انتخب أعضاء مجلس خبراء القيادة في إيران يوم أمس، آية الله أحمد جنتي رئيساً جديداً للمجلس في دورته الخامسة ولمدة ثماني سنوات قادمة. وحصل جنتي (تسعة وثمانون عاما) -الذي يترأس أيضا مجلس صيانة الدستور- على 51 صوتا من أصوات أعضاء مجلس خبراء القيادة البالغ عددهم 88 عضواً، فيما حصل كل من إبراهيم أميني ومحمودهاشمي شهرودي على 21 و13 صوتا على التوالي. وبالانتخاب أحمد جنتي أبقى المحافظون المتشددون سيطرتهم على مجلس خبراء القيادة. ويكتسب المجلس الحالي لخبراء القيادة أهمية كبيرة بعد أن طلب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في العاشر من آذار/مارس الماضي من مجلس خبراء القيادة الإيرانية اختيار زعيم “ثوري” يخلفه.
ويعد مجلس خبراء القيادة من المجالس المهمة في إيران، إذ تقع على عاتقه مهمة مراقبة عمل وتقييم أداء المرشد، فضلا عن إمكانية عزله وتعيين مرشد آخر بدلا منه إذا ما اقتضى الأمر ذلك.والمرشد في إيران يتمتع بصلاحيات واسعة ويعتبر صاحب القول الفصل في جميع أمور الدولة بما فيها السياسة الخارجية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أنه من يختص بتعيين رؤساء الهيئة القضائية وهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية والمجموعات الاقتصادية الكبرى. وفي هذا السياق نتساءل من هو آية الله أحمد جنتي رئيس مجلس خبراء القيادة في إيران، وما انعكاسات ترأسة لمجلس قيادة الخبراء على الداخل والخارج الإيراني؟
جاء انتخاب آية الله أحمد جنتي، رئيسا لمجلس خبراء القيادة، الذي يتمتع بنفوذ قوي في قيادة العملية السياسية في إيران، تعزيزا لنهج المحافظين فيها على الرغم من تراجع ممثليهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وآية الله جنتي أحد فقهاء الحوزة العلمية الدينية في قم الذين يتبنون مبدأ ولاية الفقية، وانخرطوا في العمل السياسي إلى جانب مسؤولياتهم الدينية.وكان جنتي أحد القلائل من رموز التيار المتشدد في إيران الذين أعيد انتخابهم في الانتخابات البرلمانية في شباط/فبراير الماضي.ويتولى جنتي أيضا أمانة مجلس صيانة الدستور في إيران، الذي يتولى عملية الاشراف على اختيار المرشحين لمجلس الخبراء، فضلا عن إقرار المتقدمين للترشيح في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ويعد من أقدم الاعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، الذي يتألف من 12 عضوا، إذ عينه آية الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الراحل، عضوا فيه في عام 1980.
ولد آية الله أحمد جنتي عام 1927 بمدينة أصفهان الإيرانية لعائلة دينية. تلقى دراسته الأولية في مدينة أصفهان، وواصل تعليمه في قم والمدرسة الفيضية، على يد عدد من الأساتذة المعروفين، شملت دراسته اللغة الإنجليزية والأدب العربي.مارس التدريس في مدرسة حقاني في زنجان لمدة 14 عاما، وتقلد بعد الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية الإسلامية العديد من الوظائف والمسؤوليات ذات الطابع القضائي والدعوي والسياسي. يعد من التيار الأصولي المتشدد ومن الشخصيات المقربة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، كما يعتبر مدافعا عن ولاية الفقيه القائمة على التعيين ويعارض مطالبة الإصلاحيين بتحديد صلاحيات الولي الفقيه.قدم دعما كبيرا للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، خاصة في فترته الرئاسية الأولى وخلال أزمة الانتخابات الرئاسية عام 2009، واتخذ موقفا متشددا من زعماء المعارضة (موسوي وكروبي).
يصنف ضمن التيار المعارض للتقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن الناقدين لهاشمي رفسنجاني، وإن كان ابنه الوزير علي جنتي من المؤيدين لتيار رفسنجاني. يتهمه خصومه بأنه وظف الصلاحيات الممنوحة له في مجلس صيانة الدستور لإقصاء الخصوم السياسيين ورفض المصادقة على ترشيحهم في الانتخابات.شارك أحمد جنتي قبل الثورة في الكثير من الفعاليات المناهضة للشاه، ومن خلال عضويته في مجمع مدرسي الحوزة العلمية في قم قام بتنظيم الكثير من المظاهرات المناهضة للشاه، وتعرض للاعتقال في قم والإبعاد إلى مدن أخرى أكثر من مرة.
شغل منصب قاضي محكمة الانقلاب التي شكلها الخميني، والتي قضت بإعدام الكثير من المخالفين، كان من بينهم ابن جنتي نفسه، الذي اتهم بالانتماء إلى منظمة مجاهدي خلق، وقتل هو وزوجته فاطمة سروري في مواجهات مسلحة مع حرس الثورة.شارك في تدوين وبناء النظام القضائي الإيراني بعد الثورة، وكان عضوا في مجلس صيانة الدستور منذ يومه الأول، وقد ترأس مؤسسة التبليغات الإسلامية، وكان إمام الجمعة في قم وكرمانشاه وطهران.تولى جنتي أمانة مجلس صيانة الدستور، وإدارة المحاكم الثورية الإسلامية،وكان عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضوا بهيئة مراجعة الدستور، وعضو مجلس الشورى العالي للثورة الثقافية.ترأس جنتي مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوا والمكلف بالإشراف على الانتخابات، وقد كلفه آية الله علي خامنئي بالنظر في طعون المعارضة في الانتخابات الرئاسية 2009 التي أثارت الكثير من القلاقل في إيران. وكان أحمد جنتي دعا إلى إعدام الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي بعد انتخابات 2009، وحض العراقيين على شنّ هجمات انتحارية على القوات الأميركية بعد الغزو عام 2003.
فعلى المستوى الداخلي مثّل انتخاب أحمد جنتي لرئاسة مجلس قيادة الخبراء مفاجئة بين الأوساط السياسية والشعبية في إيران أمس، بعدما شنّ معسكر رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني حملة لإقصائه من مجلس الخبراء، خلال الانتخابات التي نُظمت في 26 شباط/فبراير الماضي، كما شكّل هزيمة للأحزاب المعتدلة والإصلاحية التي أطلقت حملة ضده، خصوصا وأن نائبي الرئيس اللذين انتخبا الثلاثاء آية الله محمد علي موحدي كرماني ومحمود هاشمي شاهرودي محافظان معروفان. ومن جانبها اعتبرت وكالة أنباء «فارس» فوز أحمد جنتي «شوكة في عيون الذين أرادوا إبعاده من المجلس»، وهي إشارة واضحة لتيار هاشمي رفسنجامي. فرغم سعي الإيرانيين إلى دعم صعود المعتدلين، إلا أن المتشددين الذين يمسكون بأهم المؤسسات لن يسمحوا سوى بهامش صغير من الإصلاحات التي لا تمس من ثوابت ثورة آية الله الخميني وشعاراتها.
وقد أمل معسكر الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن يرشح الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني نفسه وينافس أحمد جنتي على المنصب، حيث هو أحد حلفاء الرئيس الإيراني الأكثر شعبية – لكنّه أعلن قبل بضعة أيّام أنّه لن يترشّح. ويعتقد بعض المحلّلين أنّه انسحب بسبب فضيحة سياسية تسبّبت بها ابنته فائزة، وهي ناشطة تحدّت مؤخراً المحرمات الدينية والسياسية بزيارتها القائدة البهائية فاريبا كمال آبادي. وتعامل الجمهورية الإيرانية أولئك الذين يمارسون الديانة البهائية ليس كأفراد من مجتمع أقلّية دينية، بل كـ “شبكة تجسس” خطرة موالية لإسرائيل شكلتها القوى المستعمرة المعادية للإسلام، لذلك أصبح أي اتصال معهم مخالفة قد تتمّ المعاقبة عليها. وبعد انتشار صور لزيارة فائزة، هاجمها العديد من القادة الدينيين والمسؤولين الحكوميين، ثمّ لاموا والدها لعدم تجاوبه بشكل مرضٍ.
إلّا أنّ عوامل سياسية أخرى لعبت دوراً أكبر في إقصاء رفسنجاني عن المنافسة. فهو يدرك جيّداً أنّ الانتخابات لم تغيّر تركيبة «المجلس» التي هي متطرفة- محافظة بغالبيتها، كما أنه لا يزال يشعر بالمرارة حول خسارته للمتشدد محمد يازدي خلال تصويت «المجلس» السابق.
ولم يكن اختيار أحمد جنتي رئيساً لمجلس خبراء القيادة يتم بعيدا عن رضا مرشد الثورة علي خامئني فالمجلس هو صاحب الاختصاص في اختيار من يخلف علي خامنئي نظراً لعمره المتقدّم (76) ومشاكله الصحية المحتملة. وسواء توفّي المرشد الأعلى بشكل مفاجئ أو قرّر إدارة الانتقال فيما لا يزال حيّاً. فانتخاب شخصية معادية للديمقراطية لهذا الحدّ في الرابع والعشرين من أيار/مايو، فلا بد أن يكون المحافظون واثقين من الدفع باتجاه مرشّح متعنّت ليصبح المرشد الأعلى إن تمّ طرح مسألة خلف في الأساس.
وبالإضافة إلى انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة، صوّت أعضاء «المجلس» على منصبَين آخرَين في الرابع والعشرين من أيار/مايو: فقد اختير محمد علي مرادي كرماني كنائب أوّل لأحمد جنتي والشهرودي كنائب ثاني. ومرادي كرماني هو ممثّل خامنئي السابق في «الحرس الثوري الإسلامي» ويتشاطر مع جنتي الفكر السياسي الديني نفسه. وقد شغل الشهرودي منصب نائب أوّل في «المجلس» السابق ورئيس بالنيابة بعد وفاة محمد رضا مهدوي كني، حيث لعب دوراً أساسياً في إدارة المؤسسة. ونظراً للعمر المتقدّم لجنتي (89) ومرادي كرماني (85)، قد يستطيع الشهرودي الأصغر سنّاً (67) أن يلعب دوراً أكثر محورية في المستقبل. وغالباً ما تمّ ذكره كأحد أكثر الأشخاص المحتملين لخلافة خامنئي، وستزيد حظوظه بفضل تأثيره في «المجلس» الذي هو أكبر ممّا قد يوحيه منصبه. كما أنّ جهوده لطرح نفسه كشخصية سياسية مترفّعة عن الأحزاب وسلطة دينية شيعية ستساعد أيضاً في احتمالات اختياره للمنصب.
أما على المستوى الخارجي يبعث انتخاب أحمد لرئاسة مجلس قيادة الخبراء رسالة مهمة إلى الولايات المتحدة الغربية والدول الغربية، اللذين يراهنا على وجود تغيير حقيقي في سياسة إيران الخارجية، مفادها أن الاعتدال مجرد يافطة لتضليل بعض الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، وأن إيران يتحكم فيها المتشددون. فانتخاب أحمد جنتي يؤكد أن النظام الإيراني لا يزال في قبضة المحافظين المتشددين، وأن انفتاحه على الدول الغربية انفتاح ظرفي، ويهدف بالأساس إلى تعبيد الطريق أمام رفع العقوبات الدولية عليه، وهو ما حصل بعد التوقيع على الاتفاق النووي. ولا يخفي أحمد جنتي عداءه للاتفاق ومعارضته لأي تقارب مع الولايات المتحدة، وهو الخطاب نفسه الذي يردده المرشد الحالي وسيكون المقياس الأول لاختيار المرشد القادم. وعلى مستوى علاقات النظام الإيراني مع دول الخليج العربي فأنه من المتوقع أن يعمل أحمد جنتي على تعميق الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج عموما، وهو الذي عرف بعدائه للرياض ومهاجمــة دورهـــا في اليمن في خطب الجمعة التي كان يلقيها في العاصمة طهران. ومن المفترض من وجهة نظر أحمد جنتي أن تترك المملكة العربية السعودية اليمن للنفوذ الإيراني وهذا ما لم يحدث. باختصار يُمثل أحمد جنتي بتوجهاته الفكرية وتجربته السياسية وبهذا المنصب الجديد في أهم مؤسسات النظام الإيراني، الوجه الحقيقي له.