تقرير يكتبه: يوسف شرف الدين
فى اليوم العشرين من صفر يحشد الشيعة فى العراق مواكبهم لإحياء ما يسمى بـ «أربعينية الإمام الحسين»، الذي استشهد في واقعة الطف قبل 14 قرنا، وسط مدينة كربلاء في العراق، وهى الواقعة التى تؤرخ لمرور أربعين يوما على مقتل الحسين - رضي الله عنه- سيد شهداء أهل الجنة في العاشر من محرم «يوم عاشوراء».
مئات الآلاف من شيعة الداخل العراقي والخارج يتوجهون صوب ضريح الحسين – رضي الله عنه-، في تقليد سنوي آخذ بالاتساع بعد سقوط حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، فى مشهد يعتبره البعض بأنه «استعراض سياسي» هدفه كما جاء على لسان رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، في خطاب ألقاه الشهر الماضي، بأن إحياء أربعينية الحسين "صورة ناصعة عن حقيقة بلدكم الذي يشهد أكبر تظاهرة بشرية آمنة على طول آلاف الكيلو مترات، وعن شعبكم الذي يقاتل وينتصر وتتواصل الحياة في مدنه الآمنة".
تساؤلات مشروعة ؟!
الطقوس التى يتبعها الشيعة فى تلك المناسبة تثير تساؤلات عديدة لعل من أبرزها، هل هي عمل طوعي يمارسه الشيعة وأن الأمر لا صلة له بالدولة، وأن الناس سينظموه بوجود أو بعدم وجود الدولة، وهو لا يمت بأية صلة ولا ينطوي على أي هدف سياسي؟! ولو كان الأمر كذلك: لماذا أخذت تلك المناسبة فى التوسع بعد عام 2003ما بعد سقوط نظام صدام حسين وسيطرة الشيعة على المشهد السياسي العراقي.
وإذا كان الشيعي يعتقد أنه بسيره على الأقدام إنما يحقق أملا ما وأمنية ما، بصحة فضل، أو الثواب، أو النجاح، أو عودة غائب، و يربط تحقيق تلك الأماني بسيره على الأقدام إلى كربلاء، فإن الحكومة الشيعية أيضا، و الأحزاب الشيعية، ومؤسساتها لديها «مرادها» و أمنيتها أيضا: البقاء في السلطة، و تكوين «دولة طائفية الهوية» في «مجتمع شيعي». يقول البعض أن الدولة لا تقدم إلا القليل لهذه المراسيم، وأن المواطنين هم أصحابها الأصليون. لذلك، فإن ممارسة هذه «الطقوس» التي لا أصل لها عند أهل السنة والجماعة إنما هي أمور بدعية عند القبوريين الشيعة ويعتبرونها أمرا دينيا، كما تقول نادية محمود، بالحوار المتمدن في مقال بعنوان: «كلمة حول الزيارة الأربعينية: طقس ديني أم عمل سياسي صرف؟».
بحسب صاحبة المقال فإنها ترى أن "الزيارة الأربعينية و مراسيم عاشوراء هو فرصة تعبوية هائلة لتثبيت الهوية الشيعية للدولة و المجتمع في العراق. التسويق الإعلامي و تركيز الخطاب على«مظلومية الشيعة» أمر لا يتعلق بأحداث حدثت عام 680 ميلادية، بل له صلة و ثيقة بصراع اليوم. إن هذه «المظلومية» هي خطاب سياسي تعبوي للأحزاب الشيعية و للمؤسسة الشيعية، يتعقبها أهداف سياسية، في جوهرها تنحو نحو تقوية الأخيرة أمام خصم سياسي بالدرجة الأساس. فإن مجمل الصراع «الشيعي – السني» هو صراع حول السلطة بالدرجة الأساس. إن إحياء هذه المناسبة، يعيد تقديم التاريخ من جديد، كل عام و كأن معركة الطف إنما تجري الآن، وأن الضحايا تنتظر نصرتهم اليوم، إن هذا الخطاب يستهدف تقوية مكانة و تموقع أحزاب وشخصيات ومؤسسات بعينها تستفيد من تلك المعركة لتثبيت مصالحها اليوم".
وتضيف بأنه "أمر لا يتعلق بوضع الدولة اليوم، بل بوضع الدولة في الغد. أن تقوم المدارس الثانوية لطلاب لم يبلغوا سن الرشد بتنظيم المواكب أو الذهاب كمشاية إلى كربلاء، إنما يعكس حقيقة واحدة، أنه يجري تأهيل و برمجة الأجيال الشيعية القادمة من اليوم. المدارس تُعطل، و الطقوس الدينية تُمارس، الدوائر الرسمية للحكومة تعطل، والعاملون يذهبون إلى الزيارة الأربعينية. بل حتى حين يقوم الأطفال بلعب ضرب القامات و ضرب الزناجيل، جعل الأطفال يرتدون السواد، أعمال تخدم في آخر المطاف تقوية الهوية «الشيعية» وهو أمر في جوهره سياسي صرف".
مذهبية الدولة وتوسيع الطائفية
يقودنا هذا إلى ما طرحه المقال من أن "الدولة العراقية التي تقول لفظيا بأنها ليست طائفية، إنما ترعى تماما وتصرف الملايين من الدولارات على هذه المراسيم. إن الحكومة العراقية لا تقوم بذلك بدون أن يكون لها هدف سياسي، أو أن هدفها ينحصر في حماية الملايين من «المشاية»، لو لم يكن هنالك هدف في غاية الأهمية تسعى لتحقيقه. متسائلة: كم من الأموال ستصرف من ميزانية الدولة وكم تسخر من مواردها لرعاية ودعم وحماية الطقوس الدينية لطوائف أخرى؟!. كم اجتماعات تعقد في مجالس المحافظات لمناقشة أمر حماية الطقوس الدينية للسُّنة، أو الصابئة أو المسيحيين؟!".
ممارسة هذا الطقس تعزز وتزكي الهوية الشيعية للمجتمع ومن ثم للدولة في العراق. ضاربة ادعاء الحكومة والأحزاب الشيعية في الصميم بإعلانها اللفظي بأنها دولة ليست طائفية، أو عابرة للطوائف، أو كما يذكر المقال بـ "أن مراسيم عاشوراء والزيارة الأربعينية حدث سياسي مهم للحكومة والأحزاب الشيعية والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق لأنه يوفر لها فرصة لتأكيد ولتثبيت الهوية الشيعية للمجتمع، الأمر الذي تتتغذى عليه الأحزاب الشيعية وتستمد شرعية لوجودها كدولة شيعية، لذلك، مراسيم عاشوراء والزيارة الأربعينة ليست طقسا دينيا، بل عمل له صلة مباشرة بالسياسة سواء وعى المشاركون من المشاية أو أصحاب المواكب بهذا الطقس تلك الصلة أو لم يعوا، ولكن من المؤكد أن كلا من الأحزاب الشيعية والمؤسسة الشيعية واعية لأهمية هذه المراسيم في دعم السلطة الشيعية الحالية في العراق، وأن مراسيم عاشوراء توفر الفرصة لتوجيه وإعادة صياغة تفكير الإنسان والتأثير على نمط أفعاله، فكل ما يفعله يجب أن يسير ويتفق مع مبادئ الدين كما تعلمها في مجالس العزاء ومجالس عاشوراء، والمجالس الحسينية".
«التطبير».. بدع آخر الزمان
التَّطْبير شعيرة من الشعائر الحسينية، و المقصود به هو ضرب أعلى الرأس بالسيوف أو القامات أو ما شابه ذلك من الآلات الحادة ضرباً حتى يخرج الدم على أثر ذلك مواساةً لأبي عبد الله الحسين الذي قُتل شهيداً و مظلوماً في يوم عاشوراء بأرض كربلاء فى العراق.
و لا يزال «التطبير» رائجاً في عدد من البلاد كالعراق ولبنان والباكستان والهند وآذربايجان وبعض دول الخليج في اليوم العاشر من المحرم، وفي بعض المناسبات الأخرى.
و يكون التطبير في الغالب بصورة جَماعية وعلى شكل مواكب ومسيرات تجوب الشوراع والأماكن العامة، ويقصد المطبِّرون ـ المشاركون في التطبير ـ من عملهم هذا مواساة الحسين بن علي رضي الله عنه، والتعبير عن مبلغ حزنهم ولوعتهم على الحسين وأهل بيته وأنصاره، وإظهار صدقهم في استعدادهم للتضحية من أجل الحسين.
المعممون يرون بأن التطبير باعتباره شعيرة من الشعائر الحسينية جائز في نفسه بل عمل راجح ما لم يؤد الى الاضرار بالنفس ضرراً بليغاً، كقطع عضوٍ أو حصول نقص فيه، وما لم يؤد إلى استخفاف الناس بالدين أو المذهب، في حين يرى أهل السنة والجماعة أن "ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور، ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء، محدث لا أصل له في الإسلام، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه، لموت عظيم، أو فقد شهيد، مهما كان قدره ومنزلته. وقد استشهد في حياته صلى الله عليه وسلم عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء الشيعة الروافض، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم .
ويعقوب عليه السلام لم يضرب صدرا، ولم يخمش وجها، ولم يُسل دما، ولا اتخذ يوم فقد يوسف عيدا ولا مأتما، وإنما كان يذكر حبيبه وغائبه، فيحزن لذلك ويغتم، وهذا مما لا ينكر على أحد، وإنما المنكر هو هذه الأعمال الموروثة عن الجاهلية ، التي نهى عنها الإسلام.
فقد روى البخاري (1294) ومسلم (103) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ).
يصف أهل السنة والجماعة «التطبير» بـ"الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام، لم يعملها النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره، مع أن المصاب بمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين رضي الله عنه".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء، وقد كان أبوه أفضل منه، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين.
وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. كما جاء فى كتاب «البداية والنهاية».
وقال في (8/220): "وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب - أي الطبول - تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثيرٌ منهم لا يشرب الماء تلك الليلة موافقةً للحسين؛ لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسراتٍ عن وجوههن ينحن ويلطمنَ وُجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة ، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم.
وقد عاكس الرافضةَ والشيعة يوم عاشوراء النواصبُ (أهل السنة) من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم" انتهى .
كبار الأئمة يرون أن الاحتفال بهذا اليوم بدعة، كما أن جعله مأتما بدعة كذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى . . . وبدعة السرور والفرح . . . فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة . . . وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا" انتهى من «منهاج السنة» (4/554) باختصار .
السفارات البريطانية تمول المواكب الحسينية
الخطورة أن هذه الأعمال المنكرة يحذر منها البعض بأنه يشجعها أعداء الإسلام، ليتوصلوا بها إلى مقاصدهم الخبيثة لتشويه صورة الإسلام وأهله، وفي هذا يقول موسى الموسوي في كتابه: «الشيعة والتصحيح»: "ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس ، وشج الرأس حداداً على «الحسين» في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند، وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من أودية الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية، وكان الساسة الاستعماريين يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن «ياسين الهاشمي» رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام «ياسين الهاشمي» فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق، فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل، وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم يحظ من المدنية بحظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟!"