>> المملكة المغربية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع طهران عام 2009 بعد رصد محاولات إيرانية للعبث بأمن البلاد
>> تقرير لـ «الخارجية الأمريكية» عام 2014: التيار الشيعي في المغرب سائر نحو «التكاثر والتوسع الجغرافي»
>> الداخلية المغربية تحذر من اندساس الاستخبارات الإيرانية في بعض الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة
خلال القرن العاشر الميلادي كانت بلاد المغرب كافة، بما فيها المملكة المغربية وتونس وأجزاء واسعة من الجزائر حاليا، تعتنق المذهب الإسماعيلي، على خلفية اعتناق قبائل «كُتامة» المعروفة في التاريخ لهذا المذهب الشيعي الأكثر تطرفا، ومساندتها لقيام «الدولة الفاطمية» عام 913م بقيادة عبد الله المهدي. غير أن الأمور تبدلت تماما بظهور القائد صلاح الدين الأيوبي في مصر والشام، وانهيار الدول المهدية سنة 1171م، ومن ثم انقلب المغرب العربي بأكمله على الشيعية كمذهب، وانتشر المذهب المالكي السني في البلاد على نطاق واسع، حتى عصرنا الراهن.
وفي العصر الحديث، وبعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، بدأ نظام الملالي في طهران يُعيد الكرة من جديد، وسعى جاهدا إلى نشر المذهب الشيعي على أوسع نطاق في العالم العربي، وفي أوساط المسلمين المهاجرين إلى أوروبا، ومنهم المغاربة، في محاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء. ونجح الملالي بالفعل في إعادة المذهب الشيعي إلى البلاد، وإن يكن على نطاق محدود، وفي مناطق بعينها مثل «تطوان طنجة» وغيرها من المدن المغربية الكبرى.
مخططات تشييع وشبكات إرهابية
ويُرجع الشيخ عبدالباري الزمزمي، عضو «رابطة علماء المغرب»، مصدر التشيع في المملكة إلى أوروبا أساساً، وتحديداً بلجيكا، حيث يعيش آلاف المغاربة مع وجود الحرية المطلقة للحركة الشيعية، متهما إيران بـ«استثمار» هذه الحرية بدهاء، حيث استغلت الجالية المغربية الموجودة هناك منذ 10 سنوات، فصار المد الشيعي يكبر يوماً عن يوم.
ويضيف «الزمزمي» عاملاً آخر لتزايد المد الشيعي في المغرب، وهو الإغراء المادي، حيث تقدم السفارة الإيرانية لعملائها المغاربة الذين يخدمون أجندة التشيع مكافآت مالية، وأيضا لكل من تشيع من المغاربة، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الطلبة المغاربة الذين يذهبون إلى إيران من أجل الدراسة وتقدم لهم منحاً وتشجيعات مادية للمضي في طريق التعلق بالمذهب الشيعي.
وتميّزت علاقة السلطات المغربية مع الشيعة في البلاد بكثير من الحيطة والحذر، وكان الهدف هو منع تسرب «أفكار الرافضة» إلى المغرب السني لأسباب عدة، منها أن ملف التشيع في عهد الملك الراحل «الحسن الثاني»، كان من «التابوهات» المحرمة والممنوع الحديث عنها، لجهة التاريخ الأسود للمذهب الشيعي في البلاد، وبسبب توتر العلاقة التي كانت قائمة بين طهران والرباط، مباشرة بعد الإطاحة بالشاه الإيراني، فضلا عن تأييد طهران لجبهة «البوليساريو» المنادية باستقلال إقليم الصحراء المغربي.
ولكن مع العهد الجديد الذي انطلق مع الملك الحالي «محمد السادس» منذ عام 1999، بدأ النقاش حول حرية المعتقد يطفو على السطح، وبدأت تظهر بعض الأصوات المناصرة للمذهب الشيعي، رافقتها نظرات الريبة والشك لهذا الملف الشائك من قبل الحكومة المغربية.
وإذا كان ملف «التشيّع» والتعامل معه في عهد الملك الراحل اتّسم بالسرية، فإن عهد الملك محمد السادس، ومع ازدياد الحديث عن حرية المعتقد، شهد «انكشاف» الأصوات الشيعية تحت شعارات حقوقية. غير أن الدولة المغربية واجهت هذه التحركات أيضا بنوع من الحزم، كما تصاعدت أصوات العلماء، وخصوصاً من التيار السلفي، بضرورة التصدي لهذه التحركات وقطع الطريق على المتشيعين المغاربة. وشهدت المملكة تنظيم العديد من الفعاليات المناوئة للشيعة.
وفي عام 2008، أصدرت السلطات القضائية المغربية قراراً بحل حزب «البديل الحضاري» الشيعي، الذي تأسس عام 2005، بسبب تورط أمين عام الحزب ونائبه في قضية الشبكة الإرهابية، التي تم تفكيكها في مدينة «الناظور»، شمال شرق البلاد، والتي كانت تهدد أمن المملكة. ثم للسبب نفسه تم اعتقال محمد المرواني، الأمين العام لحزب «الحركة من أجل الأمة»، وعبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة «المنار» الناطقة باسم «حزب الله» اللبناني في المغرب.
وعلى خلفية ذلك، أقدمت المملكة المغربية عام 2009 على قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بعد أن رصدت محاولات إيرانية للعبث بأمن البلاد الروحي ووحدته المذهبية، وكذلك على خلفية التطلعات التوسعية لإيران، وابتزازها لمملكة البحرين، حيث حاولت طهران «تأديب» المغرب على تضامنه المطلق مع البحرين، واستعداده الدفاع عن أمنها، ما حدا بإيران استدعاء السفير المغربي في طهران وإبلاغه «استياء إيران» من تصريحات المملكة، الأمر الذي رد عليه المغرب بخطوة أصابت المسؤولين الإيرانيين بصدمة، حيث لم يتردد المغرب في إعلان قطع العلاقة الدبلوماسية مع إيران، وطرد السفير الإيراني من الرباط باعتباره «شخصا غير مرغوب فيه».
ويقول المحلل السياسي المغربي سعيد ياسين إن "حرارة الحرب على التشيع تصاعدت إثر اندلاع شرارة الأزمة الدبلوماسية بين إيران والمغرب في فبراير 2009، وقد تُوجت هذه الحرب بقطع العلاقات بين البلدين، جراء التضامن المغربي مع البحرين، بعد اعتبارها من طرف النظام الإيراني مجرد مقاطعة تابعة للدولة الفارسية". وكان المغرب حينها، كغيره من الدول العربية والإسلامية، أدان التـصريحات الإيرانية التي وجهها الملالي إلى البحرين، واعتبرها تهديداً لأمن واستقرار واستقلال وسيادة البحرين. وبعث ملك المغرب برسالة إلى العاهل البحريني اعتبر فيها أن التصريحات الإيرانية عبثية، وأوفد وزير خارجيته إلى المنامة ليؤكـد دعم المغرب للبحرين. وأغضب التحرك المغربي طهران، فاستدعت محمد بو ظريف، القائم بالأعمال المغربي بالنيابة، لإبلاغه احتجاجاً رسمياً إيرانياً من الموقف المغربي.
اختراق شيعي كبير
يرى المراقبون أن المعطيات التي تظهر يوما بعد آخر فيما يخص ملف «الشيعة المغاربة» تنبئ باختراق شيعي كبير للعديد من مجالات الحياة في المملكة المغربية، فبعد أن أنشب المتشيّعون أظافرهم في الأوساط الحقوقية المغاربية، تمكنوا عام 2015 من تأسيس ما يُسمى «المرصد الرسالي لحقوق الإنسان»، للدفاع عن حقوق شيعتهم وتدويل ملفهم، ومن ثم حاولوا اللعب بهذه الورقة الطائفية من خلال إظهار تبني خطابات الدفاع عن الحقوق والحريات، للضغط على الدولة بغرض الاعتراف بتكتلاتهم الشيعية، كما تمكنوا من إصدار أول جريدة ورقية شيعية في المغرب، تحت اسم ذي دلالة وهو «صوت المواطن».
وهذه المحاولات المستميتة يعتبرها هؤلاء المتشيعون معركة وجودية لابد من خوض غمارها، معركة بدأت أولى أطوارها في مدينة «مكناس» مع مشروع «جمعية الغدير» الشيعية، تلتها مباشرة محاولة أكبر بدأت بوادرها تظهر مع المتشيع عصام أحميدان الذي أطلق مشروع جمعية «أنوار المودة» في «تطوان»، والتي منعتها السلطات المختصة.
وفي عام 2014 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً حول حرية التدين في العالم، كشف عن وجود ما بين 2000 و8 آلاف مسلم شيعي في المغرب، منهم نحو 400 شيعي يعيشون في «طنجة»، مشيرة إلى أن التيار الشيعي في المغرب سائر نحو «التكاثر والتوسع الجغرافي»، وأن المد الشيعي سيعم مدناً في الجنوب المغربي خلال السنوات القليلة المقبلة، بدل التمركز حالياً في الشمال، خصوصاً في «تطوان وطنجة».
وأخيرا، وفي مارس الماضي، اتهمت السلطات المغربية، ايران والمد الشيعي بتهديد الأمن والاستقرار بالمغرب بعد استقطاب آلاف المغاربة، وإثارة الاحتجاجات في مناطق مختلفة. وأصدرت وزارة الداخلية المغربية تقارير تتضمن تحذيراات من اندساس الاستخبارات الإيرانية في الأوساط الشعبية، ودورها في بعض الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة.
والآن..
بعيدا عن الخوض في القراءات السياسية لموضوع إقدام المغرب على قطع علاقاته منذ يومين مع نظام طهران على خلفية دعم إيران لمتمردي البوليساريو، ونشاطها الاستفزازي في الجزائر كرد على موقف المغرب من الانقلاب الحوثي في اليمن، فإن الصحف المغربية تداولت في الأشهر الأخيرة عددا من التقارير المنسوبة لوزارة الداخلية بالرباط، تفيد بنشاط يقوم به ضباط استخبارات بمساعدة رجال دين، لنشر المذهب الشيعي في البلاد.
وحذرت تلك التقارير من تغلغل الاستخبارات الشيعية في الأوساط الشعبية، وخطورة النفوذ الإيراني بالمغرب، بالإضافة إلى دور طهران في بعض الاحتجاجات التي شهدتها المملكة مؤخرا.