السبت, 23 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الصراع على النفوذ فى الساحة السورية

تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

تثير التطورات الأخيرة على الساحة السورية من تصعيد للعمليات العسكرية ضد أهداف منتقاة العديد من التساؤلات حول حقيقة دوافع القوى الإقليمية والدولية منها، حيث تشكل فى واقع الأمر صراعاً بين تلك القوى لتعزيز نفوذها وسيطرتها على الإقليم، ومن ثم فإن نتائج تلك العمليات تأتى عادة تعبيراً عن توازن القوى بين الأطراف المعنية، خاصة مع رفض إسرائيل لجميع أشكال الوجود الإيرانى فى سوريا، وبالتالى نزوعها للجوء للعمل العسكري، وفى هذا الإطار يأتى قصف القاعدة الجوية T4 قرب حمص التى تبعد أكثر من 250 كم عن الحدود الإسرائيلية، والذى قتل فيه سبعة مستشارين إيرانيين، منهم العقيد «مهدى دهقان» قائد وحدة الطائرات بدون طيار فى القاعدة، وكذا تدمير منظومة الدفاع الجوى الإيرانية بالقاعدة، فى ظل تأكيد «نيتانياهو» أن إسرائيل لن تتسامح مع سعى إيران لتعزيز وجودها العسكرى فى سوريا ومحاولاتها السيطرة على لبنان ونشر الصواريخ بعيدة المدى الموجهة ضد إسرائيل ومواصلة الضغط على واشنطن للانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى الموقع بين إيران ومجموعة 5+1 فى موعد أقصاه 12 مايو القادم مالم يتم تعديل الاتفاق. كما أن القرار الإيرانى بالإعلان عن سقوط قتلى ونشر أسمائهم، والتهديدات التى أطلقتها بعض القيادات الإيرانية فى عقب ذلك، تعكس التوتر المتزايد بين إسرائيل وإيران فى سوريا، وبما قد يدفع طهران للرد على هذا القصف، لاسيما مع توسيع إسرائيل نطاق الخط الأحمر ضد الوجود الإيرانى ليشمل كل الأراضى السورية وليس على مسافة نحو 50 -60 كم عن الحدود فى هضبة الجولان.

وقد جاء قصف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا الأسبوع الماضى عددا من الأهداف فى سوريا بدعوى قيام نظام الأسد بتنفيذ الهجوم الكيماوى فى «دوما»، والذى شمل الهجوم على مركزين للأبحاث الكيميائية فى دمشق - جمرايا وبرازة، وقد سبق لإسرائيل مهاجمتهما، وكذا الهجوم على مطارين عسكريين فى دمشق وقاعدتين تستخدمهما القوات الإيرانية وقوات حزب الله، كما أطلقت بريطانيا صواريخ على منشأة عسكرية قرب حمص، يشتبه فى استخدامها لتخزين الأسلحة الكيميائية، والهجوم على قاعدة للجيش السورى فى منطقة القلمون على الحدود اللبنانية، والتى استخدمها حزب الله، وبالتالى فإن بنك الأهداف التى تم اختيارها بعناية مصدرها الجيش الإسرائيلى وأجهزة الاستخبارات، الأمر الذى قد يدفع روسيا وإيران لتغيير المفهوم الأمنى فى المنطقة، بحيث يجد الجيش الإسرائيلى صعوبة فى مواصلة العمل بحرية نسبية فى أجواء سوريا ولبنان، فى ظل احتمالات قيام موسكو رداً على الهجوم بتزويد دمشق بصواريخ S-300 التى يمكنها تهديد التفوق الجوى الإسرائيلي. ورغم التزام الولايات المتحدة منهج الحد الأدنى فى العملية، مع اتسامها بالطابع الرمزي، والحرص على توسيع دائرة المشاركة فيها بضم قوى أوروبية (فرنسا بريطانيا..) تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة فى المنطقة، إلا أن التنافس الروسى الأمريكى فى المنطقة، وبالتحديد سوريا يرتبط بالرغبة فى السيطرة على موقع سوريا المطل على البحر الأبيض المتوسط، ويشترك بحدود مع إسرائيل ولبنان والعراق والأردن، وبالنسبة لروسيا فإنها لن تسمح بسهولة بخسارة سوريا التى تعد آخر حلقات النفوذ الروسى فى الشرق الأوسط، لذا تحافظ روسيا وبكل قوة على الإبقاء على النظام السوري، لاسيما بعد أن دخلت روسيا سوق تصدير السلاح فى الشرق الأوسط بكل قوة، وأصبحت منافسا قويا لأمريكا فى المنطقة، فضلاً عن تزايد أنشطة التنقيب والحفر فى منطقة شرق البحر المتوسط من قبل شركات الطاقة العالمية، وتشير تقديرات بعض هذه الشركات إلى أن هذه المنطقة تقوم على بحيرة من الغاز تكفى لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة 30 عاماً، ولذلك فإن الصراع بين الدول الكبري، روسيا، امريكا، فرنسا، بريطانيا, ليس من أجل مصلحة الشعوب، أو لإرساء قواعد الديمقراطية فيها، وانما الصراع على النفوذ والغاز والبترول فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالتالى فإن التنافس بين أمريكا وروسيا يهدف لضمان تحقيق مصالحهما و تقسيم النفوذ بينهما.

الحكومة الإسرائيلية كانت تقف موقف المتفرج خلال سبع سنوات من الحرب فى سوريا، وكانت تحذر الأطراف بعدم التعرض لحدودها أو مناطقها الموازية، وقد التزم المتحاربون عدم تجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية بما فيهم «داعش» و«جبهة النصرة» والحرس الثورى الإيراني، وكان الوضع مناسباً لإسرائيل باستمرار القتال بين أعدائها، لكن يبدو أن حسم الحرب لمصلحة إيران تحديداً، واكتفاء تركيا بتنظيف مناطقها الحدودية من الجماعات الكردية جعلها تعيد النظر فى استراتيجيتها، وتتبنى سياسة مواجهة إيران فى سوريا، لمواجهة إستراتيجية القيادة الإيرانية الرامية للسيطرة على مناطق غرب إيران، العراق وسوريا ولبنان، حتى تعطيها ميزة تفاوضية مع إسرائيل، بالتوازى مع كشف الجهاز الأمنى عن منظومة الطيران الإيرانية فى قواعد سلاح الجو السوري، وانتشار القوات الإيرانية والطائرات التى تخدمها، وخطط استخدام الصواريخ الإيرانية فى سوريا للتلويح بقدرتها على تهديد مظاهر الوجود العسكرى الإيرانى على الساحة السورية.

وتشير تقديرات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى محدودية قدرة القوى الإقليمية والدولية الداعمة للنظام السورى على الرد بعد الهجوم الذى شنته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إلا أن هناك مخاوف حقيقية من شكل واتجاه الرد المحتمل على مهاجمة هدف إيراني، تحسباً من أن يتم الرد الإيرانى من قبل الميليشيات المرابطة فى سوريا أو حزب الله، حيث تواجه إسرائيل تحديات رئيسية تتمثل فى التعامل مع رد إيران على الهجوم على رجالها وممتلكاتها فى قاعدة T4 ، والذى يتوقع حدوثه فى المستقبل القريب من سوريا أو من ساحة أخري، وكذا التحديات المرتبطة بحرية عمل إسرائيل فى سوريا، فى ضوء خطر التصعيد مع إيران والنظام السوري، وتحذيرات روسيا من إمكانية إدخال تحسينات على نظام الدفاع الجوى السوري، وتوفير أنظمة صواريخ أرض/ جو متقدمة للسوريين، وهو مايثير مخاوف قادة أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية التى كثفت من أنشطتها الاستخبارية لإحباط الرد الإيراني، والاستعداد لمحاولة التوصل إلى تفاهمات مع موسكو لتقويض الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا، كشرط للحفاظ على الاستقرار فى المنطقة.

(الأهرام)

كلمات مفتاحية:

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت