هناك دراسة حديثة للبيانات السياسية أعدت من قبل المسؤولين الإيرانيين الرئيسيين خلال عام 2016 والنصف الأول من عام 2017، حيث تقدم الدراسة رؤى مثيرة للاهتمام حول الرؤية السياسية للبلاد وتعمل على تحديد الاتجاهات المستقبلية في سياستها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا والقضايا الرئيسية مثل الاتفاق النووي، وسوريا، والقضية الفلسطينية.
وقامت الدراسة التي أجراها مركز دراسات الجزيرة تحت عنوان أولويات السياسة الخارجية الإيرانية بتحليل 1400 بيان لشخصيات بارزة من بينها المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وقيادة فيلق الحرس الثوري، ووزير الدفاع والقوات المسلحة حسين دهقان.
في الوقت الذي يسلط فيه الضوء كل من المرشد الأعلى وقيادة الحرس الثوري الإيراني على إيران كقوة إقليمية، يركز روحاني ذو النهج الًاصلاحي بشكل أكثر، ووزارة الخارجية على دور إيران في مكافحة “الإرهاب”.
وقالت فاطمة الصمادي، الباحث الكبير في المركز وكاتبة الدراسة، “ربما يكون ذلك انعكاسا لإيديولوجيات الكتلتين الإصلاحيين والمحافظين”.
وأضافت، “إن خامنئي الأكثر تحفظا، وقيادة الحرس الثوري الإيراني يميلان إلى التركيز أكثر على الإشارات العاطفية للثورة والمجد العظيم لإيران، في حين أن روحاني الإصلاحي وحكومته أكثر واقعية وتركيز على قضايا ملموسة يمكن أن يتم إثبات تأثير إيران من خلالها”.
ومنذ توقيع الاتفاق النووي في منتصف عام 2015، يراقب المختصون في الشرق الأوسط عن كثب المكائد السياسية الإيرانية ونواياها في المنطقة. ومع استمرار الأزمات والنزاعات في المنطقة ودور إيران الإقليمي البارز، يتفق العديد من المحللين على أنه من المهم بشكل متزايد فهم كيفية رؤية البلاد لدورها المستقبلي في الشرق الأوسط ، خاصة في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الاتفاق النووي وآثاره على مستقبل إيران حظى بالكثير من الاهتمام في البيانات الرسمية، خاصة في ضوء تأثيره على العلاقات الثنائية الإيرانية.
تتنوع الآراء حول الاتفاق والنتائج المحتملة ما بين التنبؤات بتوترات طويلة الأمد حول الملف وبين الإعراب عن الأمل والتصميم على السعي إلى حل يستند إلى حلول توفيقية وسياسية.
وأوضحت صمادى قائلة، “إن معظم البيانات السياسية التي تم تحليلها أعربت عن الأمل في التوصل الى تسوية سياسية سلمية لجميع القضايا المتعلقة بالعقوبات والتنفيذ الكامل للاتفاق النووي”.
إن التركيز الواضح على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران يوضح أيضا أن العديد من السياسيين الإيرانيين كانوا “يدركون أن تنمية العلاقات مع واشنطن سيكون لها تأثير إيجابي على إعادة اندماج إيران داخل المجتمع الدولي”.
وبرزت الولايات المتحدة بشكل كبير في البيانات التي تم تحليلها، لتحتل المرتبة الأعلى بين جميع البلدان المذكورة، قبل السعودية وسوريا وتركيا ودول أخرى في المنطقة.
كانت معظم البيانات تنتقد الولايات المتحدة وتدين سلوكها السياسي، في حين تضمنت بعض البيانات عدائها للولايات المتحدة بالإضافة إلى بعض التهديدات.
وقالت صمادي، “إن لهجة هذه التصريحات تصاعدت في الربع الأول من عام 2017، حيث تولت إدارة ترامب في هذا الوقت مسألة العداء الخاص بها تجاه إيران”.
الجيران والقضايا الإقليمية
فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، يبدو أن رجال الدولة البارزين في إيران أكثر اهتماما بالصراع الدائر في سوريا، والذي ذكر بشكل أكثر من بين ما تم ذكره من الأزمات الإقليمية.
وأعقب ذلك اليمن، والقضية الفلسطينية، والمخاوف بشأن الحصول على إذن لأداء الحج والعمرة للمواطنين الإيرانيين، ومحنة المسلمين الشيعة في البحرين.
وتحدث معظم المسؤولين في سوريا عن حل سياسي مستقبلي، وفي المقابل تنبأ عدد قليل بفترة نزاع مطولة، ومجموعة أصغر من التصريحات رأت أن الحل الوحيد يكمن في مواجهة مسلحة كبرى.
وفقا لما قالته صمادي، لا تزال رؤية إيران “لحل سياسي ” تستبعد أغلبية المقاتلين في المقاومة المسلحة ضد نظام الأسد، مما يجعلها حل غير واقعي، أو ربما صعب التحقيق.
هذا يتناقض مع المواقف تجاه الصراع في اليمن والعراق والوضع في البحرين، حيث تشير معظم البيانات إلى أن صناع القرار في إيران يتوقعون توترا وصراع على هاتين الجبهتين في المستقبل.
هناك ملف إقليمي آخر مهم بالنسبة للحكومة الإيرانية، هو القضية الفلسطينية، حيث توقعت أغلبية ضئيلة استمرار التوتر، وتحدث عدد كبير من التصريحات عن “الحاجة إلى مواجهة مسلحة قوية لحل هذه المسألة”.
وأوضحت الدراسة أن الشريك الرئيسي في الكثير من القضايا التي تهم إيران على الصعيد الإقليمي، هو المملكة العربية السعودية، والتي كانت معظم البيانات الرسمية بشأنها حاسمة للغاية طوال عام 2016. وتم خفض حدة اللهجة المستخدمة بشأنها مع بداية عام 2017، بالإضافة إلى حديث روحاني عن محاولات لإصلاح العلاقة، ولكن لا توجد إشارات حقيقية على حدوث تقدم في هذه المسألة.
وفيما يتعلق بتركيا فهي جارة إقليمية يبدو أن صناع القرار الإيرانيين حريصون على الحفاظ على علاقات إيجابية معها كما يتضح من البيانات الرسمية التي تم تحليلها. وأشارت معظم اللهجات الى علاقات جيدة ودعم للرئيس رجب طيب أردوغان بعد الانقلاب الفاشل الذى وقع في العام الماضي.
أما عن روسيا فتعتبر لاعبا آخر هاما في السياسة الإقليمية اليوم. ومعظم التصريحات الرسمية الإيرانية حافظت على وجهة نظر إيجابية وتحدثت عن التعاون مع روسيا. وبطبيعة الحال، فإن البلدين يعملان بشكل وثيق على الأزمة السورية، وهما متفقان على دعمهما لنظام بشار الأسد.
القضايا المحلية
وكشف الجيش الإيراني في عدد من البيانات، مع تعليقات تعكس ما يبدو أنه توافق عام في الآراء، حول الحاجة إلى رفع مستوى القدرات العسكرية للبلاد وتعزيزها.
جدير بالذكر أن ذلك جاء بشكل خاص في سياق الحديث المتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، حيث احتل المركز الثاني بعد الملف النووي، ولكن تمت مناقشته على نحو أكثر من الجهود الإيرانية لمكافحة “الإرهاب” في المنطقة.
كما أنه كثيرا ما نقشت مسألة استقلال إيران عن أي اعتماد على بلدان أخرى أو قوى خارجية، وعادة ما كان ذلك متعلق بالواجب الوطني والحاجة لمواصلة العمل على تعزيز القدرات العسكرية. وهذه اللهجة تأتي بشكل أساسي من خطاب الحرس الثوري الإسلامي الذي يركز على قوة ونفوذ إيران وقدراتها العسكرية.
المصدر| الجزيرة الإنجليزية
ترجمة| التقرير