هي الحقيقة التي بات كثيرٌ من الناس على قناعة تامة بها، حتى وإن أنكرها البعض علانية، إلا أنهم في قرارة أنفسهم يعترفون بها٬ وأصبحوا يدركون حقيقة الموقف، بل وربما مآلات سلسلة الحروب الدينية٬ التي تشنها إيران على أكثر من دولة عربية، خاصة في العراق وسورية واليمن، أدواتها إلى ذلك أشياعها المغيبين المخدوعين بولاية الفقيه الإيراني على المنطقة، ومشروع إعادة إحياء الدولة الصفوية، اعتمادا على الأساطير المؤسسة لها٬ كمظلومية آل البيت والثأر لهم من أحفاد معاوية ويزيد، والتعجيل بظهور المهدي المسردب الذي طال أمد انتظار خروجه، فأسس الفرس الصفويون على ذلك أسطورة جديدة تقول إن قتال الشيعة لأحفاد الأمويين في الشام سيعجل بظهوره.
لقد وصل الأمر حداً أن علي سعيدي، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي لدى الحرس الثوري، قد اتهم أمريكا والعلمانيين والليبراليين الإيرانيين بمنع وتأخير ظهور "المهدي"، وفي هذا نسف لكل ما يروجون له من معجزات وقدرة لمهديهم المنتظر، فيناقضون أنفسهم من خلال قرن عودته بإرادة بشر يفترض أنهم ضعفاء أمام ما يتمتع به من قوى غيبية خارقة، أما التلفزيون الإيراني فقد اتهم السعودية صراحة بأنها تخطط لاغتيال "المهدي" من خلال قناصة منتشرين على الأبراج المحيطة بالحرم المكي، أحمدي نجاد الرئيس الإيراني السابق ذهب أبعد من هذا عندما كرر ما قاله سابقاً من أن حكومته كانت تتواصل مع المهدي وتتلقى الأوامر منه مباشرة. هي روايات أقرب للخزعبلات منها للواقع!
منذ اختطاف الخميني لثورة الشعب الإيراني على الشاه، والمنطقة تسير من سيئ لأسوأ، لقد استطاع هذا الرجل تصفية أركان ورموز الثورة الإيرانية وكافة معارضيه، وارتكب مجازر مروعة راح ضحيتها آلاف المعتقلين، من عسكريين وطلاب وسياسيين، وإعلاميين، فأمسك بمقاليد الحكم بشكل كامل، ثم قام برسم سيناريو مسرحية العداء الكاذب لأمريكا والغرب، من خلال افتعال حادثة السفارة الأمريكية، وتماما على غرار ما فعل حافظ الأسد عام 1973، ولاحقا حزب الله في العام 2006 مع إسرائيل، من خلال مسرحيات حروب تشرعن لهم وتخدم أهدافهم في السيطرة على الشعوب، بشعارات كاذبة.
لقد نجحت ثورة الشام في فضح شعارات الصفويين الفرس وتابعهم الأسد وتعريتها، لنكتشف أنها كانت مقاولة لا مقاومة، ومماتعة لا ممانعة.
سيطرة الخميني على مقاليد الحكم وتصفيته لكافة معارضيه، مكنته من حرف مسار الثورة الإيرانية وتحويلها من ثورة على الديكتاتورية والاستبداد، إلى مشروع إعادة إحياء الدولة الصفوية الشيعية، وهو في سبيل هذا لجأ لرفع شعارات العداء للإمبريالية وقوى الاستكبار العالمي المتمثل بالغرب، وإطلاق ألقاب الشيطان الأكبر والأصغر على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتبني ما يعرف بشعار الدفاع عن المظلومين في العالم، بما فيهم "آل البيت"، وبهذا فإن نظام الملالي نجح في اختزال الدين الإسلامي بأمرين مظلومية آل البيت٬ ولطميات وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد كان لسيطرة إيران على العراق الأثر البالغ في المضي قدما بمشروع إقامة الدولة الصفوية، فالعراق كان كنزًا بشريا واقتصاديا هائلاً، مكنها من توفير الدم الفارسي، فنهبت نفط العراق وخيراته، وجوعت شعبه وأغرقته بالجريمة والفوضى والمخدرات والجهل، وشكلت عشرات الميليشيات المسلحة التي يديرها الحرس الثوري الإيراني، واستقطبت عشرات ألوف الشباب الشيعي المعدم والباحث عن فرصة عمل، فغسلت أدمغتهم وزجت بهم وقوداً في حربها على العرب.
في لبنان سار الأمر بشكل سلس وهادئ، فنجحت إيران باستقطاب معظم شيعته تحت راية وكيلها حزب الله، الذي صرح أمينه العام حسن نصر الله وقبل وصولة لرئاسة الحزب بسنين عديدة، أن هدف الحزب المعلن هو العمل على إقامة دولة ولاية الفقيه والتمكين لها في المنطقة، وبالتالي فإن كل من إنخرط في صفوف الحزب من شيعة لبنان، فعل ذلك عن قناعة وعقيدة وولاء لمرشد إيران الأعلى، فكان انخراط الحزب في الحرب على الشعب السوري فاعلًا، بل تعداه للقتال والتدريب في أكثر من دولة عربية كـ العراق واليمن والبحرين والكويت وغيرها من الدول التي لم يتم الإعلان فبها عن اكتشاف خلايا تابعة للحزب.
لقد عاش العرب بكافة أطيافهم الدينية والإثنية، خاصة في العراق والشام واليمن بوئام تام على مدى عشرات السنين، لدرجة أن السواد الأعظم من الناس لم يكن يعرف طائفة صديقه أو جاره، عدا عن علاقات النسب والمصاهرة بين السنة والشيعة وغيرهم، ولم يحدث قط أن كان هناك تمييز أو صراع طائفي قبل وصول الخميني لسدة الحكم في إيران، وهذه حقيقة لا يمكن لأي كان إنكارها.
مدينة بُصرى الشّام الواقعة جنوب سورية وتبعد عن دمشق حوالي 140 كلم، هي أحد الأمثلة الحية على التعايش السلمي بين السنة والشيعة، حيث وفي بدايات القرن الماضي قدم إليها بعض الشيعة من لبنان، فاستقروا وتكاثروا حتى بلغ تعدادهم قبل الثورة السورية لحوالي 7000 شخص، انصهروا مع أهل المدينة السنة وتزاوجوا فيما بينهم وعملوا في الزراعة، وأصبحوا مواطنين أصلاء، ليفتتحوا لاحقا الكثير من المحلات التجارية، لكنهم ومع إنطلاق الثورة السورية إختاروا أن يكونوا أداة بيد إيران التي جندتهم ضد أبناء المدينة والمنطقة، ولم تفلح كافة الجهود والوساطات والمصالحات في ثنيهم عن موقفهم هذا، لقد كان التأثير الإيراني طاغيا عليهم، فاستمروا في موقفهم هذا إلى أن تم اجتثاثهم من المدينة والمنطقة.
مصير شيعة الفوعة وكفريا لم يكن بأفضل من مصير شيعة بُصرى الشام، وهاهم قد شردوا من مساكنهم، وستقوم إيران بابتزازهم وتجنيد شبابهم للقتال هنا وهناك، وتماماً كما فعلت مع شيعة بُصرى الشام، الذين زجت بهم في جبهات القتال بدءًا من درعا وصولاً إلى حلب.
الإستقطاب الإيراني لأقليات في سورية لم يقتصر على الشيعة فقط، بل تعداه لكافة الطوائف، فقد سعت إيران لتشييع أكثر من طائفة سورية من بينها العلويون في الساحل، ولئن كانت محاولة تشييع العلويين (النصيريون) أمراً مفهوماً فإن محاولة تشييع الدروز في محافظة السويداء هو الغير مفهوم، لكنها ومع ذلك لم تتوقف عن محاولاتها هذه، فشكلت أو دعمت بعض الميليشيات المسلحة بهدف جر الدروز للقتال إلى جانبها، وتوريطهم في حرب مدمرة ضد جيرانهم السنة في محافظة درعا، وكذلك فعلت مع كل من إستطاعت الوصول إليه واستقطابه من مسيحيين وآشوريين ويزيديين وأكراد وحتى سنة وقوميين سوريين وعرب.
مع كل يوم يمر يسقط عشرات الشهداء والقتلى والجرحى، من مدنيين وعسكريين، ومن كافة الأديان والإثنيات، لكن يبقى أغلبهم مسلمون سنة خاصة من المدنيين العزل، الذين يتلقون الحصة الأكبر من إجرام طائرات الأسد وبوتين والتحالف الدولي في كل من العراق وسورية، وكل ما يتم استخدامه من أسلحة محرمة، يتم تجريب الكثير منها على شعوبنا، لكن ينبغي على الطرف الآخر ألا ينسى أنه أيضاً ينزف، وأن إستمرار الحرب ليس في صالحه فلا العمق البشري ولا دعم إيران الغارقة في الفقر والجهل والجريمة، سيضمنان لهم النصر على محيطهم السني مهما طال الزمن، وسيُستَنزفون تمامًا وصولًا إلى اجتثاثهم الكامل من المنطقة مالم يستيقظوا من سباتهم، وكما حدث في مدينة بُصرى الشام، حتى وإن بدا لهم أنهم في الربع ساعة الأخيرة من الحرب كما صرح دجال الضاحية قبل أكثر من عامين عندما قال مطمئناً ومعزيا أنصاره: "نحن في الربع ساعة الأخير من تحقيق النصر".
إيران اليوم تحاول توريط وإفناء الجميع في هذه الحرب المسعورة، فتعمل على إستقطاب المقاتلين من كافة الأديان والطوائف وصهرهم في الفيلق الخامس، وهو ما يثبت أنهم ماضون في مشروعهم حتى النهاية، وأنهم يستخدمون الجميع وقودًا لمحرقتهم.
كان يمكن لثورة الشام أن تصنع تغييرًا سلميًا حقيقياً يصب في مصلحة السوريين من كافة الإثنيات والطوائف، ويعزز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، لو أن هؤلاء أدركوا هذه الحقيقة ولم يتخندقوا في صف إيران والنظام المجرم المستبد، الذي لم يوفر إجرامه أيًا من السوريين!؟
قبل أيام صرح القيادي البارز في كتائب أبو الفضل العباس "محسن سيد موسوي" بالقول: أن الميليشيات الشيعية في سورية ستستمر في القتال حتى وإن سقط الأسد، وأنها لن تترك سورية لمحور الشر "الأمريكي الصهيوني الوهابي" وأن الأمر أكبر بكثير من ذلك وهو بيد المرشد الأعلى فهي لا تقاتل حبا بالأسد. وهو ما يفسر إستمرار زج إيران بالمزيد من المقاتلين العراقيين الشيعة في الحرب على الشعب السوري، فالموسوي أكد أن أكثر من 3000 مقاتل جديد انتقلوا مؤخراً إلى سورية جوًا، وبشكل رسمي عبر مطارات العراق وصولا إلى مطار دمشق الدولي، رغم نفي حكومة العبادي للأمر، وقولها إنها لا تستطيع منع هؤلاء من السفر والقتال في سورية وغيرها من الدول.
تصريحات العداء لأمريكا، تتناقض مع حقيقة الدعم الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي وروسيا لإيران والحشد الشيعي في حربهم على المسلمين في العراق وسورية، والذي لولاه لما نجحت إيران وأشياعها في تحقيق أي إنجاز على الأرض، وهنا نلحظ ازدواجية الخطاب المرفوع وشعارات العداء الكاذب لأمريكا.
إيران تقدم رواتب مغرية ورعاية صحية، لكل من يرغب بالقتال في سورية وتمنحهم بطاقة تعريفية تحمل صفة "مدافع عن العقيدة" التي اختزلتها بمراقد وقبور بعضها وهمي لا وجود له، وفقط كي تزج بأشياعها العرب في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لكنها معارك تخدم مشروع الدولة الصفوية الجديدة وحرب إيران على كل ماهو عربي ومسلم، فما الذي جناه هؤلاء من خدمتهم لمشروع نظام فارسي صفوي خبيث، سخرهم لتحقيق هدفه الشيطاني المتمثل بالثأر لآل بيت كسرى من العرب المسلمين.
الفرس الصفويون أهل مكر وخديعة، لا ينفع معهم ودٌ ولا مهادنة، فحتى وإن اعتزلناهم فإنهم لن يعتزلوننا، لسبب بسيط وهو أن عدائهم للعرب ثقافة، وحربهم على الإسلام عقيدة، وهم في سبيل هذا سيقاتلوننا حتى أخر شيعي عربي، وعلى الجميع أن يوطن نفسه على هذه الحقيقة وأن يستعد لها قبل فوات الأوان.
(ترك برس)