<< استقلال إقليم كردستان سيشجع 12 مليونا من الأكراد الإيرانيين على المطالبة بحقوقهم المستلبة
<< المراقبون: الاستقلال سيثير النزعة القومية في «كردستان إيران» التي تشترك في حدود طويلة مع الإقليم العراقي
<< «معهد واشنطن» للدراسات: طهران تعتبر قيام دولة كردية سنية في العراق «كارثة استراتيجية» بمعنى الكلمة
تقرير – أشرف إسماعيل
يحضر «شبح إيران» بقوة في مسألة استقلال إقليم كردستان العراق، ولا تكف طهران عن التعبير عن رفضها الجازم لهذا الاستقلال المتوقع بعد الاستفتاء الأخير.
ويؤكد المراقبون السياسيون أن استقلال إقليم «كردستان»، حال سماح العراق وتركيا وإيران بتحققه، من شأنه أن يضرب «الهلال الشيعي» الذي تسعى طهران إلى تشكيله في مقتل، كما أنه سيهدد «الدور الإقليمي الإيراني» المزعوم، حيث ستتشكّل حال الاستقلال «جزيرة كردية» مستقلة في المنطقة العربية، ستكون بمثابة ضربة موجعة لمخططات طهران الهادفة إلى السيطرة على الشرق الأوسط برمته، فضلا عن كونها أمرا خارجا عن سيطرة نظام الملالي الحاكم في إيران، والذي يتوهم أنه يُمسك المنطقة بيد من حديد!
ومن الأحداث ذات الدلالة في هذا الصدد، أن مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، رفض عام 2015 دعوة رسمية لزيارة العاصمة الإيرانية، وتردد أن السبب وقتها هو الرفض الإيراني لمسألة رفع «العلم الكردستاني» في خلال مراسم الاستقبال الرسمي.
تداعيات خطيرة
تخشى إيران، حسب المراقبين، من استقلال إقليم كردستان، لأن ذلك سيشجع الأكراد الإيرانيين الذين تصل أعدادهم إلى حوالي 12 مليون نسمة، على المطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أنه ستصبح لهم دولة مستقلة تدافع عن حقوقهم المستلبة في إيران، خصوصا بعد أن أعدمت طهران العشرات من النشطاء الأكراد المطالبين بالحقوق القومية والدينية خلال العام الماضي بدعوى الإخلال بالأمن القومي الإيراني.
كما أن استقلال كردستان، حال سماح كل من بغداد وطهران وأنقرة بحدوثه دون إثارة المتاعب التي قد تصل حد اندلاع حرب إقليمية، سيدفع باقي القوميات والعرقيات غير الفارسية في إيران إلى المطالبة بحقوقها المسلوبة، ورفع الظلم والاضطهاد والتمييز عنهم، وقد يصل الأمر إلى حد المطالبة بالاستقلال أو على الأقل بالحكم الفيدرالي، أسوة بالأكراد.
وتتابع إيران - عن كثب- القضية الكردية في الدول المجاورة الثلاث، تركيا والعراق وسوريا، بحساسية كبيرة، حيث حصل الأكراد في هذه البلدان على بعض حقوقهم القومية، وإن يكن بنسب متفاوتة، بينما لا تزال طهران تعارض أبسط الحقوق القومية للكُرد، منها الزي الكردي في الإدارات، وتعليم اللغة الكردية في مناطق غرب البلاد التي تسكنها غالبية من الأكراد، رغم أن مواد الدستور 15، 19 تؤكد على حق الأقليات في استعمال لغاتهم في المجالات التعليمية والثقافية.
والغريب أن الموقف الإيراني المعلن عنه من مسألة استقلال كردستان، يتحجج بـ«وحدة الدولة العراقية»، حيث صرح بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية مؤخرا بأن "الموقف الأولي لإيران هو دعم وحدة أراضي العراق"، مشيرا إلى أن "منطقة كردستان جزء من الجمهورية العراقية، وأي قرار يُتخذ من جانب واحد بمعزل عن الإطار الوطني والقانوني، يمكن أن يؤدي فقط إلى مشاكل جديدة".
والحقيقة أن مثل هذا التصريح الرسمي لا يعدو كونه كذبا صريحا، فمن المعلوم للكافة أن من «يضرب وحدة العراق» هو إيران والميلشيات والعصابات الشيعية التابعة لها، والتي تمارس تمييزا يصل حد التطهير العراقي ضد أبناء الطائفة السنية رغم أنهم الأغلبية في البلاد.
من جانبه، حذر علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، من أن إيران ستغلق كافة المعابر مع إقليم كردستان في حال انفصاله عن العراق، وهو ما حدث فور إغلاق صناديق الاستفتاء.
وقال «شمخاني» إن "انفصال كردستان يعني نهاية كل الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين إيران وقيادة الإقليم، ويعني إغلاق كل ممراتنا الحدودية معه"، وأن "أي إخلال بوحدة الأراضي العراقية سيجعل إيران تعيد النظر في علاقاتها مع إقليم كردستان جديا".
وأضاف «شمخاني» أنه "في الظروف التي يقترب فيها العراق بجهود وتضحيات شعبه بما فيهم العرب والأكراد والتركمان من المرحلة النهاية لتطهير أراضيه من وجود الإرهابيين التكفيريين، فإن هذا الإجراء يفتقر إلى المسوغات القانونية أيضا، ومن المؤكد أنه ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة".
الأكراد وإيران.. المواجهة المحتومة
نظرا لانتشار الأكراد عبر كل من تركيا وسوريا والعراق، من المتوقع أن يتردد صدى استقلال الأكراد العراقيين عبر المنطقة، فقد يثير هذا الاستقلال النزعة القومية في محافظة كردستان في إيران التي تشترك في حدود طويلة مع كردستان العراق.
وتغذي مخاوف إيران، في هذا السياق، ذاكرة تأسيس الجماعات السياسية الكردية الإيرانية لجمهورية «مهاباد» في إيران عام 1946. ومن المعروف تاريخيا أن جمهورية مهاباد برزت كنتيجة لوجود قوّات سوفيتية في شمال يران. ورغم أنّ إيران أعلنت حيادها خلال الحرب العالمية الثانية، إلّا أنّ الأكراد الإيرانيين استفادوا من الاضطراب السياسي. وبعد 11 شهرًا فقط من وجود جمهورية مهاباد، أطاحت بها الحكومة الإيرانية وتمّ إعدام رئيسها قاضي محمد في مارس 1947 في إحدى الساحات العامة بالعاصمة طهران.
من جهة أخرى، يؤكد المراقبون أن هناك مجموعات سياسية كردية خارج الحدود الإيرانية باتت تشكل خطرا داهما على إيران، بعد استفتاء كردستان، رغم أن هذه المجموعات ممنوعة من ممارسة أي نشاط داخل «الجمهورية الإيرانية». ومن بين تلك الجماعات السياسية، «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني»، و«الحزب الشيوعي الكردستاني الإيراني»، و«حزب الحياة الحرة الكردستاني- إيران».
وعلى مدار العقود الأخيرة، تم شن هجمات مسلحة على نطاق ضيق في بعض المحافظات الكردية الإيرانية، وتسعى طهران جاهدة إلى إخماد هذه الهجمات، وتخشى أن تبعث أي محاولة لإنشاء دولة كردية مستقلة في العراق، الطموحات القومية (الكردية) في هذه المناطق من مرقدها، بعد 70 عاما على سقوط جمهورية مهاباد، فتشكل تحديات جسام لحكم آيات الله.
وفي دراسة بعنوان «إيران وكردستان العراق: متجهان نحو المواجهة»، يؤكد «معهد واشنطن للدراسات»، أن "طهران تعتبر قيام دولة كردية سنية في العراق كارثةً استراتيجية بمعنى الكلمة. ويمكن لذلك أن يعرّض للخطر الممرّ البري الذي أنشأته طهران على مدى السنوات الأربع الماضية، والذي يربط إيران بحلفائها الإقليميين في سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية".
وتشير الدراسة إلى أن "إيران قلة أيضا من أن تغيّر التركيبة الدولة الكردية المحتملة، آليات التوازن الإقليمي للقوى ضد مصالحها الاستراتيجية على المدى البعيد. حيث تعتقد طهران أن الاستقلال الكردي قد يؤدي إلى التفكك النهائي للعراق على أُسس عرقية طائفية، ما يعني إنهاء سيطرة الطائفة الشيعية على مقاليد الأمور في البلاد، في إطار عراق موحد، يخدم تلك الاستراتيجية خلال العقود المقبلة".
من جانبها، ترى طهران أن علاقات واشنطن الدبلوماسية مع الأكراد العراقيين وتعاونها العسكري معهم ستسمح للولايات المتحدة باستخدام الدولة الكردية المستقلة كمنصة انطلاق لتغيير النظام في طهران، أو على الأقلّ لإضعاف موقف إيران الإقليمي. ويميل المتشددون في النظام الإيراني إلى توقعات بتحالف بين كردستان المستقلة و«إسرائيل» ضد إيران.
وقد لجأت طهران إلى أساليب خيانية، لضرب مساعي استقلال الإقليم، إذ
أجرت اتفاقية خيانية أسقطت بموجبها "كركوك" بقيادة الجنرال الدموي المتعصب قاسم سليماني، ونُقل عن كفاح محمود المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني أن "الإيرانيين كانوا واضحين جداً، كان هناك العديد من جنودهم من عناصر ما يسمى الحرس الثوري، بل إن غالب هذه العناصر كانوا يتحدثون الفارسية". وشدد على أن "ما حدث مؤامرة شاركت فيها إيران بالحشد والتغطية الجوية وبالطبع هناك موافقة تركية".
كما تحدث المسؤول الكردي عن "صفقة مع جناح من أجنحة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"، خصوصاً أن هذه المحافظة تخضع لنفوذ الحزب، وتالياً "سلّم المواقع الاستراتيجية في كركوك هذا الجناح، الذي كان معادياً للاستفتاء وللرئيس مسعود البارزاني".
غير أن حربا شيعية كردية في العراق، قد تُشعلها جمهورية الملالي، ستمتد حتما إلى إيران. وسيؤدي أي هجوم إيراني على الأكراد العراقيين، سواء كان من قبل القوات الإيرانية أو القوات التي تديرها إيران، إلى إطلاق موجة من الاستياء في صفوف الأكراد، بمن فيهم أكراد إيران، ضد الجمهورية الإيرانية. وبالتالي، فإن الوسائل التي يمكن أن تستخدمها إيران لمنع الأكراد العراقيين من الانفصال عن العراق، بحد ذاتها، قد تولّد الظروف عينها التي تخشى إيران أن تنشأ عن قيام دولة كردية مستقلة، في نهاية المطاف.