في حين كان المرشد الأعلى يُلقِي كلمته بمناسبة يوم المعلم الإيرانيّ، 9 مايو الجاري، كان مئات المعلِّمين الإيرانيّين يحتجّون في الشوارع على سوء أحوالهم المعيشية، وتدني المستوى التعليمي في البلاد.
خرج المعلمون الغاضبون في طهران وعدد من المحافظات الإيرانيَّة للتظاهر ضدّ الحكومة ووزارة التربية والتعليم، لتحيط بهم قوات الأمن من كل اتجاه، وليتم اعتقال بعضهم بعد أن ضربتهم الأقوات الأمنيَّة.
♦ لماذا يحتجّ المعلمون في إيران؟:
يعاني المعلمون في إيران من التمييز في الرواتب والمعاشات ونظام التأمين والصحة مقارنةً بباقي موظفي الوزارات الأخرى في الحكومة، إذ يذكر معلم الرياضيات بإحدى المدراس الإعداديَّة، حسين بقائي، أن «وزارة التعليم لم تكتفِ بأن أصبح المعلم تحت خط الفقر، بل ذهبت إلى تخفيض ميزانية التعليم»، ويكمل بقائي: «لا نريد أن نترك التعليم ونعمل في مهنة أخرى، كل ما نريده هو فقط حقوقنا».
من أمام البرلمان رفع المعلمون المحتجون لافتات للمطالبة بتطبيق قانون الخدمة، الذي يطبَّق في الوزارات الأخرى، ووَفْقًا للمادة 125 من قانون إدارة الخدمات فمن المفترض أن تزيد رواتب موظفي الحكومة تماشيًا مع معدَّل التضخُّم في الموازنة العامَّة للبلاد، إلا أن هذه المادة لا تُطَبَّق على المعلِّمين، في حين يتمتع بها موظفو الوزارات الأخرى كافة.
لكن لم يحتج المعلمون في إيران على تدني رواتبهم فقط، بل انتقدوا النِّظام الجديد الذي تسعى إليه الحكومة، وهو تخصيص التعليم، وتطوير المدارس غير الحكومية، إذ طالب المعلمون المحتجون بالعدول عن هذا القرار الذي من شأنه تدمير النِّظام التعليمي بإيران، وضرورة أن تسعى الوزارة لتطوير التعليم المجاني.
يشير أحد اعضاء نقابة المعلِّمين إلى أن قرار الحكومة تخصيص التعليم هو قرار كارثي بقوله: «إذا استمرت الحكومة في هذا الأمر، فستحرم ملايين الأطفال من حقهم في التعليم المجاني، وبدلًا من أن نخلق جيلًا جديدًا واعيًا ومثقَّفًا، سيكون لدينا ملايين الجهلاء». ويُطالب المعلمون الوزارة بوضع نظام تعليمي متطور للمدارس الحكومية، وإجراء دورات تدريبية للمعلِّمين الجدد، لخلق جيل شابّ جديد من المعلِّمين.
♦ وزارة مليئة بالمشكلات:
في عام 2016 صرَّح وزير التربية والتعليم علي أصغر فاني بأنه «منذ قيام الثورة الإيرانيَّة إلى الآن لم يتمكن أي وزير للتعليم من حلّ أزمات الوزارة أو تحسين مستوى معيشة المعلِّمين، فالوزارة تعاني كثيرًا من المشكلات والأزمات»، وأضاف الوزير أن وزارته «هي أفقر وزارة في الحكومة». لكن نقص ميزانية وزارة التربية والتعليم ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه الوزارة، فالوزارة تواجه نقصًا كبيرًا في عدد المعلِّمين في المراحل التعليمية المختلفة. فحسب تصريح النائب الأول لوزير التعليم إسفنديار جهاربند فإن «الوزارة تواجه أزمة نقص بنحو 300 ألف معلم منذ عام 2013»، وأضاف نائب الوزير أن «هذا النقص إذا استمر فسيعاني قطاع التعليم في إيران كارثة كبيرة، بخاصَّة في المراحل الابتدائية». ووَفْقًا للنائب فإن الوزارة ستواجه مشكلة توفير معلِّمين لنحو 20 ألف مدرسة ابتدائية، معظمهم في المناطق الريفية، مِمَّا يزيد الأمور سوءًا، ويزيد احتمالية حرمان الأطفال في تلك المناطق من التعليم. وفي هذا الجانب يقول الصحفي المختصّ بقضايا التعليم أمير غلامي: «الوزارة لديها أزمة حقيقية تضاف إلى مجموعة الأزمات، هي ارتفاع عدد المعلِّمين المتقاعدين مقابل العاملين، فنحو 800 ألف معلم متقاعد في عام 2018 فقط». ويتابع: «الوزارة كانت أعلنت أنه إذا استمر هذا الارتفاع في عدد المتقاعدين خلال السنوات القادمة فسيصل عددهم إلى أكثر من مليون متقاعد»، واصفًا كل ذلك بالكارثة التي ستقضي على التعليم في إيران. يفسر غلامي تزايد أعداد المتقاعدين بأنهم ليسوا فقط ممن بلغوا سن التقاعد، بل منهم من فضَّل تسوية معاشه وطلب تقاعده للعمل في مهن أخرى يستطيع فيها تحسين مستواه المعيشي، وهو ما لا توفِّره الوزارة للمعلِّمين.
♦ الفساد ينتشر في الوزارة:
قبل عدة أشهر اعترف نائب رئيس المجلس الأعلى لوزارة التربية والتعليم أحمد عابديني في تصريح صحفي له، بأن «الوزارة تخضع لضغوط من البرلمان والحكومة، وهو ما اضطرَّها إلى قبول تعيين نحو 280 ألف شخص دون أن يخضعوا للتدريب اللازم الذي يمكِّنهم من العمل معلِّمين»، وهو ما جعل البعض يعتقد أن تلك التعيينات جاءت إرضاءً لبعض البرلمانيين، الذين يريدون أن يعينوا أبنائهم وأصدقاءهم في الوزارة، وكان من المفترض أن يخضعوا لتدريب واختبارات الوزارة لتصفيتهم وتعيين الأصلح منهم، لكن هذا الأمر لم يحدث، وما يؤكّد ذلك تصريح عابديني الذي قال فيه: «نواب البرلمان يسألون الوزارة عن جودة التعليم، وأنا أقول لهم: من أين تأتي جودة التعليم وأنتم تطالبون بتعيين الأصدقاء والمعارف دون الخضوع لأي تدريب؟».
♦ اتِّحاد معلِّمي طهران يندِّد بعنف الأمن تجاه المعلِّمين:
بالعودة إلى مظاهرات المعلِّمين، أصدر اتِّحاد «معلِّمي طهران» يوم 11 مايو الجاري بيانًا يندِّد فيه بعنف قوات الأمن الواقع على المعلِّمين المحتجين، وقال البيان: «كان المعلمون يتمسكون بالسلمية والهدوء، ووجدوا قوات الأمن تنهال عليهم بالضرب، واعتُقِل عشرات منهم».
ومن ضمن المعلِّمين المعتقَلين، محمد حبيبي أحد أعضاء مجلس إدارة اتِّحاد معلِّمي طهران، الذي سبق أن اعتقلته الشرطة عدة مرات. يقول محامي حبيبي: «ألقت قوات الحرس الثوري القبض على حبيبي من المدرسة التي يعمل بها، وفتَّشوا منزله»، وحسب المحامي فإن الأمن أبلغهم أن حبيبي في سجن إيفين، وممنوعة زيارته إلى الآن. هذا ولم يتمكن المحامي من معرفة التهم الموجهة إلى حبيبي وغيره من المعلِّمين المعتقلين، عِلمًا بأن محمد حبيبي يُعتبر من أكثر النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق المعلِّمين، وقد صرَّح سابقًا بأن المعلم لا يحصل على حقه، وأن النِّظام في إيران لا يعير التعليم أي اهتمام، مُطالبًا بتطوير المناهج التعليمية وأن يرفع الحرس الثوري يده عن مراقبة المعلِّمين والتعليم.
♦ للمعلِّمين المتقاعدين أيضًا مطالب:
لا يكاد يمرّ يوم في إيران إلا ويتظاهر المعلمون المتقاعدون أمام الوزارة أو البرلمان، إذ يعانون أيضًا نفس مشكلة المعلِّمين العاملين، وهي «التمييز ضدّهم مقارنة بالمتقاعدين في مختلف الوزارات الأخرى في الحكومة». يقول المعلم المتقاعد باباك إبراهيمي: «إن المعلِّمين المتقاعدين هم الفئة الأفقر في المجتمع الإيرانيّ»، ويكمل حزينًا: «المعاش لا يكفي شيئًا، والتأمين الصحي الخاص بنا سيئ للغاية ولا يغطِّى أغلب التخصصات الطبية». ووَفْقًا لقانون الخدمة فمن المفترض أن تكون الزيادة السنوية للمعاشات 20%، لكن بناءً على شهادات من المعلِّمين المتقاعدين فإن الزيادة السنوية تصل إلى 12% فقط، وهو ما يعني مخالفة وزارة التربية والتعليم للقانون.
المصدر|المعهد الدولي للدراسات الإيرانية