>> اعتبر طهران قِبلته السياسية.. وقال إن «الخميني» أنقذ الإسلام من الأسر وبعث فيه روحا جديدة!
إعداد – غازي أحمد
لم يعرف التاريخ العراقي الحديث رجلا مثل نوري المالكي، رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية الأسبق، فهو الرجل الذي أكل على كل الموائد، وكان عرّاب الفتنة الطائفية التي ضربت البلاد زمنا طويلا، وأدت إلى نشوب حرب أهلية.
ترك المالكي أثناء توليه مقاليد السلطة العراق مرتعا لمسلحي «داعش» الذين استطاعوا هزيمة جيش نظامي حديث بكل سهولة، بل إن هذه الجيش فر منهم وسلّم لهم عدة مدن كبرى على رأسها «الموصل» دون قتال.
والمالكي، وفق المراقبين السياسيون، هو الشخصية العراقية الأقدر على المناورة و «اللعب على كل الحبال» بمهارة فائقة، فهو رجل إيران الذي تعاون مع المحتل الأمريكي بلا خجل أو غضاضة. وبينما كان الرجل يتلقى التعليمات من أسياده في واشنطن، اعتبر طهران قِبلته السياسية، مؤكدا أن «الخميني أنقذ الإسلام من الأسر وبعث فيه روحا جديدة»!
وُلد نوري كامل أبو المحاسن المالكي بمدينة «الحلة» في 20 يونيو 1950، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية أصول الدين في جامعة بغداد، ثم درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في أربيل.
بدأ المالكي حياته السياسية كمعارض لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وانضم إلى حزب «الدعوة الإسلامية» الشيعي عام 1970. وظل عضوا ناشطا فيه، حتى أصدر «صدام» عام 1980 قرارا حظر بموجبه نشاط الحزب، وحُكم على المالكي وآخرين من أعضائه بالإعدام بسبب نشاطاتهم السياسية، ففر إلى سوريا ثم انتقل إلى إيران، وعاد مرة أخرى إلى سوريا. وخلال فترة وجوده في الخارج، أصبح واحدا من كبار قادة حزب «الدعوة»، حيث تولى تنسيق أنشطة مناهضة لـصدام حسين وأقام علاقات وطيدة مع مسؤولين إيرانيين، واعتبر طهران قِبلته السياسية، سعيا إلى الإطاحة بـ «صدام» من سدة الحكم.
وأصبح المالكي مسؤولا عن تنظيمات الداخل طيلة فترة وجوده في المنفى، وتولى الإشراف على صحيفة «الموقف» المعارضة التي كانت تصدر من دمشق، وكان رئيسا للهيئة المشرفة على مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1990، وعضوا فاعلا في جميع مؤتمرات المعارضة العراقية.
عميل «واشنطن وطهران» المزدوج
عاد المالكي إلى العراق من منفاه بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ومن ثم برز حزب «الدعوة» كأحد القوى السياسية الفاعلة في البلاد، حيث عمل المالكي كمتحدث رسمي باسم الحزب، وباسم الائتلاف العراقي الموحد الذي فاز بأغلب المقاعد في الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق عام 2005، حيث تولى المالكي منصب رئيس مجلس الوزراء العراقي بين عامي 2006 و2014، ثم منصب نائب رئيس الجمهورية من سبتمبر 2014 حتى أغسطس 2015.
وبعد تسلمه منصب رئاسة الوزراء مباشرة، عقد المالكي لقاءات مع كاظمي قمي سفير طهران في بغداد، وفي عمالته للنظام الإيراني ذهب إلى حيث التقى علنا بالقتلة والمجرمين من رجال مخابرات النظام الإيراني. وخلال زيارته لإيران سافر المالكي في سبتمبر 2006 إلى مدينة مشهد، تزلفًا لقادة النظام الإيراني.
وهناك التقى بمسؤولين بارزين في جمعية «هابيليان» التي يديرها المدعو محمد جواد هاشمي نجاد، أحد عناصر وزارة الاستخبارات الإيرانية، ووعدهم بالتعاون مع طهران لقمع معارضي النظام الفارين إلى العراق، حيث أبرم المالكي اتفاقًا ثنائيًا مع حكومة الملالي لقمع «مجاهدي خلق» المقيمين في العراق، ولم يكن أي من المسؤولين العراقيين على علم بمضمون هذا الاتفاق، حتى كشف عنه المرشد على خامنئي خلال لقائه بمسؤولين عراقيين في فبراير 2009. وخلال كل هذه السنوات، كان على علاقة وطيدة بالنظام الإيراني، وتلقى دعما سياسيا وماليا كبيرا من طهران، وفي حديث قال بالحرف الواحد «إن الخميني أنقذ الإسلام من قيود الأسر، وبعث فيه روحا جديدة»!
اللاعب على كل الحبال
اعتبر الكثيرون المالكي «عرّاب الفتنة» بين الشيعة والسنة في العراق، ففي عام 2007 فوضّ المالكي القوات الأمريكية بتوجيه ضربة إلى المسلحين السنة بدعوى ارتباطهم بتنظيم «القاعدة»، واستخدم القوة المسلحة ضد مظاهرات أبناء الطائفة السنية في محافظات «الأنبار والموصل وصلاح الدين» المطالبة بالعدالة والمساواة مع الشيعة بزعم أنها «مظاهرات طائفية»، كما أمر باعتقال أكثر 3500 منهم رجالا ونساء، فترك إرثا ثقيلا من الأزمات والمشاكل والتدهور الاجتماعي والأخلاقي والفساد والطائفية، وسقط في عهده ثلث العراق تحت سيطرة تنظيم «داعش».
ترك المالكي البلاد عام 2014 بجيش من ورق، انهار بسرعة البرق أمام عدد محدود من مسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي، فسلمهم محافظة «الموصل» بلا قتال، وكثرت وقتها نظريات التبرير، ومع ذلك لم يستوعب أحد، سر الانهيار الكبير لجيش حديث ومسلح، يضم في صفوفه عشرات الآلاف من الضباط والجنود.
وتطلبت معالجة أخطاء المالكي تقديم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى من أجل إرجاع المحافظات التي سقطت خلال عهده في قبضة مسلحي «داعش»، أما المشاكل الأخرى التي تعاني منها البلاد فهي تحتاج إلى جهود سنين طويلة من سد الثغرات، ومعالجة تلك التي دفع العراقيون لها ثمنا فادحا.
ويمتلك المالكي شخصية رجل الدولة المخضرم بحكم مسيرته السياسية الحافلة، لكنه يستخدم هذه الشخصية ليس من أجل العراق، إنما لتدعيم نفوذه الأسري ونفوذ المحيطين به، وكان من سوء حظ العراق أن المحيطين به يجيد معظمهم فن السرقة واللصوصية بحرفية عالية وجشع لا حدود له، حيث تحول المعدمون المقربون منه إلى كبار الأثرياء في المنطقة وليس في العراق فقط. فصار كل شيء في العراق قابلاً للبيع والشراء، القضاء والمناصب الوزارية والقيادات العسكرية. وانتشرت الرشاوى بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وفي هذا الصدد، يتهم العراقيون المالكي بالمحسوبية وسوء إدارة ثروات النفط الهائلة. فقد كان صهراه يعملان في مكتبه برئاسة الوزراء، بينما يرأس ابنه «أحمد» قوات التأمين الخاصة به.
ويمتلك المالكي، فضلا عن ذلك، جيشا إلكترونيا لا يُستهان به، وقد أولى مهمة ذلك لمستشاريه الإعلاميين، يوزعون الأموال التي جمعها في ولايتيه عليهم، فما من كاتب يعمل في خطه وضمن توجهاته إلا وتصله المكافأة جاهزة بوقتها المحدد.
وكانت هناك محاولة من جانب البرلمان لإقرار مادة بالدستور تحدد فترات تولي رئاسة الوزراء بثلاث فترات لمنع المالكي من تولي المنصب مرة أخرى، إلا أن المحكمة العليا العراقية رفضت تلك الدعوى.