<< الشعب العربي الأحوازي قدم طوال 90 عاما قوافل من الشهداء الذين بذلوا دماءهم الزكية من أجل حرية شعبهم
<< الشهيد «الكعبي» اغتيل خنقا بدم بارد بعد اعتقاله في أحد سجون طهران بمؤامرة دنيئة
<< جرائم الاحتلال الفارسي لم تنل من عزم وإرادة الشعب العربي الأحوازي رغم استمرار مسلسل الإعدامات اليومية
قدمت الأحواز العربية منذ الاحتلال الإيراني للإقليم عام 1925، وعلى مدار 92 عاما من النضال المستمر ضد المحتل الغاصب، قوافل طويلة من الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم فداء للقضية الأحوازية، كان على رأسهم الأمير خزعل الكعبي، الذي استشهد أسيرا في أحد سجون طهران عام 1936، وتم قتله خنقا وهو في زنزانته للتخلص من أي معارضة أحوازية ضد المحتل الإيراني.
ففي 20 أبريل عام 1925 احتلت إيران الإقليم بعد معارك ضارية بين الجيوش الفارسية الغازية من جهة والأحوازية المدافعة عن وطنها من جهة أخرى، ولم تتمكن الجيوش الفارسية من الدخول في الأحواز. وحينها دخلت بريطانيا بزعم أنها «صديقة للطرفين» من أجل الصلح بينهما. ونزل الشاه رضا بهلوي ضيفا على الشيخ خزعل لمدة 6 أيام في الأحواز، ودار العتاب بينهما، ولكن كانت تحاك المؤامرة خلف الستار بين بريطانيا ورضا بهلوي ضد الشيخ خزعل لاختطافه واعتقاله في طهران.
شهيد المؤامرة الدنيئة
جرى تدبير المؤامرة الدنيئة بالفعل، وتم اختطاف الأمير خزعل الكعبي من يخته الذي كان راسيا في شط العرب، بعد محاصرة اليخت بعدد كبير من الزوارق العسكرية الإيرانية التي تم إعدادها مسبقا لتنفيذ الخطة. فوقع الشيخ خزعل في الأسر، ونُقل إلى طهران ليلا.
وزحفت الجيوش الإيرانية في اليوم الثاني لاحتلال الأحواز فدخلت المدن الأحوازية واحدة تلو الأخرى وسط مقاومة شرسة، لكنها لم تكن على المستوى المطلوب خاصة أن الأمير الشيخ «خزعل» كان قد وقع في الأسر. وبقى الشيخ آخر أمراء الأحواز أسيرا في طهران حتى اغتياله أسيرا بدم بارد.
وإذا كانت أولى جرائم الاحتلال الفارسي بعد القمع العسكري الفاشي هي جريمة اغتيال شيخ العروبة في الأحواز، إثر الغدر به واعتقاله ثم التخلص منه بعد أن أعيت الثورات والانتفاضات الشعبية المحتل، لإسكات الرموز الحرة في الإقليم الذي لم يتوقف عن الانتفاض في وجه الاحتلال يوما، لم تنم أبدا أعين الأحوازيين عن جرائم الاحتلال العنصري الإيراني ضد شعب الإقليم الحر منذ بداية الاحتلال والضم القسري عام 1925، وطيلة مسيرة الاحتلال الطويلة والتي تجاوزت التسعين عاما قدم الشعب العربي الأحوازي قوافل من الشهداء الذين بذلوا دماءهم الزكية من أجل حرية شعبهم.
شهداء الثورة الأولى
بدأت مقاومة الأحواز بعد مرور 3 أشهر فقط على احتلال الأحواز، حيث وقف في وجه الاحتلال الإيراني وسياسة «التفريس» جنود الشيخ الشهيد «خزعل» وحرسه الخاص، وقاموا بأول ثورة في 22 يوليو 1925 بقيادة الشهيدين «شلش» و «سلطان».
وكانت هذه الثورة الشعبية العارمة ردا على أسر شيخهم واحتلال إمارتهم العربية. وفي أثناء هذه الثورة هرب أفراد من الجيش الإيراني المحتل إلى الكويت، وسيطر الثوار على مدينة «المحمّرة» عاصمة الإقليم لعدة أيام، ثم قصفتهم مدفعية الجيش الإيراني بلا رحمة ولا هوادة بعد أن قضوا على الحامية الفارسية في المدينة.
وعلى أثر فشل هذه الثورة الأحوازية الأولى وانتفاضتها الباسلة ضد الاحتلال خيّم جو من الإرهاب الإيراني على الأحواز، حيث قضت السلطات الفارسية على هذه الثورة بقسوة متناهـية وبكل شدة ، وحاكمت عدداً كبيراً من الثوار، وأعـدمت العشرات دون محاكمة.
وضمن مسيرة طويلة من النضال قدمت آلاف الشهداء الأبرار، تعد انتفاضة عام 1979 من أهم الانتفاضات التي قام بها شعب الأحواز في تاريخ الإقليم، حيث انتفض الشعب العربي الأحوازي فثار بوجه نظام الشاه، ونجح في السيطرة على آبار النفط المنتشرة في الإقليم، وكذلك على المنشأة الاقتصادية الكبرى في الأحواز، وتمكـن الشعب العربي الأحوازي من شلّ العجلة الاقتصادية الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى التعجيل بإسقاط نظام الشاه، إلا أن ردة فعل النظام الإيراني الجديد بقيادة المقبور «الخميني» اتسمت بالقسوة البالغة، إذ ارتكب الجنرال الدموي أحمد مدني، وزير الدفاع الإيراني وقتها، مجزرة دموية بمدينتي «المحمّرة وعبادان» راح ضحيـتها أكثر من 500 شهيد وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين.
وإن ما يجري في الأحواز العربية من تمييز عنصري وطائفي واضطهاد وقمع سياسي، بات دليلا دامغا لهذا النظام الذي عرف بدمويته وقمعه على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث تجري إعدامات المناضلين من الشهداء الأحوازيين بدوافع طائفية وعنصرية، وهو الأسلوب الأكثر وحشية في العالم الآن.
وستظل هذه الجرائم شاهدة حية على طبيعة النظام الاحتلالي المتسلط والمتوحش، والذي لم تتغير طبيعته رغم اختلاف الهوية الأيديولوجية للنظام، فلا فارق كبيرا بين أساليب نظام الشاه المتغطرس، وبين «آيات الله» المزعومين الذين يرفعون شعارات دينية كاذبة، وهم - في حقيقة الأمر- مجموعة من السفاحين.
ولا جدال أن كل من مات في سبيل دينه وعرضه وماله ووطنه فهو شهيد، هذا ما أكّد عليه ديننا الإسلامي الحنيف، دين العدل والمساواة، ودين احترام الإنسان والحفاظ على حقوقه، ودين الحقّ الذي يقف بوجه الباطل، ودين الإخوَّة وعدم التفرقة بين هذا وذاك، وليس كما صوّره البعض وعلى رأسهم أنظمة الاحتلال الإيراني الغاشم على أنه دين القتل والدّمار وسفك الدماء ودين الإرهاب ونفي الآخرين، والدين الذي لا يعرف الرّحمة والشَّفقة.
وكان هؤلاء الشهداء الأبطال ضحايا الحقد الفارسي الأعمى على العروبة والإسلام، ولم يكن لهم أيّ ذنب سوى إنهم يطالبون بتحرير أرضهم العربية الأحوازية من الاحتلال، لأنهم خُلقوا عرباً أحراراً، وأبوّا أن يبقوا عبيدا تحت يد سلطات الاحتلال الفارسي، ولم يقبلوا بأن يقوم المحتلون بتغيير هويتهم وطابعهم العربي إلى هوية فارسية.
ولم تنل جرائم الاحتلال الفارسي من عزم وإرادة الشعب العربي الأحوازي، رغم استمرار مسلسل الإعدامات اليومية من قبل هذا الاحتلال بحق المناضلين الأحوازيين، بل إنّ هذا الشعب الثائر على الاحتلال يزداد كل يوم عزيمةً وإصراراً على المضي قُدُماً من أجل تحرير الأحواز مهما بلغت وغلت التضحيات، لأنّ الشعب الأحوزاي يعلم جيدا أنّه لا قيمة لمن لا وطن له، ولا قيمة لإنسان يحتلون أرضه ويسكت عن استرداده وتحريره من المحتلين.
ولأن هذا الشعب هو شعب عربي أبيّ لن يرضى لنفسه الذل والهوان أو يعيش مهانا تحت سيطرة المحتلين الفرس الأجانب، فقد ناضل منذ أول يوم الاحتلال وإلى يومنا هذا وسيبقى يناضل حتى تحرير الأحواز من الاحتلال الفارسي الأجنبي دون هوادة وغير آبه بالموت مادام هذا الموت شهادة في سبيل الوطن.
الأحواز