<<رحالة ألماني في القرن الـ18: من المؤسف أن يصور الأوروبيون جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم الفرس
<< مؤرخ إيراني: القبائل العربية المتحدرة من نسل «بكر بن وائل وحنظلة» كانت تسيطر على الإقليم قبل ظهور الإسلام
<< مؤامرة «بريطانية- إيرانية» انتهت باختطاف آخر أمراء الإقليم وقتله سجينا في طهران عام 1936
الأحواز إقليم عربي سليب، واقع تحت الاحتلال الإيراني منذ 92 عاما، يمتد تاريخه العريق إلى أكثر من 6 آلاف عام، وقد احتضن الإقليم طوال تاريخه حضارات وشهد قيام دول مختلفة عبر العصور السحيقة، كما تعرض الأحواز لغزوات وصراعات إقليمية عديدة، نظرا لما يتمتع به من موقع استراتيجي مهم، وموارد طبيعية هائلة كانت سببا مباشرا في وقوعه تحت الاحتلال الإيراني منذ عام 1925 حتى هذه اللحظة.
ويعود تاريخ الأحواز إلى عهد «العيلاميين» الذين حكموا الإقليم حوالي عام 4000 ق. م، واكتسحوا المملكة الأكّادية واحتلوا عاصمتها «أور»، ثم خضع المنطقة لسيطرة البابليين والآشوريين، على التوالي، ثم غزاها الفرس بقيادة الملك «قورش» عام 539 ق. م، وقاموا بشن حملة إبادة ضد العرب من سكان الإقليم الأصليين الذين كانوا آنذاك قبائل متفرقة، من نسل «بكر بن وائل وبني حنظلة وبني العم»، فصعب عليهم التجمع لمواجهة الفرس، إلا في أوقات قليلة مثل معركة «ذي قار» التي انتصر فيها العرب على أعدائهم.
وخضع الأحواز في فترات لاحقة للإسكندر الأكبر، وبعد موته خضعت للسلوقيين منذ عام 311 ق.م، ثم للبارثيين ثم الأسرة الساسانية التي لم تبسط سيطرتها على الإقليم إلا في عام 241م، وقامت ثورات متعددة في الإقليم ضد الغزاة الفرس، فاضطر هؤلاء إلى توجيه حملات عسكرية كان آخرها عام 310م حين اقتنعت المملكة الساسانية بعدها باستحالة إخضاع العرب، فسمحت لهم بإنشاء إمارات تتمتع باستقلال ذاتي مقابل دفع ضريبة سنوية للملك الساساني.
مغالطات تاريخية
يقول المؤرخ الإيراني أحمد كسروي أن «القبائل العربية المتحدرة من بكر بن وائل وبني حنظلة كانت تسيطر على الإقليم قبل ظهور الإسلام، ثم خضعت هذه القبائل لحكم المناذرة بقيادة الملك النعمان بن المنذر، من سنة 368م إلى 633 م. وبعد الفتح الإسلامي انحلت هذه القبائل في نظيراتها من القبائل العربية الأكثر عددا، والتي استوطنت المنطقة في السنوات الأولى للفتح الإسلامي بعد على الإمبراطورية الفارسية».
من جانبه، يقول الرحالة الألماني كارستن نيبور الذي جاب الجزيرة العربية عام 1762م: «لا أستطيع أن أمر بصمت مماثل على المستعمرات لتي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، فهي أقرب إليها، أعني العرب القاطنين الساحل الجنوبي من بلاد الفرس، المتحالفين على الغالب مع الشيوخ المجاورين، أو الخاضعين لهم، ومن المؤسف أن يصور الجغرافيون الأوروبيون جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، في حين أن هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر في بلادهم الخاصة. لكنهم تحملوا - على مضض- أن يبقى هذا الساحل ملكاً للعرب».
وأضاف «نيبور»: «لقد أخطأ جغرافيونا الأوروبيون عندما روجوا لمغالطات تاريخية صورت لنا جزءاً من الجزيرة العربية خاضعا لحكم الفرس، لأن العرب هم الذين يمتلكون - خلافاً لهذا المعتقد- جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية، من مصب الفرات إلى مصب الإندوز في الهند. صحيح أن المستعمرات الواقعة على السواحل الفارسية لا تخص الجزيرة العربية ذاتها، ولكن بالنظر إلى أنها كانت مستقلة تماما عن بلاد الفرس، ولأن لأهلها لسان العرب وعاداتهم، وإن كان يستحيل تحديد الوقت الذي أنشأ فيه العرب هذه المستعمرات على الساحل».
وظل إقليم الأحواز منذ عام 637 إلى 1258م تحت حكم الخلافة العباسية، وتابعاً لولاية البصرة إداريا، حتى أيام الغزو المغولي. وبعد هزيمة المغول على أيدي مماليك مصر، نشأت الدولة المشعشعية العربية (1436-1724م)، واعترفت الدولتان الصفوية والعثمانية باستقلالها التام. ثم نشأت الدولة الكعبية (1724-1925م) وحافظت على استقلالها التام حتى الاحتلال الإيراني للإقليم العربي العريق.
أسرار المؤامرة «البريطانية- الإيرانية»
وبعد عام 1920م، باتت بريطانيا تخشى من قوة الدولة الكعبية، فاتفقت مع الفرس على إقصاء أمير الأحواز وضم الإقليم إلى إيران، حيث منح البريطانيون الإمارة الغنية بالنفط إلى الفرس على طبق من ذهب، بعد اعتقال «الأمير خزغل» على ظهر طراد بريطاني، خاصة بعد أصبحت الأحواز وعاصمتها «المحمّرة" محل نزاع إقليمي بين العراق وإيران، وتنافس ضاري من قبل القوى للسيطرة على المنطقة، إثر تفكك وانهيار الدولة العثمانية.
وبعد ظهور النفط في الأحواز عام 1908 وانتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وانتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 بانتصار بريطانيا وحلفائها في الحرب على حساب الدولة العثمانية، برزت أطماع رضا مير بنج البهلوي التوسعية في الأحواز. وأسهمت الاختلافات الداخلية في الإقليم وقتها في تعزيز هذه الأطماع وساعدت على احتلال الأحواز عسكريا عام 1925. بعد تلك المتغيرات الإقليمية والعالمية الكبرى تغيرت المصالح والتحالفات. فبعد ما كان الأمير خزعل الكعبي أهم حلفاء بريطانيا في حربها العالمية الأولى، تخلت عنه وقدمت الأحواز على طبق من ذهب لحليفها الجديد رضا بهلوي، خوفا من الزحف الروسي إلى مياه الخليج العربي وثرواته، لتبنى سدا منيعا بتأسيس دولة إيران الحديثة بثروات الأحواز.
وكان أهم هدف بريطانيا من التحالف مع رضا البهلوي هو احتواء النفوذ الروسي من جهة، وكسب إيران كحليف استراتيجي خشية سقوط الأحواز في أحضان الروس بعد اندلاع الثورة البلشفية في البلاد، وسعيها إلى التمدد إقليميا على حساب مستعمرات الدول الكبرى وقتها.
وفي 20 أبريل عام 1925 احتلت إيران الأحواز عسكرياً، بعد معارك ضارية بين الجيوش الفارسية الغازية من جهة والأحوازية المدافعة عن وطنها من جهة أخرى، ولم تتمكن الجيوش الفارسية من الدخول في الأحواز. وحينها دخلت بريطانيا بزعم أنها «صديقة للطرفين» من أجل الصلح بينهما. ونزل رضا البهلوي ضيفا على الشيخ خزعل لمدة 6 أيام في الأحواز، ودار العتاب بينهما، ولكن كانت تحاك المؤامرة خلف الستار بين بريطانيا ورضا بهلوي ضد الشيخ خزعل لاختطافه.
وتم تدبير المؤامرة الدنيئة بالفعل، وجرى اختطاف الأمير خزعل الكعبي من يخته الذي كان راسيا في شط العرب، حيث لم يكن بمعيته إلا حارس واحد وابنه الكبير، بعد محاصرة اليخت بزوارق عسكرية إيرانية كثيرة أعدت مسبقا لتنفيذ الخطة. فوقع الشيخ خزعل أسيرا ونقل إلى طهران ليلا. وزحفت الجيوش الإيرانية في اليوم الثاني لاحتلال الأحواز فدخلت المدن الأحوازية واحدة تلو الأخرى وسط مقاومة أحوازية شرسة، لكنها لم تكن على المستوى المطلوب خاصة القائد العام الشيخ خزعل وابنه كانا قد وقعا في الأسر. بقى الشيخ خزعل آخر أمراء الأحواز أسيراً في طهران حتى عام 1936 حيث تم قتله خنقا وهو في زنزانته في طهران للتخلص منه.
وكان السبب الأساسي لاحتلال إيران لهذه المنطقة يرجع إلى كونها غنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة، حيث إن بها أحد أكبر أنهار المنطقة وهو نهر «كارون»، الذي يسقي سهلاً زراعياً خصباً تقع فيه مدينة الأحواز، المنتج الرئيس لمحاصيل مثل السكر والذرة في إيران اليوم.