السبت, 06 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الطلاب الدارسون في إيران .. مخططات «النفوذ الناعم» لنشر التشيّع عبر العالم

تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، أضحى الهاجس الأول المُسيطر على نظام الملالي الحاكم في طهران هو «تصدير الثورة» إلى العالمين العربي والإسلامي، لكي يجري إسقاط الأنظمة الحاكمة في هذين العالمين، وبالتالي تصبح الأنظمة الجديدة - المُفترضة- بمثابة «رديف سياسي» لهذا النظام.

وسَعت إيران إلى محاولة التمدّد سياسياً وثقافياً من خلال تدابير مختلفة، على رأسها «النفوذ الناعم» المتمثّل في إنشاء جيوب شيعية عبر بلدان آسيا وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال استقطاب عشرات الآلاف من الطلاب العرب والمسلمين من مواطني هذه البلدان للدراسة في المؤسسات الإيرانية التعليمية، ضمن مساعٍ حثيثة للسيطرة على عقول الأجيال الجديدة من الشباب، وفي إطار استراتيجية كبرى لنشر التشيّع عبر العالم.

يقول الباحث السيد أبو داوود إن "نظام الملالي يستهدف استقدام الطلاب العرب والمسلمين للدراسة في الجامعات الإيرانية، وخاصةً في جامعتي المصطفى والخوميني، حيث يتم إخضاع هؤلاء الطلبة لعمليات تشييع واسعة النطاق، من خلال تنظيم دورات في الفكر الشيعي يكون لزاماً عليهم الانتساب لها، من أجل منحهم شهادات التخرج، فضلاً عن مساعدة الفقراء منهم مادياً، لكسب تعاطفهم مع هذا الفكر، ومن ثم مع الدولة الإيرانية، لكي يصبحوا لقمة سائغة في أيدي النظام، يحركهم كيفما شاء بعد عودتهم إلى بلادهم لخدمة أهدافه في مواجهة الأعداء العرب"([1]). 

التبشير الشيعي في أفريقيا وآسيا:

يقول خبراء في الشأن الإيراني إن إيران تنتهج سياسة جريئة في مشروعها لنشر التشيّع في أفريقيا، حيث فتحت كافة جامعاتها ومؤسساتها للطلاب والطالبات، ذكوراً وإناثاً، واستقبلت العشرات من العلماء الأفارقة ودعمتهم، في إطار مساعٍ حثيثة لتشييع أكثر من 10 ملايين شخص في الدول الأفريقية، عن طريق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الإيرانية التي تمددت في القارة السمراء، إثر خروج المؤسسات الخيرية الخليجية من أفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة([2]).

ومنذ نحو عام، وتحديداً في مايو 2016، أطلقت إيران مشروعاً، هو الأخطر من نوعه، لنشر التشيّع في 30 دولة أفريقية، كجزء من استراتيجية يتبناها النظام الحاكم في طهران، للسيطرة على مُقدرات الشعوب العربية والإسلامية، ضمن المد الشيعي الذي يسعى «الملالي» إلى دعمه بكل السبل، من خلال استقطاب مئات الآلاف من الطلاب للدراسة فيما يسمى «الحوزات العلمية» في كل من مدينتي قُم ومشهد، فضلاً عن الجامعات الإيرانية المختلفة، واستخدام هؤلاء الطلبة لأهداف سياسية محضة، كـ «حصان طروادة» لنشر التشيّع، وإيجاد أجيال جديدة من الطلاب المرتبطين روحياً وثقافياً بنظام «الملالي»، من الممكن استخدامهم فيما كـ «طابور ثقافي خامس» أي بمثابة «جواسيس ثقافيين» لهذا النظام.

وعن النشاط «التبشيري الشيعي» المستمر منذ عدة عقود في أفريقيا وآسيا، يقول الباحث إبراهيم منشاوي: "تسعى إيران إلى توظيف قوّتها الناعمة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية، وخاصة تلك القائمة على أساس ديني، وذلك بالعمل على نشر مذهبها الشيعي القائم على أساس ولاية الفقيه، والإعلاء من الحوزة العلمية لديها في قم الإيرانية، من أجل جذب المزيد من الطلاب المريدين وتخريج الأئمة الموالين لها، والذين يعملون كسفراء لقوتها الناعمة ينشرون رسائل إيران الدينية والثورية والإعلامية والثقافية والسياسية.

يضيف الباحث: وتركز قوة إيران الناعمة، والقائمة على أساس ديني، على منطقة الخليج العربي والمنطقتين العربية والأفريقية. وهي في ذلك تعتمد على مجموعة من الأدوات تأتي ضمن النشاط الثقافي والتعليمي والإعلامي الإيراني، وهو يشمل:

• نشر الكتب التي تدعو للتشيع علانيةً، وإنشاء مكتبات ودور نشر متخصصة لهذا الغرض، والمشاركة الدائمة للمكتبات الشيعية في معارض الكتب الدولية المقامة في دول المنطقة، ونشر أفكار الشيعة وكتبهم بين هذه الشعوب، وتوزيع عدد كبير من هذه الكتب مجاناً كنشاط مرافق لهذه المعارض، والعمل على طرح منتجات بأسماء إسلامية.

• إنشاء مراكز ثقافية شيعية تحت مسميات مختلفة، ومن ثم إصدار المنشورات والصحف والبيانات منها، وتبني العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية المجتمعية.

• تقديم المنح الدراسية للطلاب لتشييعهم وتشجيع البعثات العلمية والزيارات الأكاديمية إلى إيران وتسهيل كل ما يتعلق بذلك.

• استغلال القنوات الفضائية الشيعية الكثيرة لنشر المذهب الشيعي والدعوة لاعتناقه ببرامج ووسائل متعددة.

• تفعيل دور السفارات الإيرانية في دول المنطقة، من خلال إقامة الفعاليات الثقافية، والندوات العلمية، وإنشاء المُلحقيات الثقافية والمكتبات العامة المليئة بالكتب الشيعية، ودعم الجمعيات والملتقيات والمراكز الثقافية  وحضور احتفالاتها.

• استغلال شبكة الإنترنت، وخاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، في نشر فكر التشيّع وتجنيد الأتباع.

• الاحتفال بالأعياد والمآتم الشيعية المختلفة في دول المنطقة، كل بلد بحسب السيطرة والقدرة فيه، مع ما يرافق ذلك من ندوات ولقاءات ومحاضرات يتم فيها شرح ما وقع في هذه المناسبة، وسبب الاحتفال بها، وسرد «المآثر» والقصص وغيرها.

ووفق الباحث، استخدمت طهران هذه الإستراتيجية في اليمن من خلال مجموعة من الأدوات للتغلغل في الشأن اليمني، ونشر مذهبها في المناطق الشيعية في اليمن، وقد كان أبرز ما اعتمدت عليه طهران في هذا الصدد ما يلي:

1- البعثات الطلابية:

حيث دأبت إيران منذ استقبال بدر الدين الحوثي، ومن بعده حسين الحوثي في طهران، على تقديم عدد من البعثات العلمية لعدد من الطلبة اليمنيين الذين ينتمون إلى «الحركة الحوثية» للدراسة في مدينة «قم» الإيرانية، حيث تم إرسال الطلاب الشيعة من أبناء مشايخ القبائل ومن حملة الشهادات الثانوية في بعثات علمية على حساب السفارة الإيرانية إلى إيران، للدراسة في الحوزات العلمية في طهران لمدة 4 سنوات لدراسة العقائد «الاثنى عشرية» ونظريات الثورة الإيرانية.

كما أخذت السفارة الإيرانية عشرات الطلاب في المرحلتين المتوسطة والثانوية إلى مراكز علمية جعفرية في صنعاء وصعدة؛ لتلقي دورات علمية تتراوح بين 6 أشهر وعامين، وبدعم كامل من السفارة الإيرانية، من أجل تعليمهم وتأهيلهم ليصبحوا دعاةً في المناطق الشيعية اليمنية المختلفة. وقد صاحب ذلك الأمر ظاهرة أخرى، تتمثل في تدفق العديد من الطلاب اليمنيين إلى إيران للتعلم، ولكن خارج أطر الابتعاث الرسمية، حيث تتكفل إيران بجميع تكاليف الإقامة والدراسة، وتهدف إيران من وراء هذه العملية إلى:

* تجنيد هؤلاء الطلاب للعمل لصالحها في اليمن، من أجل دعم «الحركة الحوثية» وبعض الأحزاب السياسية الشيعية اليمنية.

* تشييع الطلاب بالمذهب «الاثنى عشري» من أجل العمل على نشره في اليمن، وإكسابهم المهارات الكافية لكي يكونوا دعاةً أو أئمةً يدعون إلى هذا المذهب.

* إكسابهم المهارات القتالية اللازمة من أجل مساعدة العناصر الموالية لها في اليمن، حيث كشفت بعض التقارير عن أن هؤلاء الطلاب تم استقبالهم من قيادات في «الحرس الثوري» الإيراني، ومن ثم جرى توزيعهم على 3 معسكرات تابعة للحرس في ثلاث مدن إيرانية، وهي شيراز ومشهد وأصفهان، وهي مدن استحدث فيها «الحرس» معسكرات تدريبية لإعداد المقاتلين في صفوف الحرس الثوري، وحزب اللـه اللبناني، وعدد من دول القارة الأفريقية.

2- إنشاء المدارس والحسينيات الشيعية:

وهي وسيلة أخرى تسعى من خلالها إيران لنشر المذهب الجعفري في اليمن، وفي هذا الإطار أنشأت «الحركة الحوثية» وشيعة اليمن عدداً من المدارس بدعم إيراني، منها:

- «دار العلوم العليا»: وتم بناؤها على نفقة إيران، ويصل الطلاب فيها إلى 1500 طالب.

- «المدرسة الجعفرية»: تعتبر هذه المدرسة، ومقرها عدن، اللجنة التبليغية لجمعية الشيعة «الاثني عشرية»، ويديرها عبد الكريم علي عبد الكريم، وهي تنضوي تحت كيان مؤسسي يعتبر الأقدم على الإطلاق في اليمن.

- «دار أحباب أهل البيت»: وهي مركز ثقافي في محافظة تعز، يديره أبو حسين علي الشامي، وهي أول دار في هذه المحافظة.

- «مؤسسة دار الزهراء» للإعلام الثقافي: مؤسسة شيعية في صنعاء، ويديرها محمد الحاتمي.

- «مركز بدر العلمي»: مقره صنعاء، وكان يديره الدكتور مرتضى زيد المحطوري، ويقوم المركز بتدريس علوم المذهب الزيدي، كما يضم مكتبة عامة كبيرة.

- «مركز الدراسات الإسلامية»: ومقره صنعاء أيضاً، ويرأسه إبراهيم بن محمد الوزير، وتصدر عنه جريدة «البلاغ» الأسبوعية التي يرأس تحريرها عبد اللـه بن إبراهيم الوزير، نجل رئيس المركز.

- «مدرسة الهادي»: وتعد المركز الرئيس لانطلاق «الدعوة الحوثية»، وتقع في قمة جبل مران بمحافظة صعدة.

- «مركز ضحيان»: ويقع في محافظة صعدة أيضاً، وقد قام بافتتاحه السفير الإيراني في صنعاء.

- «مركز الثقلين»: مقره صنعاء, ويشرف عليه شيعي عراقي، إضافةً إلى شيعي يمني درس في مدينة قم الإيرانية يدعى إسماعيل الشامي, ويمارس المركز مختلف الأنشطة, ويدعو أهالي المنطقة إلى ممارسة عقائد الشيعة([3]).

وتوجهت طهران - بشكلٍ خاص- إلى أطراف العالم الإسلامي، لاسيما إلى إندونيسيا، باعتباره البلد الأكبر من حيث الكثافة السكانية بين الدول الإسلامية، حيث يبلغ عدد سكانها 250 مليون نسمة، 86% منهم من أهل السنة، فعمدت إيران إلى إرسال الدعاة الشيعة إلى مناطق لامبوننج، وبسولاويسي جنوب الشرقية، وبونجيت جاكرتا، وبينجكولو، وسومطرة الجنوبية، والشمالية، وكاليمانتان الغربية، وغيرها، كما عمدت لابتعاث الطلبة الإندونيسيين إلى إيران لتغيير قناعاتهم السنية، ونشر الكتب التي تروج للمذهب الشيعي مثل كتاب «المراجعات» الذي طبع منه أكثر من مليون نسخة باللغة الإندونيسية، مع الانتشار المقنن في جامعات مختلفة مثل "الجامعة الإسلامية الحكومية، وجامعة المحمدية، وجامعة مالاحياتي باندر لامبونج، وجامعة 19 نوفمبر"، وسواها.

ويتولى حسين الحبشي، مدير معهد التربية الإسلامية في جزيرة «جاواه الشرقية»، نشر الأفكار الشيعية منذ قيام الثورة الإيرانية في 1979، تحت شعار «الوحدة بين المسلمين»، ثم بدأ «الحبشي» في عقد الثمانينيات يرسل عدداً من طلابه إلى إيران، ليدرسوا في حوزة «قم».

وبعودة أولئك الطلاب من إيران فإنهم يصبحون أبواقاً للشيعة في إندونيسيا بأنشطتهم المتنوعة، فعلى الصعيد السياسي يتوغلون في الأحزاب، سواء الأحزاب الإسلامية أو العلمانية، وعلى الصعيد التربوي يفتتحون المدارس بدءاً من رياض الأطفال إلى المرحلة الجامعية، وعلى الصعيد الدعوي ينشطون في المحاضرات والندوات واللقاءات، سواء عن طريق الدروس أو التجمعات أو القنوات أو مواقع الإنترنت، وغيرها من الوسائل([4]).

وفي فبراير 2016، حذّر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من خطر التشيع في إندونيسيا، ولم يتوانَ الطيب خلال زيارته لهذه الدولة عن دعوة الشباب الإندونيسي السني إلى "التمسك بعقيدة جمهور أهل السنة والجماعة، وعدم الانجراف إلى دعوات الفرقة والتعصب المذهبي المذموم"([5]).

من جهة أخرى، يقول الباحث بخاري مردابي موسى: "تشهد جمهورية جزر القمر في السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً للنفوذ الإيراني وللتمدد الشيعي، بصورة متسارعة وملفتة، شأنها في ذلك شأن سائر حركات التشيع والحملات الصفوية المنتشرة في الدول الإسلامية بصفة عامة، وفي القارة الإفريقية بصفة خاصة.

ومنذ انطلاقة الثورة الإيرانية وهي تحاول مد النفوذ الشيعي خارج أراضيها وإن تغيرت أساليبها لتحقيق ذلك، من الشكل الصريح لنموذج تصدير الثورة، إلى التغلغل في صورة منظمات خيرية، ومؤسسات اجتماعية، مرورا بالكتب والمنشورات، حيث شرعت إيران في السعي لتحقيق العديد من الأهداف، وفي مجالات متعددة، وهذا ما يجري في جزر القمر، فحركة التشيع في الجزر قد بدأت تأخذ زخمًا متزايداً خلال الفترة الأخيرة".

ويضيف «موسى» أنه "منذ تولي عبد الله سامبي، المتهم بالتشيع منذ أن كان طالباً في إيران، رئاسة الجمهورية في عام 2006، أخذ التوجه نحو التشيع لدى أبناء جزر القمر في التنامي بصورة مرحلية وممنهجة، بل ومؤسسية، وعبر آليات ووسائل متنوعة ومتعددة تحت ما يسمى بتصدير الثورة، مما شكل نقطة مفصلية في تاريخ جزر القمر".

ويتابع الباحث: ولا شك أن التغلغل الإيراني في جزر القمر وسعيها الحثيث لتشييع مواطنيها قد حقق نجاحات لا بأس بها نسبياً وذلك يرجع إلى عدة عوامل، من أهمها:

1- الطلاب القمريون الذين يدرسون في مدغشقر وكينيا، حيث يتم تشييعهم من قبل السفارات الإيرانية ومراكزها الثقافية الموجودة في هذين البلدين، وذلك من خلال استغلال خبيث لظروف الطلاب المعيشية وظروف الغربة، وقد ثبت من خلال المتابعة والرصد أن معظم المتشيعين في جزر القمر تشيعوا في مدغشقر، حيث يوجد فيها وفي كينيا مراكز وهيئات إيرانية لأجل تشييع شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.

2- المنح الإيرانية الدراسية المجانية للجنسين التي فتحت على مصراعيها في الدولة الصفوية أو بمراكزها التعليمية في كينيا، حيث «معهد الرسول الأكرم» الذي أسسه الإيرانيون، أو غيره من المراكز الأخرى في بعض الدول الإفريقية ليعودوا غداً على نهج الرئيس السابق، وهناك خلايا تنشط في استقطاب الطلاب لهذا الغرض، ويوجد في إيران حاليا المئات من الطلاب يواصلون دراستهم في جامعة «قم» الإيرانية.

3- تولي الرئيس سامبي، المتشيّع والموالي لإيران، منصب الرئاسة في بلاده، فحرص على تقوية علاقات بلاده بإيران، ففي يونيو 2008 زار «سامبي» إيران على رأس وفد اقتصادي - سياسي رفيع المستوى، وأكد على ضرورة الاستفادة من تجارب الخبراء اﻹيرانيين في تنمية بلاده، حيث تم استثمار هذا الحدث من قبل إيران والشيعة في تحقيق وجودهم في جزر القمر، من خلال تكثيف نشاطاتهم الدعوية والتبشيرية بصورة ملفتة كماً ونوعاً([6]).

وفي إطار مساعي الاستقطاب هذه، تقدم إيران ما يمكن اعتباره «إغراءات دراسية» للطلبة، ففي سبتمبر 2013، وافقت «جامعة طهران» التي تُعد من بين أفضل 500 جامعة في العالم، على قبول الطلاب المصريين الحاصلين على الثانوية العامة المصرية بمجاميع منخفضة في كلياتها، حيث قبلت الجامعة في تلك السنة أول دفعة من الحاصلين على الثانوية شعبة «العلمي علوم» في كليات «الطب البشرى» بنسبة 75٪ و«طب الأسنان» و«الصيدلة» بنسبة 70٪، في حين أن مثل هذه المجاميع لم تكن تؤهل أصحابها في تلك السنة الدراسية للالتحاق بكليات أدنى في سلّم الدراسة الجامعية، مثل كليات «التجارة أو الآداب»([7]). 

وتحكي الطالبة المصرية ميار حمدي عن تجربتها في هذا الصدد، قائلةً: "كنت أعمل مندوبة مبيعات بشركة خاصة، بعد أن تركت كلية التجارة بسبب ظروفي المادية الصعبة، وكنت أساعد أسرتي في تكاليف المعيشة، وأستغل فترة الليل في تسويق المنتجات عبر الإنترنت (..) وفى يومٍ ما قمت ببيع منتج إلى شخص يدعى الشيخ محمود العقيلي العراقي، ومع الوقت تعارفنا أكثر حتى أصبحنا أصدقاء، إلى أن جاء مصر، وقمتُ بمقابلته بناء على طلبه، وكان يأخذ جميع المنتجات التي معي بسعر يتجاوز سعرها الأساسي بكثير، وعندما سألته عن سبب ذلك، قال إنه عضو في جمعية الإمام الفاطمية التي تقوم بمساعدة الفقراء، فتشيّعت، وأصبحت عضواً في الجمعية".

وتضيف «ميار»: "ظللت أعمل لمدة سنة بالجمعية، حتى عرض على الشيخ العقيلى السفر إلى العراق، وبالفعل سافرت، وتعلمت في الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، ثم التحقتُ بجامعة المصطفى في إيران لدراسة فقه وأصول الدين، ووجدت ما يقرب من 150 فتاة مصرية يدرسن معي بالجامعة، وتعارفنا هناك، وجميعهن تلقّين مساعدات بنفس الطريقة، وتم إعلان تشيّعهن أيضا"([8]).

المؤسسات التعليمية الناشطة في مجال التشييع

لا تجري عملية استقطاب الطلاب للدراسة اعتباطياً، فثمة جهات راعية ومؤسسات وقوانين إيرانية تنظّم ذلك. ويُعد ما يُسمى «المجمع العالمي لآل البيت» الذي يتبع المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرةً، والذي تأسس عام 1990، بمثابة «الدينامو الإيراني» لنشر التشيع عبر التعليم في دول العالمين العربي والإسلامي، وفق هدف مُعلن هو "نشر معارف أهل البيت وترسيخ الوحدة الإسلامية والعمل على اكتشاف وتنظيم وتعليم ودعم أتباع العترة الطاهرة عليهم السلام"، وهو ما يعني - بكلمات أخرى- نشر التشيّع، وتغذية ودعم المد الشيعي بكافة الطرق الممكنة.

وحسب الباحثين، فإن "المجمع أشبه ما يكون بشبكة دولية، أو بالأحرى دولة شيعية مُصغّرة هدفها وضع مشاريع وخطط دورية لنشر التشيع في العالم تشرف على تنفيذها شخصيات رفيعة المستوى من النخب والرموز الشيعية حول العالم، ولعل البند الرابع في بيان المجمع عن أهداف التأسيس، يكشف الكثير من آلية عمله واعتماده ميزانيات ضخمة لتجنيد العملاء والأتباع؛ حيث ينص هذا البند على "مكافحة الفقر والجوع والمحاولة لإيجاد السلام الدولي، وتوسعة الأسس المادية والمعنوية لأتباع أهل البيت في العالم والمساعدة علی نمو وإصلاح الوضع الفكري، والثقافي، والسياسي والاقتصادي، والاجتماعي لأتباع أهل البيت".

وتتم تحركات ونشاطات المجمع في دول العالم الإسلامي تحت غطاء «تحقيق الوحدة الإسلامية»، وهو الشعار الذي قد لا يخلو منه أي من بياناته، لكن المتابع لأنشطة المجمع لا يجد عناءً في اكتشاف اصطفاف هذه المنظمة قلباً وقالباً خلف «مصالح إيران» وحدها في المنطقة والعالم.

ويتكوّن المجمع من هيئات وأذرع مختلفة، تتنوع أنشطتها المعلنة بين طرح ومناقشة البرامج ووضع الأهداف وآليات العمل، والخطط الثقافية لاستقطاب الطلاب من مختلف الدول حول العالم للدراسة في إيران، لدفع «المشروع الشيعي» قُدماً إلى الأمام.

ويترأس المجمع محسن مجتهد شبستري، المرجع الشيعي المعروف، وهو يتكون من 25 عضوا من دول مختلفة، غالبيتهم من إيران، وبعضهم من العراق ولبنان والسعودية والبحرين، ودول إفريقيا، ومن ضمنهم حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله» اللبناني، والكويتي حسين المعتوق، والبحريني عيسى قاسم، وسيد مرتضى، عن قارة أفريقيا.

ويُذكر أن هناك زيادة كبيرة في أعداد الطلاب اليمنيين الدارسين في إيران بعد عام 2011، وأن عدداً منهم شارك في عملية اقتحام السفارة السعودية، بعد أن أُخضِعوا لعمليات «غسيل مخ» طائفية، دشنوا على إثرها حملة تحت عنوان «يمني هستم (أنا يمني)" في إيران، جمعوا خلالها التبرعات لـ«الحوثيين» وشاركوا في نشاطات سياسية في الخارج، كما أن بعضاً منهم أصبح جزءاً من قوات التعبئة الإيرانية «الباسيج».

ولهذا السبب، أصدرت وزارة التربية والتعليم اليمنية في يناير الماضي، قراراً بوقف البعثات الدراسية إلى إيران، وعدم اعتماد الشهادات التي تُمنح من قبل المتمردين «الحوثيين». وقال عبدالله لملس وزير التربية والتعليم اليمني إن "الوزارة قررت وقف المبتعثين للدراسة في إيران، نظير ما يتلقونه من أفكار هدامة تكرس مفاهيم المذهبية والطائفية"، مشيراً إلى وجود أكثر من 7 آلاف طالب يمني يتلقون تعليمهم في مدينة «قم» الإيرانية حالياً.

وأكد نبيل البكيري، الباحث اليمني المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أن "ما يجري لهؤلاء الطلاب ليس سوى استكمال لمسلسل الاستراتيجية الإيرانية في تفتيت النسيج العربي طائفياً، "من خلال التعبئة الطائفية التي تفتت المجتمع العربي الواحد".

وأضاف «البكيري»: "لو كان هناك نية حقيقية لدى الإيرانيين في دعم العرب واليمنيين؛ لتمّ استيعاب هؤلاء الطلاب في الكليات والمعاهد العلمية، لكن للأسف فالهدف ليس هذا وإنما تفكيك المجتمع العربي مذهبياً"([9]).

وفي إبريل الماضي، أعلن حسين سالار آملي، نائب وزير العلوم الإيراني للشؤون الدولية، أن 52 ألف طالب جامعي أجنبي يدرسون في الجامعات الإيرانية في الوقت الحاضر، موضحا أن نحو 23 ألفاً من هؤلاء الطلبة الجامعيين يدرسون في جامعات تابعة لوزارة العلوم، فيما يدرس البقية في جامعة «المصطفى» والجامعة الإسلامية الحرة «آزاد» وجامعات وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي([10]).

ويؤكد متخصصون في الشأن الإيراني أن الصراع بين إيران والدول العربية ليس صراعاً عسكرياً وجغرافياً وأمنياً فحسب، بل إنه يطال الجانب التربوي والثقافي أيضاً. ومن ذلك أن إيران عمدت إلى تشويه منظّم لصورة العرب في المناهج التعليمية التي يتلقاها الطلاب الإيرانيون والوافدون معاً، بحيث اختزلت الحضارة العربية من خلال الصراع المذهبي بنظرته الضيقة، مشوهةً التاريخ العربي، ما يُورث الطلاب العرب الدارسين في إيران كراهية لأوطانهم الأصلية، ويُفقدهم انتماءهم الوطني، وهو أمر بالغ الخطورة، ينبغي التنبّه له وإيقاف الابتعاث الدراسي إلى الجامعات الإيرانية فوراً، وقبل فوات الأوان.

 

[1]- السيد أبو داوود «تصاعد المد الإيراني في العالم العربي» منشورات دار «العبيكان للنشر» الرياض، السعودية، الطبعة الأولى 2014، ص 180 و181.

[2]- محمد مجيد الأحوازي، «إيران تطلق أكبر مشروع لنشر التشيع في أفريقيا» موقع «عربي 21»: https://goo.gl/jb0zSg

[3]- إبراهيم منشاوي «النفوذ الناعم: البعد الديني في السياسة الخارجية الإيرانية والحركة الحوثية في اليمن» موقع المركز العربي للبحوث والدراسات: https://goo.gl/ldDd1k

[4]- «التشيّع في إندونيسيا» موقع مجلة «البيان»: https://goo.gl/nWS7RL

[5]- الأزهر يحذر من خطر التشيّع في إندونيسيا- موقع «الشرق الأوسط»:

https://goo.gl/MMkBij

 

[6]- بخاري مردابي موسى «المد الشيعي في جزر القمر... دلالات وأبعاد» موقع «الراصد»:

https://goo.gl/spQWCI

[7]- عصام عبد الجواد «طهران تستقطب الطلاب المصريين بتخفيض نسب القبول» موقع «روز اليوسف»: https://goo.gl/nID6PI

[8]- بسمة محمد «مفاجأة.. إيران تستقطب 150 مصرية لدراسة الفقه الشيعي بطهران» موقع «الصباح»: https://goo.gl/10YwnU

[9]- 7 آلاف طالب يمني يتلقون تعليمهم في «قم».. والحكومة توقف الابتعاث إلى إيران- موقع «الناشر»: https://goo.gl/tLQ26i

[10]- 52 ألف طالب جامعي أجنبي في الجامعات الإيرانية- موقع «قناة المنار»: https://goo.gl/I7QOyY

الراصد

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت