<< أمين «حزب الله» ينطبق عليه المثل الشعبى اللبنانى: «إللي بيكبّر فشختو بيوقع»
<< «نصرالله» جسد في خطابه عن القدس دور البطولة لمسرحية شكسبير «جعجعة بلا طحن» و«فارس الظل المزيف» فى رواية «دون كيشوت»
تقرير يكتبه - مروان محمود
المنخدعون فى حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الإرهابي يتكشف لهم مع مرور الوقت بأن خطاباته «ضجيج بلا طحين» أو كما يقول اللبنانيون «إللي بيكبّر فشختو بيوقع» أى أن الذي يوسع من مسيره أكثر من قدرته يفشل، وهذا المثل الشعبى ينطبق قولا وفعلا على أزمة القرار الخطير الذى أعلنه الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلانه القدس «عاصمة لإسرائيل» فى مخالفة للقانون والمجتمع الدولى الذى عبر رفضه للقرار فى مواقف معلنة وصريحة، جاءت وفق رفض دول مجلس الأمن القرار الأمريكى الذى عطلته مندوبته فى المجلس بحق الفيتو، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى كان انتصارا للقضية الفلسطينية.
عقب إصدار القرار انتظر الوطن العربى كلمات «نصر الله»، وتنفيذ وعوده وتحذيراته للكيان الصهيونى «الشيطان الأصغر» والأمريكان «الشيطان الأكبر» وخرج «نصر الله» تلك المرة ولم يلوح بيده ويهدد كما وعد قبل أيام، خرج تلك المرة بابتسامة وبكل هدوء وسكينة جاءت كلماته ودعوته لأنصاره وكتائبه بخوض حرب جديدة وفقا لاستراتجية حديثة ربما تكون أحدث حروب العصر وهى التغريد عبر«تويتر» و«فيس بوك».
قالها المناضل مدفوع الثمن الإيراني من قلب الجنوب اللبنانى، الذى لا يفصله عن الاحتلال الصهيوني مسافة صفر مع «الخط الأزرق»، وهو الخط الفاصل التي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة والكيان الصهيوني وهضبة الجولان المحتلة من جهة أخرى في 7 يونيو 2000: «كلنا مسؤولون ألا نسكت. أعيد وأقول لماذا؟ لأنه سيخرج اليوم أيضا في العالم العربي والإسلامي من يُنّظر ويقول «يا أخي شو في بينفع الحكي» ماذا ينفع في تغريدة التويتر وفي البيان والاعتصام والمظاهرة والندوة واستدعاء السفير. كلا، هذا كله مطلوب على كل حال، وهو ينفع بالتأكيد، هو ينفع طبعاً، ليس حاسماً صح، ولكنه مفيد ومهم ومؤثر معنوياً في جبهة الصديق وأيضاً معنوياً في جبهة العدو». كانت تلك هى الاستراتيجية الجديدة التى أعلن عنها نصرالله لنصرة القدس، هذا كل ما فى الأمر.
التظاهر والاعتصام والتغريد، إضافة إلى بيانات الشجب والاستنكار والإدانة من قادة العالم العربى والإسلامى وهى الخيارات التى طالما سخر منها محرر الأقصى و«المهدى المنتظر» بعيون شيعته ووصف مؤيديه من المحيط والخليج، الذين صدمتهم كلمات الرجل وسخروا منها عبر هاشتاج زخرت بها تدوينات الجماهير العربية، كشفت عن سوءات «نظام الملالى» وتابعيهم وفضحت متاجرتهم بقضية القدس على مدار عقود، وهى لا تمثل لهم قيمة تذكر فمسجد بـ«النجف أو كربلاء» أقدس من المسجد الأقصى، وفقا لعقيدتهم ومذهبهم هكذا يقولون ويفعلون.
ما أشبه الليلة بالبارحة من سخر من خيارات الماضى يعود اليوم دون أن ينتهز الفرصة لتحرير الأقصى التى لم يأتى موضع فى خطاباته إلا وذكرها بسبب أو بدون سبب، فى متاجرة وتأليب لمشاعر المسلمين التى يشكل لهم أولى القبلتين عقيدة وإيمان راسخ لا علاقة له بعلاقات سياسية أو اتفاقيات دولية، وإنما هو فى وجدانهم قضية مصيرية.
وفقا لعقيدة الشيعة الاثناعشرية لا يؤمنون في وجود المسجد الاقصى في فلسطين حيث لا دافع ديني لتحرير القدس من ناحيتين، الأولى: أنه لا جهاد في عقيدة الشيعة حتى ظهور المهدي، والثانية: لعدم الاعتقاد في وجود المسجد الأقصى في فلسطين، ويكفى الإشارة هنا إلى أنه بالنسبة لـ«كربلاء والنجف» اللتين تعتبران من أقدس البقاع عند الشيعة من «مكة و المدينة» فلم يسعوا لتحريرها من الاحتلال الأمريكى للعراق، والذى شاركوا فيه ودعموه فى السر والعلن، وبالتالى يكفى هذا دون الخوض فى أسانيد عقائدية ومذهبية تفضح حقيقة قضية الأقصى عند الروافض، فمواقف إيران ودعمها للأمريكان فى احتلال العراق وأفغانستان ليس ببعيد .
«نصرالله»، لم ينس كعادته تأجيج المشاعر وإلهاب الجماهير فى بداية خطبته والتى قال فيها «إن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وإعلان القدس «عاصمة لإسرائيل»، يعتبر على حد تعبيره «بداية نهاية إسرائيل» داعيا إلى «انتفاضة فلسطينية ثالثة» كرد على هذا القرار، مضيفا: «أقول لأهل القدس وفلسطين، أي وفد يأتي مطبعا، اطردوه واضربوه بالنعال وارجموه بالحجارة لأنه لا يمثل شعبه، ويجب أن تحاسبه حكومته. الضغط السياسي لعزل إسرائيل وأهم خطوة مطلوبة من السلطة الفلسطينية، قولوا لهم انتهينا من عملية التفاوض والتسوية ما لم يعود ترامب عن قراره هذا».
«نصرالله» اعتبر «ما قام به «ترامب» تهديد كبير يستطيع الفلسطينيون وشعوب أمتنا العربية والإسلامية وكل شرفاء العالم أن يحولوه من أكبر تهديد إلى أعظم فرصة يمكن أن تحقق لشعوبنا ولمقدساتنا ولأمتنا مصالحها الكبرى» قائلا: «نحن أمة ونحن شعوب لدينا القدرة على تحويل التهديد إلى فرصة، وعلى تحويل الخطر إلى إنجاز، وعلى ما يبدو في الظاهر هزيمة وانتصار للعدو أن نقلب المشهد ليصبح انتصاراً لأمتنا وهزيمة لأعدائها، لكن هذا يحتاج إلى إرادة ويحتاج إلى عمل ويحتاج إلى حضور، وكل ما قام به العدو منذ البدايات إلى الآن كانت مجرد أعمال حمقاء تنقلب عليه وتؤدي إلى عكس أهدافه، لكن كله كان بفعل الثبات والصمود والتضحيات والصبر والتحمل والوفاء وأداء الأمانة وعدم الخيانة وعدم الطعن في الظهر». إلا أنه لم يعلن استراتجيته لمواجهة هذا الخطر والتهديد.
لذلك لم يكن مفاجأة لمن طالبهم بالنضال والتغريد على مواقع التواصل الاجتماعى بتوجيه سؤال إلى أمين عام حزب الله :أين الصواريخ التي تصل إلى حيفا وما بعد بعد حيفا، وأين الأسلحة التي ستخضع الاحتلال وأمريكا يا نصرالله ؟!
من شاهد خطاب نصرالله لاحظ أن صوته جاء هادئ، ولهجته ليس فيها حدة، «نصرالله» اليوم ليس فى حالته الثورية، ولفت نظر المتابعين أن أمين عام حزب الله قارب ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاعتراف بالقدس «عاصمةً لإسرائيل. الشيطان الأكبر لم يعد «أكبراً» واسرائيل هي كما عهدناها «أوهن من بيت العنكبوت»، لذا لا داعي لأن نفتح حروباً ولنترك مهمة تحرير القدس لمواقع التواصل الاجتماعي.
غرّدوا.. اكتبوا «قالها نصرالله»، فالإدانة عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي أضعف الإيمان، كما قال نصرالله ، الذي طمأننا في السياق نفسه أنّه حينما يفرّغ الناشطون على فيسبوك أو تويتر، الوقت لكتابة تدوينات عن القدس «العربية» فإنّ الصوت سيصل.
الخطابٌ الذى سخر منه البعض ووصفوه بــ«لا صواريخ فيه، لا بطولات، لا انتصارات»، لا «نحن قوم نعشق الشهادة» بحسب تقارير إعلامية أطلقت عليه «الخطابٌ «الكتروني».
ذَكّر المغردون «نصرالله» بما قاله فى السابق وكلماته بـ«أن طريق القدس يمرّ في دمشق والقلمون ودرعا والسويداء»، فما الذى عَدل عن عن رأيه و«أصبحت طريق القدس تمرّ عبر «تويتر» و«الفيسبوك».
طالب المغرودن من نصرالله بتجديد وعده وكلماته السابقة، والتى قال ذات يوم «نَحنُ شيعة علي بن أبي طالب في العالم، لن نتخلى عن فلسطين، ولا عن شعب فلسطين، ولا عن مقدسات الأمةِ في فلسطين».
تساءل المغردون عن جيوش «حزب الله» وموقفها من القرار الأمريكي، وأين «فيلق القدس» المسؤول عنه المرشد الأعلى علي خامنئي، وقائدُه الجنرال الدموي المجرم قاسم سليماني، والمقدر عدد أعضائه بنحو 20 ألف جندى، ووجهوا رسالة لـ«حزب الله» قمتم بتوجيه آلاف المقاتلين لسوريا لنصرة نظام الأسد والمئات إلى العراق واليمن والبحرين والآن تتوعد الاحتلال الصهيوني بثورة على وسائل التواصل ؟!
دعوة نصرالله لما أطلقوا عليه «نفير عام إلكترونى لنصرة القدس» تبعتها حملة سخرية وتهكم على وسائل التواصل الإجتماعي فغرد البعض قائلا: «طريقُ القدس يمرّ في الفيسبوك.. وطريق الفتن تمرّ في دماء العرب»، بينما كتب آخرين «لن تركع أمّة تغرّد على فيسبوك وتويتر».
من المفارقات أن نصرالله أكد فى خطبة سابقة احتفالا بـ«يوم القدس العالمي» بالضاحية الجنوبية فى 23 يونيو الماضى، والذى وصف فيه قائده ومعلمه ومرشده الخميني، وقال عنه: «أنه أيضاً أكد على هذا الخط وعلى هذا اليوم، على هذا الإحياء وعلى هذه المسؤولية، ولذلك منذ ما بعد عام 1979 ميلادية سنة انتصار الثورة في إيران إلى اليوم، هذا اليوم – يوم القدس – يتم إحياؤه والحمد لله ينمو ويتسع وينتشر وينتقل من بلد إلى بلد ويمتد من قارة إلى قارة ولا يُقتصر إحياؤه على بلد معين أو فئة محددة، وهذا ما نتطلع إليه، وسيأتي اليوم الذي سيشهد فيه الناس أن يوم القدس سيكون الزمان الذي يخرج فيه الناس جميعاً، شعوبنا في العالم العربي والإسلامي للتعبير عن إيمانهم والتزامهم عندما تزول العقبات وتسقط الحواجز إن شاء الله».
«نصرالله» كالعادة أكد على مواصلة المعركة قائلا: «سنكون حيث يجب أن نكون، وأنا أقول لكم من خلال كل الوقائع والمعطيات نحن نمشي بالدماء وبالشهداء وبالصبر وبالتضحيات وبالصمود نمشي إلى النصر المحتوم، إلى النصر الموعود، إلى النصر الآتي إن شاء الله»، وهكذا تحولت الشهادة من الجهاد فى سبيل الله إلى الجهاد عبر «تويتر» و«فيس بوك» بين عشية وضحاها، وهو ما كشف عورات أذناب المعممين فى طهران، وأسقطت عنهم ورقة «التوت الأخيرة» وأكدت بما لا يدعو مجالا للشك أنهم ليسوا أبطال مزيفين.
طَل «نصرالله» فى خطابه الأخير وبرع فى تجسيد دور البطولة لأحد كوميديات «شكسبير» ومسرحيته الرائعة «جعجعة بلا طحن»، والتى جمعت بين عناصر من المرح القوي مع تفكر أكثر جدية على «الشرف والعار» و«السياسة داخل البلاط»، أو أن يجسد شخصية أخرى سعى فيها إلى أن يكون «فارس الظل» فى رواية «دون كيشوت»، والتى سخر فيها الكاتب من ظاهرة كانت شائعة أنذاك، وهي البطولة الزائفة، والنفاق الذي رفع الدساسين والغشاشين والمتملقين، فى قضية لا مكان لكوميديا فيها، فهى وبحق تشكل أقسى عذابات «التراجيديا»، لأنها باختصار مسألة حياة أو موت، لا مكان لها على خشبة مسرح، أو خطاب دعائى متلفز، أو تغريدة عبر كابلات الإنترنت.