يتداول اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي نكتة هي في الواقع شعار سياسي في غاية الأهمية والجدية والدقّة يصلح عنوانا للانتخابات النيابية التي يشهدها البلد اليوم الأحد: تقول النكتة التي تصلح عنوانا لما هو على المحك في الانتخابات “في صباح السادس من أيار – مايو لازم توعى وتروح تنتخب… مش تروح تنتخب وبعدين توعى”.
سيندم اللبنانيون كثيرا بعد ظهور نتائج الانتخابات. سيندمون أوّلا على السماح بتمرير قانون انتخابي عجيب غريب، أقلّ ما يمكن أن يوصف به، أنّه وضع على قياس “حزب الله” الذي حوّل الطائفة الشيعية إلى طائفة منغلقة على نفسها.
لم يعد مسموحا داخل الطائفة لصوت آخر بأن يعبّر بالفعل عن التطلعات الحقيقية لشيعة لبنان الذين لديهم بعض أفضل العقول اللبنانية على كلّ المستويات وفي كلّ المجالات. هؤلاء الشيعة كانوا ينتمون إلى كلّ الأحزاب غير الطائفية في مرحلة معيّنة ولعبوا دورهم في النهضة التي عرفها لبنان حتّى منتصف سبعينات القرن الماضي.
اختزل “حزب الله” الشيعة في لبنان بفكرة السلاح غير الشرعي الذي يمتصّ موازنة الدولة اللبنانية ويدمّر مؤسساتها ويقيم في البلد اقتصادا ريعيا يعتمد على موارد مشبوهة وعلى ما يتوفر من إيران. لم يخف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يوما أن إيران تموّل “حزب الله” وتسلّحه وأنه “جندي” في خدمة “ولاية الفقيه”. لا شكّ أن قسما من الشيعة اللبنانيين سينتفض في وجه “حزب الله” بكلّ ما يمثلّه، خصوصا بعد مشاركته في الحرب على الشعب السوري ووصوله إلى دعم الأداة الجزائرية المسمّاة “بوليساريو” من أجل التحرّش بالمغرب، البلد المسالم أوّلا وأخيرا.
ستؤكّد نتائج الانتخابات أنّ لا تغيير في نهج “حزب الله”. ستؤكد أيضا ذلك القسم من الشيعة الواعين لما يدور في البلد والمنطقة لن يكون كافيا لإحداث تغيير كبير يمكن القول بعده إنّ لبنان انتصر على المحاولة الإيرانية التي تستهدف تحويله إلى مستعمرة وجعل بيروت مدينة على المتوسط تدار من طهران.
كان الهدف الأوّل والأخير من القانون الانتخابي الذي يعتمد النسبية والصوت التفضيلي في الوقت ذاته شرذمة الطوائف اللبنانية باستثناء الشيعة. هذا قانون يخلط بين الزيت والماء، أي بين ما يصلح لبلد فيه أحزاب سياسية معروفة المعالم من جهة وطوائف تتناحر في ما بينها من جهة أخرى.
سيقود هذا القانون إلى كارثة على الصعيد اللبناني، لا لشيء سوى لأنّ لدى “حزب الله” القدرة على إنتاج مجلس جديد للنوّاب لا أكثرية واضحة فيه للقوى التي تنادي بالسيادة والاستقلال وتدرك تماما النتائج التي ستترتب على ما الذي تعنيه عودة رموز لمرحلة الوصاية السورية إلى الواجهة. لعبت هذه الوجوه دورا ما، على الصعيد الأمني، في التمهيد لاغتيال رفيق الحريري. لعبت هذا الدور من حيث تدري أو لا تدري، والأرجح أنها كانت تدري، خصوصا أن النظام السوري الذي كان يشغّل هذه الوجوه كان يدري مسبقا بأنّ عليه توفير الغطاء لعملية تفجير موكب “أبوبهاء”.
ما الغرض من إدخال وجوه من هذا النوع إلى مجلس النوّاب عن طريق “حزب الله”؟ هل المطلوب الاستعانة بخبرة هذه الوجوه في مرحلة الوصاية الإيرانية المعلنة التي يعتقد الحزب أنّها صارت على باب قوسين أو أدني؟
(العرب)