<< «ديلي تليغراف»: هناك «تدخل عسكري» إيراني مباشر في الصراع اليمني المستعر منذ سنوات
<< القائد السابق للقوات البريطانية الخاصة: «حوثيو اليمن» ما هم إلا أداة في لعبة طهران الكبرى
<< «ولايتي»: إيران تقف مع «أنصار الله» في اليمن باعتبارهم جزءًا من «الصحوة الإسلامية»
يعتقد الكثيرون أن النظام الإيراني يحارب معركة اليمن بـ «الوكالة»، وأن ميليشيا «الحوثي» الإرهابية ما هي إلا «الوكيل الإيراني» المعتمد في الأزمة اليمنية التي عصفت بالبلاد، وجعلت «اليمن السعيد» - سابقا- واحداً من أتعس بلدان العالم.
غير أن الحقيقة التي لا مراء فيها، والتي بات يعلمها القاصي والداني في داخل اليمن وخارجه، أن إيران في واقع الأمر «طرف أساسي» في حرب اليمن، وأنها موجودة على الأرض اليمنية، وتقاتل – بنفسها- بعدتها وعتادها وأسلحتها وصواريخها الباليستية وخبرائها العسكريين في هذا الصراع الدامي، فما الذي ينقص طهران لتكون طرفاً فاعلاً في هذه الحرب؟!
ولا جدال أن التدخل الإيراني المباشر في اليمن ليس وليد اللحظة الحربية الراهنة التي تعيشها اليمن، بل هي أفعال بدأت بوضوح في العام 2004، الذي شهد بداية للتمرد «الحوثي» المسلح على الدولة، وربما سبق هذا التاريخ بكثير إذا ما أُخذ بالاعتبار مراحل التخطيط والتحضير والتدريب.
ولقد عمل الإيرانيون قبل سنوات طويلة من اندلاع الاضطرابات والاحتجاجات التي عصفت باليمن، بالتزامن مع ما سمي بـ «احتجاجات الربيع العربي» في مطلع عام 2011، وبنفس وصبر طويليّن يجيدهما صانع «السجادة الفارسية» المتقنة من أجل تأسيس قاعدة لهم في اليمن ضمن سياسة تصدير الثورة التي أعلنها الخميني بعد وقت قصير من نجاح ثورته «الإسلامية» في عام 1979.
وفي البداية، قام الملالي بتهريب الأسلحة إلى أنصارهم من «الحوثيين» على دفعات ومن خلال سفن صغيرة لأغراض التمويه. وكانت هذه السفن تبحر من الموانئ الإيرانية على الخليج وتنزل حمولتها من الأسلحة في إحدى الجزر الأريتيرية في البحر الأحمر، ومن ثم يُعاد شحنها إلى ميناء «ميدي» الذي يعتبر أقرب الموانئ اليمنية إلى معقل الحوثيين الأساسي في محافظة صعدة.
وأكدت صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية في تقرير لها نشر مؤخراً أن «الأزمة اليمنية تُظهر بجلاء أن إيران عازمة على الهيمنة على الشرق الأوسط، عبر القضاء على الأنظمة السياسية في المنطقة، واستبدالها بوضع تسود فيه الفوضى، مما يساعدها على تنفيذ أجندتها، وذلك عبر تدخل عسكري مباشر في الصراع اليمني المستعر منذ سنوات».
وأضافت الصحيفة في مقال كتبه القائد السابق للقوات البريطانية الخاصة، الفريق جيريمي لامب، أن اليمن ربما لا يكون أولوية في المخطط الإيراني، إذ إن هذه الأولوية يحظى بها العراق وسورية، إلا أنه من الضروري أن تفهم الدول الغربية أن التدخل الإيراني في اليمن جزء من صراع إقليمي واسع، مشيراً إلى أن الحوثيين في اليمن ما هم إلا أداة في لعبة إيران الكبيرة، موضحاً أنهم أصبحوا عَرضاً لمرض «جيوسياسي» أوسع يهدد المنطقة بأكملها.
وفي كل مرة تشن فيها جماعة الحوثيين في اليمن هجوماً باليستياً داخل العمق السعودي، تحرص الجماعة المتحالفة مع إيران على التباهي بقدراتها في مجال التصنيع والتطوير العسكري، لكن أصابع الخبراء والمتابعين، من الإقليميين والغربيين دائماً ما تشير بالاتهام إلى طهران بتزويد المتمردين الحوثيين بصواريخ من هذا النوع بعيد المدى.
وإن أكبر دليل على تورط إيران المباشر في الصراع اليمني، أنه منذ انطلاق العمليات العسكرية لقوات التحالف ضد الحوثيين في اليمن، في مارس 2015، شنت جماعة الحوثيين أكثر من 80 هجوما بصواريخ باليستية مصنوعة في إيران عبر الحدود مع السعودية.
وفي هذا الصدد، أعلن مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية والخارجية علي أكبر ولايتي، في أكتوبر 2014، صراحةً أن «إيران تقف مع جماعة أنصار الله في اليمن وتُدعِم موقفها، باعتبارهم جزءًا من الصحوة الإسلامية».
وإلى ذلك، فتحت إيران جبهات تعاون عسكرية طويلة ممتدة مع الحوثيين، وكان أول ما أقامته إيران، هو الجانب الخبراتي البشري، في محاولات حثيثة لرفع الكفاءة القتالية لهم، ليس لتعويض نُقصان الخبرات فقـط بل أيضًا لمحاولة ملء جانب انخفاض القدرات التسليحية للحوثيين أمام التفوق العسكري للتحالف العربي لاسيما القُوة الجوية.
وجاء بعد ذلك الدعم التسليحي، الذي ظهر فيما طرأ على الترسانة التسليحية الحوثية من تجديداتٍ وتحديثات، تكاد تكون غيرت شكلها بالكُلية، حيث أصبح الحوثيين يمتلكون صواريخ غراد وكاتيوشا M122، وصواريخ تاو المضادة للدروع، وصاروخ «طوفان» الإيرانية المضادة للدبابات، وصواريخ سطح جو، وقذائف صاروخية محمولة على الكتف متعددة التصانيف والفئات، وأنظمةٌ مدفعية تتعقب أهدافًا برية وبحرية على بعد 40 كيلومتر، ونظارات رؤية ليلية إيرانية الصُنع، وطائرات «الدرون» الإيرانية الصنع المُسيَّرة بدون طيار والقادرةً على تنفيذ مهام قتالية واستطلاعية وأعمال مسح وتقييم وإنذار مبكر من طرازاتٍ متعددة مثل «هدهد، وهدهد1، ورقيب، وقاصف1، وراصد»، فضلا عن منظومة صواريخ باليستية كلها ذات نُظُم إيرانية وأبرزها صاروخي «كيام، وبركان» وهي ذات مدى يصل إلى أكثر من 1000 كيلو متر.
وبالإضافة إلى ذلك، يأتي توظيف الخبرات القتالية للجماعة ورفع كفاءتها، الأمر الذي ظهر في المعارك البحرية، التي لم يتمرسها «الحوثيون» قط وليسوا لهم بها دربة، وهو ما يؤكد أنهم تلقوا تدريبات مكثفة على هذه المعارك من قبل خبراء إيرانيين.
كما أن هُناك دعمًا بحريًا إيرانيا بصفة مستمرة للحوثيين، أخذاً في الاعتبار أن إيران استغلت أن الحصار البحري على اليمن غير مُحكَم مع انسداد أُفق الدعم البري، فاستطاعت أن تعتمد على هذا المنفَذ الذي توفر لها، ولذلك تمت الكثير من عمليات التهريب، أبرزها ضبط شحنتي أسلحة تبيّن أن مصدرهما إيران. وتمت العملية الأولى على يد البحرية الفرنسية شمالي المحيط الهندي في مارس 2016، فيما نفذت البحرية الأسترالية العملية الثانية قرابة ساحل عُمان في فبراير 2017.
هذا بالإضافة إلى السفينة «چيهان 1» التي كُشِف أمرها بخليج عدن في مارس 2013، مع العلم أن شُحنات من الأسلحة ضُبِطت على سفن شراعية صُنعت بمعرفة شركة إيرانية تُدعَى «المنصور». وتوصل محققون أمريكيون إلى وجود خط ملاحي لإرسال الأسلحة من إيران إلى اليمن عن طريق الصومال.
ويقول الأكاديمي البحريني الدكتور عبد الله مدني إن «ما جعل اليمن بيئة نموذجية لتدخلات النظام الإيراني المباشرة، ليس الفقر والبطالة وفساد الطبقة الحاكمة فحسب، وإنما أيضا غياب دولة مركزية قوية. فحتى في عهد المملكة المتوكلية لم تكن الدولة تبسط سلطتها على كامل التراب اليمني، وبعد ثورة السلال في سبتمبر 1962 وقيام الجمهورية ظل الحال على ما كان عليه بل أسوأ من ذي قبل».
ولا شك أن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الخليجيات، والذي أطلق في يوم 26 مارس 2015، عمليات «عاصفة الحزم» لاستعادة الشرعية في اليمن، كان مفاجأة غير سارة للإيرانيين، ووجه صفعة قوية لأحلامهم التوسعية، خصوصا بعدما نجحت في تحقيق انتصارات مشهودة على الأرض بفضل تأييد المقاومة الشعبية وأنصار الشرعية اليمنية.
وإذا ما تمكن التحالف العربي من تطهير كامل التراب اليمني من الدخيل الإيراني وأعوانه، وتفرغ بنفس الزخم والقوة والتعاون لتطهير الأوطان العربية الأخرى التي تمدد فيها الإيرانيون وعاثوا فيها فتنةً وفساداً، فإن الصفعات العربية للنظام الإيراني سوف تكون أشد إيلاماً.
المحرر