<< أبو الحسن بني صدر: «الخميني» رفع شعار «الموت لأمريكا» وأسس للتطبيع مع «واشنطن وتل أبيب»
>> «الملالي» يقدسون المتغرطس.. ورسّخوا لـ «الاستبداد الديني»
>> «الحرس الثوري» وصل لمرحلة الخطر ولا سبيل أمام أية إصلاحات سياسية في إيران بدون القضاء عليه
>> المرأة وضعها أسوأ في ظل نظام «ولاية الفقيه» وينظر إليها بـ «نظرة دونية»
>> الدول الغربية تتعامل مع التيارات السياسية الإيرانية وتقسمها إلى إصلاحي ويميني لوجود ذريعة للتعامل مع تلك القوى وتبرير العلاقات بينها
مروان محمود
يواصل أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد الثورة، في الحلقة الثانية من شهادته على فترة تاريخية فاصلة في تاريخ إيران منذ الإطاحة بحكم الشاه وتولي الخميني مقاليد السلطة في عام 1979.
استعرضت الحلقة الأولى من المذكرات والشهادات التي نشرتها «إيران بوست» في عددها السابق ما سجله وكتبه «بني صدر» في شهادته على الأحداث ضمن مجموعة من الكتب التي حملت توقيعه منها كتاب بعنوان «دوري لأتكلم» و«خيانة الأمل» و«مؤامرة آية الله»، فضلاً عن إجرائه عدداً من اللقاءات في وسائل الإعلام متحدثاً عن ذكرياته بعد سنوات طويلة من الصمت، لفضح «نظام الملالي» وكشف أسرار و«سوءات» نظام الخمينى التي كان شاهداً عليها.
تستكمل الحلقة الثانية مسيرة الرئيس الإيرانى المعزول «بني صدر» في واحدة من أخطر القضايا التي مازالت تشكل لغزاً في النظام الذي أسسه « الخميني»، وهي التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية أو ما أطلق عليه الخميني بـ «الشيطان الأكبر»، وإسرائيل «الشيطان الأصغر» من خلال ما عرف إعلاميا بـ «أزمة الرهائن» وفضيحة «ووتر جيت»، ففي الوقت الذي رفع فيه «الخميني» شعار «الموت لأمريكا» واستمر من خلفه في السلطة للاستخدام السياسي لهذا الشعار عقد «الملالي» العديد من الاتفاقيات السرية.
يؤكد «بني صدر» أن السبب وراء حبه لـ «الخميني» في بداية معرفته به وقبل الكشف عن وجهه الديكتاتوري فيما بعد، أن «الخميني» وقف في وجه الشاه الذي سلب الحريات من الشعب، ودفعه ذلك إلى المشاركة في التظاهرات المناوئة للشاه ضمن الحركات الطلابية في مطلع الستينات، حيث سجن مرتين، ثم فر إلى فرنسا وانضم إلى مجموعة المقاومة الإيرانية بقيادة الخميني، وعاد إلى إيران مع الخميني في أيام الثورة وشغل مناصب وزارية عدة حتى انتخب رئيساً للبلاد لأربع سنوات في يناير 1980.
أسباب «الانقلاب الزاحف»
كشف «بني صدر» عن أن مجلس الشورى الإيراني بإيعاز من «الخميني» أصدر حكماً بعدم أهليته في رئاسة البلاد، معتبراً بأن تلك الخطوة كانت انقلاباً على السلطة بأمر من الخميني مضيفاً: «كنت احترم حقوق الشعب» ولكنهم زيفوا الحقائق كالعادة.
اتهم بني صدر «الملالى» بأنهم طرحوا 9 أسباب لإقالته من السلطة عام 1981 من أبرزها أنه يدعو إلى حقوق الإنسان وهى دعاوى غربية وفقا لرؤيتهم، ومعارضة نظام «ولاية الفقيه»، والوقوف في وجه الخميني، ودعوته إلى الديمقطراطية، ورد على تلك الاتهامات قائلا: «كنت أرى أنني أدعو إلى حقوق الإنسان والتي هي في الأصل وردت في القرآن ولكن الغرب حتى عندما طبقها قام بتطبيقها بشكل ناقص وليس كاملا».
«الملالي».. يقدسون المتغرطس
هذه الاتهامات بررها «بني صدر» بأنها لم تكن سوى عبادة شخص وهو «الخميني» المتغطرس والذى سعى نظام الملالي إلى تقدسيه أو كما قال هو: «كانوا يقدسون المتغطرس ولازلوا كذلك حتى يومنا هذا».
من بين الاتهامات التي وجهت إلى بني صدر كانت «الخيانة» لعدم ايصاله الإمدادات إلى «الحرس الثوري الإيرانى» والذي كان في بداية تكوينه يقول بني صدر: «في بداية الحرب «الإيرانية - العراقية» طلبوا مني إمداد الحرس الثوري بالسلاح، ولكني قلت إنه ليس من مهام الحرس الثورى ذلك فماذا عن الجيش الذي يحارب على الحدود ونحن نعاني من أزمة في السلاح والعتاد أيهما أولى لتوفير السلاح له».
بني صدر يضيف من بين الأسباب عدم دعمه للحرس الثوري أن المنضمين إليه لم يعرفوا أساليب الحرب حتى نقدم له السلاح، «يكشف سراً أكثر خطورة بأنه ثبت له فيما بعد بأن الهدف كان من وراء مطالبهم له بدعم الحرس الثوري ودعمه الرغبة في تشكيل قوة عسكرية كبيرة تساعدهم في ثبيت أركانهم في السلطة فيما بعد».
مخاوف «بني صدر بعد سنوات عديدة جاءت في محلها وبحسب ما قاله فإن الحرس الثوري تحول اليوم داخل إيران إلى حزب سياسي، وهو يهمين ويسطير على البلاد والعباد في الداخل الإيراني وأصبح يشكل خطراً على استقلال البلاد حالياً».
هروب.. بطعم العزة وليس الذل
«بني صدر» فضح نظام الملالى بعد سنوات طويلة من تشويه صورته بالترويج إعلاميا بأن هروبه جاء وفق سيناريو فيلم سينمائي، وأنه ارتدى «ملابس النساء» بينما يقول هو عن نفسه: «اختفيت طوال أسابيع من قبل مجلس إيران، بعد إدانتي بتهمة التحرك ضد رجال الدين في السلطة، وعلى وجه التحديد محمد بهشتي، رئيس النظام القضائي في ذلك الحين، وهربت في 10 يوليو 1981».
ودافع عن نفسه وقال أنه لم يرتدي ملابس نساء وأنه ارتدى زي القوات الجوية الإيرانية، وصعد إلى طائرة بوينج 707 يقودها الكولونل مهزاد معزي، واتبعت الطائرة مساراً قريباً من الحدود التركية قبل الالتفاف ودخول المجال الجوي التركي، حيث لم تستطع الطائرات الإيرانية تعقبها، ثم غادر «بني صدر» بعد ذلك تركيا إلى باريس، فرنسا، بصحبة «مسعود رجوي»، الزعيم السابق لمجاهدي خلق.
فسر «بنى صدر» أسباب ترويج تلك الإشاعات تفسيراً منطقيا فيقول: «أقول لكم إن من يقوم بتلفيق الكذب وفقاً لطريقة تفكيره هو، وللأسف رجال الدين تعلموا من الفلسفة اليونانية بأن المرأة هي أقل شأناً من الرجل وأشعر أن المرأة في إيران وضعها أسوأ في ظل نظام الملالي وينظر إليها بنظرة دونية».
بحسب «بنى صدر» فإنه خرج من إيران مرتدياً زياً عسكرياً والزي العسكري هو زي الشرف وزي المرأة يشكل زي الذل في نظر رجال الملالي، يقول بني صدر: «عندما سمعت ذلك فيما بعد قلت لو تطلب الأمر لكنت ارتديت زي إمرأة لأنه في نظري يدعو ذلك إلى الفخر وليس الذل، ولكن هذا لم يحدث لأننا خرجنا من قاعدة عسكرية ودخلتها وأنا أرتدي زي القوات الجوية آنذاك».
يرى بني صدر أن رجال الملالي لفقوا تلك القصة قطعاً، ودلل على ذلك بأنه وبعد مرور السنوات شهدت إيران ما أطلق عليه «الحركة الخضراء» اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية، وألقوا القبض على أحد الشباب من الحركة الطلابية وقالوا في وسائل الإعلام «أنه كان يرتدي زي النساء عند اعتقاله»، ولكن الغريب والمثير في الأمر أن هذا الشاب نظمت حملة كبيرة للتضامن معه حيث تظاهر الشباب وقاموا بارتداء ملابس النساء، وهو ما دعا نظام «ولاية الفقيه» لإنهاء تلك القصة ولم نسمع بعدها عن إلقاء القبض على معارضين في زي نساء».
الربيع العربى ..والبديل
انضم «بنى صدر» بعد مغادرة إيران إلى «حركة المقاومة» الإيرانية في الخارج وكان عضوا بها، وهو مايزال يرى حتى الآن إنه إذا أرادنا التغيير في إيران علينا أن نقدم البديل الذي يقدم ويحقق أهداف الثورة التي طالب بها الإيرانيون في 1979 قبل أن يسرقها الخميني ونظام الملالي".
يقول «بنى صدر» أن الربيع العربي أكد بأن الحاجة إلى بديل يحتاج إلى عمل لتكون بديلا للأنظمة التي سقطت حتى لا تعود وتسقط تحت ظل رجال أكثر ديكتاتورية.
ويضيف بأن "الثورة الإسلامية تعني ثورة في الإسلام الذي أصبح بفضل ممارسات بعض رجال الدين غريبا وتحول إلى وسيلة للوصول إلى السلطة وديناً لفرض الغطرسة".
بني صدر يدعو إلى ما يسميه "عودة الإسلام إلى أصله ليكون دينا للحقوق وهذه هي السياسية التحريرية التي تستند عليها جريدة «الثورة الإسلامية في المهجر» التي يصدرها من باريس إضافة إلى برنامج تلفزيوني وآخر إذاعي أسبوعي يخاطب من خلالهما الشعب الإيراني حتى اليوم".
ينتقد بني صدر نظام ولاية الفقيه ويرى أن "الدين أسلوب حياة وليس أسلوباً يفرض بالقوة على الناس، لأن السلطة لا يحق لها التدخل في الدين وهو عكس ما يقوم به رجال الملالي حالياً في إيران".
يكشف بني صدر عن حقيقة يقوم بها رجال السلطة في إيران وأزمة كانت بداية خلاف كبير في بداية قربه من الخميني عندما شغلت بال الكثيرين فكرة تصدير الثورة الإسلامية فرجال الدين كانوا يرون أنها واجب والتزام ديني بيمنا كان يرى هو أن جميع الثورات تقوم بتصدير نفسها بشكل صحيح من خلال مجموعة الأهداف والأساليب التي تحققها".
يقول بني صدر "الثورة الإيرانية عرضت أسلوباً جديداً فهي كانت حركة لجميع أبناء الشعب، والثورات تصدر بشكل تلقائي ثم هناك قيم مثل الحرية وحقوق الإنسان، لذلك كان موضوع «تصدير الثورة» أهم خلاف بيني وبين رجال الدين".
يواصل بني صدر شهادته ويقول رجال الدين يرون أننا يجب أن نقدم الدعم العسكري للحركات في العالم وكنت أقول لهم أن ذلك لا يمكن، ولكنهم في البداية بدأوا بتشكيل مركز لدعم حركات التحرر ثم تحول إلى مركز «قوات قدس»، وما فعلوه كان يمثل ثورة مضادة، فالثورة لا يمكن تصديرها بالسلاح، وإنما تصدر بالأهداف والإنجازات".
أزمة الرهائن.. بداية التعاون مع «الشيطان الأكبر»
بعد أيام قليلة من الثورة الإيرانية اقتحمت مجموعة من الطلاب السفارة الأمريكية في إيران دعماً للثورة واحتجزوا 52 أميركياً من سكان السفارة كرهائن لمدة 444 يوم من 4 نوفمبر 1979 حتي 20 يناير 1981.
فشلت محاولات الولايات المتحدة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن وقامت بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 إبريل 1980 ولكنها فشلت وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد.
فيما بعد انتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاقات الجزائر في الجزائر يوم 19 يناير 1981، وأفرج عن الرهائن رسميا في اليوم التالي، بعد دقائق من أداء الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريجان اليمين.
يكشف بني صدر أسراراً جديدة في تلك الأزمة والتي كانت سبباً في هزيمة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه رونالد ريجان، و بينما عززت الأزمة من وضع الخميني للاستحواذ على السلطة، وبداية علاقة وثيقة مع الأمريكان على عكس ما روج له وقتها بأن الأزمة كانت بداية فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران.
يواصل بني صدر حديثة بأنه تحمل مسؤولية هذا الملف وإنهاء الأزمة ونقل عن الخميني قوله: "أن هذ الأمر سوف ينتهي بحلول من 3 إلى 4 أيام وأن الأمر مجرد احتجاز وأنه يرى أن ذلك بمثابة ثورة ثانية".
ويعتقد بني صدر بأن الطلاب قاموا باقتحام السفارة الأمريكية في طهران ثم أخبروا الخميني بما قاموا به فوافق عليه الخميني ولم يعترض بل دعم هذا الفعل".
ولكن ما يذكره بني صدر يثير كثير من علامات الاستفهام من الطبيعي أن يكون هذا موقف الخميني وجماعته ولكن ما أثار انتباهه كما يقول أنه: "في كل يوم كنا نحاول إيجاد حل وإنهاء الأزمة كانت تصدر من الإدارة الأمريكية أفعال كانت تتسبب في إعاقة حل الأزمة وتعقيدها دون تسويتها وحدث ذلك نحو 25 مرة"، وبالتالي يطرح ذلك سؤالاً: لماذا عندما كنت اقترب من إنهاء تلك الأزمة تقوم أمريكا بهذا الفعل ووضع العراقيل، وهنا أشير إلى موقف ذات مرة سافرت إلى فرنسا والتقيت مسؤول وباحث أمريكيين للحديث عن أزمة الرهائن "ثم ألف هذا الباحث كتابا بشأن الأزمة تضمن مواقف شخصيات مثل هنري كسينجر، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، واستعرض في هذا الكتاب مساعي الولايات المتحدة الأمريكية تجميد الأموال الإيرانية في «بنك تشيز مانهتن» - ثالث أكبر مؤسسة مصرفية قابضة في الولايات المتحدة - ثم تحول الأمر فيما بعد إلى أزمة اختطاف الرهائن في السفارة، وكيف تحول تنفيذ تلك العملية بيد الطلبة ويكشف كيف تحول من مشروع خطط له في الولايات المتحدة ثم نفذ بيد مجموعة من الطلبة الإيرانيين.
يكشف بني صدر حقائق جديدة ويقول: "قبل أزمة الرهائن جرى الحديث داخل حزب «الجمهورية الإسلامية» عن خطف رهائن حيث لم يكن الأمر معروف آنذاك، لكن هذا ما حدث بعدها بأيام".
يدلل بني صدر في شهادته واتهامه لعدد من المسؤولين من رجال الخميني بأنهم كان على اتصال مع الأميركيين في أزمة الرهائن ويقول: "بعد سنوات عديدة وخلال إحدى الانتخابات الإيرانية السابقة إبان الانتفاضة الأخيرة اتهم مسؤولان إيرانيان أحداهما كان يعمل في جهاز «السافاك», مير حسين موسوي, رئيس وزراء ووزير خارجية إيران الأسبق والذي شغل منصب رئيس الوزراء طيلة الحرب العراقية الإيرانية وفترة رئاسة علي خامنئي، وكان آخر رئيس وزراء إيراني حيث تم إلغاء هذا المنصب بعده، بأنه عميل للولايات المتحدة.
يواصل بني صدر في شهادته ويؤكد بأن الهدف من إعاقة إنهاء أزمة الرهائن هو الإطاحة بي والرئيس جيمي كارتر، ومن شارك في تلك العملية إضافة إلى الخميني ورجاله رونالد ريجان ، حيث شهدت أمريكا أزمة بعد الخروج من حرب فيتنام، واستقوى قوى اليمين التي رأت أن ذلك شكّل خطرا عليهم وأيدوا التدخل الأمريكى في العالم.
يتابع بني صدر ويقول: "بعد أحداث الثورة الإيرانية بدأ «ريجان» في تحضير نفسه للانتخابات، وفي تلك الفترة سعى هو وفريقه إلى عدم إنهاء الأزمة إلا بعد الانتخابات، على أمل أن تكون سبباً في عدم فوز منافسه «كارتر» بتلك الانتخابات وهو ما يساعد على نشر العقيدة السياسية التي يتبناها «ريجان» وتيار اليمين الذي يمثله الحزب الجمهوري.
مفاجأة جديدة يكشفها بني صدر حيث يقول: "قاما مساعدان لريجان بالاتصال بأحد المستشارين العاملين معي كان يقيم في ألمانيا بهدف إنهاء الأزمة ولكني رفضت قطعاً. ويستطرد: "في ذلك الوقت التقوا هؤلاء الأميركيين وفتحوا قناة اتصال مع ابن أخو الخميني ليخبروه بإنهاء أزمة الرهائن فاتصل بي وقال لي مستشاري: "إذا لم تتواصلوا مع مجموعة «ريجان بوش» فإنهم سوف يتواصلون مع المنافسين لكم وهذا ما تم بالفعل".
يتابع بني صدر: "بحلول 19 أو 20 أكتوبر 1980 تم التوصل لاتفاق لتحرير الرهائن مع مجموعة الخميني و«ريجان بوش» وهو ما أطلق عليه فيما بعد «مفاجأة أكتوير».
كانت الصفقة تقتضي بتأخير إطلاق سراح الرهائن حتى إعلان فوز «ريجان»، علم بني صدر بما جرى أو كما يقول في شهادته: "قبل التوصل إلى الاتفاق بين جماعة الخميني وجماعة «ريجان- بوش» تحدث السيد محمد بهشتي - أحد مؤسسي الحزب الجمهوري الإسلامي، وكان رئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الثورة الإسلامية ومجلس الخبراء، و كان ثاني أقوى الشخصيات في الثورة بعد آية الله الخميني آنذاك- مع أقربائه إلى أنه سوف يستخدم الرهائن ضد «كارتر» و «بني صدر».
يقول بني صدر استخدامهم ضد «كارتر» مسألة واضحة فإنه في ظل عدم الاتفاق مع معسكر «ريجان بوش» لا يمكن استخدام تلك الأزمة لأن العراق قد شنت الحرب على العراق في ذلك الوقت وصدرت تصريحات من هاشمي رفسجاني وعلى راجعى الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة آنذاك مفادها أن إيران ليست في حاجة إلى السلاح الأمريكي في وقت كانت إيران تخوض الحرب، وأبرموا في نفس الوقت اتفاقا مع «ريجان بوش» في الخارج وفي الداخل قاموا بعمل انقلاب عليَّ وسميته بـ «الانقلاب الزاحف».
لم تخجل جماعة الخميني من الاعتراف بالدخول في صفقة مع الأميركان حيث وفقاً لما ذكره بني صدر فإن "نجل الخميني قال له بحضور والده: «سيد بني صدر أنت لديك عيب».. فقمت بالرد عليه وقلت: وما هو؟!.. فواصل حديثه: "أنت لا تستسلم أبدا، ولكننا أدرنا اتفاقاً مع «الشيطان الأكبر» وجماعة «ريجان بوش» ولكن الأزمة انتهت الآن وغادر الرهائن البلاد ولكن الإمام - الخميني - يصر على أنه يجب ألا نتعاون معهم".
يقول «بني صدر» حتى تلك الفترة لم أكن أعلم أن للخميني يداً بالموضوع ، رغم أن المسؤولين يقولون أن أي شىء كان يحصل بعلمه وبموافقته، ولكن هذا الموقف وما قاله نجله في حضوره أكد لي أنه بالفعل كان هو المحرك الرئيس في كل شىء".
يواصل بني صدر "كان هذا اليوم أسود يوم في حياتي، حيث أنني لم أكن أتصور يوماً أن هذا الشخص قام بالمساومة على الاستقلال، وها هو نجله يؤكد علمه بالصفقة التي تمت في باريس".
التطبيع الخفي بين «واشنطن- طهران»
بعد نحو 30 عاماً فضح «بنى صدر» العلاقة العضوية بين أمريكا وإيران
ويقول: "لو لم تكن للخميني علاقات سرية مع أمريكا في أزمة الرهائن، ولو لم يكن لدينا سلاح كافي لمواصلة الحرب مع العراق لمدة 8 سنوات بدون الحصول على السلاح من أمريكا وإسرائيل لما استمر نظام ولاية الفقيه".
ويضيف "منذ ذلك اليوم وحتى الآن تستمر العلاقة بين إيران وأمريكا والتى بدورها حتى اليوم تشكل المحور الأساسي للسياسات الداخلية لإيران ".
بعد تلك السنوات سافر بني صدر إلى واشنطن بعد أن تلقى دعوتين من مجلسي الشيوخ والنواب للحديث عن ما عرف بصفقة «مفاجأة أكتوبر» ويقول: "شكلوا لجنة تحقيق وفي النهاية كان قرارها أننا لا ننكر وجود تلك الصفقة ولكن ليس هناك وثائق، ولكنه فيما بعد توفرت تلك الوثائق ولكنهم حجبوا كثيرا منها".
من بين الوثائق التي لم تتطرق لها لجنة التحقيق تقرير «كى جى بى» الاستخبارات الروسية، ولكنه بعدها بسنوات حصلوا على وثيقة في مكتب الرئيس الأمريكى الأسبق «بوش الأب» كانت خطاب مرسل من السفارة الأمريكية في مدريد إلى الخارجية الأمريكية ذكر فيه أن السيد كيسى الذي تفاوض مع نجل الخميني لإتمام صفقة الإفراج عن الرهائن كان في تلك الفترة في مدريد".
يتعجب بني صدر من خطابات «المعممين» وتصريحات المسؤولين والسخرية من الولايات المتحدة عند كل حدث سياسي ويقول: "بعد 30 سنة من قيام الثورة في إيران ووصول الملالي للسلطة مازال التقارب بين الولايات المتحدة وإيران قائم إلى يومنا هذا مدللاً على ذلك بالاتفاق النووى".
يفسر بني صدر ذلك التقارب وفق سيناريو معروف فهناك تطبيع في العلاقات بين الجانبين ولا أحد ينكره حيث النظام الإيراني منذ الثورة تكون استراتجيته «المواجهة المعلنة والاتفاقيات السرية في الخفاء» ويدلل بذلك التعاون السري في أفغانستان".
بحسب بني صدر فإن الدول الغربية تتعامل مع التيارات السياسية الإيرانية وتقسمها إلى إصلاحي ويميني بدعوى وجود ذرائع للتعامل مع تلك القوى وتبرير العلاقات بينها ولكن هذا غير صحيح إيران هي نظام ولاية الفقيه المطلق".
لماذا: استمر الخميني فى الحرب؟!
يروى «بنى صدر» بأن إيران وقّعت مع الأمريكان فى عهد الشاه صفقة أسلحة تشمل طائرات وقطع غيار، وكان على الأمريكان تسليمها للسلطة بعد الثورة الإيرانية، ولكن الأمريكان لم يفعلوا ذلك، ولكن ما أثار انتباه بني صدر أيضا وكان من الغريب بالنسبة له كما يقول "أن الخميني وجماعته لم يقوموا بالتفاوض عليها ضمن صفقة الرهائن مع كارتر".
ويضيف عقب ذلك تم الكشف عن وجود صفقة سرية بين الخميني و «جماعة ريجان بوش " بأنه فور وصول ريجان للسلطة سوف يتم توريد أسلحة أمريكية إلى إيران وهو ما أدى إلى فضيحة دولية كبرى أطلق عليها فيما بعد «إيران جيت» كانت سببا فى الإطاحة بإدارة ريجان.
فى كتابه «دوري لأتحدث.. إيران الثورة والصفقات السرية مع الولايات المتحدة» كتب بني صدر بأنه توقع إبان تلك الأزمة أن «ريجان» سوف يحل محل «كارتر» في حال تأخر إطلاق سراح الرهائن، وصدام حسين سوف ينتهي مصيره ويترك السلطة بسبب إطالة فترة الحرب، ولكن الملالي ورجال الدين هم الذين سوف يربحون من تلك الأزمة " والغريب أن ذلك حدث فيما بعد كما توقعه.
بحسب لجنة تاور وجلسات الاستماع في الكونجرس الأمريكى، وفي شهادته ذكر العقيد نورث أنه تواصل مع تجار أسلحة بريطانيين لترتيب إرسال شحنات من الصواريخ إلى إيران، وأن الرئيس «ريجان» أمرنا بالإطاحة بصدام حسين".
يقول بني صدر "مع الشهر الرابع للحرب اكتشفنا أن العراقيين لن يستيطعوا المقاومة، وأنهم فشلوا في مواصلة الحرب، فطلبوا عقد سلام لإنهائها فطلب مني الخميني بالموافقة، ولكنه انقلب عليّ فيما بعد وقرر مواصلة الحرب.
لاحقا تحدث الآن كلارك وزير الدفاع البريطاني السابق في حكومة مارجريت تاتشر وقال أمام محكمة «إيران جيت»: "استمرار الحرب بين إيران والعراق كانت في مصلحة إنجلترا والغرب".
طرح بني صدر سؤالا مفاده: لماذا استمر الخميني في الحرب؟! ويجيب بأنه لولا استمرار تلك الحرب، وأزمة الرهائن لكان من الصعب فرض نظام الملالي سيطرتهم على الحكم في إيران"، أو كما نشر في تحذير له في 12 يونيو 1981 بأن الهدف الأول من الانقلاب عليه هو مواصلة الحرب، والقضاء على جيل الثورة"، وهو يرى أن الحزب السياسي المسلح «الحرس الثوري» وصل لمرحلة الخطر وأنه في حال عدم إدخال تعديلات على نشاطه فإنه لا سبيل أمام أية إصلاحات سياسية في إيران.
أزمة الرهائن
* أزمة دبلوماسية حدثت بين إيران والولايات المتحدة عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب في إيران السفارة الأمريكية بها دعما للثورة الإيرانية واحتجزوا 52 أميركياً من سكان السفارة كرهائن لمدة 444 يوم من 4 نوفمبر 1979 حتي 20 يناير 1981
* قامت الولايات المتحدة بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 إبريل 1980 ولكنها فشلت وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد.
*انتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاقات الجزائر في الجزائر يوم 19 يناير 1981.
*أفرج عن الرهائن رسميا في اليوم التالي، بعد دقائق من أداء الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريجان اليمين.
* الأزمة كانت سببا في هزيمة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية، وفي إيران، عززت الأزمة من وضع الخميني .