حين وضعت المملكة العربية السعودية على لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إيران في مكانها المناسب باعتبارها عدوا فإنها انطلقت من حقائق، ليس من بينها ما له دلالة على وجود خلاف عقائدي من أي نوع يُذكر بين الدولتين أو النظامين السياسيين.
السياسة السعودية تستند أصلا إلى معايير عملية. ناهيك أن صاحب القرار السياسي في المملكة يمتلك من الصبر ما يؤهله للتحكم في انفعاله فلا ينجر إلى موقع لا يريد الذهاب إليه.
لذلك انتظرت السعودية زمنا طويلا لا من موقع المتفائل الذي يتوقع أن تقوم معجزة في إيران فيغير النظام القائم هناك من نهجه العدواني ويكف عن ميله إلى نشر الفوضى والفتن وعدم الاستقرار في المنطقة بل من موقع المتأني الذي يدرك أن إيران سوف تتخلى يوما ما عن أقنعتها لتظهر بوجهها المباشر الذي يمكن أن يقودها إلى العدالة الدولية لكي تنال القصاص الذي تستحقه، وهو ما انتهت إليه إيران فعلا.
ما أحدثته الصواريخ البالستية التي وجهت إلى الأراضي السعودية من قبل جماعة الحوثي كان كشفا صارخا عن التحول الذي شهده الدور الإيراني في المنطقة.
فإذا كانت إيران قد حاربت في اليمن في مرحلة ما قبل تلك الصواريخ عن طريق حلفائها الحوثيين وهو ما يُسمى بـ”الحرب بالوكالة” فإنها في مرحلة ما بعد الصواريخ قد أعلنت الحرب المباشرة والصريحة على السعودية.
وهو ما يعني أن إيران التي سبق للمجتمع الدولي أن أدان تدخلها في اليمن من خلال تزويد الحوثيين بالسلاح والمال والخبراء العسكريين صارت تمتلك من الأسباب التي تدفع بها إلى أن تشم حربا مفتوحة ضد السعودية.
فهل ينطوي ذلك الانتقال على قرار انتحاري مصدره شعور إيران بالقوة التي لا يمكن لأحد أن يحتويها عند حد معين أم أنه يشير إلى اضطراب إيراني يعود سببه إلى تحرك الغرب في اتجاه إعادة فتح ملفها النووي؟
كانت الغواية الروسية لإيران في سوريا واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الروسي بوتين. لقد عززت تلك الغواية شعور الإيرانيين المرضي بالتفوق. وهو شعور قادهم إلى الانغماس أكثر في وحول الحروب التي هي من وجهة نظرهم المناسبة الوحيدة التي يعلنون من خلالها عن وجودهم.
غير أن روسيا التي وجدت في إيران حليفا لها في حربها الباردة الجديدة ضد الغرب لن تميل إلى استعداء السعودية. فالحرب الباردة الجديدة لا تستمد عناصرها من استقطاب عقائدي أبله بل من صراع سياسي، تحف به الأرقام الاقتصادية من كل جانب.
لذلك فليس من المتوقع هذه المرة أن تعرقل روسيا قرارا أمميا ضد إيران، يضعها في قفص الاتهام باعتبارها معتدية. فإيران صارت تحارب في اليمن مباشرة بعد أن تخلت عن أسلوبها السابق في الحرب بالوكالة.
أما لماذا اضطرت إيران إلى أن تكشف عن وجهها القبيح في اليمن لتشن حربا مباشرة على السعودية فذلك مرجعه إلى رغبتها في أن تتفاوض مع الولايات المتحدة في مسألة أخرى لا علاقة لها بالملف النووي.
تحاول إيران أن تستدرج الغرب إلى مكان آخر. مكان لن يكون لملفها النووي ذكر فيه، هناك حيث يمكنها المقايضة. وهو ما تظنه ممكنا في ظل انقطاعها عن العالم وعدم استعدادها لفهم متغيراته.
وهنا تكمن واحدة من أعظم مظاهر تدهور العقل السياسي الإيراني الذي لا يمكن تفسير ألغازه إلا من خلال فهم حالة الغرور الأعمى التي تسيطر على الإيرانيين وتجمل لهم رغبتهم الحمقاء في ابتزاز المجتمع الدولي.
ما صار جليا اليوم أن إيران تقوم بعدوان منظم على السعودية وهو ما يعطي الأخيرة الحق في مقاضاتها دوليا.
وليس من باب التكهن القول إن إيران قد أخطأت في حساباتها حين أضافت سببا مقنعا جديدا لعقابها الذي لن يكون هذه المرة مؤجلا. فبعد أن كانت الشبهات تلاحقها ها هي تعترف علانية أن حربا بالوكالة لا تكفي. لذلك اختارت أن تعلن الحرب على السعودية، وهي في حقيقتها حرب على المجتمع الدولي الذي سبق وأن حذرها من المضي في تلك المغامرة.
ستفهم إيران لكن بعد فوات الأوان أن ابتزاز المجتمع الدولي من خلال العدوان على السعودية هو جريمة مضافة وليس حلا.
العرب