السبت, 23 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الصين ومغامرة الشراكة مع إيران.. المحاذير أكثر من التوقعات

آراء وأقوال - د. سالم حميد | Tue, Mar 27, 2018 12:35 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

تواصل الصين سعيها لإعادة إحياء طريق الحرير القديم بينها وبين بلاد فارس. لكن الطموح الصيني محفوف بالعديد من المخاطر، لأن واقعا جديدا يفرض نفسه على الجغرافيا، إذ لم يعد لإيران المعاصرة بريق إمبراطوريتها القديمة، ولا امتدادها ولا هيمنتها الثقافية على محيطها في آسيا الوسطى. فإيران الراهنة، وطوال العقود الماضية، كانت أولوية نظامها الديني المتشدد بعيدة عن أي اتصال حضاري أو انفتاح اقتصادي على العالم، في ظل الانهماك بالاستمرار في تصدير خرافاتها الأيديولوجية، إضافة إلى وضع هدف وحيد للاتصال بالعالم من حولها، وهو السعي إلى تجنب العقوبات التي تقصم ظهر الاقتصاد الإيراني وتحرمه من الشروع في تطوير البنية التحتية أو بدء مشروعات ذات أفق مستقبلي.

ولا ننس ضعف القدرة الشرائية التي تحرم إيران حتى من التحول إلى سوق لاستهلاك منتجات الآخرين. كما أن المغامرات الإيرانية في ما وراء حدودها تستنزف مواردها وتجعلها تتورط في دفع تكاليف باهظة ماديا وبشريا، في ظل جبهة داخلية منهارة ومعرضة للاشتعال عند أبسط اختلال اقتصادي داخلي.

وبالعودة إلى الطموح الصيني المنفتح على الشراكة مع إيران رغم ركود اقتصادها وسوء بنيتها التحية وفساد إدارتها. يبدو أن الصين تراهن على بقاء الوضع في طهران من حيث العلاقة مع الغرب في مرحلة السلام البارد لأطول وقت ممكن، بحيث يمكن للشريك الصيني تحقيق بعض آماله الاقتصادية، وهذا ما يفسر اندفاع الصين باتخاذ موقف داعم بقوة لخيار الحل الدبلوماسي لأزمة برنامج طهران النووي التي أصبحت ملفا مفتوحا، رغم الاتفاق الهش الذي وقعته إيران مع الغرب.

الموقف الصيني القريب من إيران ليس مجانيا وإنما بهدف تحقيق مصالح اقتصادية. وفي المقدمات الأولية للعلاقة الصينية الإيرانية في المجال الاقتصادي، كانت الصين الشريك الأول لإيران خلال سنوات العقوبات والحظر التي حرمت الشركات الغربية من إبرام عقود مع الجانب الإيراني، فكانت الساحة خالية للصين، بالإضافة إلى تبادلات تجارية وتسهيلات منحتها موانئ الإمارات وأسهمت في توفير أساسيات ضرورية للسوق الإيراني. كذلك استمرت الصين بشراء النفط الإيراني خلال سنوات الحظر وحصلت على ما قيمته 25 في المئة من معدّلات التجارة الإيرانية، ناهيك عن 50 في المئة من مبيعات النفط والغاز الإيراني. وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما مبلغ 50 مليار دولار في عام 2014.

في منتصف فبراير 2016 احتفل الصينيون بوصول قطار البضائع الأول من الصين إلى إيران، مغادرا من مدينة يويي في مقاطعة تشجيانغ شرق الصين مروراً بكازاخستان وتركمانستان وصولا إلى إيران، وقطع مسافة 10 آلاف و399 كيلومترا. ومثلت الرحلة أولى تباشير المبادرة الصينية لإحياء “طريق الحرير” القديم الذي كان التجار يتنقلون عبره بين أوروبا وشرق آسيا. ويلاحظ أن وتيرة الطموح الصيني في الاستثمار مع الإيرانيين ارتفعت مع بدء تطبيق الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، وكانت الصين ضمن لائحة الدول الشريكة في الاتفاق. ومع صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتعرض الاتفاق بانتظام لتهديدات متزايدة بنقضه، وخاصة مع توفر مبررات تتصل بتجاوزات إيرانية تنظر إليها الإدارة الأميركية بوصفها مخلة ببنود الاتفاق النووي.

ومع مغادرة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لمنصبه يزداد الضغط بشكل أعنف على طهران، لأن الخارجية الأميركية في عهده كانت غير متناغمة مع تصريحات ترامب ضد تجاوزات إيران للاتفاق النووي. مما يعني أن الطموح الصيني في جني مكاسب من الشراكة مع إيران يظل معلقا بسريان الاتفاق الهش وبتوقف إيران عن تدخلاتها في الشرق الأوسط وعن العبث بأمن حلفاء بارزين للولايات المتحدة.

من السهل إذا إثبات أن الصين في تعويلها على الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع إيران تقوم بمغامرة غير مضمونة، وأن محاذير ومخاطر الشراكة مع إيران أكثر بكثير من التوقعات الإيجابية الحالمة. كما أن من حق دول الخليج، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تقطف بدورها ثمار العلاقات الراسخة بينها وبين العملاق الصيني. فالإمارات تحديدا بثقلها الاقتصادي ونشاطها الاستثنائي من حيث تميز قطاع النقل الجوي لديها وتفوقه عالميا مؤهلة للمنافسة، سواء بالمراهنة على جودة اقتصادها أو على ملف العلاقات الجيدة مع الصين، وكذلك بالمراهنة على منطق اقتصادي قوي الحجة، يقوم على احتساب كلفة المخاطر في مبالغة الصين بالتعاطي الاقتصادي مع إيران بانفتاح، بل إن هناك تساؤلا مشروعا يتعلق بحجم الأخطار التي من المحتمل أن تنشأ عن إحياء مشروع “طريق الحرير” الجديد بين الصين وإيران، وما إذا كان يشكل خطرا، ولو مؤقتا، على حركة الاقتصاد الإماراتي، نظرا لحيوية دور قطاع الموانئ والنقل الجوي في العائدات المالية.

إجمالا يمكن النظر إلى المشروعات الاقتصادية العالمية التي من هذا النوع في موازاة البدائل القائمة بالفعل، والمقارنة من حيث الصعوبات التي تحد من فاعلية المشروعات المقترحة مقابل الفاعلية المتاحة والأداء العملي الممتاز للهياكل الاقتصادية القائمة، ومن ضمنها جاذبية الاقتصاد الإماراتي، والخليجي بشكل عام، على كافة المستويات الاستهلاكية واللوجستية، وما يرافق كل ما سبق من ظروف عامة إيجابية وفي مقدمتها الأمن والاستقرار والبيئة القانونية المثالية للاستثمار.

في السياق لا يمكن التعويل على إحداث نقلة اقتصادية يكون طرفها الجانب الإيراني، لأن البنية التحتية الإيرانية متهالكة، وليس من مصلحة الصين أن تتعاون مع إيران التي يحاصرها الفشل الداخلي والضغوط الخارجية منذ تأسيس النظام الحالي.

نلاحظ أن الصوت الذي يعمل بدأب إعلامي على تجميل مشروع “طريق الحرير” بين الصين وإيران هو الصوت الإيراني الذي يمثل الجانب الأضعف. ويبرر لخطوة نقل البضائع بالقطارات مقارنة بالصعوبات والإمكانيات المتواضعة للجانب الإيراني في قطاع الموانئ البحرية وقطاع النقل الجوي والمطارات. فالجانب الإيراني لا يمكنه مجاراة إمكانيات الإمارات في هذا القطاع، لذلك يتكرر الحديث من جهته عن مميزات النقل البري، والأصح أن النقل البري التقليدي كان في الماضي ملائما قبل أن يتطور النقل الجوي والبحري. فأسطول الإمارات للنقل الجوي يتحرك في الأجواء العالمية دون منافس، سواء لنقل الركاب أو البضائع في جميع القارات.

ولا ننسى أيضا أن النقل البري يخضع لمحاذير أمنية وسياسية متشابكة، وخاصة عندما تكون خطوط النقل مترامية الأطراف وذات مساحة شاسعة، كما هو الحال بالنسبة لسكة القطار بين الصين وإيران. فلا بد من وضع اعتبارات للتحولات الجيوسياسية التي لا يمكن التكهن بها أو لجمها، لأن هذا النوع من الاستثمار يضطر إلى المراهنة على ثبات الأوضاع الأمنية والسياسية، في ظل عدم إمكانية التنبؤ بمستقبل جمهوريات آسيا الوسطى من الناحية الأمنية، والطريق يمر عبر كازاخستان وتركمانستان قبل أن يسلك الأراضي الإيرانية، التي لا يمكن كذلك ضمان استقرار الأمن فيها واستمرار ولاء شعوبها للنظام الحالي. وبالتالي فإن النقل البري أعلى كلفة وأكثر خطرا وقد يقع في المناكفات السياسية وصراع المصالح والاضطرابات الأمنية، عكس النقل البحري والنقل الجوي المحكومين بقوانين دولية وممرات متعارف عليها.

في النهاية نعلم أن الصين تدرك جيدا أن مصلحتها طويلة الأجل تدفعها نحو تعزيز علاقاتها مع القوى الاقتصادية الأكثر تأثيرا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهي الإمارات والسعودية ومصر. كما أن الأوضاع الداخلية في إيران تجعلها مرشحة لاضطرابات متوقعة وانقسامات طائفية وعرقية، في ظل هيمنة نظام أحادي بلغ مرحلة الشيخوخة. وشهد العالم شجاعة مجتمع الشباب في إيران وتدشينهم لانتفاضات متكررة وقابلة للانفجار من جديد. وهذا ما يجعلنا نقول إن إيران بلغة الاقتصاد والاستثمار بيئة غير صالحة لعقد الشراكات الاقتصادية ذات الأفق المستقبلي.

(العرب)

كلمات مفتاحية:

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت