الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

قراءة في نتائج الانتخابات الإيرانية.. ماذا يعني فوز «روحاني» بفترة رئاسية جديدة؟

في العمق - شريف عبد الحميد | Sun, May 21, 2017 7:13 PM
الزيارات: 1444
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< مريم رجوي: فوز «روحاني» بولاية ثانية هزيمة نكراء للمرشد الأعلى «خامنئي».. ومؤشر لبداية نهاية «ولاية الفقيه»

<< عدد الإعدامات في عهد «روحاني» سجل في أغسطس 2016 نحو 2500 شخص وهو الأعلى منذ 25 عاما

<< المراقبون السياسيون: «روحاني» ليس بالسياسي المعتدل على الإطلاق بل إنه يمثل مع «رئيسي» وجهين لعُملة واحدة

<< باحث في الشؤون الإيرانية: الصراع السياسي في إيران بين الأصوليين والمعتدلين لم يعد خافيا على أحد

<< «عبيدي»: هذه الانتخابات «هُندست» مثل سابقاتها من قِبل المرشد و«الحرس الثوري» بدعم من التيار الأصولي

للوهلة الأولى، يبدو للمراقبين السياسيين والمهتمين بالشأن الإيراني أنه لا جديد تحت شمس طهران، بعد فوز الرئيس الحالي حسن روحاني الذي يوصف بـ«الاعتدال» في الانتخابات الرئاسية على منافسه إبراهيم رئيسي، مرشح المتشددين، بـ57% من أصوات الناخبين. فمن الصحيح أن النتائج لم تأت بجديد، غير أن ما يدور تحت السطح في بلاد «آيات الله» المُدعين، يؤشر على اشتعال صراع ضارٍ بين «المعتدلين» الذين يمثلهم «روحاني»، والمحافظين الذين دفعوا بـ«رئيسي» للترشح في انتخابات اعتبرها المراقبون بمثابة نقطة فاصلة في تاريخ البلاد.

وتحدث «رئيسي»، في بيان له عقب صدور النتائج مباشرة، عن وجود "مشاكسات ومخالفات سافرة قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية"، مؤكدا أنه "سيتابعها عبر المسار القانوني"، وأن "المشاركة الحماسية القصوى للشعب لدى صناديق الاقتراع، بعثت السرور لدى كل إيراني، لكنها لم تخل من تجاوزات".

وأضاف «رئيسي»: "لا يمكن تجاهل قرابة 16 مليون صوت طالبوا بالتغيير، وسأكون اللسان الناطق للمحرومين من أجل متابعة مطالب الشعب في محاربة الفساد والتمييز وإرساء قيم الثورة الإسلامية"، معربا عن أمله في أن "يكون تنفيذ العدالة الاجتماعية ورفع هواجس الشعب الاقتصادية والمعيشية للمحرومين من ضمن أولويات برامج الحكومة الثانية عشرة".([1])

شروق وغروب «آيات الله»

حينما فاز «روحاني» لأول مرة في انتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو 2013، قالت صحيفة «آمال» الصادرة في طهران وقتها: "لقد أشرقت شمس الاعتدال على إيران"، بينما صرح المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئي قائلا "إن التصويت لأي من المرشحين هو تصويت للجمهورية الإسلامية وتصويت على الثقة بالنظام".

وهذا التصريح كشف أن النظام الإيراني لم ير يومًا في فوز «روحاني» خطراً، أو حسبما صورته بعض التحليلات السياسية المتفائلة باعتباره «تسونامي» إصلاحيا جديدا، وإلاّ كان المرشد أطاح بـ«روحاني» من خلال مجلس صيانة الدستور، على غرار ما فعله مع رحيم مشائي، مستشار الرئيس السابق أحمدي نجاد، رغم التهديدات التي وجهها «مشائي» بـ«كشف المستور»، بل إن النظام هيأ الأجواء آنذاك أمام فوز «روحاني» لرغبته في تقليص حدة التوتر مع الخارج.([2])

وعلى مستوى الداخل الإيراني، يرى المراقبون السياسيون أن «الحرس الثوري» والمحافظين، وحتى المرشد الأعلى نفسه، الذي دعم «رئيسي» بقوة، كانوا يتخوفون من ضغط الشارع الإيراني، ومن احتمالات التصعيد في حال تم التلاعب بنتائج الانتخابات، وأنهم تجنبوا عودة اضطرابات عام 2009؛ بسبب الوضع الداخلي المتأزم، والضغوط، والعزلة الإقليمية والدولية التي يعاني منها النظام منذ سنوات، على خلفية برنامجه النووي، وتدخلاته السافرة عسكريا وسياسيا في دول الجوار العربي والإسلامي، وعلى رأسها سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان ودول الخليج العربي.

وفي هذا الصدد، قالت مريم رجوي، رئيس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إن فوز «روحاني» بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يُعد «هزيمة نكراء» للمرشد الأعلى علي خامنئي، ويعد مؤشراً لـ"نهاية نظام ولاية الفقيه."

وأضافت «رجوي» في بيان: "لن تُثمر الولاية الثانية لرئاسة روحاني سوى عن تفاقم الأزمات وتصعيد الصراع على السلطة، حيث تفجرت الأزمات في قمة الفاشية الدينية، وستستمر حتى سقوط نظام ولاية الفقيه"، مشيرة إلى أن "فشل خامنئي في هندسة الانتخابات وإخراج الملا رئيسي من الصناديق، ومن ثم توحيد نظام ولاية الفقيه، يعد فشلاً ذريعاً جداً، ويعتبر من المؤشرات لنهاية النظام".

وتابعت «رجوي»: "لم يقدم روحاني خلال السنوات الأربع الماضية للشعب سوى مزيد من القمع والإعدامات والفقر وعدم المساواة، كما أن مدخول النظام من الاتفاق النووي أيضا تم استخدامه لدعم آلة الحروب في المنطقة، ولزيادة الميزانية العسكرية والأمنية"، منوهة إلى "أن روحاني لن يقوم بتغيير يُذكر، سواء فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، أو حرية الأحزاب والإفراج عن السجناء السياسيين، أو دفع النظام إلى الانسحاب من سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان".([3]

وجهان لعُملة «القمع»

يرى متابعون أن هناك قناعة لدى قطاعات عريضة من الشعب الإيراني بأنه يمكنها التغيير التدريجي، أو أنها - على العكس- ثابتة على معتقدها بتأديتها «فرضاً دينياً» ألزمهم به «الوليّ الفقيه، نائب الإمام الغائب، صاحب الزمان المعصوم»، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «خامنئي».

غير أن الحقيقة هي خلاف ذلك، فليس «روحاني» بالسياسي «المعتدل» على الإطلاق، بل إنه يمثل مع «رئيسي» الموصوف بـ«التشدد» وجهين لعُملة واحدة، وهي عُملة القمع السياسي الدموي، ففي «يوليو» 2015، أعلنت «منظمة حقوق الإنسان» الإيرانية عن أن السلطات نفذت عقوبة الإعدام في حق 1900 شخص منذ تسلم «روحاني» السلطة في يونيو 2013، أُعدم 570 منهم خلال الفترة من «يناير» وحتى نهاية «يونيو» 2015.([4])

وبحسب التقرير الدوري للمنظمة الصادر وقتها، فإن هذا الرقم يعني أن معدل 3 أشخاص يومياً تم إعدامهم خلال 6 أشهر في مختلف السجون الإيرانية. وذكر التقرير أن "الإعدامات في إيران ازدادت في ذلك العام بنسبة 40% مقارنة بعام 2015."

ووصل الأمر إلى إعدام أكثر من 43 سجينا خلال 3 أيام في سجني «رجايي شهر» و«قزلحصار»، الذي شهد سابقا إعدامات جماعية مشابهة في السابق، وكان من بين الضحايا شخص يعاني من مرض نفسي.

وبحلول أغسطس 2016، سجل عدد الإعدامات في عهد «روحاني» رقما قياسيا جديدا هو الأعلى من نوعه منذ 25 عاما، حيث أُعدم حتى ذلك التاريخ نحو 2500 شخص.([5]

وفي مارس الماضي، أعدمت السلطات الإيرانية 75 امرأة بمختلف التهم. وذكرت لجنة المرأة في «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» أن عدد النساء اللاتي تم إعدامهن بعد مجيء «روحاني» إلى السلطة منذ عام 2013، بلغت 755 امرأة. ولا تشمل تلك الإحصائية «الإعدامات الخفية» التي ربما نفذت سرا.([6])

ويذكر أن عشرات الفتيات القاصرات مازلن يقبعن في سجون إيران بانتظار تنفيذ أحكام إعدام بحقهن، فيما تنتظر بعضُ الفتيات الإعدام عقابا لهن على جرائم لا تستحق الموت، مثل السرقة أو الهروب من المنزل.

وقال سعيد بومدوحة، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «منظمة العفو الدولية»، إن "عدد الإعدامات منذ تولى روحاني الحكم قبل نحو 3 سنوات تجاوز 2000 حالة إعدام"، موضحا أن "هذا العدد يعادل أكثر من ضعفي ما كان عليه الحال في عهد سلفه محمود أحمدي نجاد".([7])

من جهة أخرى، اعتبر محللون أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية تبدو ضمن أطر ديمقراطية شكلانية، أو هكذا يحاول نظام حكم «الملالي» في إيران أن يُظهرها، وهو ما دأب النظام على الاشتغال عليه منذ أن راح الصراع في الداخل الإيراني يحتدم، ويأخذ شكل صراع على استلام دفة الحكم، أي منذ أن وصول محمد خاتمي إلى سدة الحكم في «مايو» من عام 1997، وهو المحسوب على ما يسمى «الإصلاحيين»، لكن كثيرا من المهتمين بالشأن الإيراني يرون أن ذلك «مسرحية» ليس إلا، فلا فرق بين متشددين وإصلاحيين، فكلاهما يتكئ على نظام «ولاية الفقيه»، وكلاهما يتعامل مع مسألة «تصدير الثورة» إلى الخارج، وما زالت السياسة الإيرانية في المنطقة تتابع المسارات ذاتها، مهما تغيّر «ساكن» القصر الرئاسي الإيراني.

ويعتبر جمال عبيدي، الباحث في الشؤون الإيرانية، أن هذه الانتخابات كسابقاتها، هُندست من قبل المرشد و«الحرس الثوري» بدعم من عموم التيار الأصولي المسيطر على المشهد السياسي في إيران، وأن الغاية من هذه الانتخابات هي توجيه رسالتين إلى الداخل والخارج معا، والرسالة التي أراد النظام إيصالها للداخل الإيراني هي أن الجماهير والشعوب «غير الفارسية» القاطنة في جغرافية إيران السياسية تشارك في رسم سياسات الدولة، وبالتالي هي من اختارت بين الإصلاحي والمتشدد. أما بالنسبة للخارج، فيرغب النظام من خلال المشاركة الواسعة التي حشد لها، في الحصول على «الشرعية» من خلال صناديق الاقتراع.

وأكد «عبيدي» أن المتشددين والإصلاحيين لا يختلفون في السياسات العامة للبلاد، ولا سيما السياسة الخارجية، وأن الحكومات الإيرانية المتعاقبة، منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 إلى يومنا هذا، هي مجرد حكومات تنفذ السياسات المرسومة مُسبقا. ومن حيث الأساس الأيديولوجي، لا يختلف الإصلاحي عن الأصولي في شيء، إذ إن طبيعة النظام لا تسمح أبدا بالعمل الحزبي، حيث يشكل هذا الأمر خطرا بالغا على رأس النظام، ألا وهو المرشد.

ويشير الباحث إلى أن "سياسات طهران ستستمر وفق المنهج نفسه الذي كانت عليه بغض النظر عن ماهية الفائز، إذ أن السياسات الخارجية الإيرانية تُهندس من قبل المرشد والحرس الثوري، ولا علاقة لها بالرئيس المنتخب سواء كان إصلاحيا أو أصوليا. أما بالنسبة إلى سوريا، حيث تشكّل بوابة دمشق أساس المشروع (الثيوفارسي) في العالم العربي، وكذلك همزة الوصل بين إيران وحزب الله  اللبناني، ذراع طهران الذي ينفذ سياساتها الطائفية في المنطقة، فلا أعتقد أننا سنرى أي تغيير في سياسات إيران في بلاد الشام في المدى المنظور".

من جهته، قال يعقوب سعيد الأحوازي، الباحث في الشؤون الإيرانية: "لم يعد الصراع السياسي بين جناحي النظام، أي الأصوليين الذين يدعمون الحفاظ على قيم الثورة الإسلامية، ويعبّرون عن الوجه المتشدد في الخطاب والأداء السياسي لهذا النظام من جهة، والمعتدلين الذين يستندون على البراغماتية في العمل والدبلوماسية في التعاطي من جهة أخرى، خافيا على أحد".

وحول السياسة الخارجية الإيرانية بعد الانتخابات، قال «الأحوازي»: "على مستوى السياسة الخارجية الإيرانية، سيبقى الأمر مرهونا بأداء وسلوك الحكومة الجديدة في المنطقة والسياسة الخارجية بشكل عام، فإذا ارتأت هذه الأخيرة أن تتجه في تدخلاتها السافرة بالمنطقة ولا سيما في سوريا والعراق واليمن، فسينجم عن  ذلك ردود فعل أكبر، ممثلة في حزمة عقوبات دولية جديدة، تتمكن من إنهاك إيران اقتصاديا واستنزافها سياسيا، خاصة في ظل الإدارة الجديدة للولايات المتحدة التي اختارت أن ترفع من منسوب انخراطها المباشر في تقرير أمور الشرق الأوسط، عبر إعادة تعزيز العلاقة مع حلفائها التقليديين، بغية الحد من مساعي إيران الهادفة إلى توسيع دائرة نفوذها وهيمنتها، التي تبدأ من الأحواز وتنتهي في لبنان".([8])

خلف أستار المعبد

من جانبه، عقب الإعلامي أحمد المسلماني على فوز «روحاني» قائلا: "نحن إزاء موقف صعب، 16 مليون إيراني قالوا نعم للتطرف". وأضاف «المسلماني»، خلال برنامج «الطبعة الأولى» المذاع عبر فضائية «دريم 2» المصرية يوم السبت الماضي، أن "الانتخابات الإيرانية ليست نزيهة كما يعتقد البعض، حيث لا يعد الرئيس الإيراني هو الشخص الأول في إيران، بل يعد الشخص الثاني في الدولة بعد المرشد الأعلى".

ويؤكد مراقبون ومحللون سياسيون أن ما تخبئه الجُدُر السميكة للنظام الإيراني، الذي يحجب نظاماً ثيوقراطيا متشددا في حكمه النافذ من خلف أستار كهنة معبد الطائفة؛ وأن الإيرانيين قد استسلموا لنظام يمنحهم فقط حرية اختيار رئيس منتخب يتمتع بسلطة محدودة جداً قياساً بالمرشد الأعلى غير المنتخب، والذي فرض على الشعب الإيراني بسطوة الاعتقاد بـ«معصوميته» الوهمية، وبسطوة «الحرس الثوري» الذي يُحكم قبضته على الدولة.

ويشير المراقبون إلى أن خلف حُجب الحكم تبدو «التقية» واقعاً معاشاً في السياسة كما الحياة الاعتيادية، وكما هو واقع ممارسات «الملالي»؛ فالصورة تبدو جميلة لنظام ديمقراطي يتوافد فيها الناخبون بعشرات الملايين لانتخاب رئيسهم؛ فيما الحقيقة فاقعة تكشف عن أن هذا الرئيس ليس إلا سكرتيرا شخصيا للمرشد، القائد الحقيقي للدولة ومحركها الأول، والمُمسك بكل أحبال العرائس المتحركة. وما تقدم يستوجب دراسته من جهة قياسات الرأي العام الإيراني، وكيفية تحييد قوة الأقليات ضمن أُطر من القمع والديمقراطية الشكلية معا، وطريقة الحكم التي تبدو أنها تحقق شيئا من التوازن في السلطات، لكنها في النهاية تحقق إرادات المرشد الأعلى وقيادات «الحرس الثوري» النافذة.([9])

 

[1] موقع «روسيا اليوم»: https://goo.gl/75b8MG

[2] موقع «الأمة»: https://goo.gl/qY2gaM

[3] موقع «سي إن إن بالعربية»: https://goo.gl/W4JXRn

[4] موقع «العربية»: https://goo.gl/LIoYzE

[5] موقع «سكاي نيوز عربية»: https://goo.gl/tfNvqT

[6] موقع صحيفة «الوئام»: https://goo.gl/vQvSxY

[7] موقع «الخليج أون لاين»: http://klj.onl/1VClVn

[8] موقع «ميكرو سوريا»: https://goo.gl/y60h1K

[9] موقع «المسلم»: https://goo.gl/MOJuvP

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت