فاجأت انتفاضة الشتاء في إيران، نهاية عام 2017 ومطلع عام 2018، الجميع، بل فاجأت المنتفضين أنفسهم. وقد يثير توظيف وصف “انتفاضة” هنا اعتراضات، ولكن وصف ما جرى بمجرد “تظاهرات” فيه غبن كبير أيضا. والأخطر إعلاميا إصرار الكثيرين على اعتبار العوز والحاجة والبطالة أسبابا نهائية للانتفاضة، فهذا يضع في الظل البعد السياسي لها وهو الأشد أثرا.
الحديث عن الاقتصاد كعامل حاسم ظلم للانتفاضة وللمنتفضين، لكن هذا الحديث يكشف عن مساحة كبيرة من المصالح الدولية والإقليمية وهي التي تحمي بقاء نظام ولي الفقيه وتعزز قوته.
لم تخف تركيا، التي تجمعها مصالح اقتصادية وأمنية بإيران، دعمها المطلق “للاستقرار في البلد الجار”. ونقلت وسائل إعلام عن أردوغان، أن أنقرة “تولي أهمية للمحافظة على السلم والاستقرار الاجتماعي في إيران”. وأشاد أردوغان بتصريحات نظيره الإيراني حسن روحاني بشأن تجنب انتهاك القوانين في الاحتجاجات، ووصفها بـ”الصائبة”.
في المقابل، تباينت المواقف الغربية حول انتفاضة الشتاء في إيران، فالموقف الأميركي منقسم بشأن التعامل مع إيران بين مؤيد لتصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن المظاهرات وتغيير النظام وبين منتقد يرى أن هذه التصريحات قد تصب في صالح داعية النظام الإيراني، فيما الموقف الأوروبي بدا متحفظا وحصر الانتفاضة في زاوية واحدة من خلال منظور اقتصادي.
فرنسا مثلا تقارب كل قضايا إيران وعينها على مصالحها. العلاقات الفرنسية الإيرانية شهدت توترا كبيرا إبان الحرب العراقية الإيرانية وكانت لها تداعيات كثيرة على الطرفين، ولكنها وبعد الاتفاق النووي اتخذت بعدا جديدا تُوِّج بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند. ونتج عن اللقاء توقيع اتفاقات قيمتها حوالي 15 مليار يورو، وفق ما نقلته حينها نشرة سي أن بي سي الاقتصادية عن مسؤول دبلوماسي فرنسي رفيع.
ومجالات الاتفاق والتعاون كبيرة وكثيرة ومتعددة، تتجاوز هذا الرقم بكثير وتمتد إلى سنوات قادمة.
الموقف الألماني من إيران بدا غامضا للكثيرين لأسباب تتعلق بفراغ سياسي تعيشه أكبر دول الاتحاد الأوروبي مع نهاية ولاية المستشارة أنجيلا ميركل وجهود تشكيل ائتلاف وحكومة جديدين. دون إغفال أن التعامل الاقتصادي الألماني نما مع الجمهورية الإسلامية بسرعة منذ رفع العقوبات في أوائل عام 2016.
وكما يبدو تتسم مواقف الدول الكبرى بإيقاع بطيء ومتحفظ تجاه ما يحدث من حراك كبير وممتد في الداخل الإيراني، وباستثناء تغريدات الرئيس ترامب، توخت المواقف في مجملها الحذر الشديد في تناول ما يجري بإيران وبدا واضحا أنها تنأى بنفسها بعيدا عن مجرد التفكير في ما قد تؤدي إليه من احتمالات مجهولة، وقد لا تأتي على هوى سفنها المشرعة باتجاه طهران.
ويشرح هذا الموقف بشكل واضح أغنوس نوري، وهو باحث مساعد في معهد واشنطن حين يقول إن التصريحات الأوروبية تعكس بدقة المعضلة التي يواجهها المسؤولون الأوروبيون نتيجة الاضطرابات الحالية في إيران، فبعد استثمار رأس المال الدبلوماسي بقدر كبير في اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة قبل عامين، فإنّ أقلّ ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي حاليا هو عرقلة محتملة أخرى لمصالحه في الشرق الأوسط.
(العرب)