الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الملف|«الأذريون»... وجع في قلب إيران

المجلة - | Sat, May 26, 2018 7:23 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< مواجهات واشتباكات عنيفة بين القوات الأمنية الإيرانية وأذريين غاضبين احتجوا على «العنصرية الفارسية»

<< أكبر قومية من حيث العدد بعد الفرس ويشكلون ما بين 25 إلى 30% من تعداد سكان البلاد

<< الحراك الأذري قادر على إشعال «شرارة التغيير» في إيران بالتنسيق مع حراك جميع الشعوب المضطهدة

 

في إبريل الماضي شهدت عدة مدن في إقليم أذربيجان الإيراني، مواجهات واشتباكات عنيفة بين القوات الأمنية الإيرانية وأتراك أذريون، خرجوا في مسيرات للاحتجاج على ما بثته إحدى القنوات، واعتبروه ممارسة عنصرية ضدهم. ورفع المحتجون شعارات من قبيل: «أنا تركي، لا للعنصرية الفارسية تجاه الأتراك، الموت للعنصرية الفارسية، هنا أذربيجان وليست إيران».

جاء ذلك احتجاجاً على بث قناة «إيريب 2» مقطع فيديو يظهر فيه رجل من الأتراك الأذريين مع ابنه في فندق يتحدثان بالتركية، وهما يشكوان من رائحة الغرفة التي يقيمان فيها، غير أن موظف الاستقبال يرد عليهم بأن الرائحة منبعثة من فمهما، وأنهما ينظفان أسنانهما بفرشاة تنظيف مرحاض الفندق!

و«الأذريون» هم أكبر الشعوب غير الفارسية من حيث العدد في إيران، وهم يشكلون ما بين 25 إلى 30% من تعداد السكان في البلاد، وتعود أصولهم إلى جمهورية أذربيجان المجاورة لإيران، أحد جمهوريات «الاتحاد السوفيتي» السابق، ويعتبرون أحد الشعوب غير الفارسية الوحيدة الشيعية.

استقلال إقليم أذربيجان

يعيش الأذريون الذين يتحدثون اللغة التركية في مناطق مختلفة من إيران، ويتواجد معظمهم في شمال غرب البلاد، أي في محافظات أذربيجان الشرقية، وأردبيل، وزنجان وأجزاء من أذربیجان الغربية، وبأعداد قليلة في محافظات أخرى مثل كردستان، وقزوين، وهمدان، وغیلان، ومركزي. يعيش كثير من الإيرانيين الأذريين في طهران وكرج ومناطق أخرى. ويوجد أكثر من مليون أذري يسيطرون على الأسواق التجارية في العاصمة طهران وحدها.

وترى السلطات الإيرانية أن أحزابا قومية في جمهورية أذربيجان تساند مجموعات أذرية إيرانية مستقرة في «باكو»، للمطالبة بتوحيد أذربيجان الشمالية، أي جمهورية أذربيجان الحالية، وأذربيجان الجنوبية، أي ولايات أذربيجان الغربية والشرقية وزنجان في دولة موحدة.

وفي أغسطس 2016، شهدت المدن الأذرية في إيران، وفي مقدمتها «تبريز وأورمية» مظاهرات احتجاجية عارمة ضد التوجه العنصري المقيت في الثقافة الفارسية ضدهم، وهي العنصرية التي تظهر بين حين وآخر في الإعلام الإيراني ضد الشعوب غير الفارسية، بهدف التشويش على جذورهم التاريخية والثقافية.

وطوال تاريخهم في إيران، تعرض الأذريون للظلم والقمع من قبل أنظمة إيران المتعاقبة، ما جعلهم يقومون بعدد من الثورات والانتفاضات عبر تاريخهم المقاوم للسلطات الإيرانية، ويجهدون في تنظيم صفوفهم وتشكيل التنظيمات وإنشاء الصحف، غير أن قوة القمع الإيرانية كانت أقوى من إمكاناتهم وثوراتهم.

وقد احتجت طهران رسميا عن طريق سفيرها في «باكو» على حكومة أذربيجان لنشرها خريطة لأذربيجان الكبرى تضم جمهورية أذربيجان والمناطق الأذرية في الداخل الإيراني ومناطق أخرى من شمال إيران يقطنها الأذريون، واتهمت إيران الحزب الحاكم في أذربيجان بنشر وتوزيع هذه الخريطة.

واشتدت التوترات بين طهران وباكو عام 2013 على خلفية اجتماع لمجموعة أذرية تطالب باستقلال إقليم أذربيجان الإيراني في عاصمة جمهورية أذربيجان باكو، حيث أثار هذا الاجتماع غضب المسؤولين في إيران، وفي ردود الأفعال الأولى على هذا الاجتماع استدعت الخارجية الإيرانية سفير جمهورية أذربيجان في طهران واحتجت على عقده معتبرة أن الهدف منه هو تفكيك إيران وضد السيادة والوحدة الترابية للبلاد، وطالب حينها حسين شريعتمداري مستشار المرشد علي خامنئي، ومنصور حقيقت بور نائب لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني بإلحاق جمهورية أذربيجان باعتبارها ولاية إيرانية انسلخت عن جسم الإمبراطورية الفارسية في أوائل القرن التاسع عشر.

والأذريون رغم أن غالبيتهم من الشيعة الإثني عشرية، غير أنهم يعتبرون من أهم الشعوب التي انتفضت ولمرات عديدة في وجه النظام البهلوي حتى نجحوا عام 1945 من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية بزعامة سيد جعفر بيشه وري الذي كان يحظى بدعم من الاتحاد السوفييتي، إلا أن انسحاب السوفييت من شمال إيران أدى إلى انهيار جمهورية أذربيجان التي لم تدم سوى عاما واحدا.

الغضب الأذري.. آت

استمرت العلاقة بين الأذريين والنظام الإيراني على ما يرام حتى مطلع التسعينات، فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، ظهر نوع من التنافس بين إيران وتركيا حول تشكيل تحالفات إقليمية، وفي الوقت الذي استطاعت فيه إيران استمالة طاجيكستان إلى جانبها بحكم الروابط اللغوية المشتركة، استطاعت تركيا أيضا كسب ود أذربيجان الشمالية وإقامة علاقات قوية معها وذلك بسبب الترابط اللغوي والقومي بينهما.

واستمر الوضع السياسي والعلاقات بين الأذريين والحكومة على ما هو عليه حتى تفجر الغضب الأذري بسبب قيام أحد الرسامين بنشر كاريكاتير ساخر ضد اللغة التركية والأذرية، حيث اندلعت المظاهرات عام 2006 بسبب رسم ساخر نشر في صحيفة «إيران» الحكومية، حمل تلميحا لاعتبار الأذريين «صراصير"، ما جعل حكومة محمود أحمدي نجاد تضطر إلى توقيف رسام الكاريكاتير والمحرر، وتوقف إصدار الصحيفة.

ومن المعلوم أن للأذريين ثقلهم في إيران في كافة المجالات، ولا شك أن السلطات الإيرانية عادة تحسب لهم حسابا وتكون حذرة في التعامل معهم على خلاف باقي الشعوب غير الفارسية، لأسباب عديدة منها كثرتهم وسيطرتهم على بعض المناصب وتجذرهم في المؤسسات الحكومية والرسمية والاقتصادية، لذا فقد أسسوا عشرات الصحف غير المرخصة من الجهات الحكومية، وهم يملكون مئات المؤسسات الثقافية والفكرية ودور النشر غير المرخصة، ولا تتجرأ السلطات الإيرانية على إغلاقها، عكس ما تفعله في الأحواز العربية من قمع المؤسسات الثقافية أو أي تحرك فكري يقوم به العرب هناك.

وتخلص التقارير إلى أن الحراك الأذري قادر على إشعال شرارة التغيير في إيران إذا ما تمكن من التنسيق والعمل المشترك والمتواصل مع حراك جميع الشعوب المضطهدة داخل إيران، كما أن انتفاضة الأذريين سيكون لها صدى واسع وسط الشعوب الأخرى التي ستتبعها في الخروج على النظام الفارسي الذي طالما مارس أشد أنواع القمع والظلم في حق غير الفارسيين، ورغم عدم وضوح الأحزاب والتكتلات الأذرية في إيران، إلا أن هذه القومية مدعومة من عدة أحزاب وجهات خارجية خاصة في جمهورية أذربيجان.

وفي هذا الصدد يمكن تقسيم المعارضة الأذرية للنظام الإيراني إلى قسمين رئيسيين: قسم يركز في معارضته بشكل أساسي على الحصول على الحقوق المدنية والثقافية والقومية، والمطالبة باستخدام اللغة الأذربيجانية في التعليم وفي وسائل الإعلام.

وقسم يطالب بالاستقلال عن إيران والالتحاق بالوطن الأم في جمهورية أذربيجان، وخاصة أن هذه المطالب لقيت تأييدا ودعما من داخل جمهورية أذربيجان، حيث طالب بعض أعضاء مجلس النواب الأذربيجاني في فبراير 2012، بتغيير اسم الدولة من أذربيجان إلى أذربيجان الشمالية، للتذكير بالجزء الجنوبي المحتل من إيران، كما طالبوا بإجراء مراجعة قانونية لمعاهدات تاريخية منحت روسيا وإيران الحالية سيطرة على مناطق أذربيجانية.

وحاليا يعتبر القسم الأول ذو المطالب المتواضعة هو الأكثر رواجا في إيران، حيث تتركز مطالبه على توسعة الحريات الثقافية، مثل التحكم المحلي في الإذاعة باللغة الآذرية، وقدرا أكبر من السلطة في الحكومة المحلية، وتعزيز اللغة الأذرية خاصة في التعليم.

وينبغي التأكيد هنا على أن الأذريين بحكم عددهم الكبير في إيران وانتمائهم الشيعي، قادرون على إعطاء زخم أكبر لقضية الشعوب غير الفارسية، لذلك ثمة من يعتقد أن السلطات الإيرانية تخشى حراك الأذربيجانيين أكثر من حراك الشعوب الأخرى غير الفارسية في البلاد.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت