لم يكن قرار الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران بالأمر المفاجئ لدى العديد من الدول أطراف الإتفاق النووى الإيرانى المعروف دبلوماسياً "خطة العمل الشاملة المشتركة"؛ حيث قام الرئيس الأمريكى، ترامب، بإعلان موقف بلاده حول الاستمرار فى الاتفاق النووى الإيرانى من عدمه فى السادس من مايو من العام الجارى، بدلاً من إعلان ذلك الموقف فى 12 مايو من نفس العام على نحو ما قدم فى وقت سابق، الأمر الذي يعنيه عدة دلالات في اختياره هذا التوقيت.
أولهما: هو انتهائه من إجراء عدة مفاوضات وتسويات مع الحلفاء الأوروبيين، لاسيما فرنسا من جهة، والحليف الأبدى والإقليمى له فى المنطقة (إسرائيل) من جهة أخرى، قبل اتخاذه قرار الانسحاب من الاتفاق النووى.
ثانيهما: يكمن فى رغبة الولايات المتحدة في تقليص حجم الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة وتطويقها وإجبارها نحوعدم التموضع فى سوريا.
الدلالة الثالثة: تدور حول عزم الإدارة الأمريكية على تسوية الوضع مع لاعب دولى آخر يمتلك القوة النووية بالفعل هو كوريا الشمالية، والتي بإمكانها ردع خطر إيران النووي عن طريق الضغط على الجانب الروسي الذى بإمكانه أيضاً الضغط على إيران.
إذ أعلن الرئيس الأمريكى ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووى مع إيران، المبرم فى يوليو من عام 2015، واصفاً إياه بالإتفاق الكارثى؛ كما أعرب عن عزم بلاده فى إعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتطبة بالبرنامج النووى للنظام الإيرانى، متوعدا بذلك إيران بفرض أكبر قدر من العقوبات الإقتصادية، مُتخذاً فى ذلك غطاء شرعى حول موقف بلاده بالإنسحاب من الإتفاق، يكمن فى قيام إيران بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية من جهة، وتمددها الزائد فى المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص من جهة أخرى، ومن ثم فقد قام ترامب برفع الحرج عن موقف بلاده من ناحية، وعن حلفائه الأوروبيين بشأن استمرارهم فى الإتفاق من عدمه من ناحية أخرى. على نحو ما ألمح، ترامب، تاركاً بذلك الباب مفتوحا حول حرية الإختيار للشركات الأوروبية التى تسعى فى كل الأحوال الحفاظ على أموالها المستثمرة فى إيران بين السوق الأوروبية التى تحوي في طياتها نحو 400 مليون نسمة، وبين السوق الإيرانية الأقل كثافة نحو 80 مليون نسمة.
على الجانب الآخر، جاء رد الفعل الإيرانى على لسان الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، وفى حضور المجموعة الدبلوماسية الإيرانية التى عقدت الاتفاق، متهما الولايات المتحدة الأمريكية بأنها دائما لا تفي بوعودها وتنسحب من الاتفاقيات على غرار ما فعتله الولايات المتحدة الأمريكية بشأن (اتفاقية المناخ)، إلا أنه سعيد فى كل الأحوال بخروج طرف مشاغب من الاتفاق على حد قوله؛ على الرغم من التزام بلاده فى تنفيذ بنود الاتفاق، وأن خير دليل على ذلك هو تقارير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، بشأن التزام إيران ببنود الاتفاق النووى الايرانى، كما طمأن، روحانى، الشعب الايرانى من تبعات خروج الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق، وعلى الرغم من الممارسات العدوانية الامريكية ضد إيران، إلا أن بلاده تمتلك برنامج إقتصادى ناجح يكمن فى "الإقتصاد المقاوم"، هذا البرنامج الاقتصادى الذى اعتاد ايران على اتباعه حيال فرض اى عقوبات اقتصادية على البلاد، قد جعل الاقتصاد الإيراني مرنًا محميًا من الصدمات والضغوط الخارجية التي كانت تحاول الدول الغربية فرضها على طهران لتتنازل عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ومن ثم إعتماد إيران على هذا النوع من الاقتصاد بعد الاتفاق النووي يعني نجاحها في تطبيقه وتسخيره لكشف المنابع الداخلية التي استطاعت أن تضفي على الاقتصاد الإيراني حالة أشبه ما تكون بالاكتفاء الذاتي، خاصة وأن إيران استطاعت أن تحذف النفط من ركائز اقتصادها، وهذا ما جعل الاقتصاد الإيراني أكثر مناعة أمام تبدلات السوق الدولية من اقتصاد باقي الدول المنتجة للنفط، واعداً بذلك، روحانى، الشعب الايرانى بأن الحكومة سوف تؤمن السلع الضرورية لإيران، كما هددت إيران، بأن هذا القرار سوف يعنى ان ايران ستتخذ خطوات جدية نحو تطوير برنامجها النووى وتخصيب اليورانيوم، كما أنها لن تظل مكتوفة الايدى حيال المناوشات التى تتم مع الجانب (الاسرائيلى) الذى اعتاد ممارسة الاعمال الارهابية ضد الشعب الفلسطينى.
ومن ناحية اخرى، جاء رد الفعل الاوروبى حيال القرار الامريكى على لسان مسؤلة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبى، فيدريكا موغيرينى، أن الاتحاد الاوروبى عازم على الالتزام بالاتفاق النووى مع ايران، على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة الامريكية؛ مشيرة بذلك الى ان انسحاب اى طرف لايعنى بالضرورة انسحاب بقية الاطراف او حتى إلغاء الاتفاق، فهى ترى ان الاتفاق النووى يسير بخطى جيدة، وانه قد قوض ايران نحو تطوير برنامجها النووى، كما أعرب قادة كلا من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، انهم ملتزمون بالاستمرار فى تنفيذ بنود الاتفاق النووى مع ايران، واصفين قرار، ترامب، بالانسحاب بأنه مؤسف للغاية؛ رد الفعل الروسى إزاء القرار الامريكى كان قويا للغاية، إذ عبروا أن هذا القرار بمثابة إنتهاك لقواعد القانون الدولى والاتفاقيات الدولية، وأنه يقوض سمعة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وبالتالى فهو يهدد الأمن الدولى بكل تأكيد، أيضاً فقد عبرت دولة الصين عن قلقها بشأن إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووى مع إيران، إلا أن بلادها ستبقى ملتزمة بالإستمرار فى الإتفاقية النووية مع إيران.
وبناءً على ما قد تقدم ، فإنه من المتوقع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم (إسرائيل)، كفاعل وحليف إقليمى لها فى المنطقة، والزج بها لمواجهة إيران على الأراضى السورية فى الأيام المقبلة، الأمر الذى يوحى بمزيد من الصراع داخل الإقليم الشرق أوسطى، وهو ما سوف يشكل عواقب وخيمة للغاية على إستقرار وأمن المنطقة العربية بصفة عامة و سوريا بصفة خاصة ، لاسيما بعد تصريح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، نيتنياهو، تأييده الكامل للقرار الأمريكي، فهل نحن أصبحنا على أعتاب حرب "إيرانية إسرائيلية" فى الأيام المقبلة، وكأن سيناريو الحرب "الإيرانية الإسرائيلية" فى تموز عام 2006 ، لم يشظ من أذهان القيادتين الإيرانية والإسرائيلية على حد السواء، ولكنها سوف تكون حرب بمضمون وماهية مختلف للغاية مما كانت عليه فى عام 2006، نتيجة لتواجد الدولى الكثيف من جانب الدول على الأراضى السورية، الأمر الذى سيجعل هناك فريقين بدون أدنى شك بين حليف، وحليف مضاد لكلا الطرفين، الأمر الذى سوف يشعل فتيل الحرب على الأراضى السورية، كما من المتوقع أيضاً فى هذا الصدد، مشاركة قوة عربية سنية مُشكلة من دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية فى هذه الحرب ضد عدوها اللدود إيران ، تحت غطاء المظلة الأمريكية ، الأمر الذى سيجعل موقف تركيا مشتت للغاية إزاء هذه الحرب ما بين الدخول والمشاركة فى هذا الحلف السنى، التى ظلت لفترات عديدة تحلف بتكوينه وقيادته فى المنطقة، وهو ما سيجعل روسيا تتخذ خطوات دقيقة فى هذا الشأن، فهى لن تسمح بضياع ما حققته من مكاسب جغرافية وعسكرية على الأراضى السورية، الأمر الذى سيستلزمها موقف الصمت من جهة، والدعم للحليف السورى والإيرانى بخطى خفية وثابتة على أضيق الحدود، ومن ثم نخلص من كل ذلك بنتيجة حتمية لا مفر منها، هى إستمرار لهيب الصراع فى الشرق الأوسط مما يذبذب أمن وإستقرار المنطقة العربية بدون أدنى شك .