<< حقوقي عراقي: منع المليشيات الشيعية سكان المناطق السنية من العودة إليها «جريمة مكتملة الأركان»
<< نظام الأسد سعى لإفراغ «الحواضن الثورية» من سكانها السنة لتسكين عناصر شيعية موالية بدلا منهم
<< «السواد» يكسو دمشق بشكل ملفت في العامين الأخيرين.. والأعلام الشيعية السوداء تنتشر في كل مكان
تقرير يكتبه: أشرف إسماعيل
تسعى إيران منذ عدة أعوام بكل السبل إلى تنفيذ مخططات تستهدف إحداث «تغيير ديموغرافي» واسع النطاق في العراق وسوريا، من خلال تهجير السكان السُنة لصالح نظرائهم الشيعة في كل من البلدين، وتوطينهم في البلدات والقرى السنية، بحيث ينتج عن هذه العمليات الطائفية في المحصلة النهائية تفريغ منطق بعينها من سكانها، في إطار استراتيجية «الهلال الشيعي» التي تمتد من بغداد إلى صنعاء، مرورا بدمشق وبيروت.
و «التغيير الديموغرافي» هو التحول الذي يطرأ على التنظيم أو البناء السكاني من حالة إلى أخرى، وهو بذلك يعد واحدا من العلوم الاجتماعية التي تُعنى بقضايا المجتمع الإنساني ومشكلاته وتغيراته، ويختص بمسائل السكان وعوامل نموهم وتوازنهم النوعي والكمي.
جريمة مكتملة الأركان
نبدأ من العراق، حيث يقول الأكاديمي العراقي د. ماجد السامرائي إن التغيير الديموغرافي عملية ممنهجة بدأت فعليا في العراق منذ بداية الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، وشملت هذه العملية «حزام بغداد» وضواحيها، ومدنا كثيرة أخرى خصوصا في محافظة «الأنبار». وكان الهدف من ذلك هو وضع المقاومين للاحتلال من المسلحين السنة داخل دوائر ضيقة باعتبارهم «طائفة مارقة».
ويضيف «السامرائي» أن إيران وجدت في مثل هذا المشروع وسيلة نافذة لبسط نفوذها، عبر إقناع الزعماء السياسيين الشيعة في العراق بأن وجود الطائفة العربية السنية يعني بقاء الخطر على الحكم قائما. واعتمد مشروع التغيير الديموغرافي الإيراني على قاعدة ذهبية وفرها الأميركيون على المستوى العالمي والعراقي والسوري بشكل خاص، وهي محاربة الإرهاب وتم توطين هذه القاعدة الأمنية في العراق. وارتبط هذا البرنامج بالمتغيرات الأمنية التي كان أكثرها بشاعة ما وقع في 22 فبراير عام 2006، حيث تم تفجير مرقد الإمامين العسكريين في مدينة «سامراء».
وفي هذا السياق، يقول مهند العيساوي، رئيس «مركز بغداد لحقوق الإنسان»، إن "المليشيات الطائفية وبعض الأجهزة انتهجت عدة أساليب من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في المناطق العراقية ذات التركيبة السكانية المختلطة، وهذه الأساليب تمثلت في عمليات الاغتيال والاختطاف والاعتقالات، وكان العرب السنة هم المتضرر الأبرز من هذه العمليات".
ويصف «العيساوي» منع المليشيات الشيعية سكان المناطق السنية المحررة من تنظيم «داعش» في الموصل، من العودة إليها بأنها «جريمة مكتملة الأركان»، ويعتبر الأمر جزءا من مسلسل «التغيير الطائفي» الذي تقف خلفه أحزاب ومليشيات عراقية مدعومة من طهران، كما يجري في مناطق «جرف الصخر» شمال بابل وفي «يثرب وسليمان بيك والنباعي» في صلاح الدين وغيرها.
من جهته، أكد «تحالف القوى العراقية» قيام مليشيات طائفية شيعية بعمليات قتل وتهجير وتفجير المنازل في قرية «الأسود» التابعة لمحافظة ديالى. وقال التحالف إن "المليشيات عادت مرة أخرى لتعبث بأمن المواطنين السنة في محافظة ديالى، فتقتل وتهجر وتفجر البيوت في وضح النهار بقرية الأسود، بعد أن أمنت العقاب، وتجاوزت كل القوانين والأعراف".
«الأسود لا يليق بدمشق»
من جهة أخرى، بدأت ماكينة «التغيير الديمغرافي» في سوريا المدعومة إيرانيا عملها بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة ضد نظام الأسد في مارس 2011، تطبيقاً لخيار اتخذه النظام في إطار تقديره للممكنات في مواجهة الثورة، حيث ارتأى النظام ضرورة إفراغ «الحواضن الثورية»، أي المناطق التي أنتجت الثورة في بدايتها، من سكانها السنة لتسكين عناصر شيعية موالية بدلا منهم في هذه المناطق.
ولم يتأخر دخول إيران على خط عملية التطهير في سوريا، وخاصة وأن لدى طهران تجربة عميقة في العراق نفذتها ميليشيات إيران على بغداد وضواحيها، وكانت نتيجتها إفراغ المدينة من سكانها السنة والمسيحيين باستخدام أساليب العنف بمختلف أشكاله، خاصة وأن إيران كان لها ممارسات مماثلة في إطار مشروعها الطائفي، وغالبا ما تركزت أعمالها على عمليات «التشييع» في بعض مناطق سوريا عبر بناء الحسينيات ودعم العائلات الشيعية على إظهار تشيعها والإعلان عنه.
ويؤكد المراقبون أن المنطقة الأهم في هذا الصدد بالنسبة لإيران هي العاصمة دمشق، نظرا لدلالاتها الدينية والسياسية، وأن طهران تعمل جاهدة على تعزيز نفوذها في دمشق عبر إنشاء المزيد من «الحسينيات» وتعظيم المظاهر الشيعية في المدينة التي تعرض الآلاف من سكانها لعمليات تهجير ممنهجة.
وبات في دمشق الآن أحياء ومناطق كاملة يغلب عليها الطابع الشيعي تماما، ومنها أحياء «الأمين، وزين العابدين، والجورة والسيدة زينب». ويتحدث سكان العاصمة عن أن دمشق بات «يكسوها السواد» بشكل ملفت خلال العامين الأخيرين، حيث تنتشر الأعلام السود التي تعد رمزاً للشيعة، إضافة إلى انتشار «اللطميات» في أسواق دمشق ومنها «سوق الحميدية» الشهير.
وتعيش مئات العائلات السورية السنية في العاصمة دمشق على أعصابها خوفا من مصير مجهول ينتظرها، وقد يزيدها بؤساً على بؤسها الحالي، إذ باتت مهددة بأن تصبح بلا منازل، إثر مضي سلطات نظام الأسد في تطبيق المرسوم الوزاري رقم 66، والقاضي بتهجير السنة لمصلحة أبناء الطائفة «العلوية» الشيعية، وما سينجم عنه من هدم للبيوت في العديد من أحياء المدينة.
وبدأت أولى التطبيقات العملية المعلن عنها للتفريغ الطائفي في الظهور بشكل فج وعنيف في مناطق «جبلة وبانياس»، كمنطقة ذات أولوية يتوجب إفراغها من سكانها، وبدت هذه مهمة مستعجلة يتوجب إنجازها بأسرع وقت ممكن للوقوف على خيار «الدويلة الطائفية» بمعنى الكلمة.
وفي سبيل ذلك، استخدم النظام حزمة من الأساليب كان أخطرها على الإطلاق المجازر التي ارتكبت في حق سكان تلك المناطق، ومنها «البيضا وبانياس»، بالإضافة إلى التنكيل بأحياء اللاذقية السنية. وفي ظل انشغال العالم، عمد النظام إلى اعتقال الآلاف من شباب تلك المناطق وتغييبهم في السجون، الأمر الذي سيشكل إنذاراً صريحاً للغالبية السنية في تلك المناطق بأن استمرار بقاءهم سيكلفهم حياة أبنائهم".
كما شهدت العديد من المدن السورية - بدورها- حالات موثقة تعكس حدوث «تغيير ديموغرافي» واسع النطاق، ففي مدينة القصير بريف حمص تم تهجير آلاف السكان السنة بعد سيطرة قوات النظام والميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً وعلى رأسها «حزب الله» على المدينة منتصف عام 2013، ولم تخف هذه الميليشيات سعيها إلى تحويل المدينة إلى "ملاذ للشيعة".
وفي تسجيل مصور نُشر على موقع «يوتيوب» ظهر مسلحون شيعة مدججون بالسلاح وهم يرددون عبارات طائفية ويرفعون راية سوداء كتب عليها «لبيك يا حسين» على أحد المساجد في المدينة.
ومن الملاحظ أن التغيير الديموغرافي الذي تسعى إليه إيران في سوريا يتركز في مناطق غرب البلاد، بحيث يجري خلق «منطقة نفوذ إيرانية» جغرافية، تضم المؤيدين للنظام وأصحاب الولاءات لإيران من العلويين والشيعة، بما يساعد طهران على توسيع رقعة النفوذ هذه إلى الأراضي اللبنانية.