عبر تاريخ اليمن، كان من الصعب دائما حسم المعارك العسكرية فيه نظرا لوعورة تضاريسه خصوصا في شماله، بل إن اليمن الشمالي مع الحجاز هي المناطق الوحيدة في العالم الإسلامي التي لم يستطع الاستعمار الغربي السيطرة عليها.
واليوم في ظل الحرب الدائرة بين قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي من جهة وبين قوات المخلوع صالح ومليشيات الحوثي من جهة أخرى، ظهرت متغيرات خطيرة قد تؤدي في حال تطورها وتمددها إلى إنهاء الحرب في اليمن التي يبدو أنه من الصعب حسمها عسكريا بسبب الجغرافيا اليمنية.
كذلك فإن المعارك في محيط العاصمة اليمنية من ناحية، والتقدم في محاور صعدة وتعز، وتحرير غالب الموانئ (باستثناء الحديدة)، قد ضيق الخناق بشكل كامل على مليشيات صالح والحوثي.
ولهذا فاستمالة صالح وقواته العسكرية وحرسه الجمهوري في المعركة ضد الحوثيين، خطوة إن تمت، فستساهم في إختصار زمن المعركة مع مليشيات إيران في اليمن الممثلة في الحوثيين.
مواقف صالح
كلما شعر الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بأن الخناق قد ضاق على ميليشياته، كلما سعى لمصالحة دول التحالف العربي وقدم لها التنازلات، ولهذا فقد خرج المخلوع أكثر من مرة ليؤكد أن لا علاقة له بإيران وأنه على استعداد للتصالح والحوار مع الدول الخليجية كما أنه اعتبر أن السعودية هي الشقيقة الكبرى.
وقد طلب صالح في مرات عدة تدخل بلدان الخليج لوقف المعارك في اليمن وتقديم مبادرة كالمبادرة الخليجية التي انقلب عليها سابقا.
صالح خرج بمثل هذه الكلمات الاستسلامية رغم عنترياته السابقة، لتيقنه من حقيقة ما يجري على الأرض، وإصرار التحالف العربي وقوات الحكومة اليمنية على المضي قدما في المعركة، وقد سعى صالح لفك ارتباطه بالمليشيات الموالية لإيران.
وقد أعطى صالح، منذ أشهر، الضوء الأخضر لوسائل الإعلام التابعة له لتعرية زعيم الميليشيات الحوثية وقائدها عبدالملك الحوثي وفضحهم أمام المواطن اليمني، وقد هدد في لقاءات خاصة "ببيع الحوثي للتحالف إذا لم يتم الرضوخ لمطالبه، واصفاً الحوثيين بالمتطرفين وإنهم مليشيات، وأنهم باعوا اليمن إلى طهران بثمن بخس"، وأنهم "مجرد جماعة لصوص تسعى إلى المغانم والوزارات والأموال، وقالت مصادر مقربة من صالح أنه "يعمل حاليا على خطة لطرد الحوثيين من صنعاء".
كل ما سبق يعني أن صالح يرسل إشارات إلى "التحالف" على أنه مستعد لقتالها إذا تم عقد صفقة معه لوقف الحرب.
المواجهة بين صالح والحوثي
وقد هددت قناة المسيرة التابعة للحوثیین المخلوع صالح بالتخلص منه، خلال إجازة عيد الأضحى المبارك، وفي مقدمة نشرتها في سياق حديثها عن تعهد حكومة بن حبتور الانقلابية بصرف راتب قبل العيد: "إن العيد إجازة يحتاجها البعض.. ليستريحوا ويُريحوا بعد أن وصلوا في الكِبَر عتيا، وفي السياسة عتوا"، في إشارة إلى المخلوع صالح.
وكان الحوثيون، اتهموا في بيان لهم صالح، بأنه أعلم الحرب عليهم، وصدر من الجناح المسلح للجماعة، المسمى "اللجان الشعبية"، اتهموا صالح بأنه ومن خلال وصفه لمسلحيهم بـ"المليشيا"، قام بـ"طعنة من الظهر"، وخاطبوه بالقول: "منخلعا وهو المخلوع عن كل شيمة ومروءة ووطنية ودين وأعراف وأسلاف".
الاختلافات العقائدية
من خرافات الحوثيين، أنهم يعتقدون أن زعيم المتمردين “عبد الملك الحوثي” هو المهدي المنتظر الذي سيحرر فلسطين وكل الأراضي المحتلة في كل مكان (لا شك أن التحرير في عقيدة هؤلاء تتشابه مع جرائمهم في العراق وسوريا).
وهم يعتقدون اعتقادا جازما أن هذا عصر ظهور “المهدي” لديهم وأن احتلالهم “مكة المكرمة” قد حان وأنهم سيدخلونها عما قريب، وهذا ما صرح به قادة من الحوثيين على الفضائيات العربية، ومنها فضائية “المسيرة” التابعة لهم.
والغريب أن الوثيقة الفكرية والثقافية للجماعة، تقول إن الله اصطفى “آل الحوثي” على المسلمين كما اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين!
وهم يتبعون "الجارودية" أشد فئات الشيعية الزيدية تطرفا وقربا من الشيعة الإمامية، أما صالح وغالبية انصاره فيتبعون التشيع الزيدي الذي عرف عبر التاريخ بقربه من معتقدات "أهل السنة والجماعة".
ولهذا فاستمالة صالح وأنصاره وفصلهم عن الحوثيين ذراع إيران العسكري في اليمن، خطو في الاتجاه السليم، لإنهاء النفوذ الإيراني في اليمن وضربه في مقتل.
سيناريوهات محتملة
نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما أن ما يجري في صنعاء من الحوثي وصالح هو مسرحية هدفها إظهار وجود خلافات حادة بين الجانبين لاستغلال ذلك في إنهاء الحرب، وإما أننا أمام صراع فعلي بينهما وهنا فقط ستدور معارك كسر عظام بين الطرفين.
ولكن ما اراه أن التحالف العلني بين المخلوع صالح ومليشيات الحوثي أوشك على النهاية، وأن التصعيد العسكري بين الجانبين يزداد، خصوصا مع اعتقال مليشيا الحوثي لأنصار صالح وتطاولهم على زعماء القبائل الموالية لصالح.
فالأمر أكبر من مؤتمر لصالح (لإحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه)، وتريد مليشيا الحوثي إفساده وإنما الأمر أن هناك بالفعل تصدعا كبيرا في العلاقات بين الجانبين خصوصا مع استمرار المعارك مع الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية.
لذا لم يعد من المستغرب أن نسمع لدعوات خليجية تدعو للتعاون مع حزب صالح.