- بخروجها للنور، كحلمٍ قديم تحقق أخيراً، تقف «إيران بوست» في مواجهة إمبراطورية إيران الإعلامية الجبارة، التي يقف وراءها نظام عنصري فاشستي، ينظر بعين الكراهية والحقد والاحتقار لكل ما هو غير فارسي، ويعتبر «كلب أصفهان» أكرم من الإنسان العربي، رغم أن الرسالة التي يتشدق نظام «الملالي» في طهران بأنه ممثلها الأوحد، نزلت أصلا على نبي عربي هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم!
ويسجل الكاتب الصحافي المعروف عبدالرحمن الراشد، للتاريخ، أنه "في زمن قصير، ظهرت علينا وسائل إعلام عديدة تتحدث باسم إيران، أو تدافع عن سياساتها، تلفزيونات وصحف ومواقع إلكترونية، لم تكن موجودة مثلها قبل سنوات قريبة. السر بسيط، فمعظم الإعلام العربي كان من يقوم بمهمة الدعاية والدفاع عن طروحات إيران ويدافع عن مواقفها، حتى ثار ربيع الأزمات العربي في عام 2011، وبسببها استفاق المغيبون، واكتشفوا أن إيران ليست سوى دولة أخرى، لها طموحاتها ومطامعها الإقليمية تحت شعارات الإسلام والعدالة والعداوة مع الغرب، وجندت الإعلام العربي لاستغلاله في كل ما أمكنها استغلاله للهيمنة ومحاربة خصومها العرب من خليجيين ومصريين ولبنانيين".
وتسعى إيران من خلال آلة إعلامية جبارة، تتمثل أذرعتها الأخطبوطية في عشرات المحطات الفضائية الناطقة باللغة العربية ومئات المواقع الإلكترونية والوكالات الإخبارية ومراكز الدراسات، إلى تأجيج الوضع الداخلي في الدول العربية، كرديف للخلايا النائمة والجماعات الإرهابية الممولة من طهران، بهدف خلق حالة من القلاقل والاضطرابات من شأنها أن تهدد السلم والأمن الاجتماعي في هذه الدول، من أجل بسط سيطرتها على دول المنطقة برمتها.
وفي معركتها المستمرة ضد العرب، خلال العقود الماضية، لم تترك إيران وسيلة إلاّ ولجأت إليها لتحقيق تلك الغاية، من الإنفاق المالي الهائل لزعزعة الدول والشعوب، وصولاً إلى رفع شعارات جاذبة براقة لاستقطاب عامة الناس.
وحتى نهاية عام 2002 كانت دائرة الإعلام الخارجي في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية، تتحمل مسؤولية التواصل الإعلامي مع الشعوب والدول التي تدخل في المجال الحيوي للمصالح الإيرانية الاستراتيجية في الاقاليم المحيطة بها، بدءاً من آسيا الوسطى مروراً بمنطقة الشرق الأدنى، وصولاً إلى أوروبا والأميركيتين. وذلك بالتنسيق والتعاون مع قيادة «الحرس الثوري»، وتحديداً فيلق العمليات الخارجية الذي يُعرف باسم «فيلق القدس» بقيادة الجنرال الدموي المتعصب قاسم سليماني.
ومنذ عام 2003، حسب دراسة موثقة للباحث ماهر أبو طير بعنوان «إمبراطورية إعلامية تُدار عبر خمس وسائل بإشراف أمني»، بدأت إيران في ذلك العام مخططاً مختلفاً للسيطرة الإعلامية على العالم العربي، بوسائل مختلفة. واشتد هذا الصراع الإعلامي بعد اندلاع الثورة السورية، حيث سارعت إيران إلى التمدد في المنطقة تمدداً غير طبيعي، مقابل أجهزة إعلام عربية لا يجمعها جامع أو استراتيجية موحدة، تجهد للصمود في وجه كل الروايات المزيفة التي تبثها طهران في العصب العربي، مثل السم في العسل.
وفي مطلع عام 2005، دشنت إيران «الاتحاد العالمي للإذاعات والتلفزيونات الإسلامية في العالم»، والذي يضم أكثر من 210 أعضاء من 35 بلدا في القارات الخمس. ويعمل هذا الاتحاد منذ تلك الفترة وحتى الآن، على إطلاق نحو 60 قناة فضائية و70 إذاعة و35 موقعا إلكترونيا.
وترتبط هذه الآلة الإعلامية الجهنمية ارتباطا مباشرا مع مكتب علي خامنئي، المرشد الأعلى للنظام، ويشرف المرشد بنفسه وبالتنسيق مع «الحرس الثوري» على تمويل عشرات القنوات الفضائية باللغة العربية والمئات من المواقع الإلكترونية والوكالات الإخبارية ومراكز الدراسات، من أجل تنفيذ أجندات سياسية تصب في مصلحة استراتيجية النظام الإيراني التوسعية في الدول العربية، وهذا ثبت من خلال ما تقدمه القنوات الإيرانية من برامج وتغطيات إخبارية لأحداث الوطن العربي. تواجد الإعلام الإيراني على الإنترنت والتلفزة يعتبر من الأقوى في العالم، حيث ينطق بأكثر من 30 لغة من لغات العالم الحية.
ويُقدّر إنفاق طهران على الميزانية السنوية للإعلام الخارجي بنحو 900 مليون دولار، وفق تقديرات محايدة. ويعمل في وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ما يقرب من 45 ألف شخص يمثلون طواقم متكاملة من جميع أنحاء العالم، بهدف: حفظ منافع النظام الفارسي في جغرافية إقليم الشرق الأوسط، والسيطرة على الأخبار المعارضة، ونقل الرؤية الإيرانية إلى العالم.
وبعض هذه القنوات والصحف تنطق بأسماء أحزاب عراقية ولبنانية، وبعضها الآخر بأسماء مرجعيات دينية شيعية. ويلحظ المتابعون للشأن العراقي الراهن، مثلا، أن عشرات الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية تنطق باسم إيران، بشكل مباشر، كما أن ثمة وسائل إعلامية عراقية تنطق بشكل أقل حدة، وغايتها استجلاب دعم مالي من طهران، أو تقديم «أوراق اعتمادها» إلى إيران، كأي مرتزقة إعلاميين يعملون في هذه المنظومة المشبوهة.
وعقب التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، كثّفت طهران رقعة نشاطها الإعلامي بهدف «تصدير الثورة» خارج حدود إيران بشكل أوسع. فانطلقت عدة قنوات منها قناة «المسيرة» التابعة للإرهابي عبد الملك الحوثي، وقناة «الساحات» التي تحمل شعار تغطية أخبار ساحات الثورة في اليمن، وقناة «عدن لايف» التابعة للرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، قبل الإعلان عن دعمه لعملية «عاصفة الحزم» العربية لتحرير اليمن.
وأسست إيران أيضا قناة خاصة بكتائب «حزب الله العراق» تحت اسم «الاتجاه» وأخرى تخص الشيعة في المملكة العربية السعودية تحت مسمى «النبأ»، تُعنى بأخبار المنطقة الشرقية من المملكة، وتعمل جاهدة لإثارة البلبلة في هذه المنطقة من بوابة الانتماء المذهبي، فضلا عن قناة أخرى تختص بالشأن البحريني، وهي «قناة اللؤلؤة». كما أطلقت طهران قناة «الميادين» والتي تعد من أهم المحطات التي أسستها إيران ودفعت نفقاتها بالكامل. وتوسعت هذه الإمبراطورية الإعلامية لتكون هناك قنوات أخرى تُدار بأموال إيرانية كقناة «آسيا»، و«بلادي» القريبة من إبراهيم الجعفري، و«الفرات» الناطقة باسم أتباع عمار الحكيم.
وإلى ذلك، تلجأ إيران إلى شكل آخر من أشكال الدعم والتأسيس لإعلام ناطق بالعربية، فهي تستعين برجال أعمال محترفين جنسيات عربية وأجنبية، يديرون تجارة أو عملا اقتصاديا ما بمبالغ مالية كبيرة، وتجعلهم مجرد «واجهات» لتأسيس وسائل إعلام عربية في بلادهم أو في المهاجر.
.. وبعد، فإن هذا «غيض من فيض» الآلة الإعلامية الإيرانية، التي لم يسبق لدولة على مستوى العالم، قديماً أو حديثاً، أن صنعت مثلها، وتلك هي الآلة التي تواجهها «إيران بوست»، من منطلق دورها المتواضع في الكشف عن «الوجه القبيح» لإيران تحت حكم الملالي، فهل من داعم لهذه المطبوعة الصغيرة ذات الطموحات الكبيرة؟!