تقرير – محمود رأفت
ليست محاولة الأكراد عام 2017 لإنشاء دولة مستقلة في كردستان العراق هي المحاولة الأولى، فقد حاولوا عدة مرات الاستقلال، خصوصا بعد نهاية حقبة الدولة العثمانية.
وقد اصطدم الحلم الكردي بخشية الدول الإقليمية التي تعتبر أن استقلال كردستان العراق ستصل عدواه سريعًا إلى المناطق الكدرية في تركيا وإيران سوريا وبالتالي سيصلهم قطار التقسيم.
الاستفتاء والمواقف الدولية
وعقد استفتاء استقلال كردستان في 25 سبتمبر 2017، وقد عبر كل من الاتحاد الأوروبي والصين وأمريكا وإيران وتركيا وروسيا وبريطانيا والسعودية ودول خليجية أخرى عن دعمهم لوحدة العراق ورفضهم لاستفتاء انفصال الإقليم، وجاءت هذه المواقف وسط تلويح من أنقرة للاستعداد بالقيام بكل الخيارات لمواجهة أي تهديداتها لأمنها القومي بما فيها الحل العسكري.
وقالت الحكومة التركية، إن استفتاء كردستان العراق غير مشروع وغير قانوني وارتجالي وغير مدروس ويشمل مناطق متتازع عليها في كركوك والموصل، ونرفضه جملة و تفصيلا، وقد نتدخل وفق اتفاقية لوزان 1923م ووفق اتفاقية أنقرة 1927م ووفق اتفاقية رسم الحدود بين العراق وتركيا 1946م، فكل ما سبق، اتفاقيات دولية سارية المفعول".
وقبل الاستفتاء أجرت قوات إيرانية وعراقية مناورات عسكرية مشتركة قرب أراضي إقليم كردستان العراق، كما أعلنت وزارة الدفاع العراقية أن الجيش العراقي بدأ مناورات واسعة مع الجيش التركي على الحدود، وذلك بالتزامن مع استفتاء إقليم كردستان.
إصرار البارزاني
وقد رفض البارزاني عروض وتهديدات الدول الإقليمية، ومنها تهديدات الجنرال في فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، لوقف إجراء استفتاء الاستقلال في كردستان العراق.
وقد خاطب البارزاني الجماهير الكردية بالقول: "من المحتمل أن نموت من أجل تحقيق هدفنا"، وأكد أنه "لم يعد هناك وجود لسايكس بيكو ولوزان، وشعب كردستان هو من سيقرر مصيره، ونحن نريد بناء علاقة جديدة مع بغداد على أساس حسن الجوار لأن الشراكة بيننا فشلت، ويجب أن نحافظ على علاقة الأخوة بين الأكراد والعرب والتركمان".
نتائج الاستفتاء
وقد أعلنت مفوضية الانتخابات نتائج الاستفتاء، حيث أيد الأكراد عملية الانفصال، وبلغ عدد المصوتين بـ"نعم" 92%، وحوالي 7% صوتوا بـ«لا».
وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 72%، وبلغ عدد الناخبين المشاركين في الاستفتاء 4.5 مليون ناخب من الإقليم وخارجه.
انقلاب الموازين
ورغم كل هذا، في ساعات قليلة شهدت محافظة كركوك العراقية الغنية بالنفط والمناطق المتنازع عليها وأهمها طوزخرماتو وآمرلي وغيرها، تغييرات دراماتيكية، حيث تحركت قوات عسكرية عراقية ومعها مليشيات الحشد الشيعية وعناصر من الحرس الثوري الإيراني واقتحموا مدينة كركوك من عدة محاور مع انسحاب قوات البيشمركة التابعة لحزب جلال طالباني بشكل مريب!.
المفارقة هنا أن من قاد الهجوم كان الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وهو نفسه من زار إقليم كردستان قبلها بيومين، وذهب لقبر الرئيس جلال طالباني رجل إيران في السليمانية بكردستان طوال عدة عقود، والتقى باقادة حزبه.
تخلي أمريكا وحزب الطالباني عن البارزاني
ورغم الخدمات التي قدمتها البيشمركة لوشنطن، إلا أن أمريكا تخلت عنهم، حتى أن الرئيس الأمريكي خرج في كلمة ليقول إن واشنطن لا تقف مع أي من الأطراف المتصارعة، بل والغريب أن بيشمركة طالباني انسحبوا من المحاور القتالية التي انتشروا بها وسمحوا للقوات المهاجمة بدخول المدينة، في ظل ذهول وصل إلى درجة البكاء من قبل مقاتلي البيشمركة الذين يأتمرون بأمر الزعيم الكردي مسعود البارزاني.
حتى لاهور الطالباني قائد مكافحة الإرهاب بإقليم كردستان قال علنا: لن ندفع أبناءنا للموت في سبيل كرسي البارزاني المنتهية ولايته.
فيما أكد أحد قيادات البيشمركة إسلام زيباري أن واشنطن تعاقب مسعود البارزاني على استفتاء كردستان بالسماح للجيش العراقي والحشد المدعومين من إيران بالهجوم على البيشمركة في المناطق المتنازع عليها.
وتابع زيباري: "لولا خيانة بعض قادة الاتحاد الوطني الكردستاني لما استطاع الحشد الشعبي الاقتراب من كركوك، والقوات التي انسحبت دون قتال من خط بطول 15 كيلومتر وبعمق 4 كيلومتر من طوزخورماتو إلى منطقة مكتب خالد في جنوب كركوك، كانت قوات تابعة للجناح الإيراني في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والانسحاب تم بأمر بافيل طالباني نجل الراحل مام جلال".
الموقف القانوني لنتائج الاستفتاء
يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2017، أصدرت حكومة كردستان بيانًا اقترحت فيه تجميد نتائج الاستفتاء، في مسعى لنزع فتيل الأزمة، وبسبب استمرار التوتر العسكري بين القوات الكردية والقوات العراقية على حدود إقليم كردستان، وفي يوم 20 نوفمبر 2017، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قراراً بعدم دستورية استفتاء انفصال إقليم كردستان والمناطق الخارجة عِنه، وأكدت المحكمة على إلغاء الآثار وكذلك كافة النتائج المُترتبة عليه.
التنحي
وبتاريخ 29 أكتوبر، أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أنه قرر عدم التمديد بمنصب رئيس الإقليم اعتبارا من مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، وقال بمرارة إن "الأكراد لم يجدوا من يقف إلى جوارهم من خارج إقليمهم لدعم حقهم في تقرير المصير"، وأضاف "لم يقف أحد معنا سوى جبالنا".