لم يصدّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى مجموعة الأنشطة الضارّة التي أقدمت إيران على ارتكابها داخل البلد وخارجه في الشرق الأوسط. وعلى أيّ حال، إذا كان الوقوف في وجه إيران ومنع زعزعتها للاستقرار في المنطقة، واستمرارها في تطوير القذائف ذات القدرة النووية، أمرًا سهلًا لتمّ ذلك بالفعل، وعليه فإنّ تحقيق أهداف الرئيس سيتطلب مزيدًا من الجهد.
وجاء على رأس خطة الرئيس مُهِمّة إبطال أنشطة قوّات الحرس الثوري الإيراني لزعزعة الاستقرار في المنطقة (في سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان)، بالإضافة إلى مواجهة وكلائه هناك. وتُعَدّ تلك مُهِمّة ضخمة تحتاج إلى أن تُجَزَّأ إلى مراحل يمكن إدارتها والتحكم بها.
ويمكن القول إنّ الوضع أقلّ تعقيدًا في اليمن، إذ يقوم الحرس الثوري الإيراني بتزويد المتمردين الحوثيين بالصواريخ المضادة للسفن، بالإضافة إلى القوارب المتفجرة التي استُخدمت لاستهداف السفن السعودية والإماراتية، كما أنها شكّلت تهديدًا على السفن الأمريكية في محاولة منهم للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي. وقدّم الحرس الثوري الإيراني أيضًا القذائف الباليستية إلى الحوثيين الذين يهددون الحلفاء في شبه الجزيرة العربية، وزوّدوهم كذلك بالتكنولوجيا المطلوبة.
وكجزء من استراتيجية التصدي لأنشطة الحرس الثوري الإيراني، علينا أن نصرّح للإيرانيين والحوثيين بأن القوّات الجوّية والبحْرية الأمريكية في المنطقة، جنبًا إلى جنب مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي، ستمنع نقل الأسلحة من إيران إلى الحوثيين، كما أنها ستقضي على تهديداتهم المتمثلة في استخدام الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية ضد جيرانهم في المنطقة وعلى الممرات المائية الاستراتيجية قبالة الساحل اليمني.
ومن شأن هذه الإجراءات أن ترجّح كِفّة حلفاء الولايات المتحدة في حربهم البرّية ضد الحوثيين، كما أنهم سيحققون أهدافًا أخرى ذكرها الرئيس ترامب في قوله إنهم سيوقفون توسّع أنشطة الحرس الثوري الإيراني المزعزعة للاستقرار في ذلك الجزء من المنطقة، بالإضافة إلى أنهم سيعرقلون نقل الصواريخ إلى أحد حلفائها الرئيسيين.
لا يقتصر تهديد الحرس الثوري الإيراني على اليمن فحسب، إذ تشكّل أنشطته في سوريا على وجه الخصوص خطرًا جسيمًا على حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية، ولا يزال الحرس الثوري الإيراني مستمرًّا في بناء «جسر أرضيّ» هامّ استراتيجيًّا، إذ يربط هذا الجسر بين إيران وسوريا مارًّا بالعراق إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط، ومن شأن هذا الطريق أن يحسّن كثيرًا قدرة إيران على نقل القوّات والعتاد في حين مواصلة تعزيز نفوذها في المنطقة. وعلى الولايات المتحدة أن توضح للإيرانيين والروس والسوريين بأنها وحلفاءها مستعدّون لاتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة لوقف الحرس الثوري الإيراني ووكلائه من التحرك جنوب دير الزور باتجاه الحدود العراقية لاستكمال بناء هذا الجسر البرّي.
إنّ وجود الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في العراق على الحدود العراقية-السورية تحت ستار مناهضة تنظيم داعش يُعَدّ بمثابة المحاولة لاستكمال تشييد الجسر البرّي عبر المناطق ذات الغالبية السنّية. وفي حين يمثل الجيش العراقي القوة الشرعية للدفاع عن الحدود، يجب أن تأمر الحكومة العراقية كلًّا من الحرس الثوري الإيراني ووكلائه بالانسحاب، ويمكن للقوّات الأمريكية في العراق، بل وستسعد بهذا، تقديم الدعم للجيش العراقي للقضاء على وكلاء الحرس الثوري في المناطق الحدودية.
سيشكّل تضافر جهود الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الإجراءات المحدّدة في اليمن وسوريا والعراق أول محاولة جادّة لها لمواجهة أنشطة زعزعة الاستقرار التي يمارسها الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، والتي تنوّعت ما بين حروب أهلية وصراعات عدة صَعُبَ القضاء عليها طَوال ستّ سنوات مضت.
ستحتاج الحكومة الأمريكية وحلفاؤها في الوقت ذاته إلى قطع مصادر تمويل الحرس الثوري الإيراني، إذ يسيطر على نحو 500 شركة في إيران في مختلف القطاعات التي تدعم أنشطته المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ومن شأن اتهام الرئيس مؤخرًا للحرس الثوري الإيراني بتورّطه في عدة قضايا متعلقة بالإرهاب أن يسهّل جهود وزارة الخزانة الأمريكية لبناء تحالفات حاسمة في الغرب ضد تمويل الحرس الثوري الإيراني.
إنّ منع إيران عن ممارسة نشاطاتها النووية لا يتطلب فرض قيود طويلة المدى على مخزونها من اليورانيوم المخصَّب أو البلوتونيوم فحسب، بل بمنعها أيضًا من إنتاج وتخزين صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، كما يجب على واشنطن بناء تحالف جديد «3+1»، يتكون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لإجبار إيران على الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يحظر تطوير مثل هذه الصواريخ.
وبحسب ما يُملِي الواقع، سيقلل الإيرانيون من أنشطتهم الهجومية، وستكافئ الولايات المتحدة وحلفاؤها إيرانَ عن طريق مضاعفة فرص التجارة والاستثمار الهامّة لتنميتها. ولكن حتى ذلك الحين فإن إنفاذ سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران يُعَدّ أمرًا حاسمًا وجاء في الوقت المناسب، كما أنه سيحقق مصالحَ عُليا للولايات المتحدة وحلفائها.
*زميل زائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
المصدر| صحيفة «ذي هيل»
تـرجـمة| مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية