<< الكُرد يتعرضون لاضطهاد منهجي في إيران.. وأكبر نسبة من الإعدامات السياسية كانت من نصيبهم
<< الأكراد أعلنوا «الكفاح المسلح" ضد نظام الملالي الذي استمر من 1979 إلى 1988
<< المدن الكردية شاركت بقوة في الاحتجاجات ضد النظام التي عمت مختلف أنحاء البلاد مطلع 2018
الأكراد شعب «هندو إيراني" تتوزع جغرافيته البشرية في عدة دول، منها تركيا والعراق وإيران وسوريا وأرمينيا وآسيا الوسطى، وهم واحدة من الجماعات الإثنية الرئيسية في إيران، حيث تحتل المرتبة الثالثة من حيث التعداد بعد الفرس والأذريين، وتبلغ نسبة الأكراد الإيرانيين 10% من عدد السكان، إذ يقدر عددهم بأكثر من 10 ملايين نسمة من أصل 75 مليون نسمة هم مجموع الإيرانيين. وهو ثاني أكبر تجمع للأكراد في الشرق الأوسط.
ويتركز الشعب الكردي الذي يعتنق 90% منه المذهب السني، في الجزء الشمالي الغربي من إيران، وهو ما يطلق عليه «كردستان الشرقية"، ويتوزعون في أربع محافظات، هي «كردستان وكرمنشاه وإيلام وأذربيجان الغربية".
ولا تختلف النظم الإيرانية في تنفيذ سياساتها القمعية ضد الشعب الكردي، فجميع هذه الأنظمة لم تعترف بالحقوق القومية للأكراد، كحرية ممارسة الشعائر وفق مذهب أهل السنة والجماعة، أو حرية العمل السياسي، وكذلك الحقوق الثقافية مثل إنشاء مدارس باللغة الكردية، والحياة في المناطق الكردية ليست اعتيادية فهي أشبه بالثكنات العسكرية.
وكما ينظر الفرس إلى جميع القوميات والأقليات الدينية والمذهبية الأخرى نظرة دونية، يزج بالآلاف من الكُرد في السجون والمعتقلات من جرّاء مطالبتهم بحقوقهم عبر الانتماء للأحزاب السياسية الكردية، كما أعدم النظام الحالي العشرات من أبناء الشعب الكردي.
وعلى وقع استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق عن الحكومة المركزية، في سبتمبر من العام الماضي 2017، انتابت الدوائر السياسية وصناع القرار في إيران مخاوف حقيقة من سريان عدوى الانفصال إلى بلادهم، بعد أن خرجت نتائج الاستفتاء الذي أجرى في كردستان العراق بـ"نعم" بنسبة 92%، وأصبح على نظام الملالي اتخاذ الإجراءات والسيناريوهات للحيلولة دون تكرار الأقليات الكردية الإيرانية هذه التجربة داخل إيران.
الخميني يخدع الأكراد
يتمتع أكراد إيران اليوم بوضع استراتيجي خاص، فهم يتمتعون إلى حد بعيد بدرجة عالية من الوعي السياسي والقدرة الهائلة على التنظيم والتعبئة. كما يشكلون ثاني أكبر مستوطنة كردية في المنطقة، ويقطنون في مناطق غنية بالموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة، ولديهم طرق ومنافذ للتجارة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ومع ذلك، فإن وزنهم الديمغرافي هو أقل نسبيا من البلدان الأخرى.
وقبل قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وضع اليسار الكردستاني ممثلاً في حركة «كوملا» المنشقة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، يده مع بقية الأحزاب اليسارية في إيران للانقلاب على نظام الشاه محمد رضا بهلوي والإتيان بنظام الخميني، تعويلا على أن الأخير سوف يحقق لهم تطلعاتهم في الحكم الذاتي مثلما أوهم كل القوميات الإيرانية غير الفارسية آنذاك.
وبعد نجاح الثورة، سادت أجواء الغضب المناطق الكردية في إيران بسبب عدم إتاحة الفرصة لممثلين عن الأكراد للمشاركة في كتابة الدستور الإيراني الجديد. ويعزو بعض المؤرخين خداع الخميني لهم، ورفضه مساهمة الكُرد في كتابة الدستور إلى أسباب دينية وقومية، وذلك لكون أغلبية أكراد إيران من السنة.
وبالمقابل رفضت الأحزاب الكردية الإيرانية الدستور ما دفع الخميني إلى إصدار فتوى ضد الأكراد تعدهم كُفارًا. ولم تكتفِ الحكومة الإيرانية بذلك، إذ تطور الأمر إلى حد قصف المناطق الكردية بالطائرات، ما دفع الأكراد إلى إعلان الكفاح المسلح ضد النظام، الذي استمر من 1979 إلى 1988.
وفي عام 1980 قام الجيش الإيراني بحملة تمشيط واسعة في المناطق الكردية. وما بين عامي 1979-1982 اندلعت اشتباكات مسلحة بين الحكومة الإيرانية والأكراد، وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة القيادي الراحل عبد الرحمن قاسملو طرفا رئيسيا في الصراع. وفي عام 1983 تمكنت الحكومة الإيرانية من بسط سيطرتها على المنطقة، وقامت قوات "الحرس الثوري" الإيراني باعتقال وإعدام الكثيرين من الأكراد في إيران من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، وتم أثناء الصراع المسلح بين أكراد إيران والحكومة الإيرانية تدمير ما يقارب 271 قرية كردية.
وعلى جانب آخر استخدم النظام الإيراني أكراد إيران وقوداً في حربه الطويلة مع العراق (1980-1988)، فخسر الأكراد الآلاف المؤلفة من أبنائهم في تلك الحرب المستعرة دون أن ينالوا في المقابل شيئًا يذكر من طموحاتهم المشروعة، بل اغتال النظام الإيراني، بعيد انتهاء الحرب "قاسلمو" الذي كان يمثل لأكراد إيران رمزا كبيرا من رموزهم المثقفة مع إثنين من رفاقه، حينما أمطرتهم بوابل من الرصاص وهم جالسون على طاولة المفاوضات في فيينا، الأمر الذي أحدث صدمة في العالم بأسره، وأثبت أن نظام الإيراني نظام غدار لا يؤتمن جانبه ولا يؤخذ بوعوده وتعهداته.
اضطهاد منهجي
على الرغم من نص الدستور الإيراني في مواقع مختلفة منه إلى حقوق القوميات غير فارسية في إيران. إلا أن النص الدستوري شيء والواقع المعاش شيء آخر تماما، فقد حارب نظام الملالي حقوق الأكراد القومية، وعلى مستوى التعليم حرموا من الدراسة بلغتهم الكردية في المدارس، وعلى مستوى الثقافة أخضعت أي مصنف أدبي كردي لإشراف المخابرات العامة الإيرانية، وعلى مستوى الحريات السياسية، منعتهم من التعبير عن مواقفهم السياسية، وضيقت الخناق عليهم في مجال تشكيل الأحزاب، أما على المستوى الاجتماعي فقد مورس ضدهم تمييزاً على أساس القبول في الجامعات، ولم يتوقف هذا التمييز عند هذا الحد، بل أن الحكومة الإيرانية كانت تستثني الأكراد من شغل المناصب العليا في محافظاتهم.
وأما على المستوي الاقتصادي، فعلى الرغم من الثروات الطبيعية والأراضي الواسعة التي تتمتع بها منطقة كردستان، إلا أن المحافظات الكردية في إيران تعد من أسوأ المحافظات وأقلها تنمية وأكثرها تدهوراً. وعليه فإن الشعب الكردي من أفقر القوميات في إيران بالنظر إلى دخل الفرد المنخفض.
وأمام هذا العصف بحقوق أكراد إيران، فلم يكن بوسعهم سوى حمل السلاح ضد الدولة الإيرانية، وهي الظاهرة التي نشطت مؤخراً، حيث قامت بعض الجماعات الكردية المسلحة بمواجهة حكومات النظام الإيراني، لجهة التعبير عن رفضهم لسياساتها تجاههم وإجبارها على تغييرها، ولجهة إيصال صوتهم للمؤسسات الدولية في مجال حقوق الإنسان، والرأي العام العالمي بأن هناك جماعية قومية تعاني من الاضطهاد المنهجي من قبل الدولة الإيرانية.
ويقول تيمور الياسي، مدير جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في كردستان، إن الشعب الكردي يتعرض لاضطهاد منظم ومنهجي في إيران، وأن أكبر نسبة الإعدامات السياسية كانت ضد النشطاء الأكراد.
ويضيف "الياسي" أنه "ينبغي للشعب الكردي، والعربي، والبلوشي، والأذري، والقوميات والأطياف الأخرى أن تقرر مصيرها بنفسها وتختار النظام الذي يمكنها أن تعيش بحرية وكرامة، إما بالاستقلال، أو بتشكيل الفدراليات، أو كونفدراليات، كما حدث لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وأن يتعظوا من التجارب الماضية، وعدم الانخداع بشعارات الديمقراطية والفدرالية المزيفة التي يستمر النظام الحالي باضطهادهم باسمها".
ولذلك كله، شاركت المدن الكردية بقوة في الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في مطلع 2018، التي عمت مختلف أنحاء البلاد وقتها، فما تزال المطالب الكردية حاضرة وتلقى التفافاً من مختلف التيارات والشرائح في الوسط الكردي.