ما يعجز حسن روحاني عن قوله في الحملة الانتخابية خوفا مما لا تحمد عقباه في العلاقة مع دولة يحكمها المحافظون من الباب إلى المحراب؛ يقوله أنصاره في مناسبات عديدة تخص الحملة الانتخابية، تماما كما كانوا يفعلون ذلك طوال السنوات الأخيرة.
وما نعنيه هنا هو الحديث عن النزيف الاقتصادي الضخم الذي تعانيه إيران في سوريا. وفي حين لا يبدو النزيف البشري لافتا، الأمر الذي انتبه له المحافظون خشية تفجير الوضع الشعبي، فلجأوا إلى إرسال شيعة أفغان وباكستانيين، فضلا عن جحافل من العرب يتقدمهم حزب الله، فإن النزيف المالي هو الذي يلفت انتباه الغالبية من أبناء الشعب الإيراني ممن يعانون من تراجع الوضع الاقتصادي، مع آمال بتغير كبير إثر الاتفاق النووي.
لا يريد المحافظون المساس بالاتفاق النووي، وهم يدركون أن الوضع الداخلي لا يحتمل ذلك، فضلا عن أن عودة العقوبات ستعني تراجع الدخل، وبالتالي العجز عن إكمال المعارك الخارجية العبثية إياها.
والحال أن أدوات الترهيب التي يستخدمها المحافظون ضد من يحاول التشكيك في معركة سوريا، وخيارات الحرس الثوري، لم تعد مجدية، فالأصوات تعلو، وفي الجامعات تبدو أكثر وضوحا، وفي كل مناسبة للإصلاحيين يتصدر هذا الأمر الهتافات، وبالطبع لأن الإصلاحيين يدركون أن ما من شيء يمكنه فضّ الناس من حول المحافظين أكثر من هذا الملف الذي يمس حياتهم بشكل مباشر.
وما يعزز من قوة منطق الإصلاحيين هو أن كل النزيف الذي جرى تحمّله خلال الأعوام الأخيرة، وبات الآن أكثر وضوحا، لم يفض إلى نتيجة إيجابية، ذلك أن مجرد استدعاء الروس إلى سوريا، إنما يعني أن البلد لم يعد تحت الوصاية الإيرانية كما كان من قبل، وأن موسكو أصبحت صاحبة اليد الطولى فيه، وهي الآن من تطارد أمريكا من أجل التوصل إلى تسوية خشية التورط الطويل.
وها إن أمريكا التي لم يكن لها أي وجود في سوريا، تجد لها موطئ قدم أيضا عبر الأكراد. وفي كل الأحوال، فإن كل الاحتمالات في سوريا ليس من بينها عودتها إلى ما كانت عليه تحت وصاية إيران، والنتيجة أن كل النزيف الذي تحمّله الإيرانيون كان بلا طائل، الأمر الذي ينطبق على مغامرة اليمن، والتي تدفع إيران كلفتها أيضا. وإذا أضفنا العراق الذي يعود إليه الأمريكان بقوة، فإن نتائج كل مغامرات المحافظين كان عنوانها الفشل.
من حق الشعب الإيراني أن يسأل عن ذلك كله، فضلا عن أن ينهض البعد الإنساني لدى قطاع منه، فيسأل عن السبب وراء دعم مجرم يقتل شعبه كما هو الحال في سوريا، وكذلك السطو على ثورة شعب بالتعاون مع طاغية في اليمن، وهو ما نتابعه أحيانا في خطاب بعض الرموز.
ما نريد قوله هو إن فشل مشروع المحافظين الخارجي، وما يرتبه من نزيف من أموال الشعب الإيراني، هو عنصر القوة الأكبر لدى روحاني، وإذا ما وجد المحافظون سبيلا لإنجاح مرشحهم إبراهيم رئيسي عبر التزوير، فإن الأزمة لن تحل، بل ربما زادت تفاقما، بعد يأس الشعب من أي إصلاح عبر صناديق الاقتراع.
قلنا وسنظل نردد أنه سيأتي وقت، يدرك فيه محافظو إيران، هذا إن لم يدركوا حتى الآن، أن قرارهم بالوقوف خلف بشار ضد الشعب السوري هو أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة عام 79.
هكذا هي السياسة.. الأخطاء الاستراتيجية الكبرى لا تمر أبدا بدون تداعيات، وغرور القوة كثيرا ما يأتي بكوارث.
المصدر|الدستور الأردنية