الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

كتاب العدد| «حزب الله» أقنعة لبنانية لولاية إيرانية.. دراسة وثائقية

المجلة - فايز قزي | Wed, Dec 6, 2017 5:34 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

هذه دراسة موثقة صدرت عن دار الريس في كتاب بعنوان «حزب الله أقنعة لبنانية لولاية ايرانية»، يقرأ فيه خلف سطور المظاهر، والكلام، والحروب، لا سيما وثيقة الحزب وميشال عون، ليضعها على مشرحة المناقشة مع سائر الأقنعة التي يتنكر بها حزب ولاية الفقيه منها «الوطن والدولة والنظام: أقنعة سياسية واجتماعية واقتصادية، شارحاً أولاً الوطن (كذريعة) والدولة والنظام كصيغة مؤقتة بانتظار تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية، ليتوقف عند المقاومة لألقاب ايرانية وسحن مموهة، فإلى العرب باعتباره بعضهم مجرد ممانع وان وهما.

ثم يتناول فلسطين ومفاوضات التسوية، المقاومة الفلسطينية ومفاوضات التسوية، وفي مناقشة نظرية يتناول قزي «قراءة وكشف الوجوه العقيدية والايديولوجية الثابتة»، ما يركز بعدها على مذكرة «التفاهم» كقناع سياسي..

من مقدمة الكتاب.

لماذا أتكبد عناء ومشقة «التحرش» بحزب الله الذي تتودد إليه شعوب وحكومات ومنظمات وشخصيات عربية وغربية؟ وأنا لست ملتزماً بحزب أو تنظيم معين، ولست بكاتب سياسي محترف ولا أحترف الكتابة والتاريخ؟!

وأما لماذا أكتب اليوم تحت عنوان «حزب الله أقنعة لبنانية لولاية إيرانية»؟، فلذلك قصة وخلفيات.

القصة بدأت مع كتابي الأول عن هذا الحزب، حين كنت أجالس أحد أنسبائي المقربين وكنت المسبِّب بالتحاقه بحركة الجنرال عون في نهاية الثمانينات، شأن كثيرين غيره، ولكن عندما عدت والتقيته في ربيع 2006 ونهاية علاقتي بالجنرال عون التي سبقت بأيام وحصلت تحديداً في 27 شباط 2006، فاجأني نسيبي هذه المرة بجملة قصيرة ومفيدة دفعتني إلى الكتابة مجدداً، بعد ان وعدت نفسي أن أتوقف عند كتابة شبه سيرة سياسية وضعتها في كتاب «من ميشال عفلق الى ميشال عون»، إذ هالني ان يكون الجنرال عون قد زرع في أنصاره «قناعة» وصلت إلى حد أن يصارحني عنصر في تياره بالقول: «إذا كنت تركت عون، بعد أن نسّبتنا الى تياره بسبب علاقته المستجدة مع حسن نصرالله، فنحن لا نجد ذلك مبرراً، ونؤكد لك ونعلن انه اذا اختلف الرجلان في المستقبل فإننا سننحاز إلى نصرالله».

من حق أحد الأصدقاء أن يكرر وهو يقرأ الكتاب بالعودة مرة جديدة لبث شكوكه بأنني كتبت لأقبض ثمناً كبيراً من السعودية، قدره بمليون دولار، عند صدور كتابي السابق. أما اليوم فلن ألومه إذا أخطأ التقدير ثانية، فهو على الاقل قرأ وعلّق وقدّر غالياً ثمن ما كتبت فشكراً له، وان ظلمني بظنه. واليوم اعترف واعلن انني عجزت حتى الآن عن ادخال كتابي المذكور إلى المملكة السعودية رغم محاولة صاحب دار النشر الصديق رياض الريس بوسائله المختلفة، ورغم محاولة الصديق غسان شربل رئيس تحرير جريدة الحياة السعودية دون جدوى، كما باءت محاولات احدى المكتبات الاساسية في السعودية لادخاله الى المملكة بالفشل أيضاً. ولا زلت حتى الآن أجهل السبب وإن كان الجواب غير الرسمي: «لأن غلاف الكتاب يشير الى علم حزب الله». والله أعلم!

لم أقرأ في الوثيقة السياسية مشروع الحزب هذا. لكنني قد قرأته في وثيقة المستضعفين سنة 1985، وقرأته تفصيلياً في كتاب الشيخ نعيم قاسم. وفي القراءتين تم التأكيد: «اننا أبناء أمة حزب الله، نعتبر انفسنا جزءاً من امة الإسلام في العالم التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الاسلام المركزية في العالم».

لست وحدي مَن قرأ ذلك، بل كثيرون غيري، وهنا استعين بقراءة للكاتب الاردني اليساري ناهض حتر نشرته جريدة الاخبار في عددها تاريخ 26/1/2010:

«أما الاسلام السياسي الشيعي، فقد وقع في ما هو أسوأ. لقد فقد صدقيته، جوهرياً، بسبب ذلك التساكن السياسي بين نهج مقاوم وحدوي في لبنان ونهج متأمرك تقسيمي في العراق. وهو تساكن لا يمكن تبريره إلا بالارتباط بالمشروع القومي الايراني الذي يقتضي، من جهة، مواجهة دفاعية مع إسرائيل مكانها لبنان، وتترتب عليها سياسات ومواقف ممانعة ومقاومة، ومن جهة اخرى، يقتضي إضعاف العراق وتقسيمه ونهبه واغتصاب اراضيه وإلحاقه، مما يرتب سياسات ومواقف اخرى مضادة».

إلى أن يقول: «ليس من الواجب على حزب الله أن يتقدم بالشكر الجزيل لطهران على دعمها له ولمقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي بسبب علاقات التبعية. ومن هنا فلا يمكنه ادانة ممارسات إيران الاحتلالية في بلد شقيق، وهل كان السيد حسن نصرالله مضطراً لمنح رجل الاحتلال والتقسيم والفساد في العراق، عمار الحكيم(3)، مقابلة متلفزة لأغراض انتخابية؟ وكيف يمكن لمَن ترنّ في مسمعيه كلمات نصرالله الجهادية اللاهبة في الاونسكو، ان يبصر مشهد ذلك اللقاء الأخوي؟».

ويضيف الكاتب الأردني ناهض حتر:

«... ماذا يمثل الحوثيون بحق السماء، لكي يتابع تلفزيون المقاومة اللبنانية اتنصاراتهم بفخر؟ هل الحوثيون تيار مقاوم؟ أهم دعاة وحدة ونهضة؟ ليسوا سوى تجمع قبلي متخلف، لكنه يستحق التأييد، بالطبع، بسبب التماثل التبعي لايران».

نشرت هذه المقاطع من المقال رغم ما فيه من مواقف لا تستحق التأييد عندي. إلا أن صاحب المقال لا يريد أن يقتنع ان حزب الله ما هو سوى أداة إيرانية ولا يريد أن يقرأ بعمق أكثر، التحالف الايراني الاميركي الممتد من افغانستان الى الثورة الاسلامية ضد الشاه في إيران، الى التحالف في العراق لاسقاط صدام حسين وتفكيك العراق وتسليمه لايران، ولا تحول «مقاومة» حزب الله عن دور المقاومة الموحدة ليلعب لصالح ايران كلياً وحليفها السوري جزئياً تحت راية جهاد الولي الفقيه.

بعد اكتمال «التحرير» 2000 بدأت تتلى التساؤلات والمشاريع القلقة والمقلقة معاً: ماذا يفعل حزب الله بترسانته العسكرية بعد هذا المنعطف وإلى أين وكيف يتحول!؟.

في حديث إلى جريدة النهار نشر في 23/3/2011 قال الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله: «ان السلاح كان يجب ألا يوجّه إلى الداخل إنما فقط بوجه العدو الإسرائيلي ليبقى على طهارته، وإن المقاومة انتهت منذ زمن بعيد وابرمت اتفاقات منذ سنة 1996 وتوجه السلاح إلى الداخل...».

وبعد حرب تموز 2006 انصرف الحزب إلى تكتيك جديد لخدمة أهدافه الاستراتيجية الثابتة في بناء الدولة والتمسك بقيادة الولي الفقيه الايراني المعصوم للتحضير لعودة الامام واكتمال ظهور الارادة الالهية التي تعطي النصر.

رفّع الحزب رجاله أبطالاً للوعد الصادق، وثبت جماهيره وأنصاره «أشرف الناس». فباتت مقاومة الحزب الاسلامية «فرقة ناجية» كاملة للتعبئة والاستعداد لتلبية «نداء الظهور» وتحقيق دولة العدل حتى دون فتح باب الانخراط في صفوفها المغلقة أصلاً على مواصفات حصرية محددة ونخبة مختارة. اما كل الآخرين خارج الفرقة الناجية والمختارة فهم رجس من عمال وعمل الشيطان ليجتنبوه.

وقد عكست خطب الأمين العام حسن نصرالله بعد حرب تموز 2006، وبعض قادته المحليين «اللبنانيين» والمجنسين، هذه الصورة الانتقائية الطليعية، التي نقلت المقاومة من وسيلة كفاحية مختارة بين مجموعة وسائل مختلفة ومتوفرة، إلى المستوى التقديسي الذي يمنع كل نقد أو تعديل أو حتى اجتهاد. وهكذا بات كل العالم من حولها إما مع المقاومة المقدسة وسلاحها المقدس وخياراتها المقدسة، أو مع العدو والشيطان الأكبر الأميركي او السرطان الإسرائيلي، وبقي بعض السذج والمنافقين والمنتفعين ينافقون ويتهمون الآخرين بتعطيل «الحوار».

وهنا نكتشف كيف ان حزب الله يعيش تناقضاً صارخاً، فمشروعه الاساسي بمقاومة إسرائيل يتعرض للتجاذبات الاقليمية بين إيران وإسرائيل وبين إيران والأنظمة العربية، وهو في مطلق الأحوال «يتبع» النبض الايراني وأوامره كلياً، فيتحوّل مشروع المقاومة الاسلامية نحو مشاريع أخرى داخلية أو اقليمية وربما أبعد.

وتحوّلت «المقاومة الاسلامية» إلى جيش دائم لحزب الله ونشأت المؤسسات التعليمية والتجارية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية الرديفة لمؤسسات الدولة اللبنانية. وباتت ايران من خلال انتماء الحزب إليها عقائدياً وسياسياً وعملانياً تملك جيشاً تابعاً لقيادة حرسها الثوري، يختبئ وراء قناع المقاومة لاحتلال زال ولكن مطامعه باقية تقتضي الحماية منها استمرار «الوجود» لجيش الاحتلال الايراني المقنع والذي بلغ مهارة صانع الأقنعة حد إيهام الكثيرين بأنه «مقاومة» تشارك الجيش والشعب بل تتقدمهما في حماية الوطن.

وبعد أن تعطلت الدولة بالفراغ الدستوري في مركز رئاسة الجمهورية، وجرفها مؤتمر «الدوحة» أكثر بتكريس المشاركة وفق مفهوم توافقي مشوه أدى عملياً الى امتلاك حزب الله حق النقض Veto على جميع قرارات مجلس الوزراء، مكرساً سقوط الدستور اللبناني خاصة مقدمته التي تنص ان «نظام الحكم ديموقراطي برلماني» ونص المادة 65 التي تحدد الصيغة اتخاذ القرارات بالتوافقية أولاً ثم التصويت الأكثري البسيط ليتحول بعد تعذرها إلى صيغة أكثرية استثنائية بالثلثين في بعض القضايا الأساسية المحددة نصاً. فالصيغة هي التصويت بالمبدأ والتوافقية أول مراحل التصويت وصيغة من صيغه وليست أبداً نظاماً سياسياً. لكن الحزب حرف ذلك وأصر على تطبيق هذه النظرية حتى بعد انتخابات 2009 حيث فاز تحالف 14 آذار بأكثرية مقاعد المجلس النيابي ومُنع من تشكيل الحكومة إلا بعد ان حصل حزب الله وحلفاؤه على الثلث الضامن (10+1) ليعطل كلياً حكومة سعد الحريري الأولى الثلاثينية. واختار الحزب وحلفاؤه الوزارات المطلوبة وسموا أسماء وزرائهم دون ترك اي حق لرئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء في الاختيار والتقدير.

وهذا أيضاً مخالف لنص الدستور وروحه التي تعطي لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء صلاحية تشكيل الحكومة وتوقيع مراسيم تعيين الوزراء، ويبقى للكتل السياسية أن تعبر عن عدم رضاها خلال مناقشة بيان الثقة في المجلس وتسقط الحكومة، إذا تمكنت، بالأكثرية النيابية.

ولم يتمخض النقاش الذي استمر طويلاً في مجلس الوزراء ولجنة صياغة البيان الوزاري، إلا بولادة بيان وزاري مفخخ ابتدع هرطقة دستورية مضافة إلى «إنجازات» الدوحة عندما تبنت الحكومة في بيانها الوزاري بدعة سياسية كيانية جديدة باعتماد مثلث «الشعب والجيش والمقاومة». فبات لبنان مع هذا البيان الوزاري العجيب والجديد قائماً على كيانات ثلاثة، اثنان منها، الشعب والجيش، مشتركان بين كل مكوناته السياسية والطائفية، أما الثالثة وهي المقاومة فينفرد بها حزب الله ويتصرف بها تصرف المالك بملكه نيابة عن إيران، غير ملزم حتى بعنايتها للأب الصالح. كما ان العلاقة التي تربط المقاومة من جهة بالجيش وبالشعب من جهة ثانية هي غير محددة، ومتروكة ربما لميزان القوة الذي يحتم هيمنة المقاومة على الجيش والشعب، ويكرس مستقبلاً هيمنة هذه المقاومة المسلحة على الوطن كله، خاصة بعد فشل «طاولة الحوار» و»قادة الحوار» في وضع قواعد تضبط هذه العلاقة ولو تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية التوافقية. كما ان عدم وضع هذه القواعد لضبط العلاقة يجعل الشعب أو ربما الشعوب اللبنانية، وفق قراءات أدق وفي أفضل الحالات، منقسماً بين الجيش والمقاومة. وهذا يعرّض الكيان اللبناني حتماً إلى الانقسام بين شعب وجيش من جهة، وشعب ومقاومة من جهة ثانية، لنصبح على وطنين وربما أكثر. ويزعم حزب الله أنه ضد التقسيم والفدرلة؟!.

هذا الانقسام الذي قد يتحقق عبر حزب الله وبسببه بعد ان عجزت عنه إسرائيل و»حلفاؤها» الكتائب (وفق توصيف حزب الله)، سوف يكون المبرر والذريعة والمساعد لقيام الدولة اليهودية ما دامت تجربة التعايش اللبنانية قد فشلت وأفشلت معها كل الدعوات العربية لبناء مجتمع قومي يوحّد ويجمع الأقليات الاثنية والمذهبية والثقافية العربية في كيان سياسي واحد. وعندما تنفجر المنطقة فلن يرثها الاسلام الثوري الايراني أو الاخواني بل الدول العنصرية ليبدأ الزحف نحو إسرائيل لتقليدها والإفادة من تجربتها وطلب دعمها، فيتحقق حلم إسرائيل بطبعته الجديدة في الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. هذه مساهمة بسيطة من مساهمات الولي الفقيه المخفية في خدمة الكيان الصهيوني المغتصب الذي يتظاهر بوصفه بالغدة السرطانية، ومن أجل اقتلاعها، لا بد من إلغاء الأوطان والقوميات والنظم المدنية، فنفيق غداً على دول دينية في طليعتها الدولة اليهودية. 

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت