عقّد تصعيد منسق يتبناه مسؤولون إيرانيون كبار من مهمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقوم بزيارة صعبة إلى واشنطن من أجل إقناع نظيره الأميركي دونالد ترامب ببقاء بلاده ضمن الاتفاق النووي، بينما يعتقد خبراء أميركيون أن ماكرون في “مهمة مستحيلة”.
ولا تبدو الأطراف الأوروبية في الاتفاق قد أفاقت من مفاجأة تقترب كل يوم من تحوّلها إلى واقع، يتجسد في إعلان ترامب في 12 مايو المقبل إعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران. لكن حزمة التهديدات القادمة من طهران تصبّ في حجج ترامب، الذي قد يوظفها لفرض وجهة نظره من أن إيران تناور مع المجتمع الدولي، وأن “على الولايات المتحدة تلقين الإيرانيين درسا”، حسب صحيفة العرب اللندنية.
ووصف ترامب خلال استقباله ماكرون الاتفاق النووي الإيراني بأنه “كارثة”.
وقال ترامب إن “الناس يعرفون موقفي من الاتفاق، إنه اتفاق فظيع″، محذرا من أن إيران ستواجه مشكلات أكبر إذا استأنفت برنامجها النووي.
وأضاف ترامب “إلى أي مكان تذهب إليه في الشرق الأوسط، يبدو أن إيران تقف وراء كل مشكلة”، مشيرا إلى الصراع في اليمن كمثال.
وقال الرئيس الفرنسي للصحافيين إنه يرغب في احتواء إيران بالمنطقة.
وفي مقابلة أذيعت عشية وصوله إلى واشنطن، استخدم ماكرون قناة فوكس، المفضلة لدى ترامب لعرض وجهة نظره.
وقال ماكرون “إذا قمت بشن حرب ضد الجميع (…) حرب تجارية ضد أوروبا وحرب في سوريا وحرب ضد إيران، فإن هذا لن يعطي نتيجة. أنت تحتاج إلى حلفاء. ونحن هم هؤلاء الحلفاء”.
وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني ترامب، الثلاثاء، من مغبة الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية في عام 2015، وقال إن ترامب سيواجه “عواقب وخيمة” إذا حدث ذلك.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد هدد في حوار مع مجلة نيويوركر الأميركية، بانسحاب بلاده من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية إن.بي.تي، حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وذكر وزير الخارجية الإيراني أنه “إذا أرادت أميركا القضاء على الاتفاق النووي، فلديها هذا الخيار ولكن يجب أن تواجه تداعياته”.
ولدى ماكرون، الذي ستلحق به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارة إلى واشنطن تبدأ الجمعة، خيارات سيحاول طرحها على ترامب، ليس من بينها “تمزيق” الاتفاق.
ويحاول ماكرون، الذي يحظى بدعم مؤسسات تقليدية أميركية، على رأسها البنتاغون ووزارة الخارجية، الدفع باكتفاء البيت الأبيض بإعادة فرض جزء من العقوبات الاقتصادية على إيران، لا تتضمن حصتها من بيع النفط في العالم. كما سيحاول إقناع ترامب بتخفيف القيود على النظام المالي الإيراني، حتى يتسنى للشركات الأوروبية تنفيذ عقود بمليارات الدولارات وقعتها منذ عام 2016 مع شركات إيرانية.
وفي المقابل يقترح مسؤولون أوروبيون تشكيل آلية تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا للتفاوض مع إيران، في ما يعرف بآلية “بي4+1″، على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وسلوك طهران في المنطقة ومسألة حقوق الإنسان والمعتقلين الغربيين في السجون الإيرانية.
ويقول خبراء أميركيون إنه من غير المحتمل أن يعلن ترامب “انسحابا كاملا” من الاتفاق في مايو المقبل، بل سيعيد فرض حزمة كبيرة من العقوبات، التي من شأنها أن تتسبب في انهيار الاتفاق تلقائيا. وفي حين يمنح الدستور الأميركي الرئيس الحق في سحب بلاده من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، يصرّ ترامب على إلقاء عبء الاتفاق النووي على الكونغرس، من أجل إجبار الحلفاء الأوروبيين على قبول القرار، والاندماج في مفاوضات جديدة حول اتفاق جديد.
لكن تبقى العقبة الرئيسية في إقناع الإيرانيين بقبول السلوك الأوروبي، الذي يشمل أيضا إقرارا بضرورة تعديل “بند الغروب” وتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية، في وقت يبدي فيه الاتحاد الأوروبي استعدادا لفرض حزمة جديدة من العقوبات قد ترضي ترامب.
كما سيطرح ماكرون على ترامب خيارين آخرين، أحدهما يتضمن اتفاقا بين الأميركيين والأوروبيين تتعهد خلاله أوروبا بالالتزام بعدم السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية، حتى بعد انتهاء صلاحية الاتفاق، والآخر يشمل إطلاق مفاوضات 5+1 مرة أخرى، لكن هذه المرة لإنتاج اتفاق سياسي يتضمن البرنامج الباليستي والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
وفيما اعتبرت بعض المراجع الدبلوماسية في واشنطن أن تهديدات طهران لا تمثل أي ضغوط ستؤثر على قرار ترامب في الانسحاب أو البقاء داخل الاتفاق، كشفت مصادر محايدة في طهران عن تنامي القلق لدى القيادة الإيرانية من مغبة إعلان ترامب في موعد أقصاه 12 مايو المقبل تخلي واشنطن عن الاتفاق النووي.
وقالت روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا إنها تريد الحفاظ على الاتفاق الذي فرض قيودا على برنامج إيران النووي مقابل رفع معظم العقوبات.
وكشف مراقبون للشؤون الإيرانية أن طهران تعوّل على جهود بقية الدول الموقعة على الاتفاق في إقناع الرئيس الأميركي بعدم الإطاحة بالاتفاق، وأن تهديدات روحاني وتحذيرات ظريف جاءت لترفد تلك الجهود “على الطريقة الإيرانية التي لا يجيدون غيرها”.
وكشف مصدر دبلوماسي مرافق للرئيس الفرنسي في زيارته إلى واشنطن أن باريس تفهم من التهديدات الإيرانية بعدا آخر موجها إلى أوروبا وماكرون نفسه برفع السقف أمام أي ضغوط قد تمارسها باريس على طهران لإصلاح الاتفاق وبحث مسائل برنامج إيران للصواريخ الباليستية وتدخل طهران في دول المنطقة.
وتخشى إيران من أن تدفع ثمنا جديدا لبقاء واشنطن داخل الاتفاق خصوصا وأن نفوذها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بات موضع نقاش داخل الأروقة الدولية متعددة الأطراف.
وتستغرب أوساط مراقبة اللهجة التهديدية لروحاني وقبل ذلك للمرشد علي خامنئي وتعتبر أن ما يمكن أن يسوق من خطب شعبوية في داخل إيران لا يلقى أي رواج في العالم، وأن إيران لا يمكن أن تنال من أي بلد يقرر الانسحاب من أي اتفاق معها، خصوصا أن المنسحبين من الاتفاق كما المتمسكين به لن يسمحوا بعودة إيران إلى استئناف برنامجها لإنتاج القنبلة النووية.