تقرير يكتبه: إبراهيم سليمان
نشأت المدارس العلمية الإمامية أو ما يسمى بالحوزات الشيعية، في فترة الخلافة العباسية، وكانت أولى هذه المدراس ببغداد، ويزعم الإمامية أن سبب ظهور المدارس الفقهية، وظاهرة المرجعيات الدينية هو«خلو الأرض من الإمام والحجة بسبب غيبة الإمامة الكبرى.»
والحوزة في اعتقادهم تقود المسلمين إلى شاطئ الأمن والسلام، حسب ما قال محمد الحسيني الشيرازي في منشوره تحت عنوان «نظام الحوزات العلمية».
ويمضي الشيرازي في قوله: "اللازم على هذه المؤسسة أن تقود الناس إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم، وقد فعل المعصومون ذلك، فكانوا أول المفسرين للقرآن الكريم"!!، بل ويزعم أن هؤلاء الأئمة يحيطون بكل العلوم الدينية والدنيوية.
ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك فهي لم تكن أبدا واحة للآمان والسلام ولم تكن حلقات خالصة لتلقي العلم فحسب، بل يشوبها الفساد والنزعات الطائفية والتحريض وتدبير المخططات والمؤامرات التي لم تقتصر على النيل من أهل السنة ورعاية فصائل الإرهاب الشيعية المتطرفة لسفك دماء الأبرياء منهم فحسب، بل امتدت إلى الانقسام والشقاق فيما بينها، صراع مادي ومعنوى على الحظوة والقوة والنفوذ والمكانة .
الإرتزاق في المراقد والمشاهد
و تقام الحوزة بجوار المشاهد والقبور والأضرحة والمراقد فعلى سبيل المثال، أقيمت الحوزة العلمية في النجف بجوار ما يعرف بمرقد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بينما توجد حوزة كربلاء بجوار ما يسميه الشيعة بمرقد الحسين بن علي رضى الله عنه، أما حوزة «قم» التي تعد من أشهر الحوزات فقد أقيمت في كنف ضريح فاطمة أخت الإمام علي بن موسى الرضى، أما حوزة سامراء فهي قريبة من ضريحي الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري.
ولعل السبب الأبرز في إقامة الحوزات بالقرب من مدافن من يعتبرونهم «أئمة وآل البيت» هو اعتقاد الشيعة في قدسية هذه الأماكن، وكثافة الزيارات التي تشد الرحال إليها، وما يصاحبه من حبس الأوقاف عليها، مما يعني وجود مورد مالي يدعم وجود واستمرارية هذه الحوزة أو تلك، و يؤمن لطلابها و أساتذتها مصدرا للارتزاق.
وتمويل المراجع الشيعية من أموال الخُمس التي يتبرع بها المريدون إضافة إلى تبرعات أثرياء الشيعة وأموال الأوقاف وتتناثر أقوال مفادها أن دخل الحوزة العلمية يصل إلى 600 ألف دولار يوميا.
بؤر مشبوهة
وتلعب الحوزات أدوارا مشبوهة وتتنافس الاثتنتان الأكبر في تقاسم أو تشارك هذا النشاط المحموم في عالم «التآمر الحوزوي» في النجف وقم وهي من الحوزات النشطة في الصراع الطائفي .
ففي الوقت الذي تقع فيه «قم» في قلب مجتمع شيعي خالص وترتبط بالناظم السياسي الإيراني بشكل مباشر، فضلا عن انفصالها مذهبيا عن العالم الإسلامي، في حين تمارس النجف أعمالها بجوار مجتمعات سنية.
وتبذل حوزة قم جهودا مكثفة في فرض التشيع على أهل السنة في إيران وخارجها، بينما تتكتم حوزة النجف انطلاقا من مبدأ التقية عن نشر المذهب الشيعي بالصورة الفجة التي تتخذها حوزة «قم».
تقوم تلك الحوزات بدور كبير لها في تأجيج نار الفتنة الطائفية يتمثل في: إمداد الفصائل الشيعية المختلفة بالمال والذي يعتبر في صورة «رشوة مقدسة» لجذب الميليشيات إلى الحوزة ليسهل السيطرة عليها و توجيهها بقدر الإمكان، ومحاولة توحيد الجماعات الشيعية تحت إستراتيجية واحدة وهو ما ينعكس في تكوين الائتلاف الشيعي الموحد وهو تجمع للأحزاب و الجماعات الشيعية المشاركة في العملية السياسية، ثم التحريض على ذبح من يسميهم الشيعة الروافض بـ«النواصب» أي أهل السنة.
الصراع «النجفي - القمي»
يمتد الصراع بين حوزتي النجف وقم إلي أوائل القرن العشرين، حيث كانت النجف قاعدة لنشر التشيع والعمل السياسي، ومرد ذلك إلى انتماء عشرات الآلاف من الطلبة إليها، فضلا عن أنها تضم أكثر من عشرين مدرسة ، كانت تتمتع بهذه المكانة في الوقت الذي أسسه فيه عبد الكريم الحائري حوزة قم .
وبدأ الصراع بين الحوزتين مع قيام الثورة المشروطة في إيران عام 1908 وما صاحبها من اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين الطلبة الإيرانيين والمجتهدين العراقيين بالنجف حول تأييد الثورة من عدمه.
وعلي الجانب الأخر كانت حوزة قم تواصل صعودها كمركز ديني شيعي للإيرانيين بعد ما هاجر إليها الشيخ عبد الكريم الحائري عام 1920 ودعوته للطلبة في العراق للرحيل إليها ، في حين تعزز موقعها أكثر عام 1946 بانتقال القيادة الدينية من النجف إليها بعد وفاة أبي الحسن الأصفهاني وظهور حسين بروجروي بوصفه مرجع التقليد الوحيد وحتي وفاته عام 1961 ،وكان خلال هذه الفترة هو المحرك الرئيسى للنشاط الأكاديمي في مدراس العراق ومن خلال وكيله الشيخ نصر الله خلخالي وهوما انتقص من مركز المجتهدين الكبار في العراق وتسبب في إنتكاسة لشهرة مدارسهم حيث وصل عدد طلاب مدينة قم إلي أكثر من 50 ألف طالباً عام 1985 ، بينما لم يتجاوز عدد الطلاب بالنجف يتجاوز 150 طالباً فقط ووصلت مكانة قم وحوزتها إلي القمة لدي الشيعة بعد نجاح الثورة في إيران عام 1979 وإرساءها لمعالم الدولة الشيعية حيث جذبت إليها الأضواء مع كثافة وجود مراجع التقليد فيها وبسبب الفتاوي السياسية والدينية التي ألهب بها أئمتها حماس الشيعة ، هذا بالإضافة لوجود الإمام الخومنئي كولي فقيه في وقت كانت تعاني فيه النجف الأشرف من إضطهاد.. غيرأن هذه المكانة الروحية لحوزة قم باتت مهددة بعد عودة النجف لممارسة بعض من أدوارها الروحية والسياسية والدينية وهو ما يشير لاحتدام الصراع بين المدنيين وإن رفضت الإقرار بوجوده أو الافصاح عنه .
خريطة النفوذ
تضم المناطق «الحوزوية» الأكثر تأثيرا ونفوذا لدى الشيعة بكافة أطيافهم سواء من العلماء أو المتطرفين الطائفيين أو الجهلاء سواء بسواء ولعل أشهر حوزات الروافض تقع في :
النجف
أنشأت على يد محمد بن الحسن الطوسي الذي فر من بغداد عام 448 هجرية، واختار الإقامة بالنجف، حيث توجه العلماء وطلاب العلم بالمئات والآلاف لتشكل بهم الجامعة العملية الدينة الأولى للشيعة الإمامية على الإطلاق ثم أصبحت بمثابة المركز العملي للتشيع حتى القرن السادس الهجري، ولكن مع ظهور محمد بن إدريس الحلي في القرن السادس الهجري في الحلة ضعف الإشعاع العلمي والفكري للحوزة النجفية وانتقلت الزعامة إلى مدينة الحلة، إلى أن تمكن المحقق الأردبيلي من إعادة الريادة للمدرسة النجفية. وقد ابتليت الحوزة النجفية كسائر الحوزات الشيعية في العقد الرابع من القرن الحادي عشر بظهور المدرسة الإخبارية إلى أن تمكن العلامة بحر العلوم وتلامذة الوحيد البهبهاني من بث الروح العلمية في الحوزة النجفية وإعادة النشاط الأصولي فيها لتتحول إلى أهم جامعة دينية في تاريخ الطائفة الإمامية .
قم
من أشهر المدن الإيرانية وأعرقها، وهي من أهم مدن الشيعة الإمامية على الإطلاق، وكان لها أكبر الأثر في تطوير صياغة الفقه الشيعي، ويعود تاريخ حوزتها إلى النصف الأول من القرن الثاني على أثر هجرة الأشعريين إليها، وقد تألق نجم الحوزة القمية بعد الغيبة الكبرى في القرنين الثالث والرابع الهجريين، إلا أن حركتها العلمية ضعفت بظهور مدرستي الري وبغداد في القرن الخامس الهجري، ووصلت إلى مرحلة الانحلال والاندثار بعد هجوم المغول سنة 621 هـ ، وبقيت حالة الركود هي السائدة في المدرسة القمية حتى قدوم الشيخ عبد الكريم الحائري سنة 1300 شمسي1921م حيث تمكن من إحيائها وإنشاء مدرسة علمية جديدة، وكان لقدوم البروجردي بعد ذلك الدور الكبير في انتعاش المدرسة القمية.
خراسان
هي ثاني حوزة علمية في ايران من حيث الأهمية بعد المدرسة القمية، و يوجد فيها ما يزيد على أربعين حلقة درس على مستوى أبحاث الخارج وأكثر من 400 حلقة على مستوى السطوح، وهي تشرف على جميع الحوزات العلمية في كل من خراسان الرضوية وخراسان الجنوبية والشمالية.
أصفهان
إحدى مدن إيران وعاصمة الدولة الصفوية في أوائل القرن السابع الميلادي، وترتبط هذه الحوزة بالدولة الصفوية ارتباطا وثيقا.
كربلاء
ازدهرت كربلاء في عهد البويهيين في مطلع القرن الرابع الهجري، حيث كان لدى الحكام انتماءات شيعية قوية، فهم أول من اهتم بتشييد أرض كربلاء و خلق حركة علمية وفكرية فيها.
الكاظمية
بها مدفن موسى الكاظم، سابع أئمة الشيعة الإمامية الاثنى عشرة، ومدفن محمود الجواد تاسع أئمتهم، ومن ثم حظيت بتقديس الإمامية الاثني عشرية.
سامراء
يطلق عليها سر من رأى، ولم تظهر فيها معاهد أو حوزة دينية إلا في سنة 1291 هجرية، على يد الشيرازي.
مشهد
تعتبر الحوزة العلمية في مدينة مشهد والتي بها مدفن الرضا، ثانية جامعتين دينيتن كبيرتين في إيران، أولاهما الجامعة الكبرى في مدينة قم.
الحلة
تأسست بيد حكومة بني مزيد الشيعية في القرن الخامس الهجري. وكانت من أهم الحوزات الشيعية في أواسط القرن السادس وطوال القرنين السابع والثامن.
جبل عامل
تطلق عنوان حوزة جبل عامل العلمية علي مجموعة من المراكز العلمية و التعليمية الشيعية في بعض مدن و قري جبل عامل في لبنان من منتصف القرن الثامن إلي منتصف القرن العاشر.
التأهيل الرافضي
تنتهج الحوزات في نظامها التعليمي نظامين، الأول إلزامي نظامي ويتجسد في الدراسة الابتدائية حتى الجامعية، والثاني وهو الدراسة الحرة مثلما كانت الحوزات العلمية قبل أكثر من نصف قرن.
وتقوم الحوزة على دعامتين وهما: الفقيه المرجع المجتهد، والأساتذة والعلماء والطلاب، وترتبط بهم الأمور القيادية والسياسية والتنفيذية والفتاوى الشرعية، فهي وظيفة الفقهاء والمراجع العليا ممن تتوفر فيهم القدرة والإحاطة بجميع هذه العلوم والمعارف خصوصاً من لهم أتباع ومقلدون في أنحاء العالم كالمراجع العليا للطائفة .
أما الدعامة الثانية وهي الدراسة المنهجية وتنقسم إلى ثلاثة مراحل :
الأولى: دراسة المقدمات وتقوم مقام الدور الابتدائي في الأنظمة التربوية.
الثانية: دراسة السطوح وتقوم مقام الدور المتوسط.
الثالثة: دراسة الخارج، مايطلق عليه بحث الخارج، وتقوم مقام الدراسات العالية.