الثورة حق مشروع على المحتلين وميليشياتهم وطوابيرهم الخامسة العراقية والعربية التي تعينهم على الظلم.
لم نسمع من قبل أن دولا عظمى عملاقة كأميركا والصين وروسيا والهند تجاهر باحتقارها وترشرش إهاناتها وتهديداتها، كل يوم وكل ساعة، على دول وشعوب أخرى أصغر منها، وتهدّدها في أمنها وسيادتها وكرامتها، دون أن تبادرها دولة من تلك الدول ولا شعب من تلك الشعوب بكراهية أو غزو وعدوان.
الكبير لا يتحدّث عن نفسه ولا يباهي بقوته أمام الآخرين. أما الصغير فيبقى صغيرا والجبان جبان والذليل ذليل إلى أن تحين له فرصة انتقام من ضعفه وتعويض عن هوانه ونسيان ذله القديم فيبالغ في إظهار الشجاعة والقوة، ويمارس أقصى أنواع الاضطهاد ضد من تسوقه الأقدار بين يديه، ويصف العراقيون هذه الحالة بـ”ولية جبان”.
يبدو أن الذي أصاب قادة النظام الإيراني هو هذا المرض الذي لا يصيب إلا أصحاب العقول المختلة والنفوس الممتلئة بشعور عميق بالدونية. وهو ما دفع بهم إلى اعتماد لغة التهديد والتعالي على الآخرين والمبادرة بمعاداتهم، والمجاهرة بالحقد عليهم والرغبة في تدميرهم، وسيلة وحيدة للتعامل مع دول المنطقة والعالم، دون خوف ولا حياء.
لم يسبقهم إلى مباهاتهم بالغزو والعدوان والاحتلال والتهديد بدمار دول آمنة وحرق حياة شعوب هانئة راضية سوى حكّام مثلهم في الحماقة والتفاهة والغباء. وقد عجّل الزمن والشعوب لهم بالسقوط تحت أقدام شعوبهم قبل غيرها.
ليس وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان أول من أعلن أن العراق إيراني. وهدّد من يعترض على ذلك بمصير صدام حسين الذي قال عنه إنه “كان غارقا في الأحلام، لكن في النهاية أيقضناه من أحلامه، ثم قتلناه”.
وقال إن “على العرب الذين يعيشون فيه (العراق) أن يغادروه إلى صحرائهم القاحلة التي جاؤوا منها، من الموصل وحتى حدود البصرة”. وأضاف “لدينا في العراق قوة الحشد الشعبي الشيعي، وستُسكت أيَّ صوت يميل إلى جعل العراق يعود إلى ما يسمى بمحيطه العربي”.
وقبله كان علي يونسي، مستشار حسن روحاني، قد أعلن بوضوح أكثر أن “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.
وكانت وكالة أنباء أيسنا الإيرانية قد نقلت عن يونسي قوله إن “جغرافيا إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك”.
وهاجم يونسي الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة محمد خاتمي جميع من يعارض النفوذ الإيراني في المنطقة معتبرا أن “كلّ منطقة شرق الأوسط إيرانية”. ثم جاء بعدهما أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد ليدلي بتصريحات باللغة الفارسية في مدينة مشهد الإيرانية ليرفض سلطة حكومة حزب الدعوة على الحشد الشعبي، رغم تأكيد رئيس الحشد فالح الفياض على “عمق العلاقة مع شخص رئيس الحكومة حيدر العبادي الحريص على نجاح تجربة الحشد، والداعم لترسيخه مستقبلا”.
وقد هدّد المهندس رئيس الوزراء، بصورة غير مباشرة، فقال ردا على سؤال عن علاقة الحشد بالحكومة وحول ما يقال عن إمكانية حلّ الحشد بعد انتهاء معارك الموصل “إن هذا لا يمكن أن يحصل، حتى ولو وقع رئيس الحكومة”. وتابع قائلا “وفي حال تم هذا الأمر فسنتجمع مرة ثانية”، واصفا حلَّ الحشد بأنه “جريمة كبرى”، مؤكدا أن تشكيله “حصل بفتوى مرجعية شرعية، وهو حركة أمة”.
فأيّ مصيبة هذه التي وقعت على رؤوس العراقيين حين سلّط الله عليهم غزاة متخلفين غارقين في الخرافة، وكأنهم خارجون من كهوف العصور المظلمة، ليطفئوا نور الحداثة والحضارة والحرية والسلام في العراق العزيز؟
حتى حين غزاه الأميركيون وسلموه لإيران ووكلائها العراقيين لم يتبجّحوا بأنه صار الولاية الحادية والخمسين التابعة لـ”الإمبراطورية الأميركية”، بل استخدموا “التقية” التي كان الأولى باستخدامها ملالي طهران، حسب العائدية، وتعمدوا مداهنة الشعب العراقي واستعملوا المرجع السيستاني غطاء شرعيا لاحتلالهم واستغفلوا قادة الأحزاب الإيرانية العراقيين ونصّبوهم زعماء ووزراء وسفراء وفتحوا لهم خزائن الوطن وقصوره ومزارعه ومنابع نفطه وذروهم يختلسون منها ما شاء لهم الاختلاس، لكي يجعلوهم أداوتهم الفاعلة ويحمّلوهم مسؤولية تمرير المخططات المرسومة لتمزيق العراق وما جاوره، ودفعوا بهم إلى فرض دستورهم “الأعوج” وقوانينهم الناقصة التي أدخلوا بها العراق والمنطقة في محرقة الصراع المذهبي المدمّر الذي لن ينتهي في الغد المنظور.
ولكن الزمن والتاريخ لا يتوقفان عن الكتابة والقراءة. وقد كانا وما زالا يُخبران من في رأسه عقل بأن العراق كان العراق ويبقى هو العراق، وبأن إيران كانت إيران وتبقى هي إيران، إلى أبد الآبدين، وما عدا ذلك فسحاب صيف لا يدوم. فقد داس ترابَ العراق الأبيّ غزاة أكثرُ قوة وجبروتا من ملالي إيران ثم احترقت بناره جيوشُهم الجرارة التي كانوا يزعمون بأنها لا تقهر.
المصدر:كتابات