• الشعب الأحوازي يهتف ضد السياسة العنصرية: «أنا عربي وافتخر.. ومن لم يعجبه الأمر فلينتحر»
• طهران والكيان الصهيوني.. وجهان لعملة القمع والقتل الواحدة ضد «الأحواز وفلسطين» المحتلتيّن
• عرب الأحواز كسروا في المظاهرات الأخيرة حاجز الخوف بسبب القمع والاعتقالات والإعدامات العلنية
تقرير - إسراء حبيب
في توقيت واحد، اندلعت مؤخرا انتفاضة الشعب العربي في إقليم «الأحواز» المحتل منذ عام 1925 ضد الاحتلال الإيراني، فيما اندلعت مواجهات دامية بين الفلسطينيين والمحتل الصهيوني على حدود قطاع غزة خلال الاحتفال بـ «يوم الأرض».
وفي حين اعتقل المحتل الإيراني العشرات من الأحوازيين، وقمعت قوات «الحرس الثوري» الإرهابية الانتفاضة الجديدة في الإقليم بالحديد والنار، وصل عدد الشهداء الذين سقطوا برصاص القناصة الصهاينة في المواجهات إلى 18 شهيداً، بالإضافة إلى نحو 1700 جريح.
الأحواز وفلسطين.. وجهان لعملة واحدة
الملفت للنظر أن أعداء الأمة العربية لم يكتفوا بتمزيق نسيجها العضوي والاجتماعي، وتقسيمها جغرافيا إلى أقطار ودويلات، بل سلبوا أجزاء عديدة منها مثل فلسطين وإمارة الأحواز العربية التي تطالب الآن بالحرية وفك الارتباط الخانق عن الدولة الإيرانية التي احتلت هذا الثغر العربي بالتواطؤ مع الإنجليز، بما يشبه تماما الدور البريطاني المفضوح في القضية الفلسطينية.
وإلى ذلك، تشهد مدن إقليم الأحواز العربي المحتل في إيران انتفاضة شعبية مستمرة على مدار عدة أيام، احتجاجا على السياسات العنصرية للنظام الإيراني تجاه العرب، بعد أن بثت محطة تليفزيونية حكومية مؤخرا برنامجا يسخر من عرب الأحواز.
وجاءت في برنامج للأطفال اسمه «القبعة الحمراء»، بثته إحدى المحطات التلفزيونية الرسمية، خارطة لتقسيمة الشعوب في إيران تتجاهل العنصر العربي، أحد أكبر وأهم فسيفساء التركيبة السكانية في الأحواز، في حين وضعت بدلا منه عرقية «اللور» المهاجرة إلى الإقليم، وتم تعريف كل الأقاليم القومية الأخرى بأزيائها المحلية، باستثناء العرب.
واحتجاجا على ذلك، خرج الأحوازيون خلال الأيام الماضية في تظاهرات ليلية، كتكتيك جديد للتقليل من خسائر الاعتقالات، وامتدت التظاهرات من مدينة الأحواز إلى 6 مدن أخرى، هي «عبادان، ومعشور، والشبيشة، وشيبان، والحميدية، والأحواز العاصمة».
وقد واجه نظام الملالي التظاهرات الغاضبة بالقمع والرصاص، الأمر الذي دفع الناشطين الأحوازيين إلى اعتماد تكتيكات جديدة للاستمرار في حراكهم الرامي إلى نيل الحرية والحقوق القومية كعرب تقع أرضهم تحت الاحتلال الفارسي.
ودفع النظام الإيراني بتعزيزية أمنية كبيرة من «خرّم آباد» إلى الأحواز والمدن التابعة لها، من أجل قمع المواطنين العرب والمواطنين في المنطقة، الذين انتفضوا للاحتجاج على إهانة تلفزيون الملالي للشعب العرب في إيران عامة.
واستخدمت قوات الشرطة الإيرانية الغاز المسيل للدموع وإطلاق نار لتفريق التظاهرات، واعتقلت العشرات من المتظاهرين، الذين يطالبون بالحقوق القومية لعرب الأحواز وبوقف حملات القمع الأمني والتعذيب.
وكشفت تصريحات أدلى بها حسين اشتري، قائد الشرطة الإيرانية، عن تورط مليشيات «الحرس الثوري» في قمع الاحتجاجات الحاشدة في إقليم الأحواز، تنديدا بالتجاهل الحكومي للإساءات التي بثها الإعلام الرسمي ضد العرب في الإقليم.
وقال آشتري في مؤتمر صحفي على هامش زيارته إلى أحد مراكز المراقبة المرورية بالعاصمة طهران، إن الشرطة تدخلت للسيطرة على ما وصفها بـ«الاضطرابات» التي اندلعت في إقليم «الأحواز» ذات الأغلبية العربية.
وفي الوقت نفسه، أكد آشتري عدم ورود تقارير عن وقوع تلفيات في الممتلكات العامة خلال الاحتجاجات، الأمر الذي يؤكد سلمية تلك الاحتجاجات بالرغم من القمع الذي مارسته ضدهم سلطات الملالي، بحسب نشطاء إيرانيين.
ثورة الشباب الأحوازي
برزت المشاركة الواسعة للنساء العربيات في التظاهرات والاعتصامات هتافا وغناء وتشجيعا للشباب من المتظاهرين الثائرين، وطالب الجميع بحقهم في تعليم أطفالهم اللغة العربية والعمل في المؤسسات البترولية الضخمة في مدنهم، وحقوق أخرى كثيرة. وأكد مراقبون سياسيون أن هذه التظاهرات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها تشكل نقلة نوعية في حجم وأسلوب الاحتجاجات، إذ تتصاعد هذه الأيام بقوة حركة الشارع ويستغل المتظاهرون الليل لتكثيف نشاطاتهم في محاولة لإخفاء وجوه المشاركين لتحاشي المزيد من الاعتقالات. ولكن اللافت كسر حاجز الخوف الذي سيطر على الأحوازيين على مدى السنوات الماضية بسبب القمع والاعتقالات والإعدامات العلنية.
وردا على هذه البرامج التلفزيونية التي رأى فيها عرب الأحواز تحاملا عليهم وسخرية من ثقافتهم، ردد المشاركون في المظاهرات هتافات عديدة منها «أنا عربي وافتخر ومن لم يعجبه الأمر فلينتحر».
ونظم الأحوازيون وقفة احتجاجية محدودة أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون فى مدينة الأحواز، وعبروا عن رفضهم لسياسات التفريس العنصرية والاضطهاد القومى، ورددوا هتافات من قبيل «الأحواز لنا وما نعطیها»، لكن الأمن أطلق أعيرة نارية لتفريق المتظاهرين ما أدى إلى تصاعد حالة الغضب والاستياء العام في الإقليم الذي يوشك على الانفجار في وجه نظام الملالي.
من جهة ثانية، يستفز النظام الإيراني العرب من خلال الوفود الكبيرة التي جاءت إلى الأحواز من المدن الفارسية فيما يسمى «عيد النيروز»، وهو احتفالية شعبية مستمرة في البلاد منذ أيام المجوس حتى الآن.
ونصب النظام خياما كبيرة للقومية اللورية من غير العرب في المناطق العربية خلال «عيد النيروز»، مما أدى إلى وقوع اشتباكات وإحراق الأحوازيين لتلك الخيام.
كما بث التلفزيون الإيراني في عيد النيروز برامج تبدو ترفيهية في ظاهرها، لكنها تستهزئ بالعرب، كما وضع الإعلام الرسمي خارطة لإيران، بحيث تكون كل قومية في منطقتها على الخارطة، باستثناء الأحواز، الذين وضع مكانهم القومية «اللورية».
ومن المعلوم أنَّ سياسة العبث بالتركيبة السكانية في الأحواز، والتضييق على الأحوازيين، تسارعت وتيرتها في السنوات الأخيرة، متزامنة بصورة لافتة، مع تسارع وتيرة تحريك الأحزاب الموالية للنظام الإيراني في دول الخليج؛ لإثارة الاضطرابات والفتن بها.
ويؤكد المراقبون أن تغيير التركيبة السكانية في الأحواز يشابه إلى حدٍّ كبير، ما يفعله الصهاينة في القدس، وذلك وفق المنهجية التالية التي وجدت في وثيقة رسمية للنظام الإيراني، وقد نص فيها على ما يلي:
أولاً: يجب اتخاذ كافة التدابير الضرورية اللازمة بحيث يتم خفض السكان العرب في خوزستان - أي الأحواز- بالنسبة للناطقين بالفارسية الموجودين أساسًا، أو أولئك المهاجرين، إلى مقدار الثلث، وذلك خلال السنوات العشر القادمة.
ثانيًا: اتخاذ التدابير اللازمة بحيث تزداد ظاهرة تهجير الشريحة المتعلّمة منهم إلى المحافظات الإيرانية الأخرى، كمحافظات طهران، وأصفهان، وتبريز.
ثالثًا: إزالة جميع المظاهر الدالّة على وجود هذه القومية، وتغيير ما تبقى من الأسماء العربية للمواقع، والقرى، والمناطق، والشوارع.
وبعد افتضاح أمر هذه الوثيقة الخطيرة، انطلقت في الأحواز الانتفاضة المشهورة عام 2005، وتم قمعها بـ 150 ألف جندي إيراني، استعملوا القتل ووسائل العنف الذي انتهك كلَّ المحرمات. وكانت هذه من أقوى الانتفاضات التي انطلقت في الأحواز، منذ انتفاضة عام 1979. وكلُّها كانت تقمع بنفس الأسلوب الوحشي، حتى استعمال سياسة «الأرض المحروقة»، وتدمير القرى، والمدن العربية. وهي نفس السياسة التي يعمد إليها المحتل الصهيوني في مدن فلسطين المحتلة منذ أكثر من نصف قرن أو يزيد. ما يؤكد أن القضيتين الفلسطينية والأحوازية هما - في حقيقة الأمر- قضية واحدة، وأنه يتوجب على الدول العربية كافة أن تقدم يد العون والدعم للشعبين الفلسطيني والأحوازي حتى انتهاء الاحتلال، عاجلا أو آجلا.