تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني
في 16 يناير عام 1979 تخلت الولايات المتحدة عن أكبر عملائها وحلفائها في المنطقة وهو شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان يحكم إيران منذ العام 1941، وغادر الشاه إيران إلى غير رجعة بعدما احتفل في العام 1971 في حفل باذخ بذكرى مرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، وتعهد الأميركان والغرب له بحمايته وحماية نظامه إلى النهاية وكان تعهدهم الأكبر له حينما بدأت بوادر الثورة ضده في العام 1977.
فذهب إلى واشنطن والتقى مع كل من الرئيس الأميركي جيمي كارتر ومستشاره للأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي ووزير الخارجية سايروس فانس والسفير الأميركي في إيران ويليام سوليفان، حيث تعهد له كارتر بحمايته إلى النهاية حتى لو بالتدخل العسكري، وكان الأميركان يلقبونه بـ «شرطي الخليج» بسبب ولائه المطلق لهم، وحينما قامت ثورة ضد الشاه عام 1953 بقيادة رئيس حكومته محمد مصدق الذي قاد حملة من أجل تأميم آبار النفط، فر الشاه خارج البلاد، لكن الولايات المتحدة سخرت كافة إمكاناتها الاستخباراتية والمادية في عملية سرية أطلقت عليها اسم «عملية أجاكس» حيث أطاحوا بحكومة محمد مصدق وتم اعتقاله وأعاد الأميركان الشاه إلى عرش إيران مرة أخرى، حينما خرج الشاه من إيران في 16 يناير عام 1979 خرج على أمل أن يعود لكن الأميركان الذين تعهدوا له بحمايته وحماية امبراطورية أجداده سرعان ما تخلوا عنه حتى إنهم رفضوا استقباله أو إقامته على أراضيهم وحينما ذهب لصديقه ملك المغرب الحسن الثاني حتى يؤويه اعتذر له الحسن الثاني، وظل طريدا شريدا لا يجد مكانا حتى آواه السادات في مصر، حيث مات ودفن فيها، ورغم أن هذا هو دأب الولايات المتحدة في التخلي عن حلفائها بل وعدم النظر إليهم أو الاهتمام بنهايتهم، إلا أنها ما كان لها أن تتخلى عن الشاه لتسمح بقيام نظام معاد لها في إيران لاسيما وأن زعيم الثورة آنذاك الإمام الخميني كان يقيم في فرنسا الحليف الأقرب للولايات المتحدة، وبالتالي لم يكن لفرنسا أن تسمح للخميني بالعودة دون ترتيبات مع الولايات المتحدة، وهذه أبسط قواعد فهم اللعبة الدولية، أن الشاه عاد إلى إيران ليؤسس دولة دينية شيعية اثنى عشرية إن لم يكن بدعم فبتواطؤ وترتيب أميركي فرنسي تخلت به الولايات المتحدة عن شرطيها في المنطقة لإقامة نظام بديل ليس معاديا لها وإن لم يكن عميلا مباشرا فليدر في فلكها ويحقق لها أطماعها وأهدافها من وراء البقاء في هذه المنطقة الغنية بالنفط والموقع الإستراتيجي والعقيدة الإسلامية التي يتخذها الغرب عدوا له بشكل علني ومباشر بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.
إذن الخطوة الأولى هي التخلي عن شاه إيران الحليف الأكبر للولايات المتحدة، والخطوة الثانية السماح بعودة آية الله الخميني ليقيم نظاما شيعيا اثنى عشريا في إيران الفارسية ليواجه الدول الإسلامية السنية التي تعتبر المهدد الرئيسي لإسرائيل وأحلام أميركا في المنطقة، وأن يستخدم هذا النظام في ضرب الدول السنية القوية المجاورة حتى لو كانت حليفة للولايات المتحدة لأن بقاء أي دولة من هذه الدول في حالة القوة والتماسك يعتبر تهديدا في حد ذاته، وحتى تنجح الثورة الإيرانية لابد من دغدغة المشاعر بالكراهية للشيطان الأكبر المتمثل في الولايات المتحدة، ولتبدأ مرحلة العداء الظاهري التي لا تتجاوز المماحكات اللفظية وبعض العمليات الشكلية مثل احتجاز رهائن في السفارة الأميركية في طهران والهتاف في الشوارع بالليل والنهار ضد الولايات المتحدة.
نكمل غدا.
المصدر|الوطن القطرية