الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الملف| تركمان إيران... رعب الملالي

المجلة - | Sat, May 26, 2018 7:09 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< عددهم 5 ملايين نسمة ويواجهون تمييزا طائفيا بسبب أن أغلبهم من أهل السنة والجماعة

<< النظام الإيراني يسعى جاهدا إلى تغيير التركيبة السكانية في مناطق التركمان بهدف «تفريسهم»

<< ناشط تركماني: نواجه وضعا صعبا في مواجهة الدولة ونخطط للانتفاض ضد الظلم الواقع علينا

 

تتشكل الخارطة الإثنية المعقدة في إيران من عدة شعوب مختلفة، لكل منها لغتها الخاصة، وعقائدها وثقافتها وحضارتها، ضمن دول مستقلة احتلها الفرس في أزمنة متفاوتة. ومن هؤلاء «تركمان إيران» وهم من أهل السنة، ويسكنون في مناطق تقع شمال شرق البلاد، قرب حدود جمهورية تركمانستان، وتعدادهم التقريبي 5 ملايين نسمة حسب بعض النشطاء والمواقع التركمانية، حيث لا تتوفر إحصائيات رسمية بشأن أعدادهم، وهي سياسية حكومية إيرانية تتعمد عدم نشر أي إحصائيات فيما يخص الشعوب غير الفارسية في البلاد.

والتركمان من الشعوب العريقة التي سكنت منطقة آسيا الوسطى منذ القدم، وكانوا - في الأصل- يسكنون منطقة منغوليا في آسيا الصغرى، وقد عُرفوا فيما سبق باسم «الغُزّ». وتذهب بعض الآراء حول سبب تسميتهم بـ«التركمان» إلى أن الكلمة مكونة من مقطعين هما: ترك وإيمان، أي الترك الذين آمنوا واعتنقوا الإسلام، حيث الأغلبية الساحقة من التركمان الآن هم من المسلمين السنة، ومن أتباع «المذهب الحنفي» تحديدا.

إسهامات عظيمة

كان للتركمان إسهامات عظيمة في التاريخ الإسلامي، ومنها إسهامات دولة السلاجقة وفتوحاتها العظيمة، وانتصارها على الروم في معركة «ملاذ كرد» الشهيرة سنة 463هـ، ودفاعها عن أهل السنة والخلافة العباسية، والقضاء على الدولة البويهية الشيعية التي تسلطت وسيطرت على الخلافة العباسية بين عامي 334 - 447هـ، ونشرت التشيّع في العراق وأجزاء من إيران.

وكان للتركمان دولة في إيران وجوارها قبل احتلالها من قبل الشيعة، ومنها الدولة البايندرية، التي قضى عليها الشاه إسماعيل الصفوي، في بدايات القرن العاشر الهجري، وأسس على أنقاضها وأنقاض غيرها من الدول السنّية دولته الشيعية الصفوية المتطرفة.

ويعيش التركمان حاليا في عدة دول، منها إيران والعراق وسوريا وأفغانستان وشمال القوقاز وجمهورية تركمانستان. وقد ضم شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي بعض مناطق التركمان إلى إيران سنة 1925م، ففي تلك الفترة انطلقت طموحات الشاه من عقالها، وأخذ يحتل الدولة تلو الدولة، والإقليم تلو الإقليم، ويضمها إلى دولته التي تأسست على أنقاض الدولة القاجارية.

وفي الثلث الأول من القرن العشرين، استطاع بهلوي أن يحتل الأحواز العربية وبلوشستان وكردستان ولورستان ومناطق التركمان والأذريين وغيرها من الإمارات والأقاليم، مستخدما كل أساليب المكر والخديعة والبطش، ومستفيدا من الضوء الأخضر الذي أعطته إياه بريطانيا، ومردّ ذلك انتصار الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا سنة 1917م، ما دفع بالقوى الغربية إلى تأييد وجود كيان إيراني قوي وموحد يشكل حاجزا أمام الشيوعيين الروس ومحاولاتهم الوصول للمياه الدافئة.

تشتيت التركمان في البلاد

كما فعلت مع غير الفرس من العرب الأحوازيين والبلوش والكرد واللور، شتّت إيران التركمان في ثلاث محافظات هي غُلستان، وخراسان رضوي، وخراسان الشمالية، وذلك من أجل إضعافهم، وتقليل التواصل فيما بينهم، وتضييع قضيتهم، وبالتالي سهولة السيطرة عليهم.

ويرصد المراقبون السياسيون بعض ممارسات إيران العنصرية في مناطق التركمان، ومنها تطبيق سياسة «التفريس» على أوسع نطاق، ومحاربة اللغة التركمانية وثقافة السكان وهويتهم الخاصة، ومن ذلك بدء السلطات بفرض تعليم اللغة الفارسية حتى في المراحل التحضيرية التي تسبق المرحلة الابتدائية للأطفال.

وذكرت «مجموعة مدافعي حقوق الإنسان التركمان في إيران» أن الحكومة الإيرانية، ورغم منعها تعليم اللغة التركمانية في المدارس، فإنها تستهدف البدء بفرض تعليم اللغة الفارسية حتى في المراحل التحضيرية التي تسبق المدرسة الابتدائية، في محاولة لتدمير اللغات غير الفارسية في إيران. ومن مظاهر «التفريس» الظاهرة في مناطق التركمان تسمية الشوارع والميادين بالفارسية بدلا من اللغة التركمانية.

وفي هذا الصدد، يسعى نظام الملالي إلى تغيير التركيبة السكانية في مناطق التركمان الحدودية بهدف «تفريسهم»، من خلال زيادة عدد غير التركمان في هذه المناطق، فضلا عن التمييز في الوظائف وفرص العمل والخدمات والمناصب العليا، ما جعل الكثير من التركمان يهجرون مدنهم ومناطقهم ويتوجهون للعيش والعمل في العاصمة طهران وبعض المدن الأخرى مثل أصفهان ومازندران، رغم ما تتمتع به مناطقهم من طبيعة خلابة وإمكانيات سياحية واقتصادية.

ويتم التضييق على التركمان كذلك في مجال ممارسة الشعائر الدينية وفق مذهب أهل السنة، ومراقبة أئمة المساجد لكي لا يخرجوا عن الضوابط التي تضعها السلطات الشيعية الرسمية في الخطب والدروس، وهو الأمر الذي يرفضه أبناء هذه القومية المضطهدة بشدة.

ودفعت سياسة التمييز والاضطهاد جزءا كبيرا من التركمان للمطالبة بالحكم الفيدرالي لمناطقهم، كحل وحيد للمحافظة على الهوية. وفي مقابل هذا الفريق الساعي إلى الفيدرالية والحكم الذاتي ضمن الدولة الإيرانية، هناك من يسعى للاستقلال عن إيران، ومردّ ذلك اليأس من نظام الملالي وسياسته القمعية تجاه الشعوب غير الفارسية، ومن ضمنهم التركمان. في حين يرى قسم من التركمان الساعين إلى الانفصال عن إيران الانضمام إلى جمهورية تركمانستان، لا سيّما بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991م.

وبين أولئك الساعين إلى الفيدرالية وهؤلاء الساعين إلى الاستقلال والانفصال، هناك من يؤمن بضرورة البقاء في الدولة الإيرانية، لكن بالهجرة نحو المدن الكبيرة كطهران وأصفهان للحصول على فرص عمل جيدة وتحسين وضعه الاقتصادي والمعيشي في ظل سوء الأوضاع في مناطق التركمان.

ويقول أمين داداشي، أحد الناشطين التركمان في إيران وهو من سكان محافظة غُلستان، «نحن التركمان نواجه وضعا صعبا في مواجهة الدولة الإيرانية، ولذلك نحن نخطط الآن للانتفاض ضد الظلم الواقع علينا، ونحن الآن في بداية التحضير لثورة ضد السلطات الإيرانية التي تظلمنا، وسوف نقوم بذلك لمعالجة الظلم الواقع علينا، خاصة في التمثيل البرلماني غير العادل، لأن مستوى التمثيل البرلماني الحالي لا يؤدي إلى تحقيق مطالبنا خاصة في مجالات التنمية المجتمعية والسياحية، فنحن نعيش في منطقة مهمة جدا، وتمتاز بطبيعتها الخلابة، وبالرغم من ذلك لا نتمتع بالتنمية السياحية التي ستصب في مصلحتنا الاقتصادية بسبب سياسات النظام تجاه التنمية في منطقتنا».

ويضيف «داداشي» أن «من بين مظاهر الظلم أننا كمواطنين تركمانيين لا نحصل على حقوقنا في التوظيف، في مقابل حصول الفرس على الوظائف، وعلى سبيل المثال فإن مجمع المصانع الواقع في منطقتنا التركمانية يتمتع الفرس فيه بالوظائف في مقابل إقصائنا، وحتى لو حصل المواطن التركماني على فرصة عمل يكون متوسط دخله نحو 200 دولار، وهو مبلغ يكفي بالكاد للقليل من الطعام والشراب طيلة الشهر».

غير أن النظام الإيراني الذي يلجأ إلى القمع والسجن والإعدامات والتنكيل ضد كل الشعوب بلا هوادة، يتعامل مع الأتراك بحذر. وعندما يصل الأمر لمواجهة الحراك التركي، ينظر بخوف وريبة إلى شعب متداخل بنيويًا في كل أركان السلطة، ولديه سيطرة اقتصادية وطموح سياسي وثقافي في كل أنحاء المجتمع الإيراني، حيث يتجاوز ثقله الاقتصادي وزارات الدولة، لذلك فإن التركمان كانوا - ومازالوا- يمثلون رعبا في قلب الملالي، خصوصا أن المناطق التركمانية شهدت حراكا شعبيا كبيرا خلا الانتفاضة الأخيرة في نهاية العام الماضي، وتصاعدا للشعور القومي بات يربك النظام الإيراني.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت