مع حالة العداء التاريخية وانعدام الثقة والسعي لتغيير موازين القوى والخسارة المدوِّية في الحرب الدائرة رحاها باليمن مع قوات الشرعية والتحالف العربي، بات “تحالف الضرورة” بين الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح وجماعة أنصار الله بقيادة عبد الملك الحوثي (الحوثيين) مهترئًا مفكَّكًا ينتظر رصاصة الرحمة، بدخولهما معركة “كسر العظم”، إذ لم يعُد بمقدور الطرفين تجاوز خلافاتهما، التي تتكشف بوتيرة تصاعدية بين فينة وأخرى، سواء في مناطق المواجهات، حيث السباق على توسيع مناطق النفوذ والسيطرة على أوسع نطاق جغرافي ممكن، أو تقاسم ونهب الأموال العامة، أو بالسيطرة على مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتهما، وآخرها إصدار الحوثي بتاريخ 10/9/2017 قرارات بتعيين أتباعه في بعض المناصب في أروقة صنع القرار مقابل اقصاء واستبعاد مؤيدي صالح.
وفي إطار تصاعد الاحتقان السياسي بين طرفي الانقلاب بمضي كلا الطرفين قُدُمًا، بخاصة الحوثيون، في تعزيز قبضتهم بسلطة الأمر الواقع وإنهاء ما تَبَقَّى لحليفهم من نفوذ وشراكة، لا بد من التساؤل حول مستقبل تحالف المصلحة أو الضرورة في سياق التطوُّرات الداخلية والمتغيرات الإقليمية والدولية، وانعكاسات ذلك على الدور الإيراني في اليمن في ظل الأوضاع الاقتصادية الإيرانية التي تجابه تحديات جمَّة، والتحالفات السياسية لمحاصرة إيران في المنطقة وتقليم أظافرها لعودتها إلى الداخل الإيراني والاهتمام بمواطنيها.
أولًا: مؤشرات تصعيد الخلافات بين تحالف الحوثي-صالح
بدأت الخلافات بـ”الحرب الكلامية” من كلا الجانبين على أمل أن تكون لأي منهما الكلمة العليا في أروقة صنع القرار بصنعاء، مع خطابين تصعيديَّين من طرفَي التحالف، اللذين تبادلا الاتهامات بالتصعيد وتأزيم الأوضاع، فأكّد الحوثي بتاريخ 19/8/2017 تلقّيه “طعنات في الظهر” من المؤتمر الشعبي، الأمر الذي ردّ عليه صالح بمزيدٍ من التصعيد متهِمًا إياهم بمحاولة إفراغ الدولة من محتواها، وتمزيق الجبهة الداخلية والانقلاب على كل الاتِّفاقات التي تمّت بين الجانبين، عبر تعطيلهم كلَّ المؤسسات المشتركة التي شُكّلَت عقب توقيع اتِّفاق الشراكة بين الطرفين أغسطس 2016، كذلك لوَّح “صالح” بإمكانية مغادرة حزبه (المؤتمر الشعبي) للتحالف إذا رغبوا في التفرُّد بالقرار السياسي والإداري في المناطق الخاضعة لهم.
وفي هذا السياق بدأ كل طرف يحشد أنصاره، فخرج الحوثيون بتاريخ 21/8/2017 إلى الشوارع ومزَّقوا اللافتات التي تحمل صورًا صالح، وخرجت في المقابل مظاهرات نظَّمها حزبُ المؤتمر الشعبي أمام مقرّ وزارة الخارجية بالعاصمة صنعاء تؤكِّد رفضها التدخلات الإيرانية باليمن وممارسات الحوثيين، كذلك دعا أنصار صالح إلى تظاهرة يوم 24/8/2017 بمناسبة مرور 35 عامًا على تأسيس حزب المؤتمر، الأمر الذي قابله الحوثيون بدعوة أنصارهم للاحتشاد أيضًا عند مداخل صنعاء في اليوم نفسه تحت شعار “التصعيد مقابل التصعيد”.
ووصلت حِدَّة الخلافات إلى درجة أن الحوثي اتهم أنصار صالح بأنهم بالفعل “طابور خامس” داخل اليمن، وهو ما دفع صالح إلى التحرك سريعًا وعقد اجتماعات متتالية بعدد من ضباط الحرس الجمهوري لبحث سبل الحدّ من نفوذ الحوثيين. ومرَّت العلاقات بين الطرفين بصدمة أخرى بعد أن فرض الحوثي على أهالي الحديدة وبعض المحافظات اليمنية التجنيد الإجباري، ردًّا على قرار صالح سحب قواته من صعدة، وشعور الحوثي بالنقص في صفوف مقاتليه، فضلًا عن إدراكه مدى هوس صالح بالسلطة وأنه يخطِّط للعودة إلى كرسي الرئاسة بكل الأساليب الممكنة، حيث التاريخ السياسي المراوغ لصالح.
ولم يتوقف الأمر عند الحرب الكلامية، بل اندلعت “الاشتباكات المسلَّحة” بين الطرفين بمنطقة حدة جنوبي صنعاء بتاريخ 26/8/2017 سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين بينهم العقيد خالد الرضى مدير مكتب نجل الرئيس اليمنى المخلوع، ووقعت هذه الاشتباكات العنيفة وسط سوق شعبية سعت اللجان الشعبية الحوثية المتمركزة على مداخل المدينة للسيطرة عليها بغرض أخذ الجبايات والضرائب من هذه السوق، وذلك بالتزامن مع اشتراطها على موكب خالد علي عبد الله صالح، نجل علي عبد الله صالح، برفقة مؤيدي والده، تسليم الأسلحة لهم، ممَّا جعله يتصل بالحرس الجمهوري في صنعاء، الذي يدين بالولاء لصالح، وأدَّى ذلك إلى اشتباكات.
وبتاريخ 28/8/2017 ذكرت وسائل إعلام يمنية إن ميليشيات الحوثي وضعت صالح رهن الإقامة الجبرية بمقر إقامته بصنعاء، وأخطروه بعدم مغادرة مكان إقامته، وأنهم غير مسؤولين عن أمنه، وأكَّدَت المصادر أن صالح بات يخشى على حياته من الحوثيين، وطالب أتباعه بالتزام الهدوء مع الحوثيين، وسط حالة غضب واستياء من قيادات حزبه وأنصاره الذين يطالبونه بفَضّ الشراكة مع الحوثيين، واعتبر مراقبون أن هذه الخطوات التصعيدية التي اتخذها الحوثيون بعد أقل من 48 ساعة من المواجهات المسلَّحة، هي بمثابة انهيار سريع لحلف صالح-الحوثي، متوقعين اشتعال المواجهات وعودة الصراع المسلَّح بين طرفي الانقلاب في أي لحظة ممكنة.
ثانيًا: دوافع تصعيد الخلافات بين طرفي التحالف
1-انعدام الثقة بين الطرفين: كيف تتوافر الثقة بين طرفين دارت بينهما 6 معارك ضارية كبَّدَتهما خسائر في الأرواح والأموال، فقط جمعتهما: التهديدات المشتركة التي شكَّلَها ضدَّهما التحالف العربي لاسترداد المناطق التي احتلَّاها بالقوة وجلب الأمن والاستقرار لليمن والدول المجاورة، ثم المصالح المتبادلة، إذ اضطر كل منهما إلى الدخول في التحالف لتحقيق مصلحته عبر الاستقواء بالآخر وتقوية نقاط ضعفه عبر هذا التكامل العسكري والسياسي.
ويشكِّك الحوثيون في نية صالح تجاههم من زاويتين: الأولى أنهم في حال بروز نجمه في المعادلة التي باتت تتحكم فيها الشرعية بسيطرتها على 80-85% من الأراضي اليمنية يمكن أن ينقلب عليهم ولا يُشرِكَهم في القرارات المصيرية، بل يُدير الحرب ضدّهم، والثانية حديث بعض التقارير عن صفقةٍ تُعيد نجله أحمد علي عبد الله صالح إلى الحُكم، في مقابل تفكيك تحالفه معهم، وقد دعم هذه الشكوكَ لديهم عديد من الأنباء التي أكّدت أن صالح على استعداد لفكّ الشراكة مع الحوثيين مقابل الحصول على ضمانات.
كذلك لم ينسَ الحوثيون أن صالح قاد العمليات العسكرية التي تسببت في مقتل زعيمهم ومؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، وهو ما جعل نزعات الثأر تهيمن على علاقتهم بصالح.
من ناحيته يدرك صالح أن انقلابه على الشرعية لم يُجدِ نفعًا، وأن ارتماءه بين أحضان الحوثي له عواقبه، وأن ميليشيات الحوثي ما هي إلا واجهة تنفذ مشروعًا إقليميًّا أكبر منه، فإيران هي الفاعل الأساسي في ما يتعلق بميليشيات الحوثي، وتراهن عليهم أكثر من صالح، بخاصة بعد تسليم الأخير -على طبق من فضة- مفاتيح مدينة صنعاء لميليشيات كانت عدوًّا بالأمس القريب.
ويبدو أن الشكوك جعلت صالح يراجع الأوراق التي انقلبت عليه للبحث عن طوق نجاة، والخروج من المأزق الذي أقحم نفسه فيه من خلال التحالف مع الحوثي، في ظلّ الانتصارات التي حقَّقَتها القوات الشرعية على الأرض، فالحوثي وميليشياته بدأ سحب البساط من تحت قدميه شيئًا فشيئًا، إذ بدأت بإملاء الأوامر والشروط عليه وعلى مريديه، وهذا ما تَبَدَّى في مفاوضات جنيف.
2- الاختلافات الآيديولوجية والعقَدِيَّة: الناظر إلى طبيعة المنظومة الفكرية العقَدِيَّة لكل من طرفَي التحالف يجد مفارقة عجيبة، فميليشيات الحوثي ترتبط فكريًّا وعقَدِيًّا بالمكونات الشيعية في العراق ولبنان وإيران، بينما يقوم حزب المؤتمر على أسس غير دينية في كل أدبياته السياسية والفكرية، ولا ترتبط قياداته بالإسلام السياسي أو الطوائف الدينية، وقد تسببت هذه الخلافات الفكرية والعقَدِيَّة بين الحوثيين وأنصار صالح في تعارض توجُّهاتهما السياسية واختلاف رؤاهما.
3- هيمنة الحوثيين على المركز المالي: تتولى جماعة الحوثي منذ السيطرة على المؤسسات الخاضعة للتحالف في صنعاء مهمة تحصيل العوائد المالية من تلك المؤسسات والأجهزة، وتسخِّرها لِمَا يسمى “المجهود الحربي”، وفي مقابل تمتُّع أنصار الحوثيين بالعوائد المالية فإن غالبية موظفي الدولة باتوا محرومين من الحصول على رواتبهم، وغالبيتهم من أعضاء ومنتسبي حزب المؤتمر، وهو ما أدَّى إلى غضب قادة الحزب وأنصاره من هيمنة الحوثيين على الموارد المالية والتحكُّم في قوت يومهم.
4- الرغبة المتبادَلة في تغيير موازين القوى: نظرًا إلى انعدام الثقة بين الطرفين اللذين دعتهما الضرورة إلى التحالف، سعي كل منهما لتغيير موازين القوى لصالحة تَحسُّبًا لأي مستجدَّات قد تطرأ على المعادلة السياسية مستقبَلًا تُفقِده نفوذه وتأثيره، فمن ناحية الحوثيين أصدروا قرارًا بتاريخ 27/8/2017 يقضي بالاستبدال بـ29 ضابطًا من الموالين لصالح في وزارتي الدفاع والداخلية وأمن المحافظات، كان أبرزها تعيين اللواء أبو علي الحاكم الذي يُعرَف بكونه القائد العسكري للميليشيا الحوثية مديرًا لهيئة الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع هذا في مقابل إقصاء الموالين لصالح، في إشارة إلى سعى الميليشيا الحوثية إلى الهيمنة على المجال الأمني والعسكري.
وفى مقابل محاولات الحركة الحوثية حسم ميزان القوة الأمنية لصالحها، فإن صالح سعى لاستعراض القوة السياسية أيضًا عبر إبراز قاعدته الشعبية خلال الاستعراض الذي نُظّم في ذكرى تأسيس حزب المؤتمر، لاعتبارات تتعلق بالنفوذ السياسي وللردّ على مساعي الحوثيين لتكريس النفوذ الأمني، وقُبيل اتخاذ الحوثيين القرارات الأمنية، كان صالح اعتبر أن ما يسمى “اللجنة الثورية العليا” الحوثية تسعى للانفراد بالقرار داخل المجلس السياسي الأعلى، وأنها تضع “فيتو” على أي قرارات لا تقبلها.
5- نجاح التحالف العربي في تضييق الخناق على المنقلبين: تراجعت مساحة سيطرة الحوثيين وصالح من 80% عند دخول قوات التحالف العربي على خطّ المواجهة في اليمن في 26 مارس 2015، إلى العكس تمامًا بانتهاء النصف الأول من عام 2017 لصالح القوات الحكومية، في عديد من المحافظات اليمنية، ولا سيما الجنوبية والشرقية منها، فقبل عاصفة الحزم ربما كانت قوات الشرعية تسيطر على 0% فقط من الأراضي اليمنية، إذ تَفكَّكَت الدولة والمؤسَّسات اليمنية واعتُقل بعض الوزراء وأصبحت اليمن تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، ولكن بفضل عاصفة الحزم التي يقودها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن استرَدَّت قوات الشرعية حتى تاريخ إعداد التقرير 80-85%، وهو ما ضيَّق الخناق على تحالف الحوثي-صالح، على نحو فاقم خلافاتهما.
ثالثًا: القضايا الخلافية بين طرفي التحالف
في ضوء انعدام الثقة ورغبة كلا الطرفين في تغيير موازين القوى لصالحة، تَجلَّى تصاعد حِدَّة الخلافات بينهما في عدة قضايا خلافية، منها الخلاف حول تصاعد دور “اللجنة الثورية العليا”، وتجنيد “اللجان الشعبية”، وملف التعيينات في القضاء، والمبادرة البرلمانية لأنهاء الأزمة، ونسبة التمثيل في المحادثات، ومستوى الحضور على الأرض في العمليات العسكرية ضدّ قوات الشرعية والتحالف العربي لدعم الشرعية، رسمت جميعها الصورة الحقيقية لتحالف الضرورة الذي بات هشًّا لا يقوى على تغيير المعادلة السياسية لصالحة بعدما دبت الاشتباكات بين الطرفين.، وفي ما يلي نبيِّن الاختلاف في وجهات نظر الطرفين تجاه تلك القضايا العالقة:
1- اللجنة الثورية العليا واللجان الشعبية: يرفض صالح محاولات الحوثيين الانفراد بالسلطة والسيطرة على مفاصل أجهزة الدولة في صنعاء وتنصُّلهم من التزاماتهم بتوريد الإيرادات كافة إلى الخزينة العامة نتيجة تلاشي المجلس السياسي الأعلى الذي شكّله الطرفان يوليو 2016 أمام تدخُّلات “اللجنة الثورية العليا” الحوثية التي تُهيمن على قراراته، ومحاولاتهم تجنيد الميليشيا غير القانونية، أو مَن يُسَمَّون “اللجان الشعبية”، لخلق قوة عسكرية موالية على الأرض، وفي المقابل يطالب حزب المؤتمر الحوثيين بإلغاء “اللجنة الثورية العليا”، والمشرفين الذي عينتهم في الوزارات ومؤسسات الدولة لإدارتها بعد اجتياحهم صنعاء، لكن الحوثيين يماطلون في ذلك، ووَفْقًا لأمين عامّ حزب المؤتمر، فإن اللجان الثورية ما زالت تحكم، وتمثل حكومة فوق الحكومة، لافتا إلى أن وزراء موالين للمؤتمر منعهم المشرفون الحوثيون من دخول مقرات أعمالهم، كما يشكو حزب المؤتمر سيطرة مطلقة للحوثيين على الإعلام الرسمي، وبثّ كلمات عبد الملك الحوثي كاملةً، والتغاضي التامّ عن كلمات صالح.
2- ملفّ التعيينات في القضاء: يرفض حزب المؤتمر إجراء حركة تعيينات وتنقلات قضائية في عموم المحاكم والنيابات، معتبرًا أن تلك التعيينات في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم دون المحافظات الجنوبية، الخاضعة لسيطرة الحكومية الشرعية، ستكون اعترافًا بانفصال شماليّ اليمن عن جنوبيِّه، ويطالب بالاستمرار بالطاقم الحالي، كما يرفض قرار “اللجنة الثورية الحوثية” تعيين نائب عام للبلاد.
على الجانب الآخر، يتمسك الحوثيون بقوة بمسألة الحركة القضائية، لتعيين قضاة موالين لهم، وأصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد بتاريخ 10/9/2017 قرارًا بتعيين القاضي أحمد يحيى محمد المتوكل رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى، ويُحكِم الحوثيون بهذا القرار سيطرتهم رسميًّا على المجلس، في خطوة تَحَدٍّ، على ما يبدو، لحزب المؤتمر الرافض لها، ويسعى الحوثيون، وفق مصادر، لـ”إصدار قانون طوارئ، وتجميد العمل بالأحزاب، بما فيها حزب المؤتمر، وإجراء محاكمات عاجلة للمتهَمِين بمساندة الحكومة الشرعية والتحالف”.
3- نسبة التمثيل في المحادثات: خلال مشاورات السلام، المتوقفة حاليًّا، رتَّبَت الأمم المتحدة هذه المشاورات على أساس وجود طرفين، الأول يمثل الحكومة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، والثاني “الطرف المنقلب على السلطة”، وتمثِّله جماعة الحوثي وحزب المؤتمر مناصفة، لكن الحوثيين كانوا هم صاحب الكلمة الفصل في المشاورات، ومثل تَوَجُّه وفد الحوثي التفاوضي منفردًا في اتِّفاق “ظهران الجنوب” مع السعودية في مارس 2016، ومن ثم اتِّفاق مسقط منتصف نوفمبر 2016، بحضور وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري أحد أبرز الخلافات، التي ظلت عالقة في أذهان أنصار قيادات المؤتمر ووسائل الإعلام التابعة لهم، معتبرين الأمر “خيانة”.
رابعًا: انعكاسات المعركة على الدور الإيراني باليمن
المراقب للشأن اليمني يدرك أن تحالف الحوثي-صالح طالما شكَّل آلية قوية لتمرير المخططات الايرانية في اليمن لكون اليمن أحد أهم البلدان المستهدفة بالتدخل الإيراني بوقوعه ضمن ما يُسَمَّى بـ”الهلال الشيعي”، ويمثِّل أهمية جيو-استراتيجية بحكم موقعه على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وسيطرته على واحد من أهم الممرات الدولية، وهو مضيق باب المندب، الذي تمر منه ناقلات النفط عبر البحر الأحمر متجهة إلى قناة السويس، ومنها إلى الأسواق الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك امتلاكه ميناء ميدي الذي سعى الحوثيون -الوكيل الإيراني- أكثر من مرة -ولا يزالون- للسيطرة عليه بشتى السبل والوسائل، واشتراكه في الحدود مع بعض دول الخليج، وتحديدًا المملكة العربية السعودية، قاطرة الوحدة الخليجية، والمناوئ الرئيسي للمخططات الإيرانية في المنطقة.
بالتالي فإن حصول إيران على موطئ قدم في اليمن يعزِّز من حضورها الإقليمي، ويساعدها في السيطرة على المداخل والمخارج الرئيسية لتجارة النفط الدولية، ويقول العلماء الاستراتيجيون إن من يمتلك النفط أشبه بمن يمتلك الخزنة المليئة بالذهب، ومن يسيطر على ممرات عبوره نحو الدول الأخرى أشبه بمن يمتلك مفتاح تلك الخزنة، وبما أننا نتحدث عن الخليج وموارده النفطية وجارته إيران، فإن الناقلات النفطية الخليجية (الخزنة المليئة بالذهب) تحتاج لنقل النفط إلى الغرب مثلًا إلى المرور عبر الممرات الدولية بدءًا بمضيق هرمز فخليج عدن، مرورًا بمضيق المندب إلى البحر الأحمر فالمتوسط، وأدركت إيران هذا البعد الاستراتيجي الهام (مفتاح الخزنة)، فمضيق هرمز يخضع بالفعل لسيطرتها، وتحاول باستمرار إخضاع باب المندب لسيطرتها وما دَعمُها محاولة الحوثيين إسقاط صنعاء إلا دليلًا على ذلك.
وبالتبعية تزيد المواجهات المسلَّحة داخل التحالف من قلق إيران على مصير مخططاتها بشأن اليمن والمنطقة ككل، فقد تحدثت تقارير بتاريخ 8 يونيو 2017 عن أن إيران تدخلت مدعومة بحزب الله اللبناني الموجود في صنعاء، في مسار وساطات جادة من أجل تقريب وجهات النظر بين الحوثيين وصالح ومنع حدوث صدام مسلَّح بين الجانبين، وذلك من خلال تهيئة الأجواء لعقد سلسلة من الاجتماعات بين الطرفين خاصة في ظل موجة الحصار التي تشهدها في سوريا ومحاولات ومساعي الشيعة العرب في العراق للتقارب مع الدول العربية والخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، غير أنه من الواضح تمامًا أن هذه الوساطات لا تحقِّق أي تقدُّم، وتتزايد المخاوف من أن تشهد الأيام القادمة صراعات خطيرة في صنعاء قد تصل إلى موجة اغتيالات غير مسبوقة، وسيكون ذلك بين أنصار صالح وأعوان الحوثي.
وينتظر مستقبل تحالف الحوثي-صالح ثلاثة سيناريوهات: يدور الأول حول استمرارية التحالف على المدى المنظور في ظلّ استمرار اعتماد الطرفين على التحالف على أن يبدي كل منهما رغبته في احتواء الأزمة كنوع من المناورة السياسية بهدف ترتيب الأوراق والحسابات في المستقبل، ويعكس ذلك التوجيهات التي أصدرها صالح للقوات الموالية له بضبط النفس والحد من أي صدامات مسلَّحة مع الحوثيين داخل العاصمة، فضلًا عن صمته على التجاوزات في حق أعضاء حزب المؤتمر من تهميش واتهامات بالخيانة التي وصلت إلى حد وصف عبد الملك الحوثي لهم في خطابه الأخير بأنهم طابور خامس، ومحاصرة مقرّ سكن صالح وتمركز قواته بحواجز تفتيش أمنية.
ويركز الثاني على إعلان صالح الانقلاب على الحوثيين وتنفيذ ما أشار إليه بعض التقارير بشأن الصفقة مع دول التحالف بتولِّي نجله الحكم في صنعاء، بخاصة إذا ما وجد الإقليم والمجتمع الدولي ضامنًا لمصالحه، وبالتالي فسيلقي بالحوثي إلى الهاوية، ويُقدِم على عقد تحالفات جديدة مع خصومه اليوم في الشرعية.
أما الثالث والمرجَّح، فيركِّز على فك التحالف، إما بقرار من أحد الطرفين وإما بالصدام المسلَّح المستمرّ نتيجة اتساع مساحة الخلافات وانكشاف سوأة الطرفين وتَكشُّف غاياتهما من التحالف المصلحي بينهما، وتباين، بل تضادّ اجندتيهما، وتهيئة الظروف الراهنة لفَضّ هذا التحالف التكتيكي بينهما لتحقيق كل طرف مصلحته وأهدافه بعيدا عن الآخَر، فالخلافات لم تعُد ثانوية ولا تمثل تسويتها مهمَّة يسيرة، وكلاهما لن يمنع تكرار الاشتباكات، بخاصة في ظل مطالبة أنصار صالح بالتسلح والاستعداد للمواجهات القادمة والثأر للقتلى الذين كان من بينهم العسكري البارز العقيد أحمد الرضى، كما تشهد صنعاء انتشارًا مكثفًا للحوثيين بالتزامن مع انتشار مماثل لقوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح في الشوارع الرئيسة والفرعية كافة بشمال ووسط صنعاء، وبالتوازي مع ذلك طالبت قيادات من الحوثيين بفرض حالة الطوارئ لإحكام السيطرة على مناطق نفوذ صالح، ممَّا يعني أن رسائل استعراض القوة تتقدم الآن على دعوات التصالح التي تَبَنَّتها اتجاهات عديدة، وهو أوضح مؤشِّر على صعوبة احتواء تلك الأزمة، وعلى تكرار المواجهات المسلَّحة.
المصدر|مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية