يسهم تضييق الخناق العربي على إيران في بحثها عن طرق وخطوط بديلة لنشر منهج ولاية الفقيه والترويج للتشيّع، وهو ما تم الكشف عنه مؤخراً، بعد أن اضطرت السفارة العراقية في الجزائر إلى سحب إعلان من بوابتها الإلكترونية، خاص بمنح تأشيرات سفر للجزائريين إلى مزارات شيعية، بعد حملة قادها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
تؤكد هذه الخطوة أن المساعي الإيرانية تتم بتنسيق مع جهات عراقية؛ استغلالاً لسيطرة التيار الشيعي على الحكومة العراقية منذ الاحتلال الأمريكي للبلاد، وهو ما يبعد الأنظار والرقابة عنها، بعد فضح نشاط تشيّع تنفذه سفارتها في الجزائر.
ويبدو أن النشاط المشبوه للسفارة العراقية قد بدأ بعد تعيين السفير الجديد، عبد الرحمن حامد محمد الحسين، الذي تم اعتماده في 22 مارس/آذار 2016، بصفته سفيراً مفوضاً فوق العادة لجمهورية العراق لدى الجمهورية الجزائرية، بحسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية آنذاك.
وتفاجأ الرأي العام في الجزائر بإعلان الممثلية الدبلوماسية العراقية في بيان نشرته، الأربعاء الماضي، عن تسهيلات استثنائية للراغبين في الذهاب إلى مزارات الشيعة في النجف وكربلاء، وذلك في خطوة غير مسبوقة.
وجاء في بيان السفارة، بحسب ما نقلته وسائل إعلامية، "تعلن سفارة جمهورية العراق في الجزائر للأشقاء الجزائريين من الشيعة أو الراغبين في التشيع، عن إمكانية التقدم لغرض الحصول على سمة الدخول إلى الأراضي العراقية لأغراض الزيارات الدينية (مزارات الشيعة في النجف وكربلاء)".
زعيم التيار الصدري في العراق كان ساهم في تجييش الجزائريين؛ بإطلاقه في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تصريحات بشأن الشيعة في الجزائر، حيث دعاهم بكل صراحة ووضوح إلى أن يُجاهروا بتشيّعهم، وأن يخرجوا من قوقعتهم، كما حثهم على الانفتاح على المجتمع، وعدم التقوقع والخوف من "الثلة الضالة"، في إشارة إلى السلفيين، في إقامة شعائرهم وحسينياتهم.
وقال بصريح العبارة: إنّ شيعة الجزائر هم "فئة مظلومة، وعليها ألا تخضع للمتشددين والتكفيريين".
استعداد جزائري
وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، أعلن في 29 مايو/أيار الماضي، إنشاء جهاز تفتيش يتولى مكافحة الطائفية، ومعرفة مواقع حركات التشيع، وذلك بالتنسيق مع الأجهزة المختصة، وذلك بعدما اتهم أطرافاً أجنبية بنشر هذه الأفكار، وتقوية حركات التشيع، خاصة على مستوى الولايات الحدودية الشرقية والغربية للبلاد.
وأبرز عيسى أن قطاع الشؤون الدينية اتخذ جميع الإجراءات لمكافحة هذه الأفكار "الدخيلة" على المجتمع؛ من خلال إنشاء جهاز تفتيش يتولى مكافحة هذه الأفكار، ومعرفة مواقع حركات التشيع، وذلك بالتنسيق مع الأجهزة المختصة، مشيراً إلى استفادة أعضاء هذا الجهاز من دورات تكوينية في القريب العاجل.
وطلبت الحكومة الجزائرية من رجال دين وأئمة "الانتباه لخطر التشيّع" انسجاماً مع خطاب وزارة الشؤون الدينية، وعُلم أن الطلب وجِّه شفهياً إلى مكتب الإفتاء في الوزارة لحض المجتمع الجزائري على عدم التعاطي مع مظاهر التشيّع، التي في إمكانها "ضرب المصلحة العليا للبلاد وفكرها الديني".
وازدادت في الفترة الأخيرة نشاطات "التشييع" التي تنفذها جمعيات أهلية في الجزائر، بعضها غير مرخص، وتجاوز عدد المتشيعين الجزائريين 3 آلاف، بحسب ما قالت وسائل إعلام جزائرية أثارت القضية في العام الماضي، ونشرت تحقيقات حول تلك الظاهرة ودور السفارة الإيرانية فيها.
واتهم مسؤول جمعية "الصحوة الحرة السلفية"، عبد الفتاح حمداش زراوي، سفارة إيران بالجزائر بنشر هذا المذهب، بأساليب وصفها بـ"الأخطبوطية".
من جهتها أكدت وكالة أنباء "براثا" العراقية الشيعية (تتبع رجل الدين جلال الدين الصغير)، أن "آلاف الجزائريين تشيّعوا بفعل أنشطة جمعيات رسمية، وأخرى تنشط في سرية".
وذكر تقرير للوكالة، نقلاً عمّا وصفته بمصادرها الخاصة في الجزائر، أن "التشيع ينتشر بسرعة كبيرة في عدد من المدن الجزائرية الكبرى، كالعاصمة، ووهران، وسطيف، وباتنة". وأن "الأنشطة الثقافية وخطاب المقاومة من أسباب تحول الجزائريين إلى المذهب الشيعي".
وبحسب التقرير، ترعى جمعيات وتنظيمات أهلية وثقافية هذا التبادل، وبعضها تمت تسوية وضعه القانوني، والآخر يعمل دون اعتراف رسمي، وأمام أعين السلطات.
العراق والمراقد.. بوابة التجنيد
يسهم استقطاب الشيعة من العالم إلى المراقد في النجف وكربلاء في قيام جهات إيرانية وعراقية متخصصة بمحاولة تجنيدهم، أو وضع خطط تشييع معهم لتنفيذها لدى عودتهم لبلادهم، وهو ما تم في أوقات سابقة.
الاحتفالات التي أقامها الشيعة، العام الماضي، بمدينة كربلاء العراقية، لإحياء "أربعينية الإمام الحسين"، شهدت مشاركة شيعة الجزائر، الذين رفعوا العلم الجزائري في سماء كربلاء لأول مرة، وهو الأمر الذي يؤكد مدى تمدد هذا التيار في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بحسب موقع "البلاد".
مصدر في المخابرات العراقية كان قد ذكر -شريطة عدم الكشف عن هويته: أن وثيقة سرية تم تداولها منذ شهرين تتحدث عن وجود معسكرات خاصة بالحرس الثوري الإيراني في صحراء النجف.
وبحسب المصدر فإن إيران تعمل مع الأحزاب الشيعية في العراق، بعضها وليس كلها، كما يقول المصدر؛ من أجل تجنيد مقاتلين شيعة يفدون على شكل زيارات إلى النجف وكربلاء.
ويشرح المصدر ذلك قائلاً: "بعد أن يأتي الزائر تسعى الجهات التي تعمل على تجنيده إلى مراقبته أولاً، والتأكد منه بأنه غير مدسوس، وذلك قد يتطلب مراقبته خلال زيارة واحدة أو أكثر، ثم بعد ذلك تبدأ عملية التودد والتعرف والتقرب إليه من خلال أشخاص مدربين، ومن ثم تبدأ عملية التجنيد بعرض الالتحاق بدورات إيمانية، أو حتى تعريفه وتقريبه إلى إحدى الشخصيات الشيعية الدينية المعروفة".
وبعد ذلك، يقول المصدر: "يتم مفاتحته بضرورة الالتحاق بجيش الإمام، قائم آل محمد، الذي سيفتح البلدان، وينصب شيعة آل محمد لقيادتها".
وبالرغم من زيادة النشاط في الجزائر وتوسعه، إلا أن القيادي في جبهة التغيير الجزائرية، إدريس ربوح، يرى أن مسألة الحديث عن نشاط التشيع في الجزائر يعود إلى ما بعد الثورة الإيرانية، وأنه "ليس كبيراً كما يثار"، ويؤكد أن الانسجام الموجود في الجزائر يجعل أي فكر شاذ أو دخيل يكون محدوداً.
المصدر|الخليج أونلاين