد منهم في الأشهر الأخيرة كوسيلة للدفاع عن النفس والحقوق.
ويقدر عدد الأكراد في إيران بين 6 و9 ملايين شخص، ويمثلون حوالي 9 بالمئة من مجموع عدد السكان في إيران.
ويرى محللون أن السلطات الإيرانية ستجد نفسها مجبرة على مراجعة سياستها الخارجية لتستطيع أن تواجه مشكلات الداخل، مشيرين إلى أن الإنفاق الكبير على تدخلاتها في ملفات إقليمية مثل سوريا ولبنان واليمن حال دون رصد استثمارات لتطوير مناطق الأقليات المهمّشة وساعد على تغذية نزعات الانفصال وحمل السلاح لتحقيق ذلك.
ويلفت هؤلاء إلى أن بدء العقوبات الأميركية المشددة في نوفمبر سيقلص هامش التحرك لدى السلطات ليس فقط في تمويل ميليشيات خارجية مثل حزب الله اللبناني أو الحوثيين، ولكن لإقامة مشاريع ولو محدودة لامتصاص غضب الشارع الإيراني بسبب أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متراكمة منذ ثورة 1979.
العرب