أصاب الهجوم الذي نفذه مسلحون، فجر اليوم الاثنين، واستهدف مقراً لجهاز المخابرات الأردني في مخيم البقعة للاجئين، الواقع على بعد 22 كيلومتراً غرب العاصمة عمّان، حالة من الصدمة لدى الحكومة والمجتمع الأردني، لا سيما أنه أوقع خمسة قتلى من رجال الأمن، في حين لاذ المهاجمون بالفرار، في عملية مخطط لها.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه التحقيقات، تُثار عديد من التساؤلات عن الجهات التي يمكن أن تقف خلف هذا الهجوم، على الرغم من أن ما يتبادر إلى الأذهان هو تنظيم الدولة.
ولعل ما سيتذكره الأردنيون لدى الحديث عن احتمالات من يقف وراء الهجوم، هي تصريحات نسبت لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني المجرم قاسم سليماني، في مارس/آذار من العام الماضي، التي قال فيها: "إن إيران أضافت الأردن لقائمة الدول التي تتحكم فيها، وإن الأردن تتوفر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها".
إذ طلب عدد من النواب في حينه من وزارة الخارجية الأردنية تعقب تلك التصريحات والوقوف عليها، مطالبين إيران بتقديم اعتذار للأردن.
- جاسوس لإيران .. هل من علاقة؟
الهجوم أعاد في الوقت ذاته إلى الأذهان قبض الجهات الأمنية الأردنية، العام الماضي، على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن، وبتسميات مختلفة.
وقبل نحو شهرين شهدت الحدود الأردنية السورية عمليات تهريب مخدرات وسلاح، وتسلل أفراد ومركبات؛ ما أثار الشك لدى الرسميين الأردنيين بوجود جهة تحاول الإخلال بالأمن الداخلي للأردن، في حين أشارت أصابع اتهام مصادر مسؤولة نحو إيران في الوقوف وراء تلك العمليات؛ بسبب الموقف السياسي للأردن من الأزمة السورية.
على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة؛ اتخذ الأردن قراراً متأخراً باستدعاء السفير الأردني في طهران للتشاور قبل نحو شهر ونصف الشهر بشأن ما وصفه بالتدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، وهو ما فهم منه أنه موقف حاد من الأردن تجاه سياسات إيران في المنطقة، التي تتماشى مع الموقف الخليجي، ولا سيما المملكة العربية السعودية.
- خلايا نائمة .. هل أوقظت؟
منذ إحباط السلطات الأردنية مخطط تفجير بـ45كغ من مادة الـ (RDX)، شديدة الانفجار، أبريل/نيسان 2015، كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور شمالي المملكة، بدأت عمان تواجه عدواً من نوع مختلف بعد اكتشاف أن إيران تقف وراء هذا المخطط، في وقت كان متوقعاً أن يوجه تنظيم "الدولة" عناصره لاستهداف البلاد.
فالعراقي خالد كاظم جاسم الربيعي، النرويجي الجنسية، المتهم بالقضية، لم يكن منتمياً لتنظيم الدولة أو غيره من التنظيمات المتشددة، بل ثبت حسبما نشرت صحف أردنية في حينه أنه مجند من المخابرات الإيرانية؛ وعمل في محطات التنصت التابعة للحرس الثوري الإيراني بهدف التنصت على الوحدات العسكرية العراقية؛ لكونه يجيد اللغتين العربية والفارسية.
وقد ألقت السلطات الأردنية القبض على المتهم في الثالث من أبريل/نيسان 2015، إلا أنه لم يصدر عن الحكومة أي بيان يتبنى اتهامات رسمية للجانب الإيراني، كما أنها أعلنت عن الحادثة بعد ثلاثة أشهر من إحباط العملية.
أما وزارة الخارجية الإيرانية فقد تجنبت هي الأخرى التحدث كطرف متهم، وأصدرت تصريحاً نقلته وكالة أنباء فارس الرسمية ينفي جملة وتفصيلاً ما ورد في "صحيفة أردنية" بخصوص القضية.
نتائج التحقيقات الأردنية مع المتهم، التي نشرتها صحيفة "الرأي" الرسمية وقتذاك، أشارت إلى أنه عمل في قسم مقاومة الطائرات، وقد تلقى العديد من الدورات الأمنية في إيران؛ منها دورة في اللياقة البدنية والرماية وعلى مختلف صنوف الأسلحة، وفتح الأبواب، وعمليات المراقبة وعملية اختيار البيوت الآمنة والكتابة بالحبر السري.
كما ذكرت أنه كُلف بالعمل في قسم العمليات الخارجية في المخابرات الإيرانية بداية التسعينيات، وسبق أن تم تكليفه من قبل المخابرات الإيرانية بتقديم الدعم اللوجستي وتهريب العناصر المقاتلة، التي شاركت في عملية اغتيال رئيس وزراء إيران الأسبق "شاهبور" من فرنسا إلى سويسرا، وشارك المتهم في عملية نقل جهاز قفل مركزي تم استخدامه في عملية اغتيال عن بعد لامرأة في مدينة إسطنبول.
- تكليف بتشكيل خلايا
وتم تكليف المتهم بالتوجه إلى الأردن بهدف الزيارة لمعرفة كيفية إجراءات التنقل بين المحافظات وتحديد مواقع الأحراش والغابات، فأقام فيها بعد وصوله مدة تزيد على الشهر، زار خلالها مختلف المناطق في الأردن مستخدماً السيارات السياحية وحافلات الأجرة.
ويبدو من خلال الإمكانيات المكلف بها المتهم، أن الاختيار الإيراني له لم يكن لاستخراج قنابل مدفونة بين العاصمة عمّان ومدينة جرش، واختيار مكان آمن لإخفائها كما ذكرت الصحف الأردنية، بل إن تنقلاته في أرجاء المملكة تشير بحسب مراقبين إلى أنه قد كلف إيرانياً بتشكيل ثكنات إيرانية وخلايا نائمة في البلاد من شأنها تفجير الوضع في أي وقت قد تختاره إيران.
- الأردن وإيران: علاقات متذبذبة
زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، طهران آخر مرة عام 2003، لكنه التقى مسؤولين إيرانيين في عدد من المحافل الدولية بعد ذلك.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، عين الأردن وزير الإعلام الأسبق، عبد الله أبو رمان، سفيراً له لدى طهران، بعد أن وصل السفير الإيراني، مجتبى فردوسي بور، إلى الأردن، في الثاني من أغسطس/آب الماضي، للعمل سفيراً لبلاده في عمان، لينهي الجانبان بذلك القطيعة الدبلوماسية التي بدأت عام 2004 بعد تحذيرات للعاهل الأردني خلال حديثه مع إحدى الصحف الأمريكية من خطر تشكل "الهلال الشيعي".
وشهدت العلاقات الأردنية الإيرانية قطيعة أكبر استمرت قرابة عقدين من الزمان، بعد دعم الأردن للعراق في حربه مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي.
المصدر|الخليج أونلاين