يتعرَّض المدافعون عن حقوق الإنسان في إيران إلى التهديدات بالقتل، أفعال المضايقة، الاعتقال التعسفي، المضايقة القضائية، تشويه السمعة، الهجمات العنيفة، إساءة المعاملة، التعذيب والقتل. وتتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان وخاصة المرأة الإيرانية بالتحديد للخطر في إيران. فحرية التعبير، الاجتماع والتجمع خاضعة للتقييد الشديد في إيران، وكثيراً ما يتم ربطها بخروقات تتعلق أمن الدولة إليها، فالأمن يسبب مشكلة للمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، لما كانت السلطات تقوم على نحو منتظم بإغلاق المواقع الإلكترونية التي تتصل بحقوق الإنسان، وتقوم السلطات باستهداف النساء اللواتي ينظمن حملات من أجل الحقوق المتساوية، ويتعرضن للتوقيف التعسفي، وأفعال التعذيب.
وخير مثال على ذلك حملة المليون توقيع وهي حملة لإصلاح القوانين التمييزية ضد المرأة وهذه الحملة كانت في 12 حزيران 2006 م وتم اللقاء في ميدان " هفت تير " في طهران وهذا كان من أجل الاحتفال بيوم الوحدة للنساء الإيرانيات، في هذا اللقاء التقت مجموعة متنوعة تمثل أطيافاً واسعة من الأفكار للمطالبة بإصلاح القوانين، خاصة قوانين الأسرة التي تميز ضد المرأة. فأصبحت حملة المليون توقيع هذه تمثل قاعدة أوسع ودفعة أكثر حيوية من أجل الإصلاح.
حملة المليون توقيع حركة تسعي إلى تعديل القوانين التمييزية في إيران والقوانين غير المنصفة التي تجعل النساء مواطنات من الدرجة الثانية، ومن بينها القوانين المتعلقة بالميراث والطلاق وحضانة الأطفال ومطالبة بحقوق متساوية بين المرأة والرجل في الزواج، وحقوق متساوية للمرأة في الطلاق، ووضع حد لتعدد الزوجات والزواج المؤقت، ورفع سن المسؤولية الجنائية إلى 18 سنة للفتيات والفتيان، وحق المرأة في إعطاء الجنسية إلى أطفالها، والمساواة في الدية بين المرأة والرجل، وحقوق المساواة في الميراث، وحقوق متساوية في الشهادة أمام المحاكم للرجال والنساء، وغيرها من القوانين التي تميز ضد المرأة. فالأعظاء يتطلعون إلى جمع مليون توقيع من الإيرانيين بهدف مطالبة البرلمان بإلغاء هذه القوانين.
ومن أهداف الحملة أيضا إعلاء صوت النساء حيث تأمل المنظمات أن يتمكّن خلال هذه الحملة من التواصل مع المجموعات اللواتي ظلت مطالبها غير مسموعة. وتهدف الحملة، بالاعتماد على الاحتياجات التي حددتها النساء أنفسهن، إلى رفع أصوات النساء اللواتي لم يتم الالتفات لمطالبهن.
وعن مظاهر التمييز ضد المرأة، والقوانين غير المنصفة والتي تعمل على التأكيد على هذه التفرقة، فأوجه التمييز ضد المرأة لا تعد ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
الطلاق والوصاية على الطفل:
حسب القانون فإن الطلاق حقاً مطلقاً للرجل، فإنه يستطيع أن يطلق زوجته متي يشاء، ومن أجل أن تبدأ الزوجة في معاملة الطلاق عليها أن تثبت أن زوجها مذنب من حيث إساءة السلوك والامتناع عن الإنفاق والإدمان والسجن وهذا من الصعب إثباته. وهناك الكثير من الحالات التي تتنازل عن مهرها من أجل أن تنال الحرية وتتحرر من المضايقات والإساءة.
ومن خلال الإحصائيات تبين أن 91 % من النساء اللواتي حصلن على الطلاق في مدينة " قم " لم يطالبن بمهرهن بالكامل. وأيضاً في كثير من الحالات حتى يكون الطلاق متفقاً عليه بين الزوج والزوجة، تتنازل الزوجة عن كل الالتزامات المالية من أجل ضمان موافقة الزوج على الطلاق. "ومن منظور ديني " فإن الدين كفل للمرأة حصولها على الطلاق بسهولة إذا وافقت أن تتنازل عن المهر. لكن القانون الإيراني أضاف جملة تفيد بأن على الزوجة " الحصول على موافقة الزوج على ذلك ".
الوصاية على الأطفال:
فإن الحضانة أو الوصاية على الأطفال لها معنيان مختلفان:
المعني الأول: يعني أن يتم الاعتناء بالطفل، والمعني الثاني: يعني القيام بدور الوصي، واتخاذ القرارات بشأنه مثل الوضع المدرسي ومكان السكن والسفر خارج البلاد والأمور التي تتعلق بصحته مثل الرعاية الطبية. ووفق القانون المدني الإيراني ــــــــــ المادة 1180: الطفل القاصر تحت وصاية الأب أو الجد (والد الأب) وهكذا هو الحال أيضاً مع الطفل غير البالغ أو غير العاقل بشرط أن يكون عدم النضج والأهلية العقلية مستمران منذ سن القصور". والمادة 1181 " الأب او الجد (والد الأب) لهما حق الوصاية على الأطفال ـــــــــــــــــــــ لا يمكن للأم أن تكون معيلة قانونياً لطفلها ولا تستطيع أن تأخذ الوصاية وأيضاً إذا كان الطفل مريضاً ويحتاج إلى عملية جراحية فإن الأب وحده الذي لديه سلطة إعطاء الإذن بالجراحة وبدون توقيع الأب لا يمكن أن يتم إجراء هذه العملية، كما إذا ابتاعت الأم بيتاً لأبنها ومن مالها الخاص فللأب الحق في بيعه أو تأجيره متي أراد.
تعدد الزوجات
قانون الزواج هو المرجعية فيما يتعلق بعدد الشركاء. بمعني أن القانون يسمح بزيجات متعددة للرجال، فللرجل أربعة عقود زواج " زيجات دائمة " أو عدد لا حصر له من الزيجات المؤقتة "زواج المتعة".
سن تحمل المسئولية الجنائية:
تتحمل الأنثي المسئولية الجنائية إذا بلغت التاسعة من عمرها، أما الصبي فيتحملها من سن الخامسة عشرة، فإذا ارتكبت فتاة في التاسعة من عمرها جريمة فإنها تعامل معاملة البالغين وتعاقب على هذه الجريمة وبكافة أنواع العقوبات وبما فيها الإعدام، إلا أنه يمكن التحفظ عليها في مؤسسات الأحداث حتى بلوغها سن الثامنة عشرة حتى يتم تنفيذ الحكم عليها.
حيث تنص المادة 88 من القانون الجزائي بالنسبة للأطفال مرتكبي الجرائم، فسن المسئولية الجنائية من 9 إلى 15 سنة. وتعليقاً على هذه المادة والتي كانت مبهمة حول شمولها المسئولية الجزائية، فقد تم طلب تفسير المادة من مجلس القضاء الأعلى الإيراني فأجاب المجلس: بأن سن البلوغ يشمل المسئولية الجنائية ولكن بعد فترة طرحت نظرية أخرى حيث أصدر السيد محمود شاهرودي رئيس السلطة القضائية "أمرا إداريا" بإيقاف أحكام الإعدام الصادرة بحق الأفراد دون 18 عاماً. وأيضاً تم تقديم لائحة قانونية جديدة حول تأسيس محكمة الأطفال بواسطة السلطة القضائية في إيران إلى مجلس الشورى الإسلامي عام 1384 شمسي /2005م وطرحت نظرية أخرى حول السن القانونية مغايرة لتلك المادة، ولكن النظرية الأولى كانت نافذة منذ سنوات عديدة ولا يزال العمل بها قائماً في بعض المحاكم .
المواطنة:
المواطنة موضوع قانوني مهم؛ فهو الذي يقرر العلاقات بين الفرد والدولة ووفقاً للقوانين في إيران، لا تنتقل مواطنة المرأة إلى أبنائها، فإذا تزوجت امرأة إيرانية من رجل من جنسية أخرى فأولادها لا يعتبرون إيرانيين والسبب في ذلك أنها عندما تزوجت من جنسية أخرى لم تقدم طلب بتصريح الزواج من جنسية أخرى ومن الممكن أن تخسر جنسيتها الإيرانية بزواجها هذا.
والمادة 987 من القانون المدني تنص أيضاً على أن : " النساء الإيرانيات اللواتي يكتسبن الجنسية الأجنبية بالزواج لا حق لهن تملك أراضي غير منقولة إذا كان هذا يؤدي إلى سيطرة اقتصادية للأجنبى" .
ومن القوانين التمييزية الأخرى:
•اشتراط الذكورة فيمن يترشح لمنصب الرئاسة، بالإضافة إلى تدينه وممارسته للسياسة، وعليه فالمرأة ليس بإمكانها أن تصبح رئيساً.
•على النساء أن يلبسن زياً قانونياً عندما يكن في المجال العام بغض النظر عن عقيدتهن، مثلاً النساء المسيحيات اللواتي لا تتطلب ديانتهن أن يلبسن الحجاب فسوف يعاقبن إذا ظهرت بدون الحجاب ومن الممكن أن يجلدن أو يغرمن.
•الرجم بالحجارة هو العقاب الذي حددته القوانين للأشخاص الذين يرتكبون الزنا. وعادة
ما ينفذ هذا القانون على النساء، لأن الرجل لديه عدد غير محدود من الزوجات المؤقتات
وهذا ما يعرف ب" زواج المتعة " وفي حالة القبض عليهم يدعي الرجل أن التي كان على علاقة معها ـ إذا كانت عزباء ـ فـهي زوجته المؤقتة.
•إذا دفعت النساء نفس القدر من النقود للتأمين كما الرجل فإن أطفالهن لا يستطيعون الإفادة من تعويضات تقاعدهن أو من التأمين الصحي. وهذا يعني أن الأم لا تستطيع أن تقدم أي نوع من أنواع الراحة لأطفالها بعد وفاتها.
•الرجل مسموح له بأربع زوجات مستديمات، وعدد غير محدود من الزوجات المؤقتات، كما أن المرأة حقها في الطلاق مقيد على خلاف الرجل الذي يحق له تطليق زوجته متي يشاء.
وتعليقا على هذه القوانين التمييزية ضد المرأة يتضح أن القانون من الممكن تغييره لأنه من وضع الإنسان وليس منزلاً، ومن خلال آراء بعض الفقهاء والمراجع الدينية يستنكرون كل أشكال التمييز ضد المرأة، ويرون أنه لابد من تغيير هذه القوانين حتى تواكب مجريات الأحداث، وتلائم متطلبات الزمان. كما أن طلب تغيير القانون الخاص بالمرأة والذي يمارس تمييزاً واضحاً ضدها أمرٌ لا يخالف الشريعة والدين ولكن يأتي ضمن التزامات أوجبتها الحكومة الإيرانية على نفسها.
وصادق الكثير من رجال الدين أمثال: " آية الله موسوى بجنوردي و" آية الله يوسف صانعي" - وهو من أبرز المراجع الدينيين المعروفين بشجاعتهم في الاعتراف بحقوق المرأة الإيرانية - على طلبات لإصلاح القوانين التمييزية ولم يروا أياً من هذه المطالب مخالفة أو مناقضة للإسلام، فآيه الله بجنوردي أعلن بشكل واضح: " أن الإسلام لا يختلف بأية طريقة على حقوق الإنسان ولا يمكن القول إن إن الرجل أفضل من المرأة. فالحقوق الإنسانية لهما بغض النظر عن النوع الاجتماعي، ولقد كفل الله هذه القوانين لجميع بني البشر".
ورجوعاً إلى حملة المليون توقيع وبالرغم من أن الحملة كانت على قدر من السلمية والقانونية إلا أن رافقها القمع الأمني بكل صوره والكثير من التحديات. وكلما تقدمت الحملة إلى الأمام، زادت التقييدات على سفر العضوات، والرقابة على الأنشطة المنفذة عبر الأنترنت، والغرامات على الناشطات المعتقلات، والمضايقات العامة الحكومية كلها تم تصعيدها. ففي بداية الحملة في يوم 12 حزيران 2006 م تجمعت متظاهرات سلميات من أجل دعم الحقوق المتساوية للمرأة في ميدان " هفت تير " ولكن تم فض هذه التظاهرة بالقوة واعتقال 70 رجلاً وامرأة ووجه إليهم تهم مثل العمل ضد الأمن القومي للبلاد والدعاية ضد النظام.
ومن نماذج القمع الأمني والتهديدات التي تلقاها أعضاء الحملة: اعتقال " أمير يعقوب " وهو أول رجل يعتقل من حملة جمع التوقيعات وبعد 28 يوماً قضاها في العزل الانفرادى، تم اصلاق سراحه بكفالة، وحوكم في 26 شباط 2008 م وحكم عليه ب 12 شهراً بسبب " تعريض الأمن الوطني للخطر" هذا من ضمن 12 تهمة أخرى عالقه ضده.
• الناشطتان "فريبا داوودي" "بروين اردلان" "نوشين احمدي خراساني" "سوزان طهماسبي" تلقين حُكماً بالسجن في نيسان 2007م بتهمة ارتكاب "أفعال ضد الدولة" وتهديد الأمن الوطني نتيجة اشتراكهن في تجمع حملة المليون توقيع في 2006م وتمت محاكمتهن غيابياً.
•تم اعتبار الطالبة وعضوه الحملة "دل آرام على" "مذنبة" بالدعاية ضد الدولة والعمل ضد الأمن الوطني وتعطيل الأمن العام وحكم عليها بالسجن لمدة 34 شهراً و10 جلدات بسبب اشتراكها في الاحتجاجات.
•الاعتقال لعضوة الحملة " زينب بيغمبر زاده " وهي تجمع التوقيعات للحملة في طهران.
•عضوة الحملة " طلعت طاغي " تم منعها من مغادرة البلاد
•"شادي صدر" و"محبوبه عباسقلي زاده " تم اعتقالهن " "ودفع كفالة 200 مليون تومان.
• " نسرين ستوده" و"منصوره شجاعى" تم منعهن من السفر إلى دبي للمشاركة في احتفالات اليوم العالمي للمرأة وعقد ورشة تدريب.
•أغلقت السلطات مكتب " مناصرات من مكتب حقوق الإنسان " وهي منظمة غير حكومية تترأسها " شيرين عبادي " الفائزة بجائزة نوبل والمدافعة عن حقوق الإنسان والمرأة، تلا ذلك مضايقات لشيرين عبادي تضمنت أنها لم تدفع الضرائب المستحقة. كما نظمت مظاهرات وأعمال شغب أمام منزلها وتم اعتقال المساعدة الإدارية في مركز مناصرات من مكتب حقوق الإنسان " جينيس سجاني " خلال اقتحام منزلها في 2009م.
وتم اعتقال الكاتبة وعضوه الحملة " مريم مالك " بعد مداهمة منزلها بالقوة واتهمت بالعضوية في حملة المليون توقيع، وهذه كانت أول مرة تعتبر فيها عضوية الحملة جريمة.
وتتحجج السلطات بأن الناشطات المرتبطات " بحملة المليون توقيع " متورطات في أنشطة غير قانونية لأنهن لم يحصلن على الإذن القانوني حسبما يشترط قانون " أنشطة الأحزاب السياسية والجمعيات والرابطات السياسية والمهنية والرابطات الإسلامية ورابطات الأقليات الدينية المعترف بها.
والجدير بالذكر أن من الاتفاقيات التي تعمل على إلغاء التمييز ضد المرأة " اتفاقية إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة" "السيداو"
ومن الدول التي وقعت على هذه الإتفاقية 189 دولة ومنهم: افغانستان، باكستان، العراق، الأردن، الكويت، كازاخستان، ليبيا، فلسطين، السعودية، الأمارات.
وإيران كانت من الدول الموقعة على الاتفاقية وتم التصديق عليها من قبل البرلمان عام 2003 م ولكن تم نقض التصديق من قبل مجلس صيانة الدستور بدعوي أن بعض مواد هذه الاتفاقيات ووثائق حقوق الإنسان تُخالف المعايير الدينية. ومازالت المرأة الإيرانية تجاهد من أجل الحصول على جميع حقوقها ومن أجل تغيير عدة قوانين تمييزية تضر بها.
*باحثة في شوؤن المرأة الإيرانية