في الوقت الذي لم يتخل الغرب عن استخدام الدولة الشيعية، لم تتخل تلك الدولة أو أتباع تلك الفرقة على اختلافهم عن القابلية للاستخدام من خلال الانتقال بمفهوم المتعة من مفهومه الفقهي إلى تطبيقه السياسي، ويظهر ذلك من خلال التحالف مع أعداء الأمة كلما سنحت لهم الفرصة وأصبح هذا الأمر لازم ونهج لهم.
د.حمدي عبيد
بدايةً هذه القراءة لا تهتم ببيان انحراف العقيدة الشيعية، ودورها في زرع وتأجيج ثقافة الحقد والكراهية التي تهدّد الأمن والسلم الاجتماعي للمجتمعات المسلمة؛ لما تتميز به من غلو وانحراف على المستويين الاعتقادي والعملي معًا، وما نتج عن ذلك من تقنين لفقه استحلال الدماء المعصومة مؤيدة بأقوال منسوبة –زورًا- للإمام جعفر الصادق –رحمه الله تعالى-، ليعمّق ذلك الانقسام، ويزيد الاستقطاب الطائفي داخل المجتمع المسلم.
ولكن تركز الورقة هذه على استقراء، وفهم استراتيجية نشر التشيع -حصان طروادة لاختراق المجتمعات المسلمة-، وأيضًا فهم الوضع الاستراتيجي للصراع الجاري ضد الأمة، والدور المحوري لظاهرة التبشير الشيعي داخل استراتيجيات هذا الصراع، فتحدد رؤية وفهم لطبيعة ومخاطر وخريطة هذا الدور، وعوامل الضعف والقوة، وأهم ما تحقق من نتائج خلال المرحلة الماضية، وأيضًا الدور الوظيفي لإيران في خدمة استراتيجيات أعداء الأمة؛ كدولة مركزية راعية للتشيع في العالم.
وعندما أتكلم عن إيران، لا أقصد إيران الدولة، ولكن أقصد إيران المشروع الذي يتبنى التشيع عقيدة ومنهجًا، ويسعى للانحراف بالأمة عن عقيدتها ومسارها الحضاري، ويعمل على تفكيك أوصالها، وإعادة الوجود الأجنبي للتحكم في مقدراتها، واستغلال خيراتها، وهو دور قديم.. جديد، وبالتحديد منذ قيام الدولة الصفوية (907م- 1134هـ/1501م-1722م) التي شيدت بنيانها على جماجم وأشلاء الملايين من المسلمين من أهل السنة بإيران والدول المجاورة لها؛ وذلك نتيجة لموازنات دولية دعت إليها حاجة دول الغرب وروسيا القيصرية لوقف الزحف العثماني المتوغل داخل الأراضي الأوروبية، وإشغال السلطان العثماني عن تحقيق رغبته في التحالف مع السعديين لاسترداد الأندلس من الأسبان.
ومنذ ذلك الوقت اضطلعت تلك الدولة الشيعية بدور وظيفي مهم ضمن الاستراتيجية الغربية؛ يحقّق لها أطماعها التوسعية على حساب الدول الإسلامية الأخرى؛ من خلال تعاونها المبكر مع الاستعمار البرتغالي الذي برز بعد سقوط الأندلس، والذي كان لا يخفي صليبيته الفجَّة، وأطماعه في احتلال مكة والمدينة ونبش قبر الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم- للمساومة على جسده الشريف باستلام القدس، وقد أرسل البوكيرك مبعوثه الخاص "روي جوميز" سنة 915 هجرية إلى الشاه إسماعيل الصفوي برسالة يقول له فيها: [إني أقدر احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقضّ على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة، أو في عدن أو في البحرين، أو في القطيف أو في البصرة؛ سيجدني الشاه بجانبه على امتداد الخليج الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد" (1).
ومن خلال هذا التعاون بدأت الدولة الصفوية الشيعية تنفّذ خطط إرباك الدول العثمانية؛ بتكوين الجيوب الشيعية، وانتشار الخلايا النائمة، مع إثارة القلاقل، ودعم الثورات في مناطق الأناضول، مما اضطر السلطان سليم الأول العثماني إلى إيقاف زحفه في أوروبا، وإنهائه للحصار على فيينا؛ ليعود سريعًا لإخماد ثورات الأناضول.
وعلى مدار أكثر من مائتي عام تم استخدام الورقة الشيعية في حروب استنزاف للدولة العثمانية لصالح استراتيجية الدول الغربية التي تكالبت على تلك الإمبراطورية بعد أن أصابها الوهن جراء ذلك لتقتطع دولها وأقاليمها، ويتخلص الغرب نهائيًّا من الخطر الإسلامي الذي كان يقضّ مضاجعهم، ولعل في تصريحات سفراء تلك الدول في بلاط الشاه أو البلاط العثماني أصدق تعبير عن ذلك، يقول سفير فرديناند ملك البرتغال في البلاط العثماني: "إن ظهور الصفويين قد حال بيننا-يقصد الأوروبيين - وبين التهلكة- أي: على أيدي العثمانيين- ".
ويقول آخر:" لولا توقف العثمانيين عند أبواب فيينا بمؤامرة من الدولة الصفوية بإيران، لأصبح الأذان يؤذن من فوق أبراج كاتدرائية القديس بطرس – يقصد الفاتيكان-، وكان خبز الكراسون يُصنَع على هيئة الهلال ليأكله الأوروبيون في أعيادهم".
وهذا ما أكده آخر بقوله: "لولا الصفويون في إيران لكنا في بلجيكا وفرنسا نقرأ القرآن الآن كالجزائريين".(2)
في الوقت الذي لم يتخلّ الغرب عن استخدام الدولة الشيعية، لم تتخل تلك الدولة أو أتباع تلك الفرقة على اختلافهم عن القابلية للاستخدام؛ من خلال الانتقال بمفهوم المتعة من مفهومه الفقهي إلى تطبيقه السياسي، ويظهر ذلك من خلال التحالف مع أعداء الأمة كلما سنحت لهم الفرصة، وأصبح هذا الأمر لازمًا ونهجًا لهم، وقاعدتهم في ذلك: "أن الغرب لم يغتصبوا الخلافة، ولم يتأمروا على الإمام عليّ، وما قتلوا الحسين عليه السلام"؛ كما صرح أحدهم ..
وأيم الله لم يخذل أمير المؤمنين عليًّا إلا هم، وما قتل الحسينَ إلا أولئك القوم الذين يدّعون حبّه، والتباكي على ما حدث له ولآل بيته الكرام...
ولا تقتصر متعتهم السياسية على الغرب وحده، وإنما يتقلبون بين أحضان الغرب تارة، وأخرى بين والصين والروس الذين يستغلونهم لتأمين العمق الاستراتيجي للإمبراطورية الروسية؛ من خلال قطع الاتصال الجغرافي والتواصل الحضاري بين الجمهوريات الإسلامية السنية بآسيا الوسطى التي احتلتها، وبين شقيقاتها العربية في المشرق الإسلامي؛ من خلال إقامة حائط صد سياسي ومذهبي مغاير يؤصِّل ويُشيع بين أهل تلك البلاد الانسحاب السياسي، والاستسلام للأمر الواقع، وعدم مدافعة الظلم، والصبر عليه لحين خروج المهدي المنتظر؛ على حسب مقتضيات نظريتي الغيبة والانتظار عند الشيعة.
أولاً: المنطلقات العقدية للاستراتيجية الإيرانية/ الشيعية، وتقاطعها مع منطلقات المحافظين الجدد بالولايات المتحدة:
مما لا ريب فيه أن المشروعين: الشيعي والغربي الصهيو أمريكي بينهما نقاط التقاء استراتيجية، بيد أن هناك نقاط اختلاف على المصالح والنفوذ، وبخاصة في حالة ضعف أحد الطرفين، وفق معادلة شديدة التعقيد والصعوبة سعت خلالها أمريكا وعدد من دول الغرب إلى جانب الكيان الصهيوني؛ إلى"عملقة" إيران كممثل وراعٍ رسمي للكيان الشيعي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
وتكمن صعوبة تلك المعادلة في الحرص الشديد على تأطير هذه "العملقة"، وتحجيم دورها الذي ينبغي أن لا يمسَّ مصالحها وأطماعها في الوقت نفسه..
ومن يتأمل سير الأحداث في المنطقة، وبخاصة في أفغانستان والعراق لا يخطئه النظر لأول وهلة أنه تنفيذٌ لبنود الخطة الأمريكية الغربية بأيدي شيعية تم توظيفها، وهو ما صرح به أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشئون القانونية والبرلمانية في ختام مؤتمر "الخليج وتحديات المستقبل"، والذي عُقد بإمارة أبو ظبي بتاريخ 13-1-2004م: (إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق, وإنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة)..
ولا يخرج هذا عن سياق ما أكده الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رافسنجاني في يوم 8/2/2002م أثناء خطبة الجمعة بجامعة طهران بقوله: «إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنه لو لم تساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني، يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أمريكا أن تُسقِط طالبان»(3).
1- المشروع الصهيو أمريكي والشيعي بين العودة الثانية للمسيح وقيام مملكته الألفية، وعصر الظهور الشيعي وقيام دولة المهدي العالمية:
من العجيب أن يتوافق الطموحان الغربي – الصهيوني/ والإيراني – الشيعي، وأن تتوافق العقيدتان: ففي الوقت الذي يمارس فيه بوش الأب، ومن بعده الابن - وهما من أتباع مذهب الميثودست- القدرية السياسية لاستعجال عودة المسيح المنتظر حسب عقيدتهم التوراتية، وذلك بتدمير العراق تدميرًا تامًّا كشرط لعودة المسيح، وإقامة مملكة الرب في فلسطين، وأن قيام إسرائيل ممهِّد لذلك في عقيدتهم على حسب رؤيا يوحنا العراف (اللاهوتي)...(8/4).
وعلى الرغم من أن أكثر هذه النبوءات غامضة ورمزية، بيد أن النصوص التي تتعلق بالعراق بها واضحة، وفيها يرمز إلى العراق باسم (بابل)، الذي كثيرًا ما يُستعمل في العهدين القديم والجديد إشارةً إلى البلد.
ورد في سفر يوحنا الإصحاح 16/8: (وحدثت بروق وأصوات ورعود، وحدث زلزال شديد لم يحدث مثله بهذه الشدة منذ أن وُجد الإنسان على الأرض، وصارت المدينة العظيمة ثلاثة أقسام، وانهارت مدن الأمم، وذكر الله بابل العظيمة ليناولها سورة غضبه).... وفيه إشارة إلى أن فكرة تقسيمها إلى ثلاث دول فكرة إنجيلية وليست وليدة الأحداث الأخيرة، وفي 17/5: (وعلى جبينها اسم مكتوب فيه سر، والاسم (هو) بابل العظيمة، أم بغايا الأرض وقبائحها)... وجاء في 18/1 من هذا السِّفر: (رأيت بعد ذلك ملاكًا آخر هابطًا من السماء، له سلطان عظيم، فاستنارت الأرض من بهائه، فصاح بصوت شديد: سقطت بابل سقطت بابل العظيمة)..
ومع قسوة وشراسة القصف الأمريكي لم تسقط بابل سقوطًا عظيمًا، وبالتالي لم يتحقق في عهد بوش الأب ما كان يأمله من التدمير التام، فجاء بوش الابن الأشد هوسًا بنبوءات التوراة والإنجيل ليكمل مسيرة الأب في تدمير العراق؛ كهدف استراتيجي لصالح إقامة مملكة الرب الذي يمهّد لها فرضية وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل)، على أن العراق موصوفة في هذه النبوءات بأنها ضد المسيح، فلا يُستغرب إذًا أن تخرج فلتة من لسان دبليو بوش تعبر عن دخيلة نفسه بوصفه حربه الأخير على العراق (2003م) بالحرب الصليبية القذرة، ويعترف شريكه في الجريمة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق بقوله: "أدرك أن الحرب الجديدة أيديولوجية"... وقد اشتهر بين الساسة والرؤساء هذا الهوس الإنجيلي للإدارة الأمريكية في عهد ريجان، ومن بعده بوش الأب، وكذلك بوش الابن، وكان أحد المحركات البارزة للسياسة الخارجية الأمريكية.(4)
وفي المقابل نجد الخميني وأتباعه من الشيعة على عكس عقيدتهم الجبرية في الانتظار التي تحثهم على الرضوخ والاستسلام، وعدم مقاومة ولاة الأمور لحين خروج المهدي، يكسر الحجتية -التيار النافذ، وكان يمثله في الحكم أحمدي نجاد- القاعدة بممارسة تلك القدرية السياسية لاستعجال خروج مهديهم المسردَب في سامراء منذ ما يزيد على ألف وثلاثمائة عام بإشاعة القتل والدمار والهرج والمرج، والفتنة العمياء المصحوبة بذلك الهوس المهدوي، وبخاصة في دول الظهور (العراق، والحجاز، واليمن)؛ إذ يقول خميني في خطاب له بمناسبة ذكرى مولد المهدي في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 1400هـ: "لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك، وأن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم في جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات هو المهدي المنتظر.. إنني لا أتمكن من تسميته بالزعيم، لأنه أكبر وأرفع من ذلك، ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول، لأنه لا يوجد أحد بعده وليس له ثانٍ، ولذا لا أستطيع وصفه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود.. على جميع الأجهزة في بلادنا، ونأمل أن تتوسع في سائر الدول، أن تهيئ نفسها من أجل ظهور الإمام المهدي -عليه السلام-، وتستعد لزيارته.."(5).
ومن العجيب أن لا يكمن التشابه في الهوس في انتظار المخلص؛ سواءً كان مسيحًا أو مهديًّا، ولكن كذلك في اشتراط الدمار والخراب والتقسيم للعراق، واستعجال ذلك؛ حيث جعلوا خرابها ودمارها من أبرز علامات نزول مسيحهم، أو خروج مهدي الشيعة، ولعل كتاب (عصر الظهور) للمرجع اللبناني علي الكوراني يعبّر عن ذلك أصدق تعبير بما ورد فيه من روايات تحكي قصة الظهور، وما يصاحبه من أحداث.
وعمدة ذلك عند الشيعة روايتان ذكرهما الشيخ علي الكوراني في كتابه المذكور بقوله إن: "أبرز الأمور في العراق في أحاديث ظهور الإمام المهدي عليه السلام الفراغ الأمني، والصراعات الداخلية في العراق والحجاز معًا، مما يدل على أن ضعف النظام، أو انهياره في هذين البلدين شرطٌ لظهور الإمام عليه السلام! فقد ورد أن العراق يكون منقسمًا قبل دخول الإمام -عليه السلام- إليه على ثلاث رايات! (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء)". (الإرشاد للمفيد/ 362).
لاحظ هنا: مدى التوافق مع الرؤية الصهيونية المسيحية في تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وبهذا تشترك الاستراتيجيتان في تفتيت وتقسيم العراق لأهداف عقدية وسياسية في نفس الوقت، يقول داهية السياسة الأمريكية هنري كسينجر في مذكراته: "من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية عليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية فهي الحلقة الرئيسة فيها"، ومن هنا كانت العراق حجر الزاوية، وبداية نسج المجال الحيوي لدولة المركز الشيعية (إيران)، كما أنها بداية دول الحزام المذهبي، ليتبعها لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، ومن ثَم البحرين وباقي دول الجزيرة العربية؛ على حسب نظرية الدومينو.
ومن الحجاز سيخرج المهدي، ومنها ستنطلق دعوته بعد فراغ سياسي وصراع للقبائل على السلطة، وهو ما يسعى إليه المشروع الشيعي استعجالاً للظهور المرتقب، وأن اليمن ستكون عضد الدولة الممهدة لدولة المهدي –وهذا يفسر سر الدعم اللامحدود للحوثيين في اليمن-.
أما مصر فليست بعيدة عن ذلك الهوس المهدوي؛ حيث سيتخذ منها مهديهم منبرًا، ومنها تنطلق دولته نحو العالمية؛ ليتخذ من بعض المصريين الذين هيئوا البلاد لمجيئه وزراء ونجباء.
ومن المغرب العربي سيلحق رجال الصدق بدعوته؛ بهذه المزاعم كلها جاءت روايات كتاب (عصر الظهور)، والذي علق عليها كاتبه بقوله: "ويُفهَم من هاتين الروايتين أنه سيكون لمصر في دولة المهدي العالمية مركز إعلامي متميز في العالم، خاصة بملاحظة تعبير (لأبْنِيَنَّ بمصرَ منبرًا)، ثم يسيرون إلى مصر فيصعد منبره، أي يسير المهدي –عليه السلام- وأصحابه إلى مصر، لا لكي يفتحها أو يثبت حكمه لها، بل لتستقبله هو وأصحابه –أرواحنا فداهم-، ولكي يصعد منبره الذي يكون منبره قد اتخذه فيها كما وعده جدّه أمير المؤمنين –عليهما السلام- وليوجه خطابه من هناك إلى العالم".(6)
وبذلك اقتفت الاستراتيجية الإيرانية أثر الاستراتيجية الصفوية في توظيف الجانب المذهبي توظيفًا يخدم السياسة التوسعية، ولكن تحت عباءة الطائفية الضيقة.
والمتابع للشأن الإيراني يجد الاهتمام البالغ في ترسيخ هذه المعاني المهدوية بوسائل وأساليب مختلفة تغذّي الضمير الجمعي للشيعة، وتوجههم نحو هدف واحد، هو أن دولتهم الحالية هي الممهِّدة لخروج المهدي، وينبغي أن يكون الشعب جميعًا جنوده.. ولتقنين تلك العقيد تم النص عليها في ديباجة الدستور الإيراني.
2 - الدور الوظيفي لإيران في الاستراتيجية الأمريكية (الغربية):
سبق الإشارة إلى أن قيام الدولة الصفوية في إيران قبل نحو خمسمائة عام كان إعلانًا بتقسيم الأمة عقائديًّا، وجغرافيًّا؛ إذ أصبح الشيعة يفصلون بين الكتلة السنية في وسط آسيا والهند وأفغانستان عن أهل السنة في تركيا والعراق ومصر، والدول الإسلامية الأخرى الواقعة في الغرب من إيران.(7).
وقد جرى توظيف دور تلك الدولة في إضعاف الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) في مرحلتها العثمانية.
وقد حكم هذا المبدأُ الاستراتيجي كلَّ ممارسات الغرب في الصراع ضد الأمة ودولها عبر التاريخ من بعد؛ إذ كان المبدأ المعتمد غربيًّا خلال مرحلة ما بعد سقوط الخلافة أو إسقاطها عبر الحرب العدوانية الأولى (المعروفة بالحرب العالمية الأولى، وفي حقيقة الأمر لم تكن عالمية؛ حيث كانت أوروبية -أوروبية) التي لم تكن في جوهرها إلا حربًا على الدولة الإسلامية، ولذا لم يكن أمرًا طارئًا أن انتهت إلى نتائج إسقاط الخلافة، واقتسام – وتقسيم – الدول الإسلامية (العربية) بين المنتصرين في تلك الحرب.
وهو ذات المبدأ الاستراتيجي الذي لم يتغير ما بعد الثورة الخمينية، بل شهد تفضيلاً استراتيجيًّا أعلى، على اعتبار أنه لن تمثل الطائفة الشيعية خطرًا حقيقيًّا على مصالح أمريكا والغرب، وأن السنة على مدار تاريخهم هم قادة المواجهة مع الغرب الصليبي، بينما الشيعة على مدار تاريخهم أيضًا كانوا أداة الهدم والإرباك داخل الدولة الإسلامية لمعارضتهم الدائمة للنظام الحاكم في هذه الدولة.
ولم يخرج هذا الدور الوظيفي للدولة الشيعية في إيران عن قواعد اللعبة الغربية، سواء كان متخفيًا تحت التاج الكسروي بشعاراته القومية الآرية كما في عصر الشاه أيام المد القومي العربي الذي اجتاح المنطقة، فلعب الشاه دور شرطي الخليج العربي بدعم إنجليزي أمريكي كفزّاعة تكرّس الوجود والتبعية للغرب في دوله؛ بزعم حمايتهم من أطماع الشاه، فضلاً عن استنزاف ثرواتهم تحت وهم حمايتهم؛ ولذلك تغاضى الإنجليز عن احتلال الشاه لإقليم الأحواز العربي، ومن بعده الجزر الإماراتية الثلاث من ناحية، ولإشغال العالم الإسلامي في صراع القوميات ما بين عربية وفارسية وطورانية من ناحية أخرى.
كما نظر –أي: الغرب- إلى إيران كعازل وفاصل حضاري بين الاتحاد السوفييتي السابق (وما في داخله من دول إسلامية جرى احتلالها، وضمها داخل تلك الإمبراطورية التي تشكلت بعد الحرب الثانية)، وبين دول الشرق العربية الإسلامية وبخاصة دول منطقة الخليج العربي، والعراق وسوريا ولبنان.
كان الشرط اللازم (غربيًّا) لإنفاذ هذا الدور الوظيفي، هو أن يكون النظام الإيراني (الشاه) تحت السيطرة الكاملة للغرب (الولايات المتحدة)، حتى لا يستثمر ذاك الدور الوظيفي في تحقيق مصالح تتوازى مع ما يمتلكه من قوة تهديد لمصالحه في دول الخليج؛ إذ كان الشرط اللازم لهذا الدور: عدم تمكين إيران استراتيجيًّا من تحقيق مصالح تنافسية مع الغرب في تلك الدول، إلا في حدود ما يوافق عليه الغرب.. أو كان هذا الدور الوظيفي تحت عمائم ملالي الشيعة باسم الإسلام للالتفاف على تيار الصحوة الإسلامية السنية الجارف، والحدّ من نفوذه، والذي بدأ يعيد لأذهان الغربيين دولة الخلافة الإسلامية وأيام مجدها، فكان لا بد من إشغاله من الداخل؛ من خلال بعث حرب الأفكار والعقائد المتناقضة، ودعم الجانب الطائفي أو العرقي الأضعف فيها لإطالة أمد الصراع والشقاق داخل المجتمعات الإسلامية من خلال ما أطلق عليه (الفوضى الخلاقة) بغية إنهاك الحضارة الإسلامية الصاعدة مقابل الحضارة الغربية الآفلة.
وبالتالي لم يفت على الغرب إعادة إحياء الملف الشيعي بشكله الصفوي؛ للتمهيد لفكرة الشرق الأوسط الجديد، أو لـ«سايكس بيكو» جديدة؛ من خلال ما نُشر عن نظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي (زيغينو بريجينسكي) عن قوس الأزمة، وخاصة القوس الجنوبي (ما يُطلق عليه الشرق الأوسط)، بعد تفكك القوس الشمالي (الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية) وانهياره، وما نتج عنها من فكرة المفكر الأمريكي برنارد لويس, ورالف بيترز عن خريطة الدم، وإعادة تقسيم المنطقة، ورسم الخريطة الجيوسياسية لها على أساس مذهبي تارة، أو عرقي إثني تارة أخرى؛ لتمرير مفاهيم العولمة، وتكريس التبعية للغرب وأمريكا تحديدًا؛ ليصبح القرن الواحد والعشرين في النهاية قرنًا أمريكيًّا..
وكما لعب الملف الشيعي دورًا رئيسًا في السابق يمكن أن يلعب نفس الدور في الوقت الحاضر، لذلك تخلت الإدارة الأمريكية بقيادة كارتر -الذي كان يرأس مخابراته آنذاك جورج بوش الأب - بكل سهولة عن حليفها الوفي الشاه محمد رضا بهلوي ليموت طريدًا عام 1980م خارج بلاده بعد أن ساعدت الخميني؛ ابتدءًا من الحرب الدعائية، إلى تجهيز الأسلحة والذخيرة، وانتهاء بالاتفاق مع قادة الجيش بتوجيه الإنذار الأخير للشاه بضرورة مغادرة إيران في يناير 1979م، ليتربع الخميني على عرش الطاووس في 2/9/1979م تحت شعارات إسلامية تدغدغ العواطف، وتأسر القلوب؛ لينفذ من خلاله إلى المجتمعات السنية مستخدمًا التقية السياسية بشكل بارع، وإن شئت الدقة مستخدمًا الباطنية السياسية التي تعلن ضد ما تبطن، لا من أقوال فقط، ولكن من أفعال ومعاهدات ومؤامرات سرية، وذلك وفق ما يطلق عليه في الفارسية (بشت برده) أي: دبلوماسية ما وراء الستار.
الثورة الخومينية عمقت الدور الوظيفي لإيران داخل الاستراتيجيات الغربية
وحين جرت الثورة الخمينية، كانت -ومازالت- الدول العربية تائهة بلا رؤية استراتيجية، تجعلها تفهم وتدرك ما هو قادم، وبينما كل منها يقلب في الحدث بحثًا عن مصالح نظامه، فبعضها يبحث عن تحالف مع "الخطر القادم"، كما هو حال سوريا وليبيا، وبعضها يبحث عن تحالف مع الخطر القائم -ألا وهو الغرب-، كما هو حال مصر ودول الخليج، كان الإيرانيون الجدد- الصفويون الجدد- يفرقون استراتيجيتهم ودورهم الوظيفي داخل الاستراتيجية الغربية، وكيف يتفاعلون معها، وكان الغرب محكومًا بالمبدأ الاستراتيجي الحاسم الذي ظل ثابتًا منذ تشكُّل الدولة الصفوية، وتعمَّق عبر دولة وحكم الشاه، وصار أكثر انضباطًا وتحديدًا وفق متغيرات ما بعد الحرب العدوانية الثانية، بما في ذلك «تطويع إرادة قادة إيران ليظلوا في داخل دورهم الوظيفي دون خروج عنه».
لقد عمّقت الثورة الخمينية الدور الوظيفي لإيران داخل الاستراتيجيات الغربية في جانب الفصل الحضاري والسكاني، حين ارتدى هذا الفاصل عمامة وهوية، وصار شعبيًّا على نحو أعمق في داخل إيران، كما تعمق الدور التهديدي لإيران تجاه دول الخليج بفعل مقولة وممارسات (واستراتيجية) تصدير الثورة للعراق ودول الخليج التي تحولت من بعد إلى استراتيجية تحقيق الولاية على الشيعة، وكسب ولائهم للولي الفقيه ودولته، وتشكيل نطاقات قتالية منهم في منطقة الهلال الشيعي خاصة –لحماية المركز- عبر تفتيت دول المحيط الجغرافي من لبنان إلى اليمن.
لقد ارتدى الحكم في إيران طابع "التشيع"، فجاء موجَّهًا نحو المسلمين "السُّنّة" بكل دوره وآلياته، متحولاً إلى نمط من الاستراتيجية العالمية التي انصبَّت في صالح استراتيجية التصدير للثورة، بما أحدث نقلة هائلة في طبيعة المخاطر والمهددات التي انتقلت من طبيعتها السياسية والمصلحية ضد الدول في إطار من الضغط الخارجي- خلال حكم الشاه- إلى اختراق المجتمعات وخلخلتها من الداخل، وإلى العالمية؛ حيث يتواجد المسلمون في كل مكان، بيد أن كل ذلك جاء حاملاً "لخلل" في الشرط الأساس من شروط الدور الوظيفي لإيران في الاستراتيجية الأمريكية/ الغربية لتعارضه مع غايات وأهداف الدول التي تتأثر مباشرة به "دول الخليج وأمريكا"؛ إذ صار لإيران "طموح استراتيجي إقليمي- ودولي، وهو ما جعل أمريكا/ الغرب تمارس دورًا استراتيجيًّا ضاغطًا لإعادة إيران إلى دورها المخوف للإقليم، والعازل بين روسيا (والصين من بعد) والشرق، ولذا تجري حالة الصراع الراهنة، التي لم تتطور بين الغرب وإيران طوال المرحلة الماضية، رغم كل الضجيج العسكري والسياسي والدبلوماسي حول البرنامج النووي الإيراني الذي يعتبره الغرب بأنه أداة خروج إيران عن هذا الشرط؛ إذ من يمتلك قدرة نووية لا بد أن يطلب مصالح موازية في الإقليم- وعلى الصعيد العالمي- في تلك المنطقة بالغة الحساسية للاستراتيجية الغربية اقتصاديًّا وعسكريًّا، إلا أنه قد انتهى هذا الصراع السياسي والدبلوماسي باتفاق فيينا مع مجموعة (5+1)؛ لتطالب إيران حال تنفيذه بحقوقها كقوة إقليمية في المنطقة.
في الوضع الراهن، بلغ الدور الوظيفي لإيران أعلى نقاطه في تحقيق الاستراتيجيات الغربية- ما بعد زوال وانتهاء الحرب الباردة-؛ إذ صارت إيران واستراتيجية التبشير والتشيع أداة لمواجهة الصحوة الإسلامية، واندفاعاتها نحو بناء قطب إسلامي عالمي، وأداة لتفكيك المجتمعات من الداخل (على أسس مذهبية)، ودفع دول العالم الإسلامي نحو التفكك، وكلها أهداف للاستراتيجية الغربية الأمريكية في المرحلة الراهنة، سواء ما كان منها مرتبطًا بنظرية وخطوط نشاط ظاهرة العولمة التي تقوم على تذويب العقائد والبنى الحضارية في الدول غير الغربية، وتسييد العقائد والنظريات والمفاهيم والعادات والتقاليد الأمريكية في مختلف دول العالم، أو ما كان مرتبطًا بخطة تفكيك المجتمعات، وتقسيم جغرافيات الدول، وتفكيك وبعثرة كياناتها عبر تطوير حالة التفكك في المجتمعات، أو عبر تغيير القواعد والأسس التي قام عليها النظام الدولي؛ من خلال "مبادئ جديدة" تتمحور حول إنقاص سيادة الدول، وإعمال خطط التدخل في شئونها الداخلية (في كل المجالات، سواء النظم السياسية، أو حقوق السيادة، أو النظم الاقتصادية، أو قوانين المرأة... إلخ) وفق معاهدات دولية يتم التوقيع عليها تحت رعاية الأمم المتحدة، بما في ذلك حق التدخل العسكري المسلح للإطاحة، وتغيير النظم الداخلية حال رفضها الانصياع للمطالبات والمصالح الغربية من جهة أخرى، وهو ما صار يهدد بعد الوصول إلى تسوية بينهما بخصوص الملف النووي الإيراني بعقد اتفاقية (سايكس بيكو جديدة) تُقسم فيها الدول الإسلامية بعد تفكيك القائم منها الآن إلى مناطق محتلة، وأخرى مراكز نفوذ من كلا الطرفين الإيراني والغربي.
هذا.. في الوقت الذي لا أبرئ حكومات ما بعد سايكس بيكو التي تحكم الشعوب العربية والإسلامية السنية من الاضطلاع بدور وظيفي آخر يدور في فلك الاستراتيجية الغربية/ الأمريكية، ويحقق خططها في وأد المشروع السني الذي يخشى الغرب صحوته، ويعلل ذلك مور بيرجر في كتابه (العالم العربي الإسلامي) بـ"أن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجًا من وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام، يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوتهم؛ لأن قوتهم تتصاحب دائمًا مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره".. (8).
ويقول لورانس براون: "الخطر الحقيقي كان في نظام الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته؛ لأنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي".(9).
وما تخفي صدورهم أكبر...، قد قامت هذه الأدوات الوظيفية (الحكومات العلمانية) تابع بعد تابع بالدور المرسوم لها على أكمل وجه؛ في محاولة تصفية الاتجاهات والحركات الإسلامية، ففي تحليل لصحيفة الفيجارو الفرنسية تشير إلى: "أن الاتجاهات اليسارية والليبرالية المعارضة لنظام حسني مبارك ونظام سلفه السادات ليست ذات أهمية، ولا تشكل أي خطورة ضد نظامه؛ لأن المعارضة الحقيقية في مصر تمثلها الاتجاهات الإسلامية وحدها".(10)
ثانيًا: منطلقات الاستراتيجية الإيرانية / الشيعية:
1- التاريخي: وفيه تستند الاستراتيجية الإيرانية / الشيعية على التاريخ والجغرافيا معًا للتدليل على أن حضورها في المنطقة، وتأثيرها هو جزء وامتداد طبيعي يستعيد لها حدود الإمبراطورية الساسانية الجغرافية؛ بما في ذلك اليمن، وبعض أجزاء من المنطقة العربية، وفي سبيل ذلك تستدعي بعض المكتشفات الأثرية إعلاميًّا بشكل ممنهج ومتكرر لتشكيل مزاج عام داخلي يدعم طموحها السياسي هذا.
وهو أمر لا تخطئه العين، فبين فترة وأخرى تخرج تصريحات من كبار المسئولين تعبّر عن تجذُّر هذا المرتكز التاريخي في العقلية الإيرانية السياسية، ولعل تصريح علي يونسي مساعد الرئيس الإيراني (حسن روحاني) ووزير الاستخبارات الأسبق ووصفه بغداد بأنها عاصمة إيران كما كانت في السابق يؤكد ذلك، وكذلك تصريح رحيم صفوي مستشار المرشد حين قال: "إننا وصلنا إلى البحر المتوسط للمرة الثالثة".
وواضح أن الهدف من إحياء الحلم الساساني استغلالاً لقوة النزعة القومية في الهوية الإيرانية في العصر الحديث، أو تحت دعوى استعادة الميراث الصفوي فالعراق مثلاً يعتبرونه بشكل عام من ميراث الدولة الصفوية التي قامت على أنقاض دولة الخروف الأبيض (أق قوينلو) التركمانية التي كانت تحكم العراق وإيران، وهكذا... مستغلين في ذلك تلك الخصائص الجيواستراتيجية التي تمتلكها دولة المركز –إيران- من الكتلة البرية الواسعة والبحرية الممتدة على الخليج العربي وبحر عمان، وامتلاكها لمضيق هرمز المشرف عليهما، فرغم ما يمثله هكذا موقع جغرافي من عوامل للقوة في تفعيل التمدد المذهبي في المحيط السني، بيد أن اتصال إيران بمناطق التماس والحزام السني قد وضعها في صراع دائم معه منذ برزت كدولة ذات وحدة سياسية مغايرة مذهبيًّا، وذات طموح توسعي –الدولة الصفوية- وقد قامت استراتيجيتها للحفاظ على تماسك الداخل الإيراني المتعدد العرقيات والديانات والمذاهب على تشكيل مصدات مذهبية تنقل إليها الصراع خارج حدود الدولة المركزية لتجتمع تلك الأقليات على قضية قومية واحدة، وتتفرغ الدولة فيها للبناء الداخلي، وهي نفس الاستراتيجية التي يتبناها المشروع الشيعي في صورته المعاصرة من تحديد ثلاثة مجالات حيوية مذهبية يتشكل منها وفيها المصدات المذهبية للحفاظ عليه، وهي:
أ- المجال الحيوي الشمالي، ويشمل دول القوقاز وآسيا الوسطى وشمال غرب آسيا وبحر قزوين، ورغم ما تمثله هذه الدول من مصدات أمام الأطماع الروسية التاريخية، مع ما تكتنزه تلك الدول من موارد وعوائد اقتصادية إضافية؛ تعمل مع غيرها كخطوط إمداد مذهبية لصالح المشروع، ولم تعطِ إيران هذا المجال أولوية لخضوعه للمجال الحيوي الروسي الذي تؤجل معه المواجهة، بينما استخدمت أساليب الاختراق الناعم مستغلة الاستنفار الروسي ضد الصعود السني في الجمهوريات الإسلامية بعد هزيمتها منه في أفغانستان التي تعتبرها إيران جزءًا تاريخيًّا منها، فتقدمت كبديل يهدئ من روع الروس، لتعمل إيران ومشروعها ضمن استراتيجية المواجهة مع الإسلام السني صاحب الأرض في الجمهوريات ذات العلاقة سابقًا بالاتحاد السوفييتي بتنسيق كامل مع الروس.
ب- المجال الحيوي الثاني، والأكثر أهمية لإيران الجوار الجنوبي الممثل في دول الخليج العربي والعراق بما يمتلكه من مخزون روحي يدعم مكانة الدولة المركزية، ويؤكد زعامتها على العالم الشيعي في حال سيطرتها على المدن والمراقد المقدسة عند الشيعة بالعراق، مثل النجف وكربلاء، والسيطرة على مرجعيتها، وزعامتها للعالم الإسلامي بأسره حال سيطرتها على مكة المكرمة والمدينة المنورة، يقول علي أكبر ولاياتي: "إن ساحلنا الجنوبي والخليج ومضيق هرمز وعجمان، هي حدودنا الاستراتيجية الأكثر أهمية، وإن هذه المنطقة حيوية بالنسب لنا، ولا يمكن أن نكون لا مبالين حيالها" (11).
وبالفعل لم يكونوا غير مبالين حيال هذه المنطقة الحيوية، وهو ما تم من خلال تحالفها مع الأمريكان في ضرب وتفتيت الكيان السني في العراق كقوة إقليمية منعت إيران طوال قرون من التوسع مذهبيًّا، مستخدمة معها القوة الخشنة من تكوين وتسليح المليشيات الشيعية التابعة لها، إلى التدخل المباشر سياسيًّا واقتصاديًّا، على أن العراق حجر الزاوية في المجال الحيوي كمصدة مذهبية أولى لها، وساحة الصراع التاريخي مع العثمانيين رافعي لواء السنة مقابل الصفويين الشيعة، وأن العراق بتكوينه المذهبي إحدى دول الصدع المذهبي لوجود الأقليات الشيعية الفاعلة فيه، والتي تشابهه بعض دول الخليج، لاسيما البحرين التي تزيد فيها نسبة الشيعة، ومن بعدها الكويت والإمارات، وإن كانت السعودية بها أقلية شيعية مرتبطة بإيران ونشطة لذلك تليهم في الأهمية، ولكن نظرًا لقوة الحكومة والمحيط السني المتماسك لا تفتأ إيران عن تحريك هذه الأقلية للإنهاك الدائم، وعدم الاستقرار الذي يُستخدَم كورقة ضغط ومساومة، أو خلخلة وإرباك للدولة الشقيقة الكبرى لباقي دول الخليج التي تقوم الاستراتيجية الشيعية بالعمل على إضعافها لإضعاف العالم السني من بعدها.
ج- بينما المجال الحيوي الثالث يشمل بقية دول الظهور المذهبي بما فيها دول الشام واليمن، ومصر والمغرب، ومن ثَم يأتي بعدها في الأولوية باقي دول العالم لامتلاك أوراق ضغط متعددة على الساحة الدولية، وبخاصة في أمريكا والدول الغربية وروسيا والصين؛ حيث يستفيد الشيعة من مناخ الحرية والانفتاح والديمقراطية في تكوين جماعات ضغط –ستأتي الإشارة إلى دورها لاحقًا- تساعد في الحفاظ على المشروع وأدواته، ومن خلال تكوين أقليات تابعة ولائيًّا لها – مذهبيًّا وسياسيًّا.
2- القومي: ويدعمه ما سبق الإشارة إليه، والذي يوحد بدوره جميع الفرقاء الإيرانيين، سواء في الداخل الإيراني أو خارجه حول أحقية الدور الإيراني في المنطقة، وضرورة ظهورها بوصفها القوة الإقليمية الأقوى في المنطقة، وهو ما تطابقت عليه رؤية وثيقة العشرين للتنمية (2005-2025م) مع رؤية إيران الخارجية خلال العشرين عامًا التي أقرها مجمع تشخيص مصلحة النظام في عام 2002م بأن تصبح إيران الدولة الرائدة التي تتبوأ المركز الأول اقتصاديًّا وعلميًّا وتقنيًّا على الصعيد الإقليمي ليؤهلها أن تصبح الدولة الحامية والقلب للشرق الأوسط الإسلامي الجديد الحر حسب تعبير خامنئي في خطبة الجمعة 4 فبراير 2011م.
وتحت هذه الراية القومية في شكلها العلماني؛ تحرك شاه إيران لاحتلال بعض الأراضي العربية تحت مزاعم الإرث الساساني، ولم تختلف سياسات خميني ومن تلاه في البناء على نتائج سياسات الأسرة البهلوية، ولكن مع استعادة الإرث الصفوي الذي نجح في توحيد مختلف العرقيات والإثنيات التي استوطنت بلاد فارس؛ من عرب وأتراك، ومغول وفرس، وأكراد وبلوش نحو قومية مذهبية تذوب فيها تلك العرقيات جميعًا، مستخدمًا نفس أساليبه ووسائله في ظل هذه التركيبة الفسيفسائية.
وترتكز سياسة نظام ولاية الفقيه التي تحكم إيران حاليًا على بعدين رئيسين؛ هما: البعد القومي والبعد المذهبي. وقد سيطر هذان البعدان على توجهات إيران واستراتيجياتها على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء. هذان البعدان يتم استخدامهما من قبل نظام ولاية الفقيه في إيران لتفادي الاستحقاقات الداخلية من خلال الترويج لنظرية تعتمد على فكرة «العدو المتربص» بالبلاد الذي سوف ينقضّ عليها إذا لم يتم أخذ كافة الاحتياطات والسبل للتصدي له ودحره بكافة الوسائل.
3- المذهبي: لم يختلف الأمر كثيرًا ففي مرحلة الشاه حاول إبراز إيران بقوميتها الفارسية ونهجها العلماني كدولة عظمى، بينما في مرحلة خميني ودولته استُخدم التشيع كنهج سياسي يُخفي تاجه تحت عمامة ملالي الشيعة؛ لترسيخ نظرية جديدة قوامها أنها ليست دولة عظمى فقط تنافس غيرها في المنطقة، ولكن بوصفها دولة ولاية الفقيه النائب عن المهدي، الممهدة لدولته العالمية التي تمثل فيها إيران أم القرى التي تتبعها باقي الدول الإسلامية التي وضع لها محمد جواد لاريجاني (أحد أبرز العقول السياسية الإيرانية..عضو ومستشار في مجلس الأمن القومي الإيراني وعضو مجلس الشورى ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية التابع له) نظريته تحت عنوان "مقولات في الاستراتيجية الوطنية" التي تقوم على:
أ- أولوية الحفاظ على أم القرى دار الإسلام على أيّ أمر آخر، يشير إلى ذلك بقوله: "في القرآن الكريم أم القرى يعني مكة، ولذا ينبغي أن تكون قم هي مكة"، ولإضفاء المشروعية والقداسة على نظريته يدعي أنها تنبع من الكتاب والسنة مستدلاً بقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى الآية 7] ، وبالتالي تقوم أم القرى مقام دار الإسلام في العصر الحديث، فانتصارها هو انتصار الإسلام، وهزيمتها هزيمة الإسلام يقول: "لب الموضوع في نظرية أم القرى أنه إذا أصبحت دولة من بين البلاد الإسلامية أم القرى دار الإسلام، على نحو تعد فيه هزيمتها أو انتصارها هزيمةً، أو انتصارًا للإسلام كله؛ فإن الحفاظ عليها يأخذ أولوية على أيّ أمر آخر".
مما يستوجب على كل فرد مسلم المحافظة عليها فيقول: "إيران الإسلامية ليست إحدى الدول الإسلامية فحسب، فهذا تجاهل للوضع التاريخي للشعب الإيراني، وفي الحقيقة هو تنازل (الإنسان) إلى الإقليم الجغرافي، والواقع أن إيران -يقصد التي عاصمتها الدينية قم- هي أم القرى/ دار الإسلام، انتصار أو هزيمة إيران هما انتصار وهزيمة الإسلام ومن ناحية أخرى، إيران هي مهد الإسلام الحقيقي والخالص....".
وقال: "أصبحت إيران أم القرى دار الإسلام، وأصبح عليها واجب أن تقود العالم الإسلامي، وعلى واجب ولايتها، أي: أن إيران أصبحت لها القيادة لكل الأمة. بناءً على ذلك فإن الإمام كان له مقامان في نفس الوقت: الأول مقام القيادة القانونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تم تعريفها طبقًا للدستور، وقد حددت واجباتها وصلاحيتها، والمقام الآخر ولاية العالم الإسلامي التي أقرها الواجب الشرعي" (12)، إن كانت إيران هي أم القرى وفق هذه النظرية، فإن قم تكون عاصمتها المقدسة؟!
ب- تصدير الثورة: وبناء على نظرية أم القرى تلك كان مبدأ تصدير الثورة الخمينية أبرز واجباتها للتمهيد للدولة المهدوية التي سبق الإشارة إليها يقول خميني: "كلمتي الأخيرة التي أوجهها إليكم هي أن تبقوا أوفياء للجمهورية الإسلامية.. وأن تعملوا على إعداد الأرضية لظهور منقذ البشرية وخاتم الأوصياء ومفخرة الأولياء.. وذلك من خلال تجليكم بالاستعداد الدائم للتضحية وتصدير الثورة...".
مع الحرص على تصدير أن جناحي الحكم في إيران؛ الحمائم والصقور، أو الإصلاحيون والمحافظون لا يختلفان في ذلك، يقول آية الله محمد علي تسخيري مستشار آية الله علي خامنئي مرشد الدولة: "إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية، ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني، ويؤمنان بمبادئ الدستور، ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور، وهي لزوم أن يكون القائد فقيهًا أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه، وأنهما معًا يؤمنان بهذه المبادئ، ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته".(13)
وأعتقد أن هذا الكلام من تسخيري فيه قدر من المبالغة والتهويل على حسب مبدأهم لتصدير صورة للرأي العام الداخلي والخارجي بوحدتهم وقوة تماسكهم؛ وذلك بسبب وجود اختلاف وتباين بين الأجنحة السياسية والفكرية، وما يرتبط بها من روابط وأحزاب ومؤسسات ونقابات حول عدد من المسائل الحيوية، ومن أهمها: مبدأ ولاية الفقيه، بين مَن يرى أن منصبه منصب إلهي معصوم، عبارة عن امتداد لمنصب الأنبياء وأئمتهم المعصومين عندهم، ولا رأي للشعب في اختياره، ولذلك فإن صلاحياته فوق الدستور، وأنه غير مسئول عن أعماله وقراراته أمام الشعب، ويمثل هذه الآراء: تيار الزعامة الدينية والتكتلات ذات الاتجاه الواحد المرتبطة به.. (14)، وجمعية الدفاع عن القيم(15)، وأنصار حزب الله (16)، وعلى الطرف المقابل نرى مجمع علماء الدين وأنصاره (17)، وجماعة كوادر البناء "تيار العمال" (18)، والحركة الطلابية (19)، على العكس من ذلك؛ إذ تنزع عن منصب الولي الفقيه القداسةَ، وتدعو لانتخابه من الشعب مباشرة الذي له حق محاسبته، وأن صلاحياته يحددها الدستور.
وانطلاقًا من العقيدة المهدوية، وعصر الظهور؛ فإن أحد أهم واجبات الدولة الإيرانية التمهيد لدول المهدي "التخلص من الطغاة، وإحلال العدل والمساواة"، وبوصفها راعية التشيع في العالم مما أعطاها مسوغًا ومبررًا للتدخل في شئون الدول الإسلامية؛ بحجة دعم المستضعفين ومحور المقاومة. وهو ما تم النص عليه في الدستور الإيراني بأشكال متعددة فتشير المادة (9) إلى أن مسئولية الجيش وقوات حرس الثورة لا تنحصر في حماية الحدود، بل إنها تتحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.
وفي المادة (154) تعتبر إيران أن "سعادة الإنسانية في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها"، وعليه فإنها "تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية منطقة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب الأخرى".
وبالفعل فهي لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب غير الإيرانية؛ لأنها لا تعترف أصلاً بدولها؛ انطلاقًا من نظريتها تلك، وإن استخدمت التقية السياسية – الدبلوماسية - وتبادل الأدوار بين رئاسة الدولة ومرشدها الأعلى، وهو الأمر الذي لم ينتبه له الكثير من الساسة العرب؛ لتنحيتهم وفصلهم للجانب العقدي وتأثيراته السياسية، انطلاقًا من نهجهم العلماني في التصور والممارسة.
وقد اختلف أسلوب وتكتيك تصدير الثورة بعد الهزيمة المنكرة للمشروع الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية، وبخاصة بعد تولي خامنئي مقام الولي الفقيه إلى التصدير الناعم الذي يهدف إلى التغيير التدريجي في المنطقة؛ بما يضمن لها النفوذ الأكبر، فانتقلت الاستراتيجية من تصدير الثورة المسلحة، وما أحدثته من محاولة الانقلاب على نظام الحكم في البحرين عام 1981م إلى تصدير الثورة الثقافية على ما ستأتي الإشارة إليه لاحقًا بإذن الله تعالى. (20)
4- الاقتصادي:
إن قوة اقتصاد الدول أحد العوامل المهمة لتنفيذ سياستها الخارجية، وبخاصة لدولة مثل إيران التي تحمل مشروعًا إمبراطوريًّا كسرويًّا مذهبيًّا (شيعيًّا) يعمل على توحيد الجغرافيا المذهبية الشيعية في العالم الإسلامي تحت رايتها، مما يلقي عبئًا اقتصاديًّا إضافيًّا على الاقتصاد الإيراني المثقل بمشكلات وتحديات داخلية كبيرة لتغذية أطراف المشروع وربطه بها؛ حيث وصلت نسبة البطالة حسب التقديرات الرسمية الإيرانية إلى حوالي 17%، وكذلك نسبة التضخم التي تشير المصادر الدولية إلى أنها بلغت معدلات 18%.
وبالتالي لم يُغفل واضع الاستراتيجية الموقعَ الجغرافي المتميز لإيران كدولة مركزية للمشروع في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي، ومجاليها الحيويين: دول الخليج العربي بما تمتلكه من احتياط مذهبي، واحتياطي نفطي وغازي كبير.. وبين مجالها الحيوي الشمالي (دول القوقاز وآسيا الوسطى، وبحر قزوين، وشمال غرب آسيا)؛ حيث يحتوي بحر قزوين على (200) مليار برميل بترول، و(600) ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
ومن هنا فإن إيران تعتبر واحدة من تلك الدول الغنية في هذا المجال؛ حيث تمتلك 14% من احتياطي النفط في العالم بحدود (128) مليار برميل، و(45,5%) من احتياطيات الغاز في كل منطقة الخليج بحدود (940) تريليون قدم مكعب من الغاز، وكان لاقترابها من مناجم الذهب الأصفر الأكبر في العالم في أوزبكستان؛ حيث ينتج 50 طن سنويًّا من الذهب، وهي على مقربة كبيرة جدًّا من أكبر منجم للفضة في العالم بطاجيكستان.
وبعد سيطرتها السياسية والاقتصادية والفكرية على العراق مما مكّنها من استغلال نفطه، وبما باتت تمتلكه من أوراق قوة متعددة ومتنوعة ازداد ثقل إيران -كدولة حاملة لراية المشروع الشيعي- في الشئون الإقليمية والدولية، ومن هنا تعمل استراتيجية المشروع الشيعي على استثمار الخصائص الجيواستراتيجية والديمغرافية والمذهبية والاقتصادية لتخفيف الضغط الداخلي، مع تغذية أطرافه في نفس الوقت من خلال الضم أو السيطرة على هذين المجالين الحيويين لها ضمن حزامها ومصداتها المذهبية التي تضمن لها في الوقت نفسه زيادة إيراداتها من أموال الخُمس التي تُدفع لمرجعيتها، والتي تقوم بإعادة تدويره لخدمة المشروع فضلاً عن فتح المزيد من الأسواق في الدول التابعة لها مع ما ستدرّه السياحة الدينية من عملة صعبة، وبخاصة بعد تنفيذ بنود اتفاق فيينا، وبخاصة فيما يتعلق بفك الحظر عن التصدير والتعامل الاقتصادي والأموال المجمدة لإيران.. كل ذلك سينعكس إيجابيًّا على الاقتصاد المحلي والمذهبي –المرتبط بتمويل استراتيجية المشروع الشيعي-..
ومن هنا فإن المرتكز الاقتصادي حاضر بقوة في استراتيجية نشر التشيع لأثره البالغ في قوة التحالفات السياسية، وبخاصة مع روسيا والصين؛ الأمر الذي يدعم استراتيجية المشروع الشيعي مقابل مقاومة الدول السنية، وبخاصة دول الخليج العربي، في الوقت الذي لا يغيب هذا المرتكز الاقتصادي كأحد أدوات القوة الناعمة للنفوذ والتغلغل في دول المجال الحيوي وغيرها.
ولعل خير مثال على ذلك ما يتم في ذلك من تجهيز الجنوب العراقي لتغيير هويته بإضفاء الروح الفارسية عليه مذهبيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا؛ حيث بلغت الاستثمارات الإيرانية فيه أكثر من 13 مليار دولار(21)، وغير بعيد عن ذلك الغزو الاقتصادي الممنهج لأسواق دول الخليج، وأثره على التمكين للمشروع الشيعي في دوله ودعمه خارجه، فعلى الرغم من احتلال إيران للجزر الإماراتية نجد أنه قد وصل التغلغل الاقتصادي في الإمارات العربية إلى حد كبير يبرزه حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات، فقد وصل التبادل التجاري مع إمارة دبي في عام 2000م إلى 1653 مليون دولار، ووصل عدد الشركات الإيرانية العاملة في الإمارات إلى 3500 شركة، نصفها في دبي، وبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في جزيرة قشم الإيرانية نحو 1،5 مليار دولار في فبراير 1997م. (22)
وفي عام 2003م بلغ التبادل التجاري بين البلدين 4,4 مليار دولار بما يعادل 13،5% من مجموع التبادل التجاري بين إيران ودول العالم، والبالغ 32,5 مليار دولار، كما أصبحت إيران أهم الأسواق بالنسبة للإمارات في مجالي الاستيراد وإعادة التصدير.(23)
وفي عام 2008م بلغ حجم صادرات الإمارات لإيران 13,2 مليار دولار،.. وفي عام 2010م زادت قيمة تجارة إعادة التصدير بين إيران والإمارات إلى أكثر من 8,5 مليار دولار(24).
وبذلك كانت دبي منفذها الاقتصادي المهم على العالم للالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها على خلفية ملفها النووي.
في الوقت الذي سعت فيه الاستراتيجية الإيرانية لنشر التشيع للعمل على إيجاد شبكة مصالح استراتيجية مع الدول الغربية وروسيا والصين، يدعم موقفها، ويحمي مشروعها، وقد كان لهذا المرتكز الاقتصادي دوره المهم في انتهاج الدول الغربية وبخاصة بريطانية وألمانيا لسياسة برجماتية تراعي مصالحهما الاقتصادية مع إيران على عكس السياسة الأمريكية، وقد نجحت إيران في استغلال هذه السياسة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، وتوظيف هذه المصالح الاقتصادية في التمهيد لاتفاقية فيينا الأخيرة حول مشروعها النووي.
ويأتي المرتكز التكنولوجي ببعده النووي، وتوظيفه بعد كل ذلك كوسيلة وأداة لحماية استمرارية المشروع الشيعي وديمومته.
ثالثًا: الوضع الاستراتيجي الإيراني- الشيعي:
لقد شهدت الخطة الاستراتيجية للنشاط التبشيري الشيعي اندفاعة كبرى مع تزايد القوة والقدرة الاستراتيجية للدولة المركزية في هذه الاستراتيجية- إيران- ومن قبل حين تحولت تلك الاستراتيجية من تحركات تمارسها جماعات ضالة معزولة داخل دول أخرى إلى استراتيجية للدولة الإيرانية، لتتحول من استراتيجية إقليمية تهدد دول الخليج بشكل محدد إلى استراتيجية عالمية تهدد الإسلام والمسلمين، والدول والأقليات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
1- معالم الاستراتيجية الإيرانية / الشيعية، وأبرز سماتها:
يبدو أن الاستراتيجية الإيرانية الشيعية هي نمط من "استراتيجية السوبر" التي تجمع بين عشرات الملفات، مع توظيف كل منها لمصلحة المركز- إيران-، وهو ما يظهر في ممارسة صراعات استراتيجية في نفس الوقت (الملف النووي- حزب الله وإسرائيل- العراق- البحرين- أفغانستان إلى البحرين في الإقليم العربي، ونشر التشيع في أقاليم أخرى وفق استراتيجيات أخرى؛ هو ما يجعلها تجمع بين الحرب المباشرة (حزب الله والكيان الصهيوني) من جهة، والاستفادة الاستراتيجية من الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، من جهة أخرى التحول في نمط العمل السياسي (والفكري) إلى العمل الميليشياوي، إلى السيطرة على الدول واحتلالها بمعنى أنها إدارة استراتيجية متكاملة الأدوات والكوادر، باستخدام القوة الصلبة ومختلف فعاليات القوة الناعمة كما في العراق، بينما في أفغانستان فقد اختلفت استراتيجية عملها؛ حيث ساهمت بشكل فعّال بعد المشاركة في إنهاء حكم طالبان في استقرار الوضع السياسي، وبمساهمة النخب التابعة لها دعمت إيران وبشكل كبير بعض الأحزاب، مثل حزب الوداد، وحزب النصر الموجود في الداخل الهزاري، لتحصل تلك الأقلية للمرة الأولى على ممارسة الأدوار السياسية، ومشاركة الدولة في بناء قراراتها؛ مما يحمي المصالح الإيرانية، ويؤمّن حدودها، مستصحبة في ذلك خطورة الدور التاريخي الأفغاني الفاعل في سقوط وإنهاء الدولة الصفوية عام (1134هـ /1722م).
ويمكن على حسب التالي استقراء تلك الاستراتيجيات من خلال التعرف على أبرز سماتها:
أ- تتسم الاستراتيجية الإيرانية بالعالمية؛ إذ تستهدف إيران تشكيل قوة عالمية لا قوة إقليمية فقط (وهو ما يجري وفق محركات عقائدية تتعلق بعصر الظهور وممهدات ظهور مهديهم الموهوم؛ ولذلك نصُّوا على تلك المحركات وواجبات ذلك في الدستور الإيراني على ما سبقت الإشارة إليه)، وهو ما يجعل النشاط التبشيري الشيعي منتشرًا في كل مكانٍ يمكنه الوصول إليه؛ لحشد الطاقات عالميًّا، ولتعميق قوة "المركز" في إيران.
وذلك يعني أن الحرب على الإسلام تجري على الصعيد العالمي، وتشمل الدول الإسلامية والأقليات في الدول الأخرى، وأن الدور الوظيفي لإيران على صعيد التخريب العقائدي والمنهجي أصبح دورًا عالميًّا، وبالتالي أصبحت مرحلة الالتقاء -التقاء المصالح- بين الاستراتيجيات الغربية والشيعية صار عالميًّا لا إقليميًّا فقط، بما يتطلب ذلك خططًا وأشكالاً تنظيمية إسلامية" مقابلة (المواجهة- المناورة- الهجومية) على صعيد عالمي أيضًا.
ب- كما تتسم الاستراتيجية الإيرانية بوحدة وثبات مركز إدارة عمليات إنفاذ الاستراتيجية، مع تعدد مراكز التنفيذ، وتوسع رقعة انتشارها، وهو ما يحقّق لتلك الاستراتيجية تشتيت قوة الخصوم- خاصة إذا لم يمتلكوا استراتيجية تضع في حسابها تلك الخاصية، ويمنحها تنوعًا يتناغم بين المحلية والعالمية- لمصلحة الأخيرة ودولة المركز- وذلك يتطلب تشكيل مركز رئيس لإدارة الاستراتيجية السنية له فروع في كل المناطق المستهدَفة، مع تنوع مستويات الاهتمام بكل فرع، من خلال تحديد مراكز أساسية وفرعية، وأخرى أقل دورًا حسب ظروف الواقع.
ج- تتسم الاستراتيجية الإيرانية بالجمع بين الطابع الفكري (التشيعي)، والطابع شديد البراجماتية الذي يراعي كافة تفاصيل الواقع الذي تتحرك فيه استراتيجيًّا مع عدم الالتزام بثوابت مبدئية، وهو ما يجعل تلاقيها مع الاستراتيجيات الغربية قائمًا على أسس "فكرية" لا حركية فقط، وذاك يتطلب من الاستراتيجية المقابلة (السنية) أن تضع في اعتبارها تلك الطبيعة الخاصة المتحكمة في السلوك الاستراتيجي والتكتيكي لصانع تلك الاستراتيجية، وأن توسع "توقعاتها" لآفاق حركتها التي تستعين فيها بكل الشياطين في ذات الوقت.
ت- وتتسم الاستراتيجية الإيرانية، باعتماد أساليب القوة الصلبة (الحرب والتسليح والتدريب، وتشكيل الميليشيات... إلخ)، وأساليب القوة الناعمة بالمعنى الواسع (التعاقدية- السياسية- الاقتصادية- الاجتماعية- الدبلوماسية)، وكلاهما يتحكم فيهما قرار مركزي (استراتيجي) واحد في إيران.
لقد اعتمدت إيران أسلوب القتال والحرب، خلال ما سُمِّي بحرب الخليج الأولى مع العراق، غير أنها لم تدخل حربًا مباشرة بقواتها من بعد، بل اعتمدت أسلوب الحرب والقتال عبر جماعات قتالية أسستها ودربتها، وسلحتها خارج إطار جغرافية إيران (دولة المركز)، ولعل أهم نماذج هذا التطبيق الاستراتيجي ما جرى من تأسيس حزب الله في لبنان، وتدريب كوادره العسكرية، وتسليحه، وتشكيل منظوماته الاستخبارية والأمنية، بما حقَّق لها ضغطًا استراتيجيًّا على مكونات السكان الأخرى في لبنان (خاصة السُّنّة بطبيعة الحال)، وعلى الكيان الصهيوني ضمن استراتيجية صراعات المصالح (للضغط على الغرب).
وفي العراق اعتمدت الاستراتيجية الإيرانية أسلوب القوة الصلبة؛ حيث شكلت الميليشيات الشيعية العسكرية التي قامت بأخطر عمليات التطهير العرقي ضد السنة، كما سمح وجودها بامتلاك أوراق ضغط على سلطة الاحتلال الأمريكية.
وفي اليمن أيضًا اعتمدت إيران ذات الأسلوب، حين درّبت وسلّحت وموّلت الحوثيين، وأوصلتهم إلى درجة الاستقواء على قدرة الجيش اليمني، (وهو الذي هزم جيش الجنوب خلال صراعات الوحدة)، والذي تحالف معهم بعد ستة حروب دامية أنهكت مُقدَّرَات اليمن ليتوج هذا التحالف في احتلال العاصمة صنعاء، والاستيلاء على الحكم، كما وصل الأمر بها إلى درجة تهديد الحدود السعودية، والاشتباك مع الحرس الوطني السعودي.
وإيران اليوم تلعب الدور الأهم في الصراع العسكري الذي يقوده نظام الأسد ضد الثورة الشعبية السورية، ولم يعد الوجود الإيراني الداعم لبشار مخفيًا بعد تصريحات روحاني الأخيرة بالأمم المتحدة، وبالتالي كان تعميم مشروع حزب الله وريث حركة أمل في شقه العسكري والسياسي والمذهبي بعد نجاحه في لبنان على الدول التي للشيعة فيها وجود قوي، مثل البحرين الذي استخدم السلاح ضد الدولة أكثر من مرة منذ محاولتهم الانقلابية الفاشلة.
ولعل ما تم كشفه مؤخرًا من خلية حزب الله في الكويت التي يتغلغل فيها الشيعة في مفاصل الدولة، وما تم الكشف عنه من مخازن للأسلحة والذخيرة، وغير بعيد عن ذلك حزب الله الحجاز الذراع العسكري لمنظمة الثور الإسلامية بشبه الجزيرة العربية، وما قام به من عدد من عمليات التفجير، وإثارة الفوضى في المملكة العربية السعودية..
وبعد أن تمكّن الشيعة في نيجيريا، وكثر عددهم في بعض الولايات، وبخاصة الشمالية، منها تحول نشاطهم الدعوي إلى نشاط عسكري مسلح دخل في مصادمات متعددة مع الدولة، وأثار القلاقل والاضطرابات، وتناقلت وكالات الأنباء العالمية أخبار احتجاز السلطات النيجيرية لسفينة محملة بالأسلحة والذخائر لصالح مجموعات الشيعة في نيجيريا، وهو ذات السبب الذي بسببه قطعت زامبيا والسنغال من بعدها علاقاتها بإيران لدعمها المجموعات الشيعة فيهما بالأسلحة.
ث- تعمل الاستراتيجية الشيعية على الحفاظ على عراق ضعيف لا يمثل مصدر تهديد لأمنها القومي؛ من خلال ضمان عدم وصول رئيس حكومة سنّي أو شيعي معادٍ لها، أو قيام عراق قوي اقتصاديًّا وموحد. في الوقت الذي تعمل فيه على خلخلة ميزان القوى في الخليج العربي؛ من خلال الحيلولة دون دخول العراق في تحالفات مع السعودية، أو دول الخليج العربي؛ لما يمثله من جسر يصل بينها وبين عمقها الاستراتيجي في سوريا التي تمثل بالنسبة للاستراتيجية الإيرانية حائط صد أمام النفوذ السنّي التركي السعودي، وإلى لبنان ذات الأهمية المذهبية ببُعدها التاريخي الداعم للتحول الشيعي زمن الدولة الصفوية؛ من خلال جهود علماء جبل عامل الشيعة، ولما تمثله من ساحة للصراع السعودي الإيراني على النفوذ.
ويمكن أن يضاف في هذا السياق أن استراتيجية المشروع الشيعي الإيراني تقوم كذلك على عدم إيجاد أو نجاح أيّ تحالف عربي، سواء بين دول الخليج التي ترفض أن تتعامل معهم ككتلة واحدة من خلال مجلس التعاون الخليجي؛ لتنفرد بكل دولة على حده في اتفاقيات ومعاهدات لنقض فكرته وإضعاف أثره، أو تحالف عربي مصري سعودي سوري لما سيمثله من حائط صد قوي ضد مشروعها الطائفي التوسعي، وفي سبيل ذلك يشير د. شحاتة محمد ناصر إلى محاولات إيران لتدعيم علاقاتها مع مصر، وبخاصة بعد انهيار نظام حسني مبارك بعد 25 يناير 2011م والتي قامت على عدة اعتبارات:
أولها: إدراك إيران أن التغيير في مصر سوف يترتب عليه تحولات إقليمية مهمة، وأن عودة مصر إلى ممارسة دورها الإقليمي بقوة بعد الثورة سوف يكون خصمًا من نفوذها في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، ومن ثَم عملت على جعل مصر إلى جانبها، أو على الأقل ليس في تنافس معها، أو في الاتجاه المضاد لها.
ثانيها: الحيلولة دون تطور العلاقات بين مصر وتركيا، والقلق من تكوين جبهة سُنية يكون عمادها البلدين.
ثالثها: إن إيران عملت بعد الثورة المصرية على إبعاد مصر عن دول مجلس التعاون الخليجي، وفك التحالف القوي بين الجانبين الذي ميَّز فترة حكم حسني مبارك"(25).
ج- القضاء على المرجعية العربية ليستأثر الفرس بالمرجعية الشيعية وحدهم، وتنتقل القيادة من النجف إلى قم بشكل نهائي، ومن خلال تكثيف انتقال آلاف الطلاب الفرس والهنود من حوزات قم إلى النجف؛ لمزاحمة الطلاب العرب وإزاحتهم تدريجيًّا عن المرجعية مستقبلاً.
ح- في الوقت الذي اعتمدت الاستراتيجية الإيرانية الشيعية استخدام القوة الصلبة، اعتمدت كذلك مختلف وسائل وأساليب القوة الناعمة بشكل متدرج في مختلف دول العالم، وبخاصة التي تعتبرها بيئة للدعوة؛ حيث لا وجود للتشيع فيها بشكل ملحوظ، وتعمد إيران في مشروعها إلى استخدام عدة وسائل مختلفة ومتنوعة من أجل الوصول إلى أهدافها، وفق استراتيجية ركّزت على التمدد الجغرافي، وبخاصة في المناطق الرخوة والمهمَّشة في تلك المجتمعات، إضافة إلى التمدد النوعي من خلال الاهتمام بمراكز التأثير والتوجيه ترسيخًا للبنية الأساسية للمشروع؛ من خلال توطين التشيع بين قطاعات مؤثرة في المجتمعات السنية المختلفة يصعب اجتثاثها، متحلية في ذلك بثقافة النفَس الطويل والمكر اللئيم (التقية) في سبيل تحقيق تلك الأهداف وظهور نتائجها، ومن بين وسائل القوة الناعمة ما يلي:
- احتلال مراكز التأثير والتوجيه:
ويقصد بها تلك المراكز والأماكن التي يمكن من خلالها الاحتكاك بالجماهير أو التأثير على أفكارهم وتوجهاتهم، مع العمل على استغلاله، والمناورة بها بما يحقق الأهداف المرحلية لاستراتيجياتهم في التسلل والنفوذ داخل المجتمعات؛ من خلال الانتشار النوعي لا الكمي في هذه المرحلة..
وللشيعة في دول الخليج واليمن تجربة ثرية نجحوا من خلالها في الاندساس ضمن مراكز التأثير الجماهيري وفق برنامج منظم ودقيق.. استطاع تعميق التشيع في المجتمع الخليجي، كما نجحوا في تحويل الشيعة في لبنان من مجموعات هامشية إلى رقم صعب التجاوز في المعادلة اللبنانية.
ويجري العمل في تلك المراكز على اتجاهين:
الاتجاه الأول: اتجاه المتشيعين والموالين لمرجعياتهم الشيعية.
الاتجاه الثاني: اتجاه المناصرين والمؤيدين؛ إما تحت دعوى أن الخلاف بين السنة والشيعة فرعي، ولا دخل له بأصول العقائد، أو بزعم مقاومة المشروع الإيراني للمشروع الصهيوني الأمريكي بالمنطقة (التشيع السياسي)، أو تحت مظلة التقارب السياسي، أو للمنفعة المادية، أو غير ذلك.. ويعد هذا الاتجاه الثاني أخطر من الاتجاه الأول؛ لعدم وضوح هويته وقدرته على التدليس والتلبيس على عوام الناس وأنصاف المثقفين من خلال استخدام التقية السياسية بمهارة واقتدار.
يقول بدر الدين الحوثي في رسالته لجواد الشهرستاني – صهر وابن شقيق المرجع الشيعي السيستاني-: "لدينا معرفة كاملة بما يدور في دهاليز النظام الحاكم؛ نظرًا لوجود عناصر أمنية مسئولة في السلطة قريبة من أعضاء الحركة، ونحن نعرف خصومنا من كبار المسئولين، وهم لا يعرفون أن لدينا خمسة من الوزراء بين مؤيدين ومناصرين لحركتنا، مع وجود أربعة محافظين من الأتباع، أو يضمرون الشر للحكم الظالم جهارًا نهارًا، ويعملون على دعم الشباب المؤمن دون خوف" (26).
ومن خلال هذين الاتجاهين يتسللون إلى داخل المجتمعات من خلال:
أولاً: مراكز ومؤتمرات التقريب بين السنة والشيعة أو بين المذاهب الإسلامية: وهدفهم الأساس من تلك المحاولات هو كسر الحاجز النفسي عند أهل السنة تجاه الشيعة والتشيع، وتخفيفًا لحدة الخلاف بينهم، مع تحقيق الاختراق للمؤسسات الإسلامية السنية، وعلى رأسها الأزهر لمكانته العالمية وقوة تأثيره، يقول الطبيب المصري فهمي الشناوي –الطبيب المعالج للخميني– في محاضرة له في طهران بعنوان (أهمية مصر للثورة الإيرانية): (إن عملية اختراق الحصار العربي، إنما تبدأ من مصر، وعملية السباحة عبر المحيط العربي تبدأ من مصر، لا لأهمية مصر بين العرب وحسب، ولكن للأهمية الاستراتيجية لمصر في اللعبة الدولية؛ لأنه إن مالت مصر مال العرب" (27).
ومن هنا نفهم الهدف الخفي لافتتاح دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة والذي يصرح به مرتضى مطهري الرضوي -أحد كبار علماء الشيعة-: "إن ما ننتظره على خط الوحدة الإسلامية أن ينبثق محيط صالح للتفاهم المشترك لكي نعرض ما لدينا؛ بحيث يسمح لنا ذلك الجو أن نعرض بضاعتنا بعنوان كونها أفضل بضاعة، حتى لا يبقى الشيعة في عزلة أكثر، وتتفتح أمامهم المواقع المهمة في العالم الإسلامي، ثم لا تبقى الأبواب مغلقة أمام المعارف الإسلامية الشيعية"(28).
ولذا فقد أرسل مرجع الشيعة آية الله العظمى البرجوردي الشيخ القمي للقاهرة بعد فشل محاولات مَن سبقوه في افتتاح دار للتقريب فيها، يقول مطهري: «ما كان يفكر به المرحوم آية الله العظمى البرجوردي على الخصوص، هو إيجاد الأرضية المناسبة لبثّ معارف أهل البيت، ونشرها بين الإخوة من أهل السنة، وكان يعتقد أن هذا العمل لا يكون إلا بإيجاد أرضية التفاهم المشترك، والنجاح الذي أحرزه المرحوم البرجوردي -جزاه الله عن الإسلام، يقصد الدين الشيعي- والمسلمين -يقصد الشيعة- خير الجزاء، في طبع كتب الفقه الشيعي في مصر من قبل المصريين أنفسهم، إنما كان على إثر هذا التفاهم الذي انبثق، وكان ذلك أهم نجاح حققه علماء الشيعة».(29)
وهو ما أفصح عنه أخيرًا الرئيس الإيراني السابق رافسنجاني في كلمته لجموع الحاضرين من الإيرانيين أثناء زيارتهم للبقيع، وذلك بعد حضوره مؤتمر الوحدة الإسلامية بمكة المكرمة في عام 1429هـ بقوله: «لابد من اغتنام الفرصة فالمفاوضات التي تجري حاليًا من خلال تبادل الحوار بين المذاهب فرصة ذهبية لنا لنأخذ منها أكبر حظنا في جذب قلوب المسلمين إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام».(30)
وعلى الرغم من نجاح دار التقريب في إصدار فتوى مسيسة للشيخ محمود شلتوت- شيخ الأزهر- بهدف تمكين جمال عبد الناصر الرئيس الأسبق لمصر من احتواء قطاع الشيعة العرب بدعوى القومية العربية، ثم الناصرية بعد ذلك، ولذلك دعم شيعة السعودية، وعمل على مساعدتهم في تنظيم صفوفهم ضد الملك فيصل بن عبد العزيز الذي ناصبه العداء وقتئذ.. في الوقت الذي منح فيه سلطان البهرة الشيعي الإمامي الإسماعيلي رسالة الدكتوراه الفخرية في العلوم الإسلامية من جامعة الأزهر في 13 مارس 1966م، تحت دعوى التقدير لخدمات الطائفة في مختلف الميادين التعليمية والثقافية، وقد حفلت فترة رئاسة عبد الناصر بتبني المؤسسات الثقافية والتعليمية في تحقيق وطباعة كتب الشيعة الإسماعيلية الباطنية.
بيد أن فكرة التقريب فشلت في مهدها؛ بسبب انكشاف زيف دعايتها لثلة كريمة من علماء المسلمين وعلى رأسهم شيخ الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين، الذي استجاب له فريق من أعضائها، ومن ثَم انسحبوا سريعًا محذرين من مغبة الانسياق في تلك المؤامرة، منهم الشيخ محمد عرفة عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ عبد اللطيف السبكي عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق والعلامة محب الدين الخطيب، ومن بعدهم الشيخ الدكتور مصطفى السباعي وغيرهم... وربما كتب الشيخ يوسف القرضاوي آخر رواد فكرة التقريب شهادة الوفاة للفكرة بين قطاع كبير من علماء أهل السنة؛ بعد إعلان زيف الفكرة، وخطورة مراميها في مؤتمر الدوحة عام 2007م، وما تلاه من مؤتمرات ومحاضرات.
ثانيًا: محاولة التسلل إلى منابر المساجد ومنصات التدريس في الجامعات والمدارس:
يسعى بعض المنتسبين للتشيع تحت ستار حب أهل البيت؛ في ظل حالة الارتباك السياسي والضغط الاجتماعي، وبدعم من تيار التشيع السياسي والفضائيات الشيعية، وتحت تأثير دعاية دعم مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين، ومن خلال افتتاح أقسام للغة الفارسية وآدابها بالجامعات العربية، بواسطة كل هذا عملوا على التسلل إلى منابر المساجد، ومدرجات التعليم المختلفة؛ مستغلين في ذلك حالة الأمية الدينية لدى قطاع كبير من المنتسبين لأهل السنة بتاريخ وعقائد الشيعة ودورهم التآمري في التاريخ الإسلامي.
ثالثًا: سلك القضاء والمحامين والمراكز الحقوقية: تحقيقًا لاستراتيجية الامتداد النوعي بين النخب الفكرية يسعى بعض المحسوبين على التشيع إلى اختراق سلك القضاة والمحاميين تحت مسميات مختلفة، مثل تشكيل لجنة حقوقية عالمية بتعاون عراقي خليجي، تتعقب كل مَن يتصدى للمد الشيعي باسم (الرابطة العالمية للدفاع عن الشيعة) التابعة للتيار الصدري بالعراق، وتواصلها مع مراكز وجمعيات حقوق الإنسان في الدول الغربية التي لهم فيها جماعات ضغط أو جمعيات حقوقية.
رابعًا: إقامة كيانات خيرية أو ثقافية أو صحية: بدعوى مساعدة الفقراء والمحتاجين، بينما تبطن الدعوة إلى التشيع من خلال الاحتكاك الجماهيري، وما تقدمه من خدمات متنوعة من بناء مدارس ومستشفيات مجانية، وهو أسلوب قديم متجدد استخدمته إيران منذ خمسينيات القرن الماضي، وبخاصة في دولة الإمارات العربية، مما أوجد بيئة خصبة للتمدد الشيعي فيها.
خامسًا: الإعلام واستغلال طفرة الفضائيات والشبكة العنكبوتية:
"وسائل الإعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية"، هذه نظرة المشروع الشيعي حسب تصريح مرشد عام الدول الإيرانية آية الله على خامنئي (31)، فعبر الإعلام يمكن التأثير على الجمهور، والتحكم في توجيه الرأي العام، بل وفي تحجيم الأعداء، أو إزاحتهم بالكلية عبر الدعاية السوداء، وقد استغل المشروع الشيعي طفرة الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق وبدعم مباشر من دولة المركز (إيران) في إنشاء العشرات من القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية المتنوعة الموضوعات والمستهدفة لكافة شرائح المجتمعات الإسلامية وباللغات المختلفة.
ولعل أبرز مثال على ذلك دور قناة العالم في تغطية أحداث البحرين منذ فبراير 2011م، وما توفره من دعم للحوثيين في اليمن؛ من خلال توفير مساحة إعلامية تدلّس فيها على أخبار معاركهم الخاسرة مع قوات التحالف العربي، وفيها تظهر الانتصار الكاذب لعناصرهم، ولرفع الروح المعنوية تذيع بين فترات تصريحات مصورة لعبد الملك الحوثي زعيم المتمردين الحوثيين.
وعليه.. يعتبر الإعلام الموالي الركيزة الثانية بعد المال في تثبيت النفوذ؛ من خلال نسج المؤامرات الوهمية، وتضخيم الأحداث الفردية على أنها مؤامرات من الدول أو الجماعات والهيئات السنية المناهضة للمشروع الشيعي لإحداث الوقيعة بين أجهزة الحكم، وتلك الهيئات والجماعات.
يوضح ذلك زعيم الحوثيين بدر الدين الحوثي في رسالته سالفة الذكر بقوله: "ولا ننسى الدور البارز للإعلام الصحافي الموالي للحركة، فقد عمل ولا يزال يعمل على نقد الفساد والتهجم على رموز النظام وأسرة الحاكم الظالم المغتصب، ويكفي أن نبين لكم مدى قدرتنا على الاكتفاء بصنع وإيجاد صحف مناصرة للحركة في اليمن، ففي هذا الأسبوع ستصدر صحيفة (الوسط)، وهدفها إثارة المشاكل بين الدولة الوهابية المجاورة ونظام الحكم الظالم في اليمن، والمستفيد من ذلك هم السادة الأشراف في الحجاز، وللإخوة في الأردن بالتنسيق معنا دور في خروج هذه الصحيفة بالتعاون مع السيد عبد الرحمن الجفري، وفي هذا المجال؛ فإن لدى الحركة صحفًا مناصرة، منها: صحيفة (الشورى)، وصحيفة (البلاغ)، وصحيفة (الأمة)، أما الصحف المناصرة للحركة فمنها: صحيفة (الثورة) و(17يوليو)، ولدينا كوادر إعلامية مخلصة في صحف وأجهزة السلطة".(32)
وأضحت المجلات الشيعية مثل: المنهاج، والكلمة، والعالم، والنور، وشئون الشرق الأوسط، و... وما تطرحه من أفكار تمثل أحد أبرز مصادر التثقيف للمتشيعين الجدد، وبخاصة في الدول غير المرحب بالتشيع فيها. هذا بالإضافة إلى: الصحف والوسائل الأخرى المناصرة لمشروعهم الديني والسياسي؛ من خلال حشد غير متوقع من الأقلام الصحفية التي تم شراؤها عن طريق وكلاء لهم بالداخل، أو عن طريق فتح مكاتب لبعض الصحف الخليجية التي لهم فيها نفوذ، أو الخالصة لهم... وفي الوقت نفسه أضحت مكاتب هذه الوسائل الإعلامية المختلفة أحد أهم مصادر الدعم والتمويل للأنشطة الشيعية داخل المجتمعات السنية تحت مسميات وظيفية مختلفة.
سادسًا: إثبات التواجد الإعلامي المكثف: لترسيخ حقيقة الوجود الفعلي للطائفة، وفرض حقيقة الأمر الواقع في التعامل معها على أنها حقيقة وكيان معتبر؛ من خلال الحرص على التعليق شبه اليومي على الأحداث، باختراع منصب المتحدث الرسمي، أو من خلال كتابة الأعمدة والمقالات بشكل دوري..
سابعًا: استخدام الفن: تعد الأفلام والمسلسلات وأعمال الدراما وبخاصة التاريخية، أو تلك التي تتعلق بقصص الأنبياء وسيرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وصحابته وأهل بيته –رضوان الله تعالى عليهم-، في مقدم استراتيجيتهم لغزو العقول والقلوب؛ حيث تقدم للمشاهد الذي هو في الغالب غير محصَّن ضد شبهاتهم ممن يمثلون السواد الأعظم من الأمة، والذين جرفتهم النظم العلمانية، وجفّفت ينابيع الثقافة الدينية الصحيحة عند كثير منهم؛ حيث تقدم وجبات مزيفة ومزورة من أحداث التاريخ الإسلامي حسب رؤيتهم، ويتم إخراج هذه الأفلام والمسلسلات في قالب فني ودرامي مبهر مستخدمين فيه أعلى التقنية، وحبكة السيناريو، وجودة الإخراج والتمثيل؛ ليصيب في النهاية الثوابت العقدية والفكرية للمشاهد على الأقل بالتخلخل، مما يؤدي لكسر الحاجز النفسي، وتهيئته لقبول عقائد ومفاهيم التشيع للتسرب بكل سهولة ويسر داخل وجدانه، ومثال ذلك: مسلسلات: علي بن أبي طالب، وحُجر بن عدي، ويوسف الصديق، و....
ثامنًا: الإكثار من المبالغة والتكرار: بهدف محاصرة عقل وقلب الأتباع بطريقة نفسية تحريضية سياسية تمويهية خادعة، ومثال ذلك النفخ في بالون تكثير الأتباع والمناصرين كذبًا؛ بهدف منافسة أعداد المسلمين السُّنّة الضخمة بالنسبة لهم، وفي الوقت نفسه إحداث الأثر السيكولوجي البالغ في نفوس تابعيهم بأن أقليتهم المنعزلة هي كبيرة وكثيرة ومنتشرة في العالم أجمع، وتتحكم في مفاصل الدول.
تاسعًا: وسيلة الابتعاث الدراسي: لكل من إيران والعراق ولبنان وسوريا؛ لغسل عقول المبتعثين، وحشوها بأفكار التشيع الاثنا عشري، ومن ثَم إعادتهم إلى دولهم ومجتمعاتهم السنية دعاةً مبشرين لهذا المذهب الوافد، يشير الكاتب الشيعي ولي نصر في كتابه (صحوة الشيعة) أن قم العاصمة الدينية بها 300 معهد ديني يدرس فيها ما يقارب 50 ألف طالب من 70 دول، ومن باكستان وحدها يدرس 6000 طالب؛ ليكون منهم العلماء والدعاة والوكلاء للمرجعيات الشيعية الإيرانية، وبالإضافة لتعلمهم اللغة الفارسية والعربية والعلوم الدينية من أصول الدين والشريعة يتم تأهيلهم كذلك قياديًّا وإداريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا لتولي دور فاعل في مجتمعاتهم؛ نحو ربطهم سياسيًّا واقتصاديًّا بدولة القلب المذهبي بعد ربطهم روحيًّا بمراجعيتها الدينية.(33)
وبذلك يرتبط المقلدون بالمرجع الشيعي الإيراني الذي يربطهم بدوره بالدولة المركزية، ويجعل شرط التعبد بالمذهب الولاء لإيران كدولة راعية وحامية للتشيع في العالم، أي: تحويل التشيع من حالة مذهبية إلى ولاء سياسي للمصالح الإيرانية.
هذا غير الذين كانوا في السابق يدرسون في حوزة الزينبية بسوريا هربًا من الرقابة الحكومية في بلادهم؛ بسبب سفرهم إلى إيران.
وهو ما لاحظته خلال زيارتي لماليزيا عام 1993م التي أبرمت اتفاقيات تبادل ثقافي بينها وبين إيران، وبتشجيع من الحزب الإسلامي بكلنتان برئاسة –نيك عبد العزيز- الذي عقد بتأثير من فكرته في التشيع السياسي مؤتمرًا للتقريب في نفس الفترة، وعلى أثره سافر عدد يزيد عن ألف طالب ماليزي إلى حوزات وجامعات إيران، ومن بعد ذلك تم استقدام أسرهم ضمن حملات الحجاج، وأصبح وجودهم في وسائل المواصلات الإيرانية بصفتها المعروفة –بدون سقف- داخل المشاعر في موسم الحج مألوفًا، وليعود هؤلاء دعاة ومبلغين لتعضّ الحكومة الماليزية والحزب الإسلامي -الذي هاجموه بعد عودتهم- أصابع الندم بعد أن أصبحوا قوة تهدد الأمن والسلم الاجتماعي في ماليزيا؛ فكان من نتيجة ذلك أن أصدرت الحكومية الماليزية في عام 2007م قانونًا يجرم الدعوة للمذهب الشيعي في البلاد، وعلى إثر ذلك ألغيت كافة اتفاقيات التعاون والتبادل الثقافي مع إيران.
وإلى هذا تشير مجلة التايم الأمريكية في عددها بتاريخ 4/11/1991م: "إن الحكومة الإيرانية ترسل الأموال والبعثات (الثقافية) إلى بلدان مثل: غانا ونيجيريا، وتستقبل الطلاب المسلمين من تايلاند وبورما وإندونيسيا؛ ليتلقوا الدراسة الشيعية في قم.. وهي مدارس يجري إدارتها وتمويلها من قبل (المركز الإسلامي العالمي) الممول من وزارة الاطلاعات (الاستخبارات)"، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتم تمليك هؤلاء المبلغين والمتميزين من هؤلاء الطلاب الذين يخضعون لدورات مكثفة إدارية وعسكرية وغيرهما؛ تمليكهم مؤسسات اجتماعية واقتصادية وإعلامية مختلفة، وأوضح مثال على ذلك هؤلاء المعممين الإندونيسيين الذين برز دورهم السياسي والاجتماعي والتعليمي في المجتمع الإندونيسي، مع ما تواتر من أخبار عن تكوين ميليشيات مسلحة لمقاومة أهل السنة.
ولا يسلم الطلبة الوافدين بالجامعات الإسلامية السنية في الدول المختلفة مصر السعودية الكويت وسابقًا ليبيا، وكذلك طلاب الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان وماليزيا و... من دعوتهم إلى التشيع بواسطة دعاة ومبلغين من بينهم، وتم تفريغهم لهذا العمل.
وقد كان للبعثات التعليمية القادمة من سوريا والعراق ولبنان والطبيعة الوافدة من إيران ولبنان في توسيع رقعة الاختراق والتشيع؛ الذي كان من أوائل نتاجه تأسيس حزب الشباب المؤمن بصعدة، اللبنة والنواة الأولى للحركة الحوثية، في بدايات التسعينيات من القرن المنصرم. كما كان للشيعة العراقيين بوجه خاص دور فاعل في تكوين بؤر شيعية في الجزائر والسودان ومصر.
عاشرًا: الكتب والمكتبات:
تمثل معارض الكتاب فرصة ذهبية لنشر وتوزيع كميات كبيرة من الكتب الدعائية، التي لا تُظهر المذهب على حقيقته أولاً؛ كسرًا للحاجز النفسي عند أهل السنة، وخلخلةً لثوابتهم العقدية، وذلك بالتعاون مع بعض دور النشر اللبنانية والعراقية الشيعية التي تحرص على المشاركة بشكل مكثف، بالإضافة إلى بعض دور النشر القادمة من أوروبا، مثل: المركز الثقافي الهولندي، وغيره. وللملحقيات الثقافية الإيرانية جهود كبيرة في فتح المكتبات العامة (التي يسمونها الحوانيت)؛ للاستعارة والتوزيع مجانًا، وعقد المسابقات، وتوزيع الجوائز والرواتب لمن يقرأها، فضلاً عن دورها في تسويقها من خلال آليات مختلفة على دور النشر؛ لفرض الثقافة والمفاهيم الشيعية كحالة عامة في المجتمعات السنية.
حادي عشر: السيطرة على الاقتصاد:
على ضوء تجربتهم السابقة في استخدام الاقتصاد كوسيلة فعَّالة في دول الخليج وفقًا لإحدى بنود السيطرة التي قدمها (موسى الصدر) عند زيارته للبحرين في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات على ضوء تجربته في جنوب لبنان: «إذا أردتم السيطرة على مقدرات الدولة؛ فعليكم الاستحواذ على اقتصادها، والقبض على مفاصلها، فإن مَن يملك يحكم... ومَن يحكم يملك... فالواجب على شيعة البحرين الدخول في عالم التجارة والمال، وشراء الأراضي والعقارات، والقبض على الصناعات الخفيفة، وما يشابهها»(34)، وهو ما تم في عدد من دول الخليج، مثل الإمارات والكويت، واليمن، وهو ما يجري العمل عليه على قدم وساق في إفريقيا وبعض دول جنوب شرق آسيا وبخاصة إندونيسيا.
ثاني عشر: الهجرة، وتملك الأراضي، والحصول على الجنسية: وهذه وسيلة ليست بجديدة، وإنما استخدمها الإيرانيون وفق خطة محكمة تميزت بسياسة النفَس الطويل في الهجرة المنظمة من إيران إلى سواحل دول الخليج العربي؛ بمساعدة الاحتلال البريطاني، حتى حصلوا على جنسيات تلك الدول، ونجحوا في توطين التشيع، ولتغير الوضع الديمغرافي لها اتبعوا سياسة الإنجاب السياسي أو التفريخ السكاني حتى زادت نسبتهم في البحرين إلى ما يزيد عن 50%، والكويت 20%، وفي العراق إلى 43%، وبعد سقوط صدام حسين، وتمكن الشيعة من مقاليد الحكم مارسوا سياسات الهلوكوست الشيعي بالقتل والتدمير والتهجير القسري ضد المواطنين السُّنة، وبخاصة في محافظات الوسط والجنوب التي تزداد فيها نسبة الشيعة، بالإضافة إلى توطين ما يقارب 2 مليون شيعي إيراني، بدعوى أن صدام حسين سبق أن طردهم من العراق؛ وذلك على أمل التمهيد لدولة الشيعة المرتقبة في العراق كمصدّ مذهبي على الحدود الإيرانية من أعدائها السنة في الخارج بعد ربطها مذهبيًّا وثقافيًّا بها..
ومن غير نظر وتأمل تجد وجه الشبه قائمًا بين ما تمارسه إيران في العراق، وما مارسه الكيان الصهيوني وعصابات الهاجاناه في فلسطين.. فتأمل!!
ثالث عشر: السياحة الدينية:
دأب الشيعة على استغلال الفرص، وعدم تضييعها دون الاستفادة القصوى منها لصالح مشروعهم، ففي مصر وبعد أحداث الأقصر في الألفية السابقة وأيضًا في عام 2013م أراد بعضهم إعادة نفس السيناريو الذي حاولوا استخدامه في اليمن، من استغلال السياحة الدينية كمدخل لنشر التشيع، وهو نفس الأسلوب الذي مكّن للشيعة في سوريا؛ حيث يزورها سنويًّا ما يقارب مليون و(500) ألف إيراني، وبخاصة في منطقة الزينبية بدمشق، مما أعطى لرجال الدين الشيعة الحجة في التواجد بشكل دائم في منطقة الزينبية (السيدة زينب) بدمشق؛ لدرجة أن أصبحت حوزة الزينبية الثالثة على مستوى العالم بعد قم والنجف.
رابع عشر: الطرق الصوفية:
عمل المشروع الشيعي على الاستفادة من تجربته التاريخية في اختراق الجدار السني الحصين من خلال بعض الطرق الصوفية التي نجح في تسريب المفاهيم والعقائد الباطنية لها، ومع ذلك تنبهت العديد من الطرق الصوفية لخطر المشروع الشيعي في بُعده العقدي والسياسي، فكان لها مواقف تُذكَر فتُشْكَر، وقد أصدرت مشيخة الطرق الصوفية في مصر عبر مجلتها التصوف الإسلامي الفتاوى ودبجت المقالات في كفر وانحراف مَن يعتقد بعقائد الشيعة الاثنا عشرية، وكذلك أصدر تجمع مشايخ وعلماء الطرق الصوفية في السودان بيانًا في ذلك، ولكن هناك بعض الطرق المنتسبة التصوف كانت معبرًا وملجئًا للشيعة في بعض الدول مستغلة محبة آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمشوبة بجهل وأمية دينية لدى مريديها، ولعل الطريقة العزمية في مصر والختمية في السودان مثالان واضحان على ذلك.
خامس عشر: الجاليات الإسلامية بالدول الغربية والأمريكتين:
يتعرض عدد من أبناء الجاليات الإسلامية بالخارج في ظل مناخ الحرية النسبي المتاح في تلك الدول، مع تعرضهم لضغوط اقتصادية وإغراءات مالية، وأحيانًا دخولهم في مناقشات مذهبية غير مستعدين ومؤهلين لها، وبخاصة في ظل ممارسة التقية وكافة أساليب الخداع، ولعل للمراكز الشيعية في هولندا، وبلجيكا، وإيطاليا، وأمريكا، دورًا بالغًا في هذا الشأن.. كانت سببًا في قطع العلاقات الدبلوماسية المغربية مع إيران؛ للنشاط الكبير الذي مارسته تلك الجالية داخل المغرب في الدعوة للمذهب الشيعي.
سادس عشر: استغلال مواسم الحج والعمرة:
لم يترك الإيرانيون وسيلة للدعوة إلى مذهبهم إلا استغلوها؛ حيث عملوا على إعداد مجموعة كبيرة من الدعاة «المبلغين أو السفراء» لاستغلال مواسم الحج والعمرة في الدعوة لمذهبهم، من خلال تدريبهم بشكل مكثف على معرفة الجنسيات، وأهم سماتها النفسية وانتماءاتها المذهبية والفكرية، وكيفية التسلل إليهم من خلال التدرج بالحوار تارة، وبالهدية أخرى، وحتى الحجاج الشيعة الإيرانيين الذين يجيدون أكثر من لغة لم يسلموا من دورات التأهيل والإعداد، وقد أصدروا في ذلك كتبًا تتضمن توجيهات السفير (الداعية) والزائر، وخطط نشر التشيع في مواسم الحج والعمرة.
سابع عشر: الأحزاب والقوى السياسية المتشيعة في المنطقة العربية:
مثل حزب الله في لبنان، المجلس الأعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري في العراق، وحزب العمل الإسلامي والدعوة في البحرين. وحركة الشباب المؤمن في اليمن، والكيانات الهشة التي أعلنت عن نفسها في مصر بعد 25 يناير.. وكل هذه الكيانات والأحزاب أحد أدوات القوة والنفوذ الإيراني الناعم في دولها.
ثامن عشر: استغلال تيار التشيع السياسي:
وقد سبقت الإشارة إليه؛ حيث تم اختراق كافة تشكيلاته، فعلى المستوى السياسي تم اختراق قطاعات من الحركات الإسلامية، والتيارات اليسارية والناصرية والقومية، رغم الاختلاف الجذري في التوجهات بينهم وبين التيار القومي الفارسي الذي يتعصب للقومية الفارسية، ويدعو إلى إحياء اللغة الفارسية، ويبغض جنس العرب بشكل خاص، وبالتالي استطاعوا استخدام وتسخير منابر التيار اليساري والقومي العربي الصحفية، وغيرها؛ كمنابر للدفاع عن المشروع الشيعي الإيراني بشقيه السياسي والمذهبي، أو على الأقل التشويش عليه والدفاع عنه.
تاسع عشر: الاحتواء والتحالف مع باقي فرق التشيع:
وهذا أمر آخر ركزت عليه استراتيجية نشر التشيع لفرض زعامتها على العالم الشيعي بمفرداته المذهبية المختلفة إلى حد التباين، ولكسب جغرافيا جديدة وزيادة أعداد المنتسبين لفرقتهم، مستفيدة من وجود طوائف شيعية داخل الدول السنية وبخاصة من تجمعهم عناصر النشأة، ومصادر التلقي، وتتفق الكثير من الأصول العقدية بينهم تحت دعوى عودة الفرع العلوي إلى أصله الشيعي الجعفري..
مستفيدة من الجهود السابقة لعلماء الشيعة الاثنا عشرية الذين التقت مصالحهم مع تطلعات رؤساء النصيريين في سوريا في بدايات القرن العشرين الميلادي الذين سعوا لكسر طوق العزلة السنية الشيعية؛ باعتبارهم خارجين عنهم بالدعوة إلى وحدة المشرب والنشأة، وتقارب الأصول بينهم وبين الشيعة الاثنا عشرية، وقد تبنى سليمان الأحمد (1866-1944م) هذه الدعوة إلى عودة الفرع العلوي إلى أصله الشيعي الجعفري الإمامي، وسار على نهجه من بعده: عبد اللطيف مرهم، وعبد الرحمن الخير، وعلي عزيز الإبراهيم وغيرهم.
وكان للجهود المبكرة في ستينيات القرن الماضي لحسن الشيرازي العراقي من الجانب الاثنا عشري دوره المهم في دعوة العلويين، وتشجيع النابهين من أبنائهم للدراسة في قم، فضلاً عن نجاحه في تأسيس الحوزة الزينبية في دمشق لتكون الحوزة الثالثة في الأهمية بعد النجف وقم، ومن بعد الشيرازي سار موسى الصدر، ومحسن الحكيم، ومحمد حسين فضل الله على نهجه، حتى نشأ التيار الخصيبي الجديد بين النصيرية في سوريا، ليدعو إلى أنه لا فرق بين الاثنا عشرية والنصيرية إلا في الفروع التي لا تقدح في أصل المذهب، وقد أسفرت هذه الجهود عام 1980م أن اتخذ قرار في القرداحة مقر النصيرية بإرسال قرابة خمسمائة شاب من العلويين للدراسة في حوزات قم؛ ليتخصصوا في المذهب الجعفري(35).
وينشأ مجموعة من النافذين في الجيش والسياسة والإعلام من أبناء هذا التيار مستفيدين من فتوى موسى الصدر، باعتبار النصيرية من ضمن الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية، وهكذا نشأ حلف استراتيجي بعيد المدى بين النظام النصيري والثورة الخمينية، والتي توثقت عراه بعد تولي بشار الحكم ليتحول من تحالف إلى هيمنة إيرانية بعد عام 2000م، وهيمنة كاملة في 2011م.
وهي نفس المحاولات التي يبذلها المخطط الشيعي الاثنا عشري مع البكتاشية في تركيا (العلويين)؛ لاستعادة الدور التاريخي لخلاياهم النائمة التي أقضت مضاجع الدولة العثمانية لفترة طويلة في شكل ثورات وانتفاضات متوالية في الأناضول كان لها أثرها البالغ على مسيرة الدولة العثمانية، وهو الأمر الذي تعيد الاستراتيجية الشيعية نسجه من جديد بهدوء في تركيا كقوة ومشروع سني يطمع في قيادة المشروع السني بمشاركة الدول العربية مقابل المشروع السياسي الشيعي.
وربما للموروث التاريخي مع الإيرانيين الشيعة، وحساسية العبث بالملف الطائفي بالنسبة للدول التركية القوية؛ لم يحققوا ذلك النجاح الذي حققوه بين البكتاشية في ألبانيا؛ حيث المقر العام للبكتاشية من خلال دعم بناء مراكز التعليمية والتجارية التابع لهم، وبناء معابد البكتاشية وتكاياها، وعقد المؤتمرات والندوات ذات التأثير في المجتمع، ومن خلال السفارة الإيرانية في تيرانا وبعض المؤسسات الشيعية، مثل سعدي شيرازي وأهل البيت، وغيرهما التي تعمل في ألبانيا يتم اختيار الطلاب وإرسالهم للتعليم في حوزات قم والجامعات الإيرانية.
وهو الأمر نفسه الذي مارسته خطة نشر التشيع بين الفرع الجارودي من الشيعة الزيدية في اليمن الذي يجمعهم مع الاثنا عشرية قواسم عقدية متعددة، وبخاصة جناح الحوثيين مستغلين أوضاع الحاجة المعيشية السائدة في اليمن على وجه العموم، وفي المناطق الزيدية على وجه الخصوص، كونها أشد المناطق حاجة وفقرًا.
واللعب على الرغبة الجامحة عند بعض القوى الزيدية، وخصوصًا أبناء الأسرة الهاشمية الذين يحدوهم الأمل والرغبة في استعادة الإمامة الزيدية للحكم، وقد نجحت الخطة في ابتعاث مجموعات من الشباب للدراسة في الحوزات العلمية في قم، وكذلك من خلال البعثات العلمية والطبية من الشيعة والسوريين، ومن ثَم تكوين وتأهيل قيادات منهم لتأسيس حزب الشباب المؤمن بصعدة نواة حركة الحوثيين التي ستهيمن عليها إيران بشكل كامل.
أخيرًا: جماعات الضغط (اللوبي):
زاوجت استراتيجية نشر التشيع الإيرانية بين التركيز على نسج المجالات الحيوية والمصدات المذهبية السابق الإشارة إليها؛ حيث مراكز العلم والثروة وبين التأثير القرار السياسي المؤثر في العالم أي: في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبخاصة الولايات المتحدة التي تضم أكبر جالية إيرانية في العالم؛ حيث يصل عددهم حسب ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم وُلد فيها، ويملكون 400 مليار دولار حسب تقديرات مركز كارينجي، ويتركزون في مدينتي: لوس أنجلوس وفيرلي هيليز التي انتخب جيمي – جامشيد- دلشاد وهو إيراني أمريكي كعمدة لها في عام 2007م، ثم أُعيد انتخابه في 2010م لقوة الوجود الإيراني فيها، ومدينة إرفاين.
ولحضور الوجود الإيراني على الساحة السياسية والعلمية بالولايات المتحدة؛ هناك أقسام للدراسات الإيرانية في الجامعات الأمريكية، كما أنه أصبح تقليدًا أن يوجه البيت الأبيض تهنئة سنوية للشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز، ويتركز وجود اللوبي الإيراني بقوة في مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى "مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل من خلال مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية، وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني.
ولا يمثل اللوبي أيّ جهات رسمية في طهران، ولكنه يعمل وفق مجموعات ومنظمات تنشط تحت عناوين منظمات حقوقية، ومجموعات مناهضة للحرب والتيارات التي تطالب بإعادة العلاقات مع إيران تحت شعار السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط". (36)
"ويتكون من مجموعتين؛ الأولى تعمل في أجهزة الإعلام الأمريكية ومنظمات بحثية، ويتركز نشاط هذه المجموعة أيضًا على الكونجرس الأمريكي، ولها درجات مختلفة من الارتباط بطهران.
أما المجموعة الثانية فهي مرتبطة "بصناعة النفط"، واستطاعت أن تخلق مصالح مؤثرة إلى درجة أصبح لها "منافع مالية لها أولوية على المصالح الوطنية الأمريكية".
ويرجع الوجود الإيراني بالولايات المتحدة إلى زمن الشاه، واعتقد أنه بعد ثورة خميني بإيران تم تنظيمه على منوال اللوبي الصهيوني (إيباك) بها ليقوم:
- بحماية والدفاع عن المصالح الإيرانية.
- إقناع الإدارة الأمريكية وأصحاب القرار في الكونجرس بضرورة بقاء نظام الجمهورية الإسلامية، والتسوية معه حول تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط، وصيانة المصالح الأمريكية. وتسويق هذه الصفقة الكبرى على أنها تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؛ من خلال دعم القوى الشيعية في المنطقة والسعي إلى تمكينها من السلطة.
- طرح فكرة أن التطرف الذي يستهدف الغرب وأمريكا هو تطرف سُنّي وهابي.
- من أبرز مهام هذا اللوبي تنظيم حملات للترويج للمفاوضات الأمريكية الإيرانية، والدفاع عن الاتفاق النووي في مواجهة الانتقادات في أمريكا، والدعوة لإسقاط العقوبات بشكل غير مشروط عن إيران.
وقد استخدموا العديد من النشاطات كالندوات، وإصدار دراسات، وعقد مؤتمرات، ونشر مقالات في صحف أمريكية متنوعة، وإقامة صداقات مع باحثين وخبراء أمريكيين.
ويعتبر بعض الخبراء أن نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبق، صادق خرازي والذي أقام في الولايات المتحدة بين عامي 1989- 1996م، هو مصمم اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أخذ يشبّك بين مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني.
أبرز مؤسسات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية:
المجلس القومي للإيرانيين في أمريكا «ناياك»(NIAC): أقوى مؤسسات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، يرأسها الإيراني الأمريكي تريتا بارسي ذي الجنسية السويدية، وينشط المجلس في الدفاع عن سياسات إيران.
مؤسسة «بيناد علوي»: أقدم المؤسسات الإيرانية في أمريكا؛ حيث أسسها شاه إيران عام 1973م في نيويورك تحت اسم «بيناد بهلوي». ثم تغير اسمها بعد الثورة الخمينية إلى «بيناد مستضعفان»، ثم إلى «بيناد علوي»، ورأسها وزير الخارجية الإيراني الحالي والسفير الإيراني السابق في واشنطن محمد جواد ظريف.
وتشير المصادر الإعلامية إلى أن المؤسسة تمتلك ناطحة سحاب في قلب مدينة نيويورك تعود عليها بإيجارات ضخمة تستخدمها في تمويل أكثر من 30 مؤسسة تعليمية في عموم الولايات المتحدة.
ومن أبرز الشخصيات الإيرانية النافذة في اللوبي الإيراني بالولايات المتحدة الأمريكية:
- تريتا بارسي: رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، ويعد ممثل اللوبي الإيراني، ومن أبرز الفاعلين في إتمام الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة (5+1).
- سحر نوروزيان: مستشارة للأمن القومي الأمريكي، ومسئولة عن الملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الأمريكي، كما عملت لدى «المجلس القومي للإيرانيين في أمريكا» “ناياك”، وشخصيًّا كان لنوروزيان دور مهم في إنجاح التوصل إلى اتفاق النووي.
- فريال جواشيري: الكاتبة الخاصة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتعمل كمساعدة له منذ كان عضوًا في الكونجرس الأمريكي ومساعد خاص لأوباما في 2014م، وقد التحقت عام 2007م بالحملة الانتخابية لأوباما، في قطاع التخطيط، وتبوأت العديد من المناصب في مجلس الأمن القومي الأمريكي بمنصب مساعد مستشار الأمن القومي، بالإضافة إلى العديد من المناصب الأخرى داخل المجلس.
- رامين طلوعي: عُين في عام 2014م كنائب وزير الخزانة الأمريكي للشئون الدولية، وقد لعب دورًا كبيرًا في تخفيف العقوبات ضد إيران، والالتفاف عليها، وقد استمر نشاطه حتى عام 2008م، وهو من أبرز من عمل على رفع العقوبات عن إيران، وتوقيع الاتفاق النووي.
- فاليري جارت: أقرب المستشارات إلى رئيس الولايات المتحدة أوباما، وأكثر الشخصيات تأثيرًا عليه، تُوصَف بأنها كاتمة أسراره، وصاحبة الكلمة الأخيرة قبل أعلى مستوى سياسي في الولايات المتحدة، وتشير بعض المصادر الصحفية بدورها الفاعل والمباشر في القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في ملف إيران النووي.
- سيروس أميرمكري: مساعد وزير الخزانة الأمريكي في شئون المؤسسات المالية. (37)
والخلاصة:
أعتقد أن الشيعة يحاولون الاستفادة من تجربتهم التاريخية في استخدام أساليب القوة الناعمة، وفاعلية تأثيرها في تحويل إيران من التسنن إلى التشيع عبر مراحل وآليات متعددة ومتدرجة؛ لتضمينها ضمن استراتيجية مشروعهم لنشر التشيع والذي عبر عنها الباحث الإيراني رسول جعفريان في دراسته للماجستير عن: (الشيعة في إيران.. دراسة تاريخية من البداية حتى القرن التاسع الهجري) بقوله: "الاعتدال في المذهب السني ممهِّد لانتصار التشيع في إيران خلال العهد الصفوي.. تم الانتقال من المذهب السني إلى المذهب الشيعي في طرق متنوعة منذ القرن السادس فصاعدًا. فقسم أُنجز عبر السياسة، وقسم عبر الثقافة، والأدب والحديث والنصوص، وقد كان لهذا القسم تأثير مهم في الانتقال المشار إليه..
ونتحدث فيما يأتي عن إحدى الطرق المذكورة التي أدت إلى انبثاق موقف معتدل بين السنة، ومن ثَم آلت إلى ولادة حركة تسير نحو التشيع.."(38). ويمكن إضافة إنه لتحقيق العزلة الشعورية للمنتمين الجدد للمذهب وقطع صلتهم بمجتمعاتهم السنية يسعى منفذو المشروع إلى وضعهم في كانتونات نفسية من خلال ربطهم ببرامج متتالية ومكثفة مرتبطة بمناسبات متوالية تعقد فيها مجالس العزاء والمجالس العامة، أو من خلال الحسينيات وفيها يستخدام التحريض الجماهيري أسلوباً نفسياً سلبياً حاداً ، ويقود هذا التحريض السلبي فريق من القصاصين(الروزخوين) والقراء والشعراء والممثلين المأجورين (الرادودين) فكانت منابر العزاء هذه مصانع للحقد و الكراهية والعداوة وتحقيق الانسلاخ الكامل عن المجتمع والارتباط بمجتمع المظلومية. هذا بالتوازي مع دعم وصول قوى شيعية إلى السلطة، أو تحريك جماعات شيعية معارضة، تم تكوينها ودعمها داخل الدول السنية؛ بهدف الضغط على حكوماتها المناوئة للمشروع الشيعي، في الوقت الذي زاوَجت فيه تكوين جماعات ضغط في الدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد الإقليمي العربي والإسلامي؛ للمشاركة في اقتسام النفوذ كشُرَطِي وحامٍ للمصالح الأمريكية والغربية.
ما تحقق من تلك الاستراتيجية في المنطقة العربية:
أ- المتابع لهذه الاستراتيجية (الاستراتيجيات)، نجد أنها قد حققت سيطرة على السلطة في العراق، بعد التقاسم مع الاحتلال الأمريكي مكافأة مساندته في عملية الاحتلال، مع ترسيخ وجودها عبر الميليشيات والرموز والأحزاب وكافة مظاهر السيطرة على الوضع العام بما فيها خلخلة التركيبة السكانية بالمجتمعات السنية، بما فيها تعميق سيطرتها على الاقتصاد العراقي، وتحقيق "تغير" هوية العراق رسميًّا أو للسلطة الحاكمة في العراق، مما مكّنها من الاستفادة من ثروات العراق ومصادره الاقتصادية لصالح الاقتصاد الإيراني في ظل الحصار الدولي المفروض على إيران.
كذلك في أفغانستان دعمت وجود فصيلاً شيعيًّا مواليًّا لها يؤثر في القرار السياسي.
وفي لبنان أنجزت تلك الاستراتيجية تأسيسًا وتقوية لحزب الله (عسكريًّا) وتشكيل تحالفات مساندة له من قوى سياسية محسوبة على طوائف أخرى (أبرزها ميشيل عون)، وصياغة منظومة داخلية تمارس حالة إضعاف وخلخلة متواصلة للقوى المضادة لتلك الاستراتيجية وقواتها الأساسية.
وفي اليمن، حققت تلك الاستراتيجية تأسيسًا وتقوية للحركة الحوثية (عسكريًّا) إلى درجة خوض ستة حروب مع الجيش اليمني الذي تحالف قطاعات كبير منه بقيادة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ليشن مع الحوثيين في الحرب السابعة، ولكن ضد شعب اليمن ومقدرات دولته..
هذا بالإضافة إلى الاشتباك مع الجيش السعودي، ومحاولة اختراق جنوب اليمن والسير به نحو الانفصال، لتعظيم قوة الحوثيين في الشمال من جهة، والسيطرة على الموقع الاستراتيجية للجنوب (أيضًا فصل الجنوب يعني ضعفه)، ولإكمال التفات الهلال الشيعي (لبنان- سوريا- العراق- البحرين- اليمن)، أو ما يسمى بفك الأفعى حول دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية؛ لتطويقها، وهو الذي يشكل "إطارًا خارجيًّا لحماية المركز- إيران- من جهة، وغزو واحتلال المحيط وإلحاقه بهذا المركز من جهة أخرى بهدف تحويل إيران إلى دولة "عظمى" لا إقليمية فقط، بنقل دورها من حالة النفوذ الإقليمي إلى العالمي؛ عبر إضافة عوامل قوة الدول الأخرى للمركز..
وفي البحرين تطورت الاستراتيجية الإيرانية من تحقيق الانفصال بين شيعة البحرين والدولة إلى تحويل قوة السكان الشيعة إلى قوة صراع ضد الدولة، ومحاولة لحشر تلك الحالة الصراعية - الطائفية المذهبية- ضمن إطار ما يُعرَف بثورات الربيع العربي لإعطاء هذا النشاط بريقًا وتعاطفًا إقليميًّا ودوليًّا، وفي ذلك لم تطرح إيران شعارات "إلحاق البحرين بإيران" فقط، بل صارت تطرح تلك الحركة باعتبارها حركة تحرير للبحرين ضد احتلال أجنبي (قاصدة قوات درع الجزيرة- والوجود الغربي).
وفي سوريا، تمكنت الاستراتيجية الإيرانية (للتشيع) من السيطرة على القرار السياسي الاستراتيجي في هذا البلد، وعلى المُقَدّرات السورية، منتقلة بذلك من شعارات التحالف الاستراتيجي إلى حالة السيطرة، وزيادة التغلغل والتوسع للنشاط التبشيري الشيعي في سوريا، مع إضعاف العلاقات بين النظام السوري والعرب حتى أصبح رهينة للدور والقرار والمصالح الإيرانية.
كما جرى توظيف "سوريا النظام" من قبل لمصلحة النشاط في لبنان؛ إذ كان الدور الإسرائيلي مكرسًا لتعديل التوازن - عبر قوات السيطرة السورية- في داخل لبنان لمصلحة حزب الله وحركة أمل، وعبر سوريا، جرى النفاذ لتحقيق الاستراتيجية الإيرانية بشأن الفصائل الفلسطينية، وجعل القضية الفلسطينية أحد أدوات تحقيق الاستراتيجية الكلية في الإقليم، واستخدامها في الخداع الاستراتيجي من خلال الترويج الإعلامي والسياسي والمذهبي للدور الإيراني المعادي للصهاينة.
وبالجملة شكل الوجود الشيعي هذا أوراق ضغط قوية جعلت من إيران مقصدًا دوليًّا وطرفًا رئيسًا في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ب- النشاط التمهيدي الهجومي في الدول الأخرى: في متابعة الاستراتيجية الإيرانية الشيعية، نجدها اعتمدت أساليب أخرى في الدول التي استهدفتها تلك الاستراتيجية، لبدء وتطوير نشاط تشيعي، نظرًا لقلة وجود الشيعة أو لضعف هذا التواجد، ضمن إطار مراعاة الظروف المختلفة في كل بلد، لكن وفق استراتيجية مختلفة.
وبمعنى آخر فقد اعتمدت إيران أساليب القوة الناعمة في دول مثل مصر والسودان، وتونس، والجزائر والمغرب، وفي دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما لعبت مراكزها التي أسستها في بلدان عربية أخرى (لبنان وسوريا والعراق) دورًا كبيرًا في إنفاذ تلك الاستراتيجية، فضلاً عن أنها اعتمدت دورًا مباشرًا عبر سفاراتها وقنصلياتها؛ إذ جرى استخدام الاتصالات الرسمية على أعلى مستوى سياسي واقتصادي مع المسئولين في هذه الدول المستهدفة (خاصة ليبيا)، وتحقيق بعض البؤر الشيعية في بعض الدول الإفريقية وإندونيسيا ودعم الطائفة الشيعية في باكستان.
واللافت للنظر أن ساهمت الكثير من المؤسسات والتكوينات الشيعية في دول الخليج بدور بارز في دعم تنفيذ هذه الاستراتيجية في تلك البلدان وغيرها؛ لدرجة أن تم تثوير بعض تلك الجماعات الشيعية؛ بهدف الضغط على الحكومات من أجل القبول بدورٍ ما لإيران بوصفها حامية للتشيع بالمنطقة، وأنها المرجع الديني للشيعة الاثنا عشرية. يقول المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي: "إن الأقليات الشيعية هي أحد أهم ركائز السياسة الخارجية الإيرانية، لقد صار لدينا يد عليا على روافع لنا في الخارج هما: الحماس والاهتمام القوي الذي يبديه المحرومون تجاه الثورة، لقد بدأنا نتعلم حقًّا كيفية استخدام هذه الرافعة في المنطقة لتنظيم علاقاتنا الخارجية".(39)
ج- ترويج التشيع على أنه الإسلام: تمثلت أخطر نتائج مرحلة القومية العربية، وتشكيل الجامعة العربية، والدولة الوطنية، في انسحاب الدور العربي من ساحة الدعوة والتواصل على أساس الإسلام مع الدول الإسلامية في إفريقيا وآسيا- خارج إطار الدول العربية الإسلامية-، ومع الأقليات والجاليات الإسلامية المنتشرة في كل دول العالم، الأمر الذي ترك تلك الدول والأقليات نهبًا لحالة تغريب شديدة دون إمداد بدعم عقدي ودعوي بشكل مناسب من دول أهل السنة.
أخيرًا عوامل القوة والضعف في الاستراتيجيات الإيرانية الشيعية:
لكل استراتيجية عوامل قوة، وأخرى عوامل ضعف، وبمعنى أدق فإن الاستراتيجيات تُدرس وتُرسم وتنفذ لتعيق عوامل القوة عند الخصم، وتقليل تأثير عوامل الضعف لدى الطرف المقابل.
ومن أبرز عوامل القوة في الاستراتيجية الشيعية:
- وجود دولة محورية مركزية، وهي إيران الخمينية، ونتذكر أن هذا كان شرطًا لازمًا لتحقيق الاستراتيجيات الكبرى، كما هو حال روسيا في الاستراتيجية الشيوعية، وواشنطن في الاستراتيجية الرأسمالية... إلخ.
- الفراغ الاستراتيجي الإقليمي الذي يمثله عدم وجود تلك الدولة المركزية في العالم السني التي تحمل المشروع السني وتحميه، مما جعل إيران تحكم السيطرة على ثلاث عواصم عربية. في الوقت الذي تتباين فيه مواقف الدول العربية من طبيعة المشروع الشيعي والدور الإيراني في المنطقة.
- توفر الثروة ممثلة في النفط الإيراني يُضاف إليها الخُمس –خمس الدخل- الذي يُجبَى من أتباع المذهب في العالم لصالح المرجعيات الدينية، والذي يوظّف جزء منه لصالح تلك الاستراتيجية.
- إحكام سيطرتها على الشأن العراقي، واستحواذها على النجف وحوزته العلمية، مما يرسخ مكانتها الروحية والسياسية في العالم الشيعي.
- يمثل وجود الحالة المذهبية الشيعية وانتشارها عاملاً أساسيًّا في توفير طاقة مستمرة للحركة الشيعية، بالإضافة إلى امتلاكها أوراق ضغط؛ من خلال تحكمها في تحريك المجموعات الشيعية لإثارة القلاقل والاضطرابات داخل الدول المناوئة لمشروعها.
- البروز الإعلامي القوي من خلال عدد كبير من الفضائيات المتنوعة ومواقع على الإنترنت، فضلاً عن اقتحام مجال الدراما التاريخية بهدف تزويره من ناحية، وتهيئة النفوس لقبول الدعاية الشيعية من ناحية أخرى.
- يعد التوظيف الغربي لإيران الدولة والمذهب ودعم دور لها في الإقليم أحد عوامل القوة الإقليمية لاستراتيجيتها في التمدد الشيعي، ومع علاقة إيران بروسيا تتمتع بالاستفادة من حق الفيتو بموجب اتفاق المصالح بينهما لمواجهة أمريكا والغرب وحلف الناتو بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي وتفككه على إثر ذلك.
- لعل العامل الأهم الذي وفّر المناخ لإنجاز قدر من أهداف الاستراتيجية الشيعية هو حالة الغفلة، وافتقاد الرؤية لطبيعة الخطر الشيعي، وقد وفرت حالة الضعف والتفرق للبلاد والشعوب المستهدفة بيئة مناسبة لتحقيق تلك الأهداف.
وفي المقابل ورغم تلك العوامل ونقاط القوة، ورغم ما أنجزته تلك الاستراتيجية غير أنها تعيش خللاً ونقاط ضعف كبيرة، بعضها ينبع من الاستراتيجية نفسها، والبعض الآخر من الدولة المركزية الراعية للمشروع والداعمة له، ومن أهمها:
- هشاشة وضعف بنية المذهب العقدية، قلب المشروع وجوهره، وكثرة التناقض والاضطراب بين نصوصه المؤسسة له، وكذلك بين روّاده والآباء المؤسسين له.
- في الوقت الذي يعتبر فيه الموقع الجغرافي لإيران مميزًا لها، بيد أنه يسبب لها العديد من المشاكل الحدودية مع عدد كبير من الدول الحدودية؛ مما يرهق ميزانيتها الدفاعية.
- أيضًا بسبب موقعها الجغرافي جعلها محلاً للصراع بين القوى الكبرى على مدار التاريخ؛ مما هيأ محاولات التدخل الدولي للسيطرة عليها.
- الموقع الديمغرافي لإيران منذ الدولة الصفوية جعل منها دولة شيعية في محيط سني، ودولة فارسية في محيط عربي؛ مما فرض عليها عزلة استراتيجية، وعزز لديها معضلة الأمن والشعور بالخوف والقلق من جيرانها، وبخاصة بعد الثورة الخمينية، وسياستها في تصدير الثورة.
- اعتماد إيران على اقتصاد المنتج الواحد (النفط والغاز) في الدخل القومي رغم تنوع أنشطتها الاقتصادية؛ نظرًا لبيئتها الصحراوية القاسية، وقلة المياه الصالحة للشرب والري؛ حيث إن معظم بحيراتها مالحة مع عدم توفر الأرض الخصبة فالجزء الأكبر من أراضيها صحراوية، مما يرهق ميزانيتها خاصة مع التوسع وزيادة رقعة الامتداد الشيعي في العالم الإسلامي.
- حالة التعدد والتنافس والصراع القومي بين القومية الفارسية والقوميات: العربية، والآذرية، والكردية، والبلوشية، واللور، والتركمان، والفرس، والأكراد، والقبائل البختيارية، والقشقائية، وغيرها من مكونات نسيج دولة المركز ذاتها –إيران- فمن المعلوم أن إيران بلد يتكون من أعراق مختلفة، وطوائف وأديان متنوعة.
فهناك الفرس في وسط إيران، ويشكلون قرابة 48% من مجموع السكان، ثم الآذريون الأتراك في الشمال الغربي، ويعتبرون أكبر الأقليات العرقية في البلاد بنسبة تصل إلى 24% من المجتمع الإيراني، ثم الأكراد في غرب إيران بنسبة 10%، فاللور في غرب إيران بنسبة 8%، والعرب في الجنوب والجنوب الغربي بنسبة تقدر بحوالي 4%، فالبلوش في الشرق والجنوب الشرقي (2%)، والتركمان في الشمال الشرقي (2%)، وآخرون بنسبة 2%.
مع التأكيد على أن هذه النِّسَب تختلف من تقرير إلى آخر لعدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة في هذا الصدد. تتركز معظم الأقليات الإيرانية على تخوم دولة إيران من كافة الاتجاهات، وهذا يفرض تحديًا كبيرًا على القيادة في طهران؛ بحكم وجود نزعات انفصالية لبعض هذه الأقليات العرقية والدينية.
وأبرز هذه المشاكل هي عدم وجود أطراف متحدة مع الكتلة الفارسية في الوسط؛ فالعرب في الجنوب والجنوب الغربي؛ حيث يمتدون إلى دول الخليج، والبلوش في الجنوب والجنوب الشرقي، ولهم امتداد في باكستان وأفغانستان، والتركمان في الشمال والشمال الشرقي على الحدود مع تركمنستان، والآذريون في الشمال والشمال الغربي وأجزاء في الوسط، وأيضًا لهم امتداد في أذربيجان، والأكراد في الغرب ولهم امتداد عرقي في تركيا وكردستان، وكل تلك العرقيات لهم حلم تكوين الدولة الكبرى المستقلة، والخاصة بعرقهم، وتحركهم جماعات قومية تسعى إلى ذلك مدعومة بأجنحة مسلحة.
- حالة الاضطهاد الديني والعرقي التي تعاني منها هذه الأقليات، وبخاصة السنية مما يمثل حالة عداء داخل تلك الدولة.
- التنوع الديني والمذهبي في البلاد، حيث نجد المسلمين من السنة، والشيعة الاثنا عشرية، والصوفية، والعلي إلهية، وعلي حق، والشيخية، والإسماعيلية، وغيرهم، كما أن هناك اليهودية والزرادشتية والمسيحية والبهائية و..
تشهد حالة الأقليات العرقية داخل إيران فراغًا قانونيًّا كبيرًا، وبخاصة الأقليات السنية، والعربية، والآذرية، والكردية في مقابل حقوق العرقية الفارسية، ومن بين ذلك:
- نقص في المياه وسوء الظروف في بلاد واسعة من حيث الرقعة الجغرافية.
- المركزية الشديدة في الإدارة السياسية مع تجاهل مشاركة المجموعات العرقية.
- تجاهل مطالب واحتياجات الفئات العرقية في أعقاب حركة التحديث، وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الفئات العرقية والفرس.
- الانقسام والتنافس بين مكونات الفرقة الشيعية بين المرجعيات العربية والفارسية، وبين تياراتها العقدية المختلفة إلى حد تكفير بعضها من: إخبارية وأصولية وشيخية وعرفانية و...
- عدم وجود تصور واحد من جانب الدول العربية تجاه تصور لطبيعة الدور الإيراني؛ وذلك بسبب اختلاف مصالح هذه الدول، واختلاف أيديولوجيتها الحاكمة وتصوراتها الخاصة بإيران بين مَن يرى أنها مصدر تهديد تحركها مذهبيتها الشيعية، وبين من يرى أنها عنصر توازن في المنطقة، ودول أخرى تنظر إليها على أنها حليف استراتيجي.
- قوة وحضور التيار السلفي في العالم الإسلامي؛ مما أيقظ الوعي بخطورة التشيع، وتهديده لوحدة النسيج الاجتماعي والأمن القومي لدوله في آنٍ واحد؛ وذلك على مستوى قطاع كبير من الشعوب والحكومات رغم علمانيتها، مما سيعزز حالة المدافعة، بل والهجوم أيضًا.
- يعد الاعتماد بشكل عام على دور الأقلية في داخل دولة من الدول يحتاج إلى قوة طاغية من دولة المركز؛ ليحقق صموده، وهو غير متوفر بالشكل المطلوب، وبالتالي فإنه إذا ضعفت دولة المركز تحت الإنهاك الاستراتيجي فسوف نرى المشهد الذي حدث في الاتحاد السوفييتي السابق يتكرر في إيران.
ختامًا:
كانت هذه قراءة لأبرز معالم استراتيجية نشر التشيع بدوافعها ومحركاتها العقدية والتاريخية والجغرافية على الرغم من عدم تدوينها أو إعلانها ـ بيد أنه لا يصعب على الباحث والمتابع استقراء أبرز معالمها وخططها المختلفة والمتنوعة ووسائل وآليات تنفيذها ما بين: استخدام القوة الخشنة أحيانًا، والقوة الناعمة حينًا آخر، فهي استراتيجية من النوع السوبر الذي يجمع بين عدد من الاستراتيجيات في آنٍ واحدٍ، ورغم أنها حققت عددًا من النجاحات لامتلاكها نقاط قوة متعددة، غير أنه لازمها الكثير من الإخفاقات ونقاط الضعف.
ومن أبرزها أنها ساهمت في استنفار الشعور السني العام كحائط صد سني، والذي عمل أعداء الأمة على تغييبه فترات طويل، ومعه تم إحياء روح الأمة وأهمية وحدتها في مقابل ما يتهددها، والذي برز مع مبادرة المملكة العربية السعودية لتشكيل التحالف العربي في شكله العسكري والسياسي لكسر المشروع في اليمن، فكسر المشروع في اليمن وسوريا هو كسر للمشروع الشيعي برمته، ولذا يجب أن يستمر التحالف ويتسع ليشمل شتى الدول والمجتمعات السنية ليحمل المشروع السني العام مقابل المشروعات التي تستهدف وجودها وعقيدتها.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صلاح العقاد، التيارات السياسية في الخليج، ص17.
(2) محمد عبد اللطيف هريدي، الحروب العثمانية الفارسية وأثرها في انحسار المد الإسلامي عن أوروبا، ص45.
(3) صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 9/2/2002م.
(4) وهو بحث كتبه يوحنا العرّاف –الملقّب باللاهوتي- في أواخر الستينيات من القرن الأول الميلادي، لم يكن يُعتبر سِفرًا مقدسًا وقت كتابته وحتى حلول القرن الرابع الميلادي؛ إذ بعد مؤتمر نيقية 325م طلب الإمبراطور قسطنطين من يوزيبيوس أسقف قيسارية إعداد "كتاب مسيحي مقدس" للكنيسة الجديدة، ومن الراجح أنه قد أُضيف إلى الأناجيل بعد زمن يوزيبيوس بكثير، ومن بعدها أصبح لهذا السِّفْر مكانته المؤثرة والمحركة للعقل الجمعي للطوائف البروتستانت والجماعات الصهيونية المسيحية؛ من خلال شبكة هائلة من مئات الإذاعات وقنوات التلفزيون يقوم عشرات الألوف من الوعّاظ الأمريكان في الكنائس وعلى الإذاعات والتلفزيون ومدارس الأحد بالتغلغل في قلوب وعقول عشرات الملايين من الأمريكيين منهم أعضاء بالكونجرس ووزراء بالإدارة الأمريكية منهم: كوندليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة و... وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق.
(5) يقول الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: "إنه في مطلع 2003م تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس بوش الابن فوجئ فيها بطلب ضم الجيش الفرنسي لقوات التحالف الدولية ضد العراق، مبررًا ذلك بتدمير آخر أوكار يأجوج ومأجوج، مدعيًا أنهما مختبئان في الشرق الأوسط قرب مدينة بابل القديمة، ووصفها بالحملة الإيمانية المباركة، وأنها تنفيذ الواجب الإلهي المقدس، الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل.
وعبر شيراك أنه لم يصدمه طلب انضمام فرنسا لقوات التحالف بقدر صدمته في سطحية وتفاهة تفكير الرئيس الأمريكي زعيم أعظم دولة في العالم على حد قوله: "هذه ليست مزحة، فقد كنت متحيرًا جدًّا، بعد أن صعقتني هذه الخزعبلات والخرافات السخيفة، التي يؤمن بها رئيس أعظم دولة في العالم"، وأضاف: "أصدق في حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة، ويحمل هذه العقلية المتخلفة، ويؤمن بهذه الأفكار الكهنوتية المتعصبة، التي سيحرق بها الشرق الأوسط، ويدمر مهد الحضارات الإنسانية". للمزيد انظر: النبوءة والسياسة لجريس هالسيل، ومن يجرؤ على الكلام لبول فندلي، والبعد الديني للسياسة الأمريكية ليوسف الحسن.
(6) وقد أثار هذا الخطاب موجة من الاستياء والاستنكار من المجامع العلمية في عدد من الدول الإسلامية؛ فقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بيانًا تستنكر ما جاء في الخطاب ونشرته جريدة العالم الإسلامي بتاريخ 9 رمضان 1400هـ مؤكدة على أن ما جاء في خطاب الخميني يتعارض مع صريح العقيدة الإسلامية ومبادئ الدين الحنيف، ويحتوي مناقضة صريحة للإسلام وما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وما أجمعت عليه الأمة وعلمائها، من أن النبي محمد هو خاتم النبيين، وهو المصلح الأعظم للبشرية".
وهو ما أكدته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب وأوردت في بيانها الذي نشرته (مجلة دعوة الحق عدد شعبان – رمضان1400هـ / يوليو1980م) إجماع كافة أعضاء المجالس العلمية بالمغرب على أن هذه الأقوال الشنيعة والمزاعم الباطلة تؤدي إلى الإشراك بالله عز وجل .. وفيها تطاول على مقام الأنبياء والمرسلين.
وكذلك في تونس أدان مفتيها الشيخ الحبيب بلخوجة هذه التصريحات، وقال: "إنها تشكل مساسًا بالدين، وتتناقض مع مبادئ القرآن الكريم".. وقال: "إن الذي يتجاهل السنة، ويناقض القرآن الكريم يكذب إذا ادعى أنه ينتمي إلى الإسلام، أو أن يكون حاملاً لرايته.."، مجموعة من المؤلفين. نهج خميني في ميزان الفكر الإسلامي، ص45- 50.
(7) للمزيد انظر: علي الكوراني، عصر الظهور.
(8) دونالد ولبر، إيران ماضيها وحاضرها، ترجمة عبد النعيم حسنين، ص87.
(9) عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار، ص184. فتحي يكن، المتغيرات الدولية والدور الإسلامي المطلوب.
(10) نقلاً عن صحيفة القبس الكويتية، عدد 17/10 /1981م.
(11) بصيرة الداود، التنويع في تصدير الثورة، صحيفة الحياة، لندن، 18/10/2010م. نقلاً عن شحاتة محمد ناصر، الجغرافيا وأثرها على علاقات إيران العربية، الفصل السادس من الجمهورية الإسلامية دراسة مسحية، معهد البحوث العربية – جامعة الدول العربية، القاهرة، 1436-2014م.
(12) سعيد لبيب المنور، إيران والإمبراطورية الشيعية الموعودة، ص76، 77، 102-106.
(13) صحيفة اللواء الأردنية 25/4/2001م.
(14) تيار الزعامة الدينية أحد أجنحة التيارات السياسية الفاعلة في السياسة الإيرانية، والتي تشكلت بعد نجاح ثورة خميني في عام 1979م، وشكلت مع غيرها ائتلافًا تحت زعامة حزب جمهوري إسلامي في مواجهات المناوئين للثورة وتوجهاتها، وتضم عددًا من الجمعيات الفاعلة، ومن أشهر رموزها مرتضى مطهري ومحمد رضا مهدوي أمين عام الرابطة السابق، وعلي أكبر ناطق نوري رئيس الرابطة، وسيد محسن بهشتي وأكبر هاشمي رفسنجاني، ومن أبرز وسائله الإعلامية نشرتا: شما ، وجام.. وتعد صحيفة الرسالة قريبة من توجهات الرابطة. للمزيد انظر: حجت مرتضى، التيارات السياسية في إيران المعاصرة، ترجمة محمود علاوي، ص47-52.
(15) جمعية الدفاع عن القيم تأسست عام 1995م للحفاظ على قيم الثورة الخمينية التي رأى مؤسسوها -وعلى رأسهم محمدي ري شهر أمين عام الجمعية- أنه تم الابتعاد التدريجي عنها بدعوى الانفتاح والتعايش الدولي، وتعبر صحيفة (آرزشها) عن وجهة نظر الجمعية. المرجع السابق، ص59-69.
(16) أنصار حزب الله: تشكل هذا الجناح من اللجان المختلفة التي شكّلها المحاربون بعد عودتهم من الحرب العراقي الإيرانية في عام 1993م؛ حيث تبدل الاسم من حزب الله طهران الذي تصدى لأنصار بني صدر، وطارد غير المحجبات سابقًا إلى أنصار حزب الله لينشط في مواجهة المفاسد الاجتماعية والمنكرات.. وتعتبر المجلة الشهرية (يا لثارات الحسين) ومجلة (شلمجة) النصف شهرية صوتا الحزب، وتعتبر صحيفتا: (صبح)، و(كيهان) قريبتين من توجهات الحزب. للمزيد انظر: المرجع السابق، ص72-73.
(17) مجمع علماء الدين المجاهدين: وتشكل في أوائل عام 1988م خلال الإعداد لانتخابات الدورة الثالثة لمجلس الشورى بعد أن انشقوا عن رابطة علماء الدين المناضلين، وأمين عام المجمع مهدي كروبي، ومن أبرز أعضائه علي أكبر محتشمي، وبها يرتبط عدد من المنظمات الفاعلة، ومن أبرزها منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وتعتبر صحيفتا (سلام)، و(عصرما) ناطقتين بلسان المنظمة، وكذلك تعد صحيفة (مبين) قريبة من توجهات المجمع. للمزيد انظر المرجع السابق، ص52-59.
(18) جماعة كوادر بناء إيران (تيار العمال): أعلنت هذه االجماعة وجودها رسميًّا تحت هذا المسمى في عام 1995م، رغم أن وجودها غير الرسمي بدأ قبل هذا في عام 1989م من مجموعة من التكنوقراطيين الذين درسوا في الغرب برئاسة عطا الله مهاجراني، وغلام حسين كرباسجي الأمين العام، وعضوية فايزة رفسنجاني، وعلي رفسنجاني، وغيرهما.. وتقوم على الدعوة لتوخي المصلحة في السياسة الخارجية والاهتمام بالبناء الداخلي، وتعتبر صحيفة (همشري) وصحيفة (إيران) من الصحف المؤيدة لهذا التيار. للمزيد انظر المرجع السابق، ص73-75.
(19) الحركة الطلابية: تأسس تحت مسمى الجمعية الإسلامية لطلاب وخريجي الجامعات ومراكز التعليم العالي عام 1983م، وقد شاركت في انتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهوري عام 1987،1983م، ومن أبرز مؤسسيها:
حشمت الله طبروزي، ومحمد مسعود سلامتي.. وتعتبر نشرة (بيام ونشجو) صوت الحركة. للمزيد انظر المرجع السابق، ص69-72.
(20) مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (الشئون الدولية)، تصدير الثورة كما يراه الإمام الخميني، ص 39.
(21) سعد الدليمي، إيران تستعمر العراق، مجلة الحرية العدد 142 أكتوبر 2005م ص21-13.
(22) مارينا أوتاي، إيران والولايات المتحدة ودول الخليج: السياسة الإقليمية المحيرة، أوراق كارينجي، العدد 105، أكتوبر 2009م، بيروت، مؤسسة كارينجي للسلام، ص212-213. نقلاً عن د. شحاتة محمد ناصر، مرجع سابق ص245.
(23) أشرف محمد كشك، رؤية دول مجلس التعاون الخليجي للبرنامج النووي الإيراني، مختارات إيرانية، العدد 62، سبتمبر 2005م، ص116-117، نقلاً عن المصدر السابق نفسه.
(24) المصدر السابق، ص246.
(25) شحاتة محمد ناصر، مرجع سابق، ص254.
(26) مجموعة من الباحثين، الحوثي في اليمن.. الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية، ص152-153.
(27)عباس خامة يار، إيران والإخوان المسلمين، ص23.
(28) مرتضى مطهري، الإمامة، ص28.
(29) المرجع السابق، ص30.
(30)(www.shia-online.iryarticle.asp?id=1300&cat=1).
(31) رؤية الإمام الخامنئي نحو الحرب الناعمة: http://alwelayah.net/?cat=20
(32) مجموعة من الباحثين، الحوثي في اليمن.. الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية، ص157-158.
(33) صحوة الشيعة، ولي نصر، ص215.
(34) د. هادف الشمري، أضواء على الخطة السرية لآيات قم في البحرين، ص25.
(35) محمد أبو رمان، التشيع في الأردن ظاهرة يغذيها حزب الله، صحيفة الغد الأردنية 4/10/2006م نقلاً عن البعث الشيعي في سوريا، ص58-59.
(36) جريدة الخليج أون لاين الإلكترونية، 29 أغسطس 2015م: http://alkhaleejonline.net/articles/14407819348596373
(37) للتفاصيل الكاملة عن اللوبي الإيراني في أمريكا والدور الذي قام به انظر: http://al3asemanews.net/news/show/141375
اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة.. من النشأة وحتى توقيع الاتفاق: http://www.sasapost.com/iranian-lobby-in-the-us/
"اللوبي" هو مجموعة ضغط سياسي واقتصادي واجتماعي وإعلامي، تعمل للتأثير على قرارات الدول المعنية، والرأي العام فيها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي والفكري للجهة التي تمثل مصالح اللوبي، سواء الاقتصادية أو الفكرية أو الاجتماعية، وتعمل جماعة اللوبي في البلد القاطنة فيه على المستوى السياسي والاقتصادي والفكري وغيره، وفق خطة دقيقة ومحكمة، وعبر تخطيط شامل، أسلوبًا ومنهجًا، يتزامن مع مراحل تنفيذ الأهداف المرسومة.
(38) رسول جعفريان/، الشيعة في إيران.. دراسة تاريخية من البداية حتى القرن التاسع الهجري، ص 486-487.
(39) للمزيد انظر: ولي نصر، صحوة الشيعة.