الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

مقاعد إيرانية وأميركية تحت قبة برلمان العراق

آراء وأقوال - حامد الكيلاني | Sun, Jul 15, 2018 3:01 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

مصطلح ازدواجية المعايير يمكن أن يفتح نافذة لفهم ووصف تباين المواقف الدولية أو تعاملات بمعنى أقرب إلى التناقض في وجهات النظر، بما يؤدي أحيانا إلى اتخاذ قرارات خطيرة ضد طرف ما، ثم في حالة مماثلة يتم مهادنتها مع طرف آخر والدفاع عنها أيضا.

الأكثر وضوحا في ازدواجية المعايير ما تصدره السلطات السياسية أو القانونية في قضية تتعلق بالشأن العام وتؤثر في حياة المواطنين، ثم بسبب متغيرات السياسة أو تبدل الشخوص تنقلب تلك الأحكام أو تلغى لتناسب توجهات الأحزاب الحاكمة أو السلطات الجديدة.

مفردة الازدواجية تلقي بظلالها على تاريخ طويل من الممارسات في معظم دول العالم من قضايا حساسة بلورت الفكر الإنساني في مجموعة ثوابت لا تتقبل وجها آخر لها، لأنها بحكم التجارب والتطور والمآسي نضجت وأصبحت من أبسط مقومات تعريف المجتمعات الحديثة.

لكننا في العراق اكتوينا بالمعايير المزدوجة، وباتت هذه العبارة تتكرر على مسامعنا في فترة الحصار إلى يوم الاحتلال، وما خلفته السنوات التالية من اشتباك المعايير في تأسيس الدولة والنظام الديمقراطي والبرامج الانتخابية، حتى ترفقت بنا “الازدواجية القديمة” بما تعنيه من قيمة العدد الحسابي في الوقوع بين فكين مفترسين أو كذبتين أو عصابتين أو احتلالين.

مازال العالم لا يكترث بالمجازر في العراق وسوريا وبلدان عربية أخرى تم سوقها إلى منطقة الذبح الإيراني وعلى أيدي الميليشيات التابعة للحرس الثوري، وما زالت دول في الإتحاد الأوروبي تتجاذب الحوار والأموال مع كيان يدعى إيران، رغم أن هذه الدول على علم بأنها تتعامل في أصولها المصرفية والاقتصادية والاستثمارية وبتجارة النفط مع دولة الحرس الثوري التي تدير الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة الفتنة المذهبية الطاحنة.

دولة مثل ألمانيا تدرك حتما حجم المخاطر على أمنها أو أمن أوروبا والعالم من الإرهاب الإيراني الذي يراد له أن يكون بصفة الداعم المجهول لعمليات الإرهاب، خدمة لوقائع كسر الإرادات أو فرض إملاءات الصراع داخل حلف الناتو مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتعاطى، نقدا وانتقادا، مع التهرب الأوروبي من دفع استحقاقات الإنفاق على متطلبات الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي، أو عدم تكافؤ ميزان التبادل التجاري والضريبي بين أميركا وأوروبا.

وصل الرئيس الأميركي إلى قمة بروكسل تسبقه العقوبات المتنامية على النظام الإيراني وآخرها الحد من صادراته النفطية مع بداية نوفمبر، أو بإطلاق إدارته مداولة إصدار مشروع قرار يضع الحرس الثوري كليا أو جزئيا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، مع تغريدة استفزت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لإشارته إلى صلة تمويلها لصفقة مد خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا.

خبر محاولات سحب مبالغ نقدية كبيرة لنقلها إلى طهران من مصارف ألمانية بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أوروبا؛ أعاد إلى الأذهان ما أقدمت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما نقلت الأموال مستعجلة إيصالها إلى طهران لإثبات حسن النية مع توقيع الاتفاق النووي.

أوروبا على يقين من كون الاتفاق النووي هو اتفاق بالأساس بين أميركا وإيران، لذلك ظهر التعنت الأوروبي أو المكابرة على إدامة الاتفاق مع نظام الملالي، إضافة إلى ما ذكر من مصالح اقتصادية لا تحبذ أوروبا أن تخسرها في الانسحاب الأميركي من الاتفاق. فالتعنت أيضا لن يعدو إلا أن يكون سقفا للمزيد من كسب الوقت لانسحاب شركاتها، ومعظمها كما هو معروف شركات خاصة، من عقودها في إيران بطريقة مريحة تتجنب منها ردات الفعل غير المحسوبة للحرس الثوري في ظروف طوارئ قد تنجر لها البلاد بالانسحاب الجماعي من الاتفاق.

ازدواجية المواقف تنضح من فترة حكم الرئيس أوباما الذي قايض البرنامج النووي لأسباب داخلية أميركية بإطلاق الإرهاب الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، معتقدا أو متيقنا أنه يضرب أكثر من هدف بحجر واحد، منها تهدئة اللوبي الإسرائيلي بإيقاف أو تأجيل البرنامج النووي الإيراني، وتقديم خدمة تخريب وتهديم وعزل وإضعاف دول محيط الحزام الأمني لإسرائيل، وتلك مهمة تطابقت تماما مع صادرات ولاية الفقيه في إيران.

بديهي أن لا أسلحة من دون أموال، أي لا إرهاب من دون تمويل، واحتلال الموصل في يونيو 2014 إذا جردناه تماما لاكتشفنا كيف تعمل أجهزة الاستخبارات في كيفية إيصال التمويل لأعقد المهمات وأكثرها غموضا لتحقيق مساومات تتجه بعد انقضاء شوط طويل منها إلى منطقة أكثر وضوحا لا نستغرب معها الموقف الأوروبي الحالي من دولة الحرس الثوري في إيران.

مهزلة النظام السياسي في العراق بعد الاحتلال يمكن قراءتها بعد أكثر من 15 سنة في ضوء التجاذبات الأميركية الإيرانية. فالديمقراطية الأميركية في العراق ينبغي لها أن تكون ديمقراطية بمواصفات نظام الملالي وقادة الحرس الثوري، لذلك كانت الديمقراطية في إيران ضمن بعض محاججات النظام على انتفاضة رغيف الخبز والجوع والعطش والكرامة للشعوب الإيرانية. العنف الذي شهده العراق بمباركة المحاصصة الطائفية في السلطة والسياسة وإن كان بإرادة أميركية لمرجعية معارضة إيرانية، إلا أنه بالمحصلة كان صراعا للاستحواذ على مصير العراق بالكامل.

لذا “إسقاط العملية السياسية” للمحتل الأميركي بإرادة المحتل الإيراني تنازعته أشكال المقاومة وإثارة الفتن المذهبية والعرقية والتنافس على مقاعد أميركية وإيرانية داخل قبة برلمان العراق، بما أوصلنا بنهاية الأمر إلى انتصار ميليشياوي إيراني في الانتخابات الحالية يتماشى مع واقع العلاقة وتصاعد آثار العقوبات على نظام الملالي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

المعايير المزدوجة غادرت مغزى وصلاحيات المصطلح، فمن يصف حالة النظام الإيراني عليه أن يضيف لفكرة الازدواجية ما يضاعفها عدة مرات لإيصال حقيقة أوجه السياسات الإيرانية وتخبطها في الداخل الإيراني أو الإقليمي أو الدولي، والتي يصبح معها الحديث عن قلق أوروبي من تدخلات إيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ضربا من اختلال العقل الجمعي لدبلوماسية تصريف العلاقات بأقل الخسائر بين الدول.

تبقى الأقواس مفتوحة على معايير متروكة للزمن ليطلق لنا سراح الأجوبة لأسئلة تتصل بمدى علاقة الحرس الثوري وميليشياته بأجهزة الاستخبارات الدولية والمنظمات الإرهابية، وبمصادر تمويله التي تتراوح بين تلويحه بعصا الخروج من الاتفاق النووي، إلى نشاطاته الاقتصادية الخاصة إلى تجارة المخدرات وعملياته الإرهابية المتناثرة، إلى نسبة تمويله من دافعي الضرائب الإجبارية.

(العرب)

كلمات مفتاحية:

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت