نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للخبير في الشؤون الإيرانية والزميل الباحث مع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريه تاكيه، يقول فيه إن خوض مرشح المعسكر المتشدد إبراهيم رئيسي سيدفع المرشد الأعلى علي خامنئي لتعيينه خلفا له من أجل حماية قيم الثورة.
ويرى الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الشهر المقبل لا تعدو أن تكون مجرد تدريب روتيني للسلطة، يعود من خلالها حسن روحاني إلى الرئاسة لولاية ثانية، حيث وقع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، وجدد مالية الخزانة، والتاريخ يقف إلى جانبه: لم يخسر أي رئيس من قبله انتخابات لولاية ثانية".
ويعلق تاكيه قائلا إن "هذا التاريخ قد يلغى من خلال إعلان إبراهيم رئيسي، أحد المقربين من خامنئي، ترشحه للمنافسات الرئاسية، ومن هنا فإن النقاش حول خلافة خامنئي والوضع الاقتصادي قد ينهيان أحلام روحاني، وتجعلانه الاستثناء للقاعدة، أي الرئاسة لولاية واحدة".
وتشير الصحيفة إلى أن رئيسي يبلغ من العمر 56 عاما، وهو تلميذ سابق للمرشد، وقضى حياته في أجهزة الجمهورية الإيرانية، وتم تعيين الشاب مباشرة بعد الثورة لعدد من المناصب في القضاء، وترفع ليصبح المدعي العام في طهران، ورئيس دائرة التفتيش العام في إيران، لافتة إلى أنه أثبت جدارته في عام 1988، عندما كان عضوا في "مفوضية الموت"، التي صادقت على إعدام الآلاف من المعارضين السياسيين.
ويقول الكاتب إن "المرشد الأعلى خامنئي يقوم بتحضير رئيسي ومنذ سنوات لهذا المنصب، خاصة عندما عينه سادن الروضة الرضوية التي تعد من أضخم الجمعيات الخيرية في إيران، وتقدر ماليتها بحوالي 15 مليار دولار، ومنحت رئيسي القوة والرعاية والقدرة على جذب دعم الطبقة العاملة، وقربه ولاؤه الشديد للنظام إلى الحرس الثوري".
وتلفت الصحيفة إلى أنه منذ احتجاجات الثورة الخضراء المؤيدة للديمقراطية في عام 2009، فإن هدف النظام كان منع الاضطرابات، حيث أن العلاقة بين خامنئي والحرس الثوري ليست متصلة بالنجاة فقط، لكن الحفاظ على النموذج الثوري أيضا.
ويجد تاكيه أنه "في غياب القيادي القوي والحازم، فإن المعسكر المتشدد يخشى من فقدان نظام القيم الأيديولوجي قدرته للرد على تظاهرات جماهيرية واسعة، ومنحت علاقة رئيسي الطويلة مع الخدمات الأمنية مكانة جيدة له في المعسكر المتشدد، الذي بات يرى فيه الشخص المفضل لتولي منصب المرشد الأعلى للثورة، ومشكلة رئيسي أنه يفتقد للخبرة التنفيذية، ولهذا فإن فترة في الرئاسة تجعله خبيرا في التعامل مع البيروقراطية والاقتصاد، وبالتالي تحل مشكلته، وبعد هذا كله فإن المرشد الأعلى خامنئي سار على الطريق ذاته".
ويفيد الكاتب بأن "روحاني يعاني من رفض المتشددين لسجله الاقتصادي، فالآثار المدمرة التي تركتها العقوبات على الاقتصاد الإيراني قادت خامنئي إلى الاستنتاج بأن الاعتماد على الأسواق العالمية تجعل إيران عرضة لمؤامرات تغيير النظام، وحتى تكون مستقلة، فإن المتشددين توصلوا إلى نتيجة، وهي ان على إيران بناء (اقتصاد المقاومة)، الذي يفطمها عن النفط، ويحمي الصناعات المحلية من التنافس الأجنبي، ويوجه التجارة لصالح الأسواق المحلية، ويبتعد قدر الإمكان عن المصارف الدولية".
ويذهب تاكيه إلى أنه "بالمقارنة، فإن روحاني يعتقد أن الاستثمار الأجنبي، وزيادة في مبيعات النفط، سيؤديان إلى نمو الاقتصاد ويخففان من مشاعر القلق لدى السكان، وترتبط جهوده ربط اقتصاد إيران بالاقتصاد العالمي من خلال اتفاقية الحد من السلاح، التي عالجت الموضوع النووي، ويعتقد هو ومساعدوه الداعون إلى التحديث أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على النظام تتم من خلال تعزيز منظور الاقتصاد عبر الانفتاح المدروس مع الغرب".
وينوه الكاتب إلى أن "رئيسي يواجه مشكلة لتعبئة السكان خلفه، وهي تاريخه في قوات الأمن، ودوره في محاكم الإعدام عام 1988، وبالتالي فإن انتصارا ساحقا في الانتخابات ليس مضمونا، ولهذا كله فإن الإعلام المحافظ يحاول تعزيز صورته وتبييض ماضيه فيما يمكن الاعتماد على الحرس الثوري لحشد الدعم نيابة عنه، لكنه بحاجة إلى قدر من التجاوزات في الاقتراع لتأمين فوزه، فمن أجل منع اندلاع انتفاضة مباشرة، كتلك التي حدثت في عام 2009، فإن المرشد أصدر تحذيراته بأنه (مهما كانت نتائج الانتخابات الوطنية فإنها ستكون شرعية وقانونية)، و(سأواجه أي شخص يقرر الهجوم على نتائج تصويت الشعب)".
ويبين تاكيه أنه "من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات الإيرانية، خاصة أن عملية مد الدورات الانتخابية وجزرها تترك آثارها، لكن خامنئي وتلامذته يعتقدون أن روحاني حقق المطلوب منه، وهو الحصول على اتفاق الحد من التسلح مع الغرب، الذي أكد طريق إيران نحو القوة النووية".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "المهمة التي تواجه خامنئي الآن هي التأكد من اختيار خلف موثوق له، يستطيع حماية (جمهورية القيم)، ويقوم بتشكيل الاقتصاد وحمايته بالطريقة التي يريدها هو، ورئيسي ربما كان الرجل المناسب لهذه المهمة".