كثير من العرب تشاركهم أطراف عديدة من المجتمع الدولي، يشككون فـي النوايا الإيرانية الساعية لامتلاك القنبلة النووية، مبرّرين وجهات نظرهم هذه بناء على جملة من الوقائع التاريخية والممارسات السياسية الإيرانية حيال العرب وجيرانها من الدول الإسلامية. ويرى هؤلاء المشككون أن إيران التي اختارت المذهب الشيعي منذ خمسة قرون مضت لتكون هويتها الدينية متوافقة مع هويتها القومية؛ عملت طوال هذه القرون على أن تكون صاحبة القدرة الأكبر والمهيمنة على محيطها الإقليمي. ولضمان هذه الغاية عملت على ضمّ شعوب وقوميات مختلفة إلى سلطتها، حيث كان وما زال الحجم السكاني الكبير والمساحة الجغرافـية الواسعة، تلعب دوراً فـي قوة ومكانة الدول، وتساعدها كثيراً على تحقيق أطماعها الإقليمية. كما أن جميع الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على السلطة فـي هذا البلد، لم تظهر ما يبدد قلق جيرانها الذين كانوا وما زالوا ينظرون بتوجس كبير لأي تطور فـي القدرات العسكرية الإيرانية، لا سيما أن هذه القدرات كانت دائماً مصحوبة إما بحرب أو التهديد ضد الجيران. ويرى أصحاب هذا الرأي أن فقدان توازن القوى فـي منطقة الخليج العربي غاية فـي الأهمية، خصوصاً بعد خروج العراق من المعادلة، حيث أدى هذا الأمر إلى إيجاد خلل فـي التوازن بين شاطئي الخليج، وهذا ما يستدعي العرب عامة والخليجيين خاصة للسعي إلى إيجاد نوع من التوازن الذي يكون قادراً على مجابهة الخطر الإيراني وردعه إلى الأبد، وذلك لا يتم إلا بإعادة رسم الخريطة السياسية لإيران. ويرى هؤلاء أن القضية الأحوازية هي أفضل من يصلح لهذه الغاية، وذلك لأسباب عدة:
أولاً: أن موقع الأحواز يشكّل عازلاً جغرافياً مهماً بين إيران ودول الخليج العربي، فتحريرها يبعد خطر التسلل الإيراني المباشر عن هذه الدول.
ثانياً: الأحواز إقليم عربي، وشعبه الذي يربو على الخمسة ملايين نسمة لا يزال يحتفظ بكل الأواصر القومية والاجتماعية والثقافية التي تربطه مع البلدان والشعوب العربية الأخرى.
ثالثاً: إن الثروة النفطية والمائية والزراعية وسائر الثروات الأخرى التي يكتنزها هذا الإقليم، تشكل اليوم عصب الاقتصاد الإيراني، فقد وصف الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الأحواز بأنها قلب إيران النابض من الناحية الاقتصادية. وبحسب الإحصائيات الحكومية فإن الثروات في الأحواز تشكل 90 في المائة من مصادر الدخل الإيراني.
رابعاً: إن القضية الأحوازية تحظى بشرعية لدى الرأي العام العربي، ومن السهولة بمكان جعلها بمستوى القضايا العربية الساخنة بمجرد إلقاء الضوء عليها.
خامساً: إن سياسة التمييز العنصري والطائفي التي تمارس في الأحواز جعلت الشعب الأحوازي من الناحية الفكرية والسياسية مهيّأ تماماً للتفاعل مع أي خطة عمل تساعده على تحقيق أهدافه التي كافح وما زال يكافح من أجل تحقيقها، والتي تتمثل في مطالبته بحقه في تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن هيمنة السلطة الإيرانية، شأنه في ذلك شأن غيره من الشعوب التي كانت قد وقعت تحت الاحتلال أو الضم لكنها نالت حريتها واستعادة حقوقها المغتصبة في نهاية الأمر..
فالأحواز ومنذ وقوعها تحت اغتصاب الدولة الفارسية في العام 1925، لم تخلُ من الاحتجاجات والثورات والمظاهر السياسية المعارضة، فكانت على الدوام ساحة صراع مستمر بين العرب أبناء الإقليم والدولة الإيرانية، الأمر الذي خلق حالة عداء شديدة بين الطرفين لا تنتهي إلا بعودة الأحواز إلى ما كانت عليه قبل غزوها من قبل الجيش الإيراني في 20 نيسان عام 1925م، حيث، وكما هو معروف، إن الأحواز قبل ذلك التاريخ كان شأنها شأن البلدان العربية المجاورة تتمتع باستقلال ذاتي وكان لها أمير يعد واحداً من أقوى وأبرز أمراء عصره، وهو الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، وقد لعبت إمارته دوراً كبيراً في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية عامة والعراقية والخليجية خاصة، إلا أن المتغيرات السياسية التي شهدها العالم آنذاك، ومنها على الأخص قيام الثورة البلشفية وما أفرزته الحرب العالمية الأولى من صفقات سياسية وتقسيمات جغرافية جديدة للمنطقة العربية أدت إلى سقوط إمارة الأحواز (عربستان) وضمها إلى المملكة الفارسية التي جرى إعادة تشكيل جغرافيتها السياسية تحت مسمى جديد (المملكة الشاهنشاهية الإيرانية) لتكون متلائمة مع المخططات الجديدة التي اقتضتها مصلحة الدول الاستعمارية، ومنها بريطانيا العظمى، التي كانت تربطها بالأحواز (عربستان) وأميرها الشيخ خزعل علاقات دبلوماسية واتفاقيات ومعاهدات دولية، والتي يمكن هنا ذكر بعضها على سبيل المثال:
أولاً: اتفاقية الملاحة في نهر كارون سنة 1888م بين الشيخ خزعل من طرف والدولتين القاجارية والبريطانية من طرف آخر.
ثانياً: اتفاقية إنشاء وكالة القنصلية البريطانية في المحمرة مركز الإمارة وفي مدينة الأحواز.
ثالثاً: اتفاقية مايو سنة 1909م التي تم إبرامها بين الدولة البريطانية والأمير خزعل، والتي تقرر بموجبها إنشاء مصفاة للنفط في مدينة عبادان، وهي أكبر مصفاة للنفط في الشرق الأوسط.
رابعاً: اتفاقية شط العرب بين بريطانيا وأمير الأحواز الشيخ خزعل من جهة والدولة العثمانية من جهة أخرى، وذلك في تموز سنة 1913م.
وهناك كثير من الاتفاقيات المشابهة التي تم عقدها بين أمير عربستان الشيخ خزعل ودول أجنبية أخرى بعيداً عن تدخل الدولة الفارسية، وهذا ما يؤكد - كما أسلفنا - الاستقلالية التي كانت تحظى بها إمارة الأحواز قبل ضمها من قبل الدولة الإيرانية التي غيّرت اسمها إلى (خوزستان)، في إطار خطة تفريس شاملة تهدف إلى إدخال المنطقة وسكانها في البوتقة الفارسية. وكما أن التهديدات الإيرانية للدول العربية لم تكن منوطة بمرحلة أو نظام معين، فإن سياسة اضطهاد الأحوازيين ومحاولات تفريسهم، لم تكن هي الأخرى حكراً على نظام إيراني بحد ذاته، وإنما هذه السياسات كانت ولا تزال تشكّل على الدوام نهجاً يبدو أن صورة الدولة الإيرانية لا تكتمل إلا به.
فإذا كان النظام البلهوي قد اغتصب الأحواز وغيَّر اسمها إلى (خوزستان) واحتل الجزر الإماراتية الثلاث وأجبر العراق على التنازل عن نصف شط العرب؛ فإن نظام الجمهورية الإسلامية لم يكن أقل عدوانية من سلفه تجاه العرب عامة والأحوازيين منهم خاصة. وإذا كان جزء من سياسة النظام الحالي إزاء الدول العربية تتجسد في مشروع تصدير الثورة المعلن والذي كانت من أبرز وسائله الحركات والأحزاب الطائفية والإرهابية التي أسسها وعمل من خلالها على زعزعة أمن واستقرار عديد من الدول العربية المجاورة؛ فإن سياسته تجاه الأحوازيين لم تتوقف عند نقضه العهود التي كان قد قطعها زعيم الثورة الراحل آية الله الخميني على نفسه يوم كان في المنفى والتي وعد خلالها بأن ينصف العرب ويرفع عنهم الظلم الذي لحق بهم ويساوي بينهم وبين الفرس في الحقوق، غير أن النظام الجمهوري - الإسلامي - لم يكتفِ بعدم الإيفاء بوعود زعيمه، بل زاد على ما كان يمارسه نظام الشاه من سياسة التفريس والتمييز العرقي والمذهبي ضد الأحوازيين.. ولعل هذه الوثيقة الصادرة عن مكتب رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، كافية للكشف عن جانب من نوايا هذا النظام تجاه الأحوازيين العرب.
نص الوثيقة مترجم حرفـياً عن الوثيقة الفارسية الصادرة عن مكتب الرئاسة فـي طهران.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية
مكتب رئيس الجمهورية
باسمه تعالى
رئيس المكتب:
السيد الدكتور نجفـي رئيس منظمة الميزانية والتخطيط المحترم.
بعد السلام:
استمراراً للسياسات المأخوذة بعين الاعتبار، وكذلك على ضوء قرارات مجلس الأمن القومي بشأن تغيير البنية السكانية لعرب خوزستان من خلال توزيعهم على بقية محافظات البلاد؛ نرى أن نرفق لكم أدناه لائحة ببعض التوجيهات المتضمنة الفقرات التالية:
1 – يجب اتخاذ كافة التدابير الضرورية اللازمة بحيث يتم خفض السكان العرب فـي خوزستان بالنسبة للناطقين بالفارسية الموجودين أساساً أو أولئك المهاجرين إلى 1|3، وذلك خلال السنوات العشر القادمة.
2 – فـي سبيل زيادة هجرة الأقوام الأخرى، خاصة القومية الآذرية (أتراك أذربيجان) إلى محافظة خوزستان، إضافة إلى التسهيلات الواردة فـي المذكرة رقم 7 - 5 - 1971 |2 ب 3 - 416 والمؤرخة فـي 14|4|1371 (تقويم إيراني – 1992 من حزيران م)؛ تقرر تقديم تسهيلات أكثر، وستعلن هذه التسهيلات تباعاً.
3 - من الضروري اتخاذ التدابير اللازمة والعمل على نحو معين بحيث تزداد ظاهرة تهجير الشريحة المتعلمة منهم إلى المحافظات الإيرانية الأخرى؛ كمحافظات طهران وأصفهان وتبرير.
4 - العمل على إزالة جميع المظاهر الدالة على وجود هذه القومية وتغيير ما تبقى من الأسماء العربية للمواقع والقرى والمناطق والشوارع.
5 – فـي الوقت الذي نؤكد فـيه سرية هذه الخطة، نرى من الضروري الاستفادة من العناصر العربية كوسيلة من أجل تنفـيذها.
6 – نرفق لكم التعليمات الجديدة الواردة لنا والمتعلقة بكيفـية توزيع طلاب الجامعات والموظفـين والعاملين والمعلمين والفلاحين ومنتسبي القوات العسكرية والأجهزة الأمنية، ونقلهم إلى المناطق الإيرانية الأخرى.
التوقيع:
رئيس المكتب أبطحي
نسخة منه إلى:
وزارة الاستخبارات.
وزارة الداخلية.
وزارة السكن وبناء المدن.
وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
هذه الوثيقة التي كان قد تم الكشف عنها مطلع السنة الماضية وأحدثت انتفاضة شعبية عارمة في الأحواز، زادت من الشرخ القائم بين النظام الإيراني والعرب الأحوازيين، الأمر الذي دفع بالأحوازيين إلى شنّ سلسلة من العمليات العسكرية مستهدفين العديد من المراكز والمؤسسات الصناعية والاقتصادية والأمنية الإيرانية، الأمر الذي أرعب النظام وأوقعه في تخبط سياسي وإعلامي كبير جعله يقوم بتوزيع الاتهامات على القوى السنية السلفية تارة وتارة أخرى على القوات البريطانية المتواجدة في جنوب العراق من دون أن يقدم دليلاً واحداً على صحة تلك الاتهامات. كما أنه قام بإصدار وتنفيذ سلسلة من أحكام الإعدام ضد العشرات من الأحوازيين على أمل وقف حالة الغليان هذه، غير أنه زاد الطين بلة وأظهر القضية الأحوازية، التي كانت مخبَّأة في الأدراج، إلى العلن، لتصبح أخبارها في صدارة وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
هذه المرحلة الجديدة التي دخلت بها القضية الأحوازية إذا ما استثمرت، بحسب رأي العرب المتخوفين من القنبلة النووية الإيرانية، فإنها ستكون قادرة على تحويل الأحواز إلى قنبلة أشد فتكاً بإيران من قنبلتها النووية التي تسعى لإنتاجها.. لكن هل سينتبه الساسة العرب إلى هذه النقطة، أم سيضيعونها لتبقى الأحواز تنادي «أضاعوني وأي فتىً أضاعوا»؟
:: مجلة البيان العدد 321