<< حرس الأمير الشهيد خزعل الكعبي قاموا بأول ثورة بعد 3 أشهر فقط من الاحتلال
<< الشهيد محيي الدين الزئبق قاد «ثورة الحويزة» وشكّل ورفاقه حكومة وطنية دامت 6 أشهر
<< 500 شهيد في ساحات الاحتجاج السلمي والكفاح الوطني الأحوازي خلال انتفاضة 2005
خضع إقليم الأحواز العربي للاحتلال الإيراني بتآمر من بريطانيا في إبريل عام 1925. ويعتقد البعض أن الأحوازيين لم يُبدوا أي مقاومة بعد أن سقط الإقليم في يد المحتل الفارسي، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فقد قامت العديد من الانتفاضات والثورات في مواجهة الاحتلال الإيراني الذي مارس ضد الإقليم وسكانه من العرب سياسة «الأرض المحروقة»، فقام بتدمير القرى والمدن والبلدات العربية، وتم إعدام المئات من الشباب الأحوازي دون أي محاكمة من أجل إرهاب باقي السكان.
وتنوعت المقاومة الأحوازية بين حمل السلاح والعمل السياسي، والذي بدأ متأخرا عن العمل المسلح، فبعد مرور 3 أشهر فقط على ضم السلطات الإيرانية للإقليم قسرا، قام جنود الشيخ الشهيد خزعل الكعبي وحرسه الخاص، بثورة في 22 يوليو 1925 بقيادة كل من قائدي الجند «شلش» و«سلطان»، رداً منهم على أسر شيخهم واحتلال إمارتهم العربية.
وأرغمت هذه الثورة المسلحة أفراد الجيش الإيراني على الفرار إلى الكويت، وهكذا، سيطر الثوار على مدينة «المحمرة» عاصمة الإقليم لعدة أيام، ثم قامت السلطات الإيرانية بقصف المدينة من كل جوانبها بالمدفعية، حتى استطاعت إخماد هذه الثورة وقتل قادتها جميعا بلا رحمة، بعد أن دمروا الحامية الفارسية في المدينة.
بريطانيا تقتل الثوار
على أثر فشل هذه الثورة الأحوازية الأولى وانتفاضتها الباسلة ضد الاحتلال، خيّمت أجواء من الإرهاب الشديد على الأحواز، وألقت السلطات الفارسية القبض على مئات الشبان العرب ممن شاركوا في الثورة أو دعموها، وحاكمت عدداً كبيراً منهم، وأعـدمت العشرات دون محاكمة، فتجمع الثوار الأحوازيون في جزيرة «شلحة» القريبة من «شط العرب» بهدف الهجوم مجددا على المحمرة واستعادتها من أيدي الاحتلال الفارسي، إلا أنه بطلب الحاكم العسكري الإيراني في الأحواز، هاجمت القوات البحرية البريطانية المتمركزة في «شط العرب» هذا التجمع، وقضت عليه تماما بعد مقاومة عنيفة.
وعلى إثر ذلك، قاد الشيخ عبد المحسن الخاقاني مع بعض رفاقه انتفاضة شعبية مسلحة أخرى في العاصمة «المحمرة»، وتوسعت هذه الانتفاضة لتشمل عددا من مدن الأحواز الأخرى، وطالب «الخاقاني» بإرجاع الشيخ الأمير «خزعل» الذي اُقتيد إلى السجن في طهران.
وفي عام 1928، قاد الشهيد محيي الدين الزئبق شيخ عشائر الشرفة، الثورة المعروفة باسم «ثورة الحويزة» وشكل «الزئبق» ورفاقه من المناضلين حكومة وطنية دامت ستة أشهر، فحاصر الجيش الإيراني مدينة «الحويزة» ومنع وصول المؤن إليها ثم هاجمها بكل صنوف الأسلحة الفتاكة، وقتل عشرات الثوار بكل وحشية.
ووقعت عام 1940 انتفاضة شعبية كبرى بقيادة عشيرة كعب الدبيس، حيث قامت هذه العشيرة العربية بانتفاضتها الشعبية المسلحة والواسعة بقيادة زعـيمها الشيخ حيدر الكعبي، في منطقة «الميناو» على نهر دبيس، وتمكنت العشيرة من قتل أفراد الحاميات الفارسية والسيطرة على ثكناتها في المنطقة، وسط مشاركة شعبية واسعة من سكان الإقليم الذين انتفضوا تأييدا للثوار.
ولم تستطع سلطات الاحتلال الفارسي القضاء على هذه الثورة المسلحة إلا بعد هجوم عسكري بشع وهمجي أسفر عن اعتقال الشيخ حيدر الكعبي ورفاقه وأعـدمتهم جميعا بدم بارد في سحن قلعة «سهر الشهداء».
ورغم ذلك، لم يكف الشعب العربي الأحوازي الأبيّ عن النضال والمقاومة، ففي عام 1943 تزعم الشيخ جاسب بن الشيخ الشهيد خزعل الكعبي ثورة جديدة ضد الفرس، حين دخل الإمارة وحرض بعض القبائل العربية بالاتفاق مع رؤساء العشائر الأحوازية على إعلان الانتفاضة المسلحة. وقـد تمكن المنتفضون من قـتل العـديد من الجنود والضباط الإيرانيين، كما تمكنوا من إسقاط إحدى الطائرات الحـربية التي قصفت عشرات القرى ودمرت مئات المنازل.
أخطر الانتفاضات الأحوازية
يقول المؤرخ المعروف الدكتور علي الوردي إنه في عام 1945 وقعت واحدة من أخطر الانتفاضات في تاريخ الأحواز وهي انتفاضة «بني طرف» التي امتدت شراراتها إلى القبائل العربية الأخرى، فسيطرت العشائر الثائرة على جميع القرى والمخافر والمدن المنتشرة في مناطقها، ودامت هذه الانتفاضة بضعة أشهر، فسيرت لها الحكومة الفارسية جيشا كبيراً، وقد واجه الجيش المحتل مقاومة شديدة عند اجتيازه المناطق الأحوازية الواقعة تحت سيطرة المنتفضين، نظراً للتحصينات المحكمة التي أقاموها وطبيعة الأرض التي تكثر فيها الأنهار والمستنقعات وبساتين النخيل، ما تعذر معه على الجيش الفارسي أن يحرك آلياته وينقل أسلحته الثقيلة، فأرسلت الحكومة الفارسية طائرات مقاتلة قامت بقصف القرى وتجمعات العشائر وحرق البيوت وإبادة المزارع وحرق المزروعات وقتل أبناء الشعب الأحوازي عشوائياً.
وكانت مجزرة إرهابية شنيعة وهمجية ورهيبة راح ضحيتها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والرجال، حيث كان التكافؤ في القوة العسكرية بين الطرفين معدوما تقريباً إلا من الإرادة الوطنية الصلبة للمنتفضين. وعـند تغلب القوات النظامية وسلاح الجو الفارسي على المنتفضين من أبناء شعبنا العربي الصامد في الأحواز، قامت السلطة العنصرية الفارسية بترحيل 1500 مواطن أحوازي إلى شمال فارس، مشياً على الأقدام تحت تهديد السلاح، وإعدام العشرات،وقد اِجتاز العدو الفارسي بكل الأسرى والمعتقلين أولئك الجبال الوعرة والوديان العميقة، فمات أكثرهم في الطريق بسبب الجوع والإنهاك والبرد،ولم يصل منهم إلى طهران سوى حوالي الأربعين مواطناً أحوازياً وزعـتهم السلطات الإيرانية على القرى النائية.
ولعلّ أهم وابرز المنعطفات التي شهدتها الأحواز تتمثل في «انتفاضة نيسان الأحوازية» التي فجّرتها الجماهير الأحوازية في 15 أبريل 2005 كنتيجة طبيعية لثمانية عقود من جرائم الاحتلال الإيراني للأحواز.
وكان من أهم أسباب اندلاع «انتقاضة نيسان» تلك الوثيقة السرية التي صدرت عن مكتب الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وتنص على ضرورة تهجير ثلثي سكان الأحواز وتوزيعهم على مختلف المناطق الإيرانية بغية «تفريسهم»، وإحلال أعداد مماثلة محلهم في الإقليم لتفريس ما تبقى منهم.
وكان رد القوات الإيرانية بالقمع الإجرامي ضد الشعب العربي الأحوازي مما أدى إلى سقوط أكثر من 500 شهيد في ساحات الاحتجاج السلمي والكفاح الوطني العادل من أجل مطالب وطنية أحوازية وسياسية عادلة، ووقوع آلاف المحتجين في قبضة الاعتقالات الفارسية التي واجهت حملات إعدام العشرات منهم مما فتح آفاقاً جديدة للكفاح الوطني العادل .
أما آخر الانتفاضات فهي الانتفاضة الكبرى التي وقعت في مارس الماضي، حيث شهدت الأراضى الأحوازية العربية المحتلة واحدة من أضخم الحركات الاحتجاجية فى تاريخ الإقليم، والتى تعد ثانى أضخم حركة بعد انتفاضة العام 2005، أى منذ نحو 13 عاما.
اندلعت التظاهرات بسبب برنامج تليفزيوني خاص للأطفال تحت عنوان «القبعة القرمزية»، بثته القناة التلفزيونية الثانية الرسمية بمناسبة أعياد رأس السنة الإيرانية «النوروز»، تضمن فقرة استعراضية دعائية تتجاهل الوجود العربي بشكل كامل في منطقة الأحواز.
ويقول الباحث جمال الدين إسماعيل أبو حسين، إن المواقف العربية والإقليمية من قضية النضال الأحوازي ضد المحتل الإيراني، تتسم في الأغلب الأعم بالسلبية والتجاهل، باستثناء موقف الرئيس المصري الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، عندما طلب من جامعة الدول العربية في ديسمبر 1964 تشكيل لجنة تقوم بإدارة وبحث أوضاع الخليج العربي، ومن ضمنه إقليم الأحواز. غير أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وطوى الإهمال قضية الأحواز مرة أخرى.