صادف يوم السادس والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي الذكرى السنوية العاشرة لجريمة اغتيال الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الذي اغتيل على يد عنصر من الموساد الإسرائيلي في مدينة "سليما" بجزيرة مالطا.
فعلى الرغم من مضي عقد كامل على تلك جريمة إلا أن هناك العديد من التساؤلات المتعلقة بها بقيت من غير جواب. وهناك أسرار ما تزال طي الكتمان. وهناك من غُيـّب جسديا أو سياسيا حتى لا يكشف ما عنده من معلومات قد تجيب على تلك التساؤلات التي طرحت عقب مقتل الشقاقي. ومن بين هؤلاء المغيبين أشخاص كانوا على صلة قريبة بشقاقي، وبعضهم كانوا مسؤولين كبار في حركة الجهاد الإسلامي ولكنهم اختفوا او أقصوا من مواقعهم ولم يتكلموا إلى اليوم على الرغم من استطاعتهم الإجابة على الكثير من التساؤلات التي طرحت ولكنهم لم يفعلوا ذلك لأمرين، إما خشية من وقوع الفتنة و إنهاء الحركة التي ساهم هذا البعض في تأسيسها من أجل مقارعة الاحتلال وتحرير المقدسات وسكت على مضض لحين حصول الوقت الملائم، و إما خشية من عملية التصفية أو التغييب التي طالت البعض ممن حاول الإجابة على بعض تلك التساؤلات المتعلقة بعملية بيع الشقاقي للموساد الإسرائيلي.
ولكن سكوت هؤلاء العارفين لم يمنع بعض المهتمين بالشأن الفلسطيني والذين كانوا على معرفة بالشهيد الشقاقي وطريقة الاحتياطات الأمنية التي اعتاد على اتخاذها أثناء تنقلاته من البحث للوصول إلى أجوبة لتساؤلاتهم التي أثارتها عملية الاغتيال.
من خلال سيرة حياة الشقاقي يتضح انه كان في بداية نشاطه السياسي في مرحلة الستينيات من المتأثرين بالفكر القومي العربي إلا انه بعد نكسة عام 1967م حول اتجاهه واصبح ذات توجه إسلامي (أخوان المسلمين ). وقد تزامن وجوده في مصر، التي انتقل أليها لدراسة الطب في جامعة الزقازيق، مع بداية الثورة الإيرانية وسطوع نجم الخميني وهو ما أثر في فكر الشقاقي حتى ذهب إلى وضع كتابه المعروف "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل" الأمر الذي لفت نظر الإيرانيين الذين كانوا يتصيدون الفرص ليستغلوا المؤمنين من أصحاب النوايا الحسنة والعواطف الصادقة ليتخذوا منهم وسيلة لتحقيق أهدافهم التوسعية، فكان الشقاقي بعواطفه النبيلة وأيمانه الصادق وقضيته العادلة خير من يمكن استغلاله حسب رأيهم ولهذا وجدوا في امتعاضه من الجمود الحركي لدى إخوان المسلمين تجاه القضية الفلسطينية، وتأثره بالثورية الخمينية، وحماسه الشديد لتكوين حركة إسلامية مسلحة في فلسطين فرصة لكي يعرضوا عليه المساعدة لدعمه وهي الفرصة الذهبية التي ما كان لشقاقي أن يرفضها. وقد قام على الفور بإنشاء حركة الجهاد الإسلامي التي اشتق اسمها من تنظيم الجهاد الإسلامي التي اغتالت الرئيس المصري أنور السادات في أكتوبر سنة 1981 وهو نفس العام الذي عاد فيه الشقاقي إلى فلسطين لوضع تنظيمه على الأرض. وخلال تواجده داخل الأراضي المحتلة من عام 1981 وحتى عام 1988 ، تاريخ إبعاده إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، كان الشقاقي يتابع بدقة السياسة الإيرانية ويرى الاختلاف ما بين الشعارات التي كانت تعلن ابان انتصار الثورة والتي تفاعل معها مثله مثل سائر الملايين من العرب والمسلمين، وبين ما آلت إليه تلك الثورة وكيف انحرفت من مسيرة اسلامية إلى طائفية معادية للعرب.
وحين اخذ يتردد على طهران ويلتقي المسؤولين الإيرانيين ويحتك بهم عن كثب، بدأت تظهر له الصورة الحقيقية، لهذا سعى إلى تكوين علاقات جديدة مع دول عربية تغنيه عن اعتماده الكلي على الدعم الإيراني. فبدأ بإجراء اتصالاته مع ليبيا والسودان فضلا عن سوريا التي اتخذ منها مقرا رئيسيا له ولقيادة الحركة وقد لقي الدعم من ليبيا ومن السودان التي فتحت أبواب جامعاتها ومعسكراتها لانصار حركة الجهاد وهو ما جعل الشقاقي اكثر تحرر من الضغوط الإيرانية. وحسب ما نقله لنا أحد قادة الحركة السابقين فان ما كانت تقدمه ليبيا في عام يساوي ما تعطيه ايران بخمسة أعوام وكان هذا يغيض الإيرانيبن كثيرا حتى بدأت الهوة تزداد اتساع بينهم وبين الشقاقي الذي كان يواجه مطالب الإيرانيين في كثيرا من الأحيان بالرفض القاطع. ومن ابرز الأمور التي وسعت من رقعة الخلافات بين الطرفين رفض الشقاقي إلغاء منصب مرشد الحركة الذي كان يشغله "الشيخ عبد العزيز عودة" حيث كان الإيرانيون يصرون على ان تحذو حركة الجهاد الإسلامي حذو حزب الله باتخاذ قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي مرشدا عاما لها ولكن الشقاقي رفض ذلك وكثيرا ما كان ينتقد الأسلوب المتعالي للإيرانيين وتحقيرهم العرب أمامه بين حين وآخر وصار الإيرانيون يتهمونه بالانحياز لميوله القومية اكثر من الانحياز لميوله الإسلامية.
وفي آخر سفرة له إلى طهران في شهر رمضان من عام 1415هـ أي قبل استشهاده بثمانية اشهر حصل الطلاق الغير معلن بين الشقاقي والإيرانيين. ففي تلك السفرة التي رافقه فيها مسؤول العلاقات الخارجية للحركة آنذاك ابو احمد (عصام الناطور)، تم حجز الشقاقي ورفيقه في بيت شمال طهران ولم يسمح له بالخروج منه إلى المدينة كما قُطع عنه الهاتف ولكن بعد فترة شهر بأكمله، تمكن الشقاقي، وبعد مفاوضات مضنية، من إقناع الإيرانيين بإطلاق سراحه ورفيقه بعد ان أقنعهم بأنه سوف يقطع علاقاته بليبيا ويلغي منصب المرشد العام للحركة ويلبي الشروط الأخرى التي كان الإيرانيون يصرون عليها ومن ضمنها ان يكونوا هم من يختار زمان ومكان العمليات العسكرية التي تنفذها الحركة ضد قوات الاحتلال بالإضافة إلى ضرورة تصعيد خطاب الحركة المعادي للرئيس ياسر عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية وهو ما كان يرفضه الشقاقي دائما وكان يصر على توجيه الانتقاد بدل الهجوم والتشهير على غرار ما كانت تفعله بعض التنظيمات الفلسطينية التي تحضي بدعم ايران آنذاك من أمثال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة احمد جبريل وحركة فتح الانتفاضة بقيادة ابو موسى و أبو خالد العملة وغيرها.
كان الإيرانيون ومنذ ان أخذت خلافتهم تتصاعد مع الشقاقي قد بدأوا بتهيئة البديل له وقد وقع اختيارهم على الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام الحالي للحركة الذي يعد من الأشخاص الأوائل الذين التحقوا بحركة الجهاد عندما كان طالبا بكلية الاقتصاد في مصر، وحين انتقل من الأراضي المحتلة إلى أمريكا صار يتردد علي ايران وتمكن من بناء علاقات جيدة مع أطراف متنفذة في القرار الإيراني وذلك بعد ان اظهر لها ميوله للمذهب الشيعي وتهجمه المستمر على الخط العروبي والرئيس الراحل ياسر عرفات.
كانت زيارات رمضان شلح النادرة إلى دمشق لا تطول اكثر من أيام محدودة. غير ان هذه المرة دامت قرابة الخمسة اشهر قبل ان يعلن عن استشهاد الشقاقي. وفي اليوم الذي كان من المقرر ان يصل فيه الشقاقي إلى دمشق قادما من مالطا عن طريق قبرص خرج رمضان شلح برفقة المسؤول الإعلامي في الحركة آنذاك لاستقباله وحينما هبطت الطائرة في مطار دمشق ولم ينزل منها الشقاقي قال المسؤول الإعلامي المرافق لشلح "يبدو أن الأخ ابو إبراهيم لن يأتي اليوم" كانت هذه الكلمات كافية لكي يعدم الرجل في لبنان بأمر من الدكتور رمضان شلح لاسباب بقيت مجهولة إلى الآن.
بعد مقتل الشقاقي تم إلغاء منصب مرشد العام للحركة وعزل الشيخ عبد العزيز عودة من منصبه واصبح المرشد الإيراني علي خامنئي هو المرشد هو المرجع لحركة الجهاد، كما تم عزل عصام الناطور مسؤول العلاقات الخارجية والمطلع على كثير من أسرار الخلافات بين الشقاقي والإيرانيين كما تم أبعاد عدد من المسؤولين عسكريين من أمثال أبو جهاد في لبنان.
كما تم إلغاء كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب من المنهاج الفكري للحركة وأصبحت كتب القادة الإيرانيين هي المعتمدة خصوصا بين الأعضاء في الخارج، وهناك الكثير من الأمور الأخرى التي لا تسعها هذه المساحة.
التساؤلات التي مازالت تطرح حيال عملية بيع الشهيد فتحي الشقاقي للعدو الإسرائيلي كثيرة بعضها ليس لها جواب في الوقت الراهن وبعضها الآخر ربما تجد جواب فيما عرضنها.
*مدير قناة المحمّرة
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphW.../11/103834.htm