<< احتجاجات ديسمبر لم تكن «مؤامرة خارجية » حرّكتها أمريكا و (إسرائيل) كما وصفها «خامنئي» كبير كهنة النظام
<< المراقبون السياسيون: «الانتفاضة الخضراء» 2009 وتظاهرات 2017 مسماران في نعش عرش الملالي
<< تظاهرات شباب إيران ضد النظام «شرارة ثورة» تنشد تغييراً جذرياً في البلاد المنكوبة بحكم «الولي السفيه»
تعيش إيران، بكل شعوبها وأعراقها، حالة من التوق الشعبي إلى التغيير السياسي منذ أن سحقت قوات الأمن بالحديد والنار «الانتفاضة الخضراء» التي اندلعت في عموم البلاد عام 2009، ضد سيطرة «الملالي» على مقاليد ومقدرات الحكم في بلاد باتت «حبلى بالتغيير».
وكانت «الانتفاضة الخضراء» هي شرارة التغيير الأولى، فبعد سنوات طويلة من الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي خرجت جموع الإيرانيين إلى الشوارع، في موجة احتجاجات واسعة عرفت بـ «ضد النظام» الإيراني، إثر اتهامه بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في يوم 12 يونيو 2009 والتي فاز فيها الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، بولاية ثانية بعد حصوله على نسبة 63% بإقبال 85% من الناخبين. وشهدت عدة مدن ايرانية كبرى آنذاك احتجاجات في طهران وأصفهان وشيراز، اعتراضًا على نتيجة الانتخابات ومشككة في نزاهة النتيجة النهائية.
انتفاضة شعب
في ديسمبر 2017، اندلعت موجة الاحتجاجات الكبرى الثانية ضد «الملالي» الحاكمين، وهي الموجة التي ألقت الرعب في قلوب مسؤولي النظام، الذين سرعان ما لجأوا إلى سياسة «الحديد والنار» مرة أخرى.
وانطلقت آنذاك شرارة ثورة جارفة في كبرى المدن الإيرانية تنديدا بسياسات النظام الاقتصادية التقشفية، فضلا عن السياسات الخارجية التي حملت في طياتها مغامرات كبرى ودعما للإرهاب، وتدخلا في شؤون الدول الإقليمية، وهو ما كبّد الميزانية الإيرانية أعباء كبيرة، ورأى الشعب الإيراني أنه أحق بهذه الأموال التي تنفق على تمويل الحروب والنزاعات الإقليمية.
وردد المتظاهرون في أنحاء البلاد كافة شعارات مناهضة للنظام ومنها: «الموت للديكتاتور» و «الموت لروحاني» و «استح يا خامنئي واترك الدولة» و «لا للجمهورية الإسلامية»، و «لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران» و «اترك سوريا وفكر فينا».
ولم تكن تلك الاحتجاجات المفاجئة التي اجتاحت شوارع المدن الإيرانية كافة مجرد «هبّة عابرة»، كما يزعم الموالون لحكام طهران، ولا هي «فتنة جديدة» كما وصفها الجنرال محمد علي جعفري، قائد «الحرس الثوري» ولا مؤامرة خارجية حرّكتها واشنطن ولندن و(تل أبيب) كما اتهمها علي خامنئي كبير الكهنة ومرشد النظام، بل كانت انتفاضة شعب ضد نظام عات عانت منه الشعوب الإيرانية الأمرّين، وشكلا من أشكال التمرد على نظام طاغوتي مشبوه يشتم أمريكا في العلن، ويُنسق معها في السر، فهذه الاحتجاجات التي نفذها شباب إيران ضد النظام هي شرارة «ثورة حقيقية» تنشد تغييراً جذريا في البلاد المنكوبة بحكم «الولي السفيه».
لقد اندلعت الاحتجاجات بشكل عفوي من مدينة «مشهد» أحد معاقل النظام رافعة مطالب بسيطة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد، ثم اتسعت جغرافياً وتوسّعت مطلبياً، فشملت 120 مدينة، وتوسعت شعاراتها مطلبياً فتحولت لانتفاضة شعبية واسعة ضد السلطة طالبت بإسقاط النظام من جذوره.
وفتحت الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها طهران وعدد من المدن الإيرانية على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، الباب رحباً لجدال سياسي لم يتوقف حتى الآن، ولن يتوقف في المدى المنظور، حول فرص وعوائق التغيير في إيران، أدواته وأساليبه، والحوامل الاجتماعية لمشروع التغيير في ظل نظام فريد من نوعه مازال يحكم بأساليب القرون الوسطى في القرن الحادي والعشرين.
ولقد تصاعدت حدة الجدال السياسي حول هذه العناوين بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1)، إذ تبلورت وجهتا نظر رئيسيتان على الساحتين الإقليمية والدولية، الأولى تعتقد بأن الانفتاح على إيران وإدماجها في المجتمع الدولي والسوق العالمية، هي أداة التغيير «الناعمة» الأكثر ملاءمة في الحالة الإيرانية، فيما يعتقد أنصار وجهة النظر الثانية، بأن عزل إيران واستهدافها بنظام صارم للعقوبات ودعم «المعارضة الخشنة» ربما يكون الطريق الأقصر للتخلص من نظام رجال الدين.
ويتمحور هذا الجدل أساساً في الوقت الراهن حول سؤال جوهري يتعلق بدور «العامل الخارجي" في عملية التغيير المنتظرة، والمرغوبة لدى أطراف إقليمية ودولية عديدة، وما الذي يتعين على «القوى الدولية» أن تفعله حيال إيران، وما إذا كان بمقدورها أن تكون عاملاً محفزاً للتغيير، أم سبباً في «توحيد» إيران بتياراتها واتجاهاتها المختلفة، لمواجهة ما يُعتقد أنه «تهديد خارجي»، وتمكين العناصر الأصولية والمحافظة في البلاد، من فرض سطوتها على بقية التيارات والاتجاهات، بذريعة مقاومة التهديد الخارجي، والتصدي «للمؤامرة والمتآمرين».
مسماران في نعش النظام
يقول المراقبون إن «الانتفاضة الخضراء» 2009 وتظاهرات 2017 مسماران في نعش عرش الملالي، مؤكدين أن التغيير في إيران، كما كان الحال في «الاتحاد السوفيتي» السابق، لن يحدث بـ «ضربة واحدة»، وبين عشية وضحاها، فهو عملية متدرجة بدأت بسياسة الوفاق الدولي واتفاقات خفض التسلح ومنع الانتشار النووي والصاروخي ووقف سباقات التسلح والحد منها، وصولاً لسياسات الانفتاح والإصلاح التي قادها ميخائيل غورباتشوف، والتي انتهت إلى ما انتهت إليه من تفكيك «الاتحاد السوفيتي» بصورة طوعية وسلمية، وهو ما لن يحدث في إيران أبدا.
وطوال ما يقرب من أربعة عقود على انتصار ما يسمى «الثورة الإسلامية» في إيران، جربت القوى المناهضة للنظام الإيراني، في إقليم الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، مختلف أشكال «التدخل الخشن» لتقرير مستقبل إيران، والحد من أطماعها الإقليمية التوسعية، وتعطيل برامج التسلح الطموحة التي أطلقتها طهران.
ويشير الخبراء إلى أن حرب «السنوات الثماني» بين العراق وإيران، لم تكن سوى فصل واحدٍ من فصول عديدة ستتوالى لاحقاً، إن من خلال فرض نظام صارم للعقوبات الدولية، أو عبر دعم جماعات معارضة، سياسية ومسلحة، وطنية وانفصالية، بهدف زعزعة أركان الحكم وتقويض نظام «الولي الفقيه» الذي انبثق عن ثورة 1979.
وفيما أعرب البعض عن الأمل في أن تجبر هذه الاحتجاجات الحكومة الإيرانية على محاولة مخاطبة المظالم الشعبية، فإن التاريخ يُظهر أن العكس هو الصحيح على الأرجح، خصوصا أن الملالي ماضون في غيّهم وضلالهم على المستويات كافة، ومازالوا يحاربون الثورة السورية، ويساندون مليشيات «الحوثي» الإرهابية في اليمن، ويعيثون في العراق فسادا وإفسادا.
وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، وبينما تتصاعد الاحتجاجات المتفرقة هنا وهناك في إيران، يجب أن يتوقع المرء من النظام أن يصبح أكثر قمعية باضطراد، إذ عادة ما تزدهر قوات الأمن الإيرانية عندما يكون هناك انعدام للأمن. بل إن بعض الإيرانيين يخشون أن تكون قوات «الحرس الثوري» قد تسمح بمزيد من التظاهرات حتى تستخدم ذلك ذريعة لتوسيع سلطتها باسم «الأمن القومي».
ويرى المراقبون أنه في إيران، تبدو العقبات التي تحول دون تحقيق التغيير مرعبة، ففي حين أن معظم دول الشرق الأوسط يحكمها حكام علمانيون يركزون على قمع المعارضة الإسلامية في المقام الأول، فإن إيران هي «أوتوقراطية دينية» تركز على قمع المعارضة العلمانية. ولا يبدو أن هذه الدينامية، وقوف هؤلاء المواطنين الذين يسعون إلى الكرامة الاقتصادية والتعددية عُزّلاً، بلا تنظيم وبلا قيادة، في مقابل ثيوقراطية حاكمة منظمة وضارية ومدججة بالسلاح لا يبدو أنها تشكل «وصفة للنجاح» في الظاهر، غير أن الحقيقة هي خلاف ذلك، وإيران «الحبلى بالتغيير» ستلد هذا التغيير عاجلا أو آجلا.
المحرر